Skip to main content

كمال وداعة.. فن تهريب المعرفة

كمال وداعة.. فن تهريب المعرفة

2014-05-31 | الخرطوم - محفوظ بشرى- العربي الجديدكمال وداعة.. فن تهريب المعرفة
إن كنت تبحث عن كتاب نادرٍ يصعب العثور عليه، أو طبعة قديمة لم تطلها يد التنقيح، أو كنت تسعى وراء عنوان حديث لا توفره المكتبات؛ سيقودك البحث في النهاية إلى تقاطع شارعي "القصر" و"البرلمان" في قلب الخرطوم، حيث يفرش كمال وداعة في شُرفة مبنى أثري، عدداً من الكتب فوق قطع من الكرتون.
كمال ليس بائع كتب مثل وراقين كثر ينتشرون في أزقّة الخرطوم. فما أن تطلب حاجتك منه، حتى يبدأ بسرد معلوماته عن طلبك؛ الطبعات وسنواتها وجودتها ومحتواها. وقد يُجري معك حواراً نقدياً رفيعاً حول موضوع الكتاب، قبل أن يضرب لك موعداً لإحضاره. فالرجل ذو الخمسين عاماً "يسهم في تكوين أجيال من الكتاب والمثقفين" بتعبير القاص علي عيسى.

سيرة ورّاق

في حزيران/ يونيو 1989 وصل الإسلاميون إلى السلطة في السودان. وبعد عامين فُصل كمال من عمله في "مصلحة الاتصالات السلكية واللاسلكية"، مثل كثيرين غيره تم إبعادهم وقتها تحت ذريعة "المصلحة العام"، لاستبدالهم في الواقع بالموالين للنظام الجديد، في ما عرف أيامها بسياسة "التمكين". فقرر كمال العمل ورّاقاً في سوق الكتب المستعملة، شمال جامع الخرطوم الكبير، وهو السوق الذي كان من رواده الدائمين من قبل.
وبمساعدة اثنين من أصدقائه الوراقين، أسامة نصر الدين وعبد الحميد مالك، بدأ كمال عمله الجديد مستفيداً من مكتبته الخاصة، ليستمر في هذا العمل حتى اليوم ويصبح أحد أعمدته.
يصف كمال بداياته لـ"العربي الجديد" بقوله: "كانت هناك حرب ضد الكتاب في تلك السنوات. واجهنا حملات البلدية ضدنا، ومطاردة شرطة النظام العام. تعرضنا للمضايقة المستمرة، وفي عام 1993، أوقفنا تحت تهديد السلاح رافعي الأيدي على سور الجامع للتفتيش ومصادرة الكتب، قبل اقتيادنا إلى مركز الشرطة. كانوا يعاملوننا كمجرمين، ويطاردوننا جرياً في شوارع الخرطوم مُتّهمين إيانا ببيع السلاح والمخدرات".
ويضيف كمال: "بعدها بفترة مُنع عرض الكتب في الخرطوم كنوع من تضييق الخناق علينا، فصرنا نحمل في جيوبنا قوائم الكتب ونريها للزبائن ليختاروا منها، ثم نتفق على مكان التسليم ووقته".
يتناول القاص جمال طه غلاب تلك السنوات المحفورة في ذاكرة المثقفين السودانيين كمثال للمعاناة والتضييق، فيقول لنا: "في تلك الفترة كانت حمّى التأصيل في أوجها. اختفت معارض الكتاب السنوية، وتوقفت مجلات مثل "الخرطوم" و"الثقافة السودانية"، وتم تجفيف الصحف اليومية من الملفات الثقافية التي كانت تتميز بها. بدا واضحاً أن هناك اتجاهاً قوياً من السلطة لقطع الطريق على كل إنتاج فكري أو أدبي أو فني لا يتماشى مع مشروعها". يوافقه كمال بالقول إن السلطة أيامها "كانت ضد فعل القراءة من الأساس، خصوصاً القراءات التنويرية".
كمال وداعة

ثقافة سرية

في ذلك الوقت اشتهر كمال وزملاؤه بتوفيرهم الكتب الممنوعة والنادرة، رغم الواقع المعادي للقراءات "غير المستحبة" من السلطة، كما يذهب إلى ذلك القاص غلاب الذي يرى أن كمال والورّاقين الآخرين "ربطوا القارئ السوداني بالحراك المعرفي في العالم عبر إدخالهم الكتب التي كانت الجهات الرقابية ترى أنها لا تصلح للتداول".
وعن كيفية حصولهم عليها آنذاك، يقول كمال: "عندما صادرت السلطات "دار الوعي للكتب" التي يملكها عثمان إدريس بحجة أنها مخالفة للمشروع الإسلامي، ظلت لديه كتب في مخازن لم تكتشف وجودها السلطات، وكانت المصدر الأساسي لنا. ولأن عثمان كان وكيلاً لعدد من دور النشر في بيروت، كنتَ تجد عنده كتب أركون، ونصر حامد أبو زيد، والجابري، وكتب الفلسفة الحديثة والقديمة، شتراوس، وكانت، وسبينوزا، ولوكاش، ومدرسة فرانكفورت وغيرها".
"بعدها تعددت المصادر"، يقول كمال، "وأصبحنا نتعامل مع التجار القادمين من الخارج ونعطيهم قوائم كتب ليهربوها لنا". وبعد صمت يضيف: "تحولت المسألة لفعل مقاومة ضد التجهيل الرسمي أكثر من كونها عملاً للربح المادي، فصرنا نهتم بتسريب الكتب غير المتوافقة مع التوجه الأيديولوجي للسلطة".

منتدى على الرصيف
في عام 1993، ابتكر كمال وزملاؤه معرض "مفروش" الذي صار في ما بعد مكان اجتماع المثقفين والكتّاب، ومتنفسهم في ظل التضييق عليهم آنذاك. وكانت البداية باستئجار المطاعم والكافتيريات التي تغلق في شهر رمضان، لتحتضن المعرض، قبل أن يصبح الاسم دالاً على كامل المكان الذي يستخدمه الورّاقون لعرض بضاعتهم في كل وقت.
يصف القاص غلاب "مفروش" بأنه "مؤسسة ثقافية شعبية التف حولها عدد كبير من المبدعين"، ويضيف: "كان المعرض بمثابة منتدى في الهواء الطلق، وليس بالضرورة أن تذهب إلى هناك لتشتري كتاباً أو اثنين، بل يمكنك أن توزع نصوصك التي تكتبها ولا تجد من يقرأها، على الأصدقاء. بالمقابل فإنك لن تعود أدراجك إلا وقد سمعت شعراً مدهشاً، أو خبراً عن مخطوطة رواية في طريقها إلى القاهرة أو دمشق. ولم يتردد كمال ورفاقه داخل هذا الفضاء في عرض لوحات تشكيلية لطلاب كلية الفنون وغيرهم من الفنانين".
ويتفق غلاب مع علي عيسى في أن "كمال وداعة ورفاقه ليسوا باعة كتب فحسب، بل هم مثقفون أرادوا أن يربطوا المشهد المحلي بما يدور حوله في العالم، فتجد عندهم الكتب الملعونة التي كانت جهات الرقابة في كل الدول العربية تحرص على الحد من انتشارها"؛ قبل أن يشير إلى أن كمال هو "مثقف يحرص على الكفاح للحفاظ على ازدهار سوق الكتاب داخل واقع كل ما فيه كان حرباً معلنة على التفكير والثقافة والنقد".

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil...

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن...

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m ...