كبرق يشع فجأة , أطلت من غيب غامض ..حبلى بقلق العرافات وتوترات المغنين العابرين ببوح القماري ومواجد النوارس المهاجرة , في مساءات مبهمة للقيا مؤجلة ..كإيقاع حزين في حناجر الشعراء الجوالة , أطلت منال ..بداية للأشياء ومنتهاها , وسر حميم يضيف إلى الوجود فصلا آخر في قصة الخلق التي لم تبتديء . قالت , فقلت .. تنهدت , فتنهدت وحين طال الصمت وتمدد الانتظار على الشرايين المنهكة , انتحى كلانا طي الهاتف المتقطع الصفير في الفضاء البعيد :- البطاقة انتهت ..
• ونمنا يحلم كلانا بمدى البعد وسر المسافة ومنتهى الشوق والاقتراب أقصى تفاصيل الوريد .. أول مرة التقينا . تبادلنا حديثا متحفظا عن ماض لم يثمر ولكنه ظل مؤرقا ككل الذكريات الأشد جمالا وألما . وذات أسى دفيء التقينا لينشطر كلانا , وهو يحمل في غربته شيئا من ملامح غامضة , وربما احاسيسا نائية . أقصى تلافيف القلب .. أدنى الزحام ... هكذا افترقنا ليمضى كلانا فى الاتجاه المعاكس , إيغالا فى اغتراب يطول وهجرة مفعمة بال ......مثقلين بالتباريح وباليومي وأخوة الدم والتراب وانتظار الآخرين ووجه الأم الصبوح ......
• منذ طفولتها تبدت منال كأنشودة غجرية , مترعة بالحنين والأسى واللوعة . ففي حصارات اليومي تشبعت بهذا التمرد المنطوي على ريح عاصفة .. هبت لتجتث الحكايات السائدة .. مشرعة أشرعتها , كأخر السفن المغامرة فى أرخبيل غامض ينطوي على الحكايات القديمة وحطام البيارق وذاكرة الفراغ ! مضت( هكذا) .. تحلم بيابسة فى مكان بعيد قريب , تقيم عليها مملكتها ضد الحصار .. فرف قلبها لعابر لفحت وجدانه نارها .. فلفح قلبها بلظاه ومضى ككل العابرين فى الأمكنة العابرة , قبل أن تبدأ المعركة !.. وجه منال الأسى , المترع باللوعة والنوستالجيا العذاب انطوى على عاصفته ليجتث الحكايات القديمة . مشرعا أعاصيره لأحاديث لا تبقى ولا تذر .....
• حين بدأت حكاية الغريب البعيد كمبتدأ وخبر, فى النهايات الفاصلة بين الحب والتردد . المكر والمناورة . الحكمة والاندفاع .. كانت الشمس قد توسطت السماء وانقشعت الغيوم وامتلأت شوارع القاهرة بالحب .. ومن ناصية الشارع الذي يتوسط المدينة هاتفها الغريب , فردت .. ولم يتكرر الصدى .. ومضى الوقت كأثقل ما تكون الخطى .. استودع الغريب الريح كلماته النادرة . لتهب عليه وتمضى دون أن يكون الغريب ...قلق الغريب , قلق منال . ووجع الغريب وجع منال .. وبين الاحتمالين احتمال , أن يلون الرمادي حواشي الأفكار وهوامش الأحاسيس , ونافلة القول : المحبة .. زاد سيدي كوكاب العنقرة قوت الزمان ...أجاب الغريب فردت منال , وأكد مفتاح الكمبيوتر أخر الأوامر المرسلة ,إلى بلاد البيت الحرام .. إلى منال تجيء بال ..بشارات السعيدة ....
• إذن كان الغريب مزيجا من متناقضات منال , يمضى مرتحلا عبر السباسب والو هاد لتسقط النسوة الغريبات والعابرات , ويتلاشين في الفضاء الرحيب لذاكرة المكان المتغير في الزمان الذي لا يجود .. مضى الغريب خارج الوجع المقيم لآخر النسوة المغادرات .. قسوة الغريب هي سحر منال , جبروتها في النفي والإقصاء , لإشادة مملكة من هديل اليمام ولبن الطير وألوان قوس قزح وبوح ( الغريبمنال ), طلسما مرصودا في الديانات القديمة , التي جاءت لتجمع العشق والعشاق , ليشكلان كلا واحدا !.. إذن كانت منال الغريب ذاته .. فكرة في خاطره .. خاطرها , ربما .. بوحا لأزل العبارة يشيدها الحرف في أسراره , مختطا طريقا غامضا .. نشا الغريب فى وحدة منال .. نهض فى عذاباتها , ومضى مخترقا أحلامه لتتوغل خاطره وتشيد عالما من الفسيفساء والأطفال , وأنشودات الرعاة وأغان الغجر .. كان الغريب روح منال ذاتها . وهى جسده الذي افتقده . حين مضت لتشيد مملكتها ضد الحصار . فحوصرت فى العابر المزمن .. وانشطا ر الذات . نهض الغريب جوهرا لهذا العابر , أزليا فى هذا المزمن . وكطاقة التحام جبارة اقتربت الذات من ذاتها . لتلتئم إنشطارات الغريب منال .. أدرك أنها وجهه الأخر وأدركت انه ... وأدركا أن لا محالة . ما كائن سيكون !! نسيا رفقة الماضي المؤلمة .. وحزن ألليال الطوال .. عذابات الغناء الهزيمة وانكسار الوقت في غربة ألذات . وتشظيه إلى وحدات ملأى بالحرمان والذكرى البائسة ...
• ها تفته منال وقالت فقال ... وقال فلم تقل ...كان الحلم يسوقهما إلى مملكتهما البعيدة .. يستمدان من تمرد هما المتلاشي وقودا لمالأت رحلة حبلى بالوعد والمواعيد والاتقاء .....
* القاهرة / ديسمبر 2003
Comments
Post a Comment