حجّي جابر.. حنين إلى إرتريا الغائبة
يندر الحديث عن إرتريا عربياً. وما يندر أكثر هو الحديث عن اللغة
والثقافة العربيتين في هذا البلد الواقع شرق القارة الأفريقية، في ظل عملية
الإقصاء من قبل النظام القائم بحق العربية. البلد الذي عاش حركة تحرر وطني
ناضلت طويلاً ضد المستعمر الإيطالي، ثم الإثيوبي، لتفرز الكثير من
الشقاقات والتناقضات بين أبنائه؛ يتمتع بتمازج لغوي وثقافي بين العربية
ومكونات الجماعات العرقية الأخرى المشكّلة للكلّ الإرتري.
من أبرز الأصوات الإرترية التي تخاطبنا بالعربية، حجّي جابر، ابن مدينة مصوع، وصاحب "سمراويت"، روايته الأولى التي أتبعها بـ"مرسى فاطمة"، ليتناول بلده وغربته، مضيئاً على ما يقع على كاهل العربية هناك. نقل المترجم السوري مجاب الإمام حديثاً "سمراويت" إلى الإنجليزية، وهي في طريقها إلى النشر.
جزء مهم من صدى الرواية كان نابعاً من أنها نص عربي يأخذ قارئه إلى إرتريا الغائبة أو المغيّبة عن الوعي العربي في هذه المرحلة. يقول جابر: "في اعتقادي، هي واحدة من التجارب التي تسعى إلى تبديد الإعتام الذي يُطوّق إرتريا أدبياً، وحتى سياسياً. البلد يعيش في عزلة عن محيطه العربي، وفي عزلة أكبر عن بقية العالم. وترجمة أي نص إرتريّ إلى الإنجليزية أو بقية اللغات الحية يمنح هذا البلد فرصة لتخفيف القيد المفروض عليه منذ عقدين على يد "الجبهة الشعبية" الموغلة في الطائفية والإقصاء والتسلط".
وعن تقييمه تجربته الأولى مع الترجمة، يقول: "كانت رائعة. كنت محظوظاً
بأن يتولى الدكتور مجاب الإمام ترجمة أول أعمالي. هو رجل متفان في عمله.
التقيته مرتين لضبط ترجمة بعض المفردات العاميّة أو الإرترية؛ واهتمامه هذا
جعلني أعيش تجربة يسيرة ومشوّقة، تناقض ما نقله لي بعض الزملاء عن مشاقّ
العمل مع بعض المترجمين. ولعلّ من المبهج لي أن التجربة ستتكرر؛ فقد شرع
الإمام في ترجمة روايتي الأخرى "مرسى فاطمة". ولعلّ المشجّع أكثر أن مشروع
الترجمة كان بمبادرة منه، وهذا أمر أسعدني للغاية".
من الواضح أن جابر مشغول، في روايتيه، بنقل شيء ما عن إرتريا إلى قارئه. "إرتريا بلد جميل وناسه على قدر كبير من الطيبة والتسامح، لكنّ كل ذلك مُغيّب ومجهول. ولهذا أسعى مع غيري من الأدباء الإرتريين إلى كسر طوق العتمة الذي يلفّ بلدي. أعتقد أن في إرتريا ما يستحق أن يطّلع عليه الناس، الإرتريون قبل غيرهم، خصوصاً إذا ما علمنا أن أجيالاً إرترية كاملة انقطعت علاقتها بوطنها جرّاء سنوات الشتات الطويلة".
يعمل جابر حالياً على رواية جديدة. نسأله عمّا تختلف عن روايتيه السابقتين، من حيث المضمون والشكل، فيقول: "لطالما حلمتُ بإنجاز شيء عن مدينتي مصوع، تلك المدينة التي كانت عاصمة البلاد، وبلغت أوج العظمة وتقدّمت على معظم المدن الكبيرة في دول الجوار في فترات زمنية مضت، لكنها تعاني اليوم، تحت النظام القمعي، التهميش والإهمال، ويعيش من بقي من أهلها في فقر وعوز كبيرين. أتمنى أن أصل بما سأكتبه إلى ما تستحقه هذه المدينة. أحاول، في هذه الرواية، التركيز على المستوى النفسي والاجتماعي للإرتيري أكثر مما فعلت في الروايتين السابقتين".
لا شك أن جابر صاحب موقف من قضيته الوطنية، وهذا واضح من خلال نشاطه السياسي والإعلامي. لكن أي دور للأدب يراه في هذا السياق؟ وألا يخشى، كما يخشى الكثير من الكتّاب، أن تؤثر مواقفه على قرّائه، تحديداً من يخالفونه في توجهاته السياسية؟ "أودّ الإشارة، أولاً، إلى ضرورة ألا تطغى القضية على الأدب. أضع هذا الأمر في اعتباري وأسعى إلى عدم الوقوع في هذا المحظور. فالأدب برأيي هو من يحمل القضية وليس العكس. عدا ذلك، بإمكاننا تناول القضية بأي شكل آخر، مقال أو كتاب علمي، لكن ليس الرواية بأي حال من الأحوال".
ويضيف الروائي: "من حقّ الكاتب أن تكون له مواقف سياسية أسوة ببقية
الناس، ومن الطبيعي أن يرضي ذلك أشخاصاً ويُغضب آخرين، لكن المهم هنا أن
يمارس الجميع حقوقهم. ثم إن الكثير من الكتّاب أثبتوا أن مقولتهم السياسية
لم تُطفئ المقولة الأدبية، ولعلّي أستحضر هنا جورج أورويل الذي برع في
الأدب وقد حقنه بالسياسة، وأبان عن مواقفه بكل وضوح في الكتابة وفي
الحياة".
في الفترة الماضية، حقق جابر حضوراً لافتاً في الساحة الأدبية العربية، رغم وجود أصوات أخرى تكتب وتنتج بالعربية عن إرتريا. عن تفسيره الشخصي لذلك، يقول: "لعلّه الحنين إلى إرتريا الغائبة، وهو حنين متبادل بين الإرتريين والعرب. لعلّه تناول قضايا تتقاطع مع الهموم العربية والإنسانية قبل ذلك، ولعلّه التوفيق أو الصدفة. لكني أتمنى استمرار هذا الحضور أياً كان السبب. ونحن الآن في مرحلة التراكم الكمّي، وهذه مرحلة هامة؛ إذ تشهد الساحة الإرترية الأدبية إنتاجاً متنامياً، سيعقبه ولا شك تمحيص أكثر في قيمة ما يتم إنتاجه لنصل إلى التراكم النوعي، وهذا سيسرّع من حدوثه الانفتاح والاطلاع على التجارب المتقدمة في المحيط العربي وحول العالم".
لدى جابر حضور واضح في منطقة الخليج. عن ذلك يقول: "ربما يرجع ذلك إلى حياتي التي قضيتها في السعودية، وقطر حالياً. لقد شهد الخليج ما يشبه الانفجار الروائي، وهذا أمر جيد في النهاية، مع بقاء الصالح وتلاشي الضعيف. هذه الوفرة في الإنتاج تزيد من صعوبة حجز مكان لدى القارئ الخليجي الذي أراه ذكيّاً ويضع الكاتب دائماً في تحدّي الاحتفاظ به".
وللسودان، أيضاً، مكانة خاصة عند جابر، جمهوراً وبلداً. ما السر؟ "تأخرت زيارتي إلى السودان كثيراً، لكنها حين جاءت، عوّضت الغياب الكبير، وقرّبتني من هذا البلد الذي يتنفّس الأدب. رأيت في السودان ما يملكه رجل الشارع العادي من حس نقدي أدبي ومن اطّلاع على كثير من الإنتاج الأدبي السوداني والعربي.. رأيت ما لم أره في مكان آخر، وربما لهذا يملك السودان في نفسي وقعاً جميلاً".
من أبرز الأصوات الإرترية التي تخاطبنا بالعربية، حجّي جابر، ابن مدينة مصوع، وصاحب "سمراويت"، روايته الأولى التي أتبعها بـ"مرسى فاطمة"، ليتناول بلده وغربته، مضيئاً على ما يقع على كاهل العربية هناك. نقل المترجم السوري مجاب الإمام حديثاً "سمراويت" إلى الإنجليزية، وهي في طريقها إلى النشر.
جزء مهم من صدى الرواية كان نابعاً من أنها نص عربي يأخذ قارئه إلى إرتريا الغائبة أو المغيّبة عن الوعي العربي في هذه المرحلة. يقول جابر: "في اعتقادي، هي واحدة من التجارب التي تسعى إلى تبديد الإعتام الذي يُطوّق إرتريا أدبياً، وحتى سياسياً. البلد يعيش في عزلة عن محيطه العربي، وفي عزلة أكبر عن بقية العالم. وترجمة أي نص إرتريّ إلى الإنجليزية أو بقية اللغات الحية يمنح هذا البلد فرصة لتخفيف القيد المفروض عليه منذ عقدين على يد "الجبهة الشعبية" الموغلة في الطائفية والإقصاء والتسلط".
من الواضح أن جابر مشغول، في روايتيه، بنقل شيء ما عن إرتريا إلى قارئه. "إرتريا بلد جميل وناسه على قدر كبير من الطيبة والتسامح، لكنّ كل ذلك مُغيّب ومجهول. ولهذا أسعى مع غيري من الأدباء الإرتريين إلى كسر طوق العتمة الذي يلفّ بلدي. أعتقد أن في إرتريا ما يستحق أن يطّلع عليه الناس، الإرتريون قبل غيرهم، خصوصاً إذا ما علمنا أن أجيالاً إرترية كاملة انقطعت علاقتها بوطنها جرّاء سنوات الشتات الطويلة".
يعمل جابر حالياً على رواية جديدة. نسأله عمّا تختلف عن روايتيه السابقتين، من حيث المضمون والشكل، فيقول: "لطالما حلمتُ بإنجاز شيء عن مدينتي مصوع، تلك المدينة التي كانت عاصمة البلاد، وبلغت أوج العظمة وتقدّمت على معظم المدن الكبيرة في دول الجوار في فترات زمنية مضت، لكنها تعاني اليوم، تحت النظام القمعي، التهميش والإهمال، ويعيش من بقي من أهلها في فقر وعوز كبيرين. أتمنى أن أصل بما سأكتبه إلى ما تستحقه هذه المدينة. أحاول، في هذه الرواية، التركيز على المستوى النفسي والاجتماعي للإرتيري أكثر مما فعلت في الروايتين السابقتين".
لا شك أن جابر صاحب موقف من قضيته الوطنية، وهذا واضح من خلال نشاطه السياسي والإعلامي. لكن أي دور للأدب يراه في هذا السياق؟ وألا يخشى، كما يخشى الكثير من الكتّاب، أن تؤثر مواقفه على قرّائه، تحديداً من يخالفونه في توجهاته السياسية؟ "أودّ الإشارة، أولاً، إلى ضرورة ألا تطغى القضية على الأدب. أضع هذا الأمر في اعتباري وأسعى إلى عدم الوقوع في هذا المحظور. فالأدب برأيي هو من يحمل القضية وليس العكس. عدا ذلك، بإمكاننا تناول القضية بأي شكل آخر، مقال أو كتاب علمي، لكن ليس الرواية بأي حال من الأحوال".
في الفترة الماضية، حقق جابر حضوراً لافتاً في الساحة الأدبية العربية، رغم وجود أصوات أخرى تكتب وتنتج بالعربية عن إرتريا. عن تفسيره الشخصي لذلك، يقول: "لعلّه الحنين إلى إرتريا الغائبة، وهو حنين متبادل بين الإرتريين والعرب. لعلّه تناول قضايا تتقاطع مع الهموم العربية والإنسانية قبل ذلك، ولعلّه التوفيق أو الصدفة. لكني أتمنى استمرار هذا الحضور أياً كان السبب. ونحن الآن في مرحلة التراكم الكمّي، وهذه مرحلة هامة؛ إذ تشهد الساحة الإرترية الأدبية إنتاجاً متنامياً، سيعقبه ولا شك تمحيص أكثر في قيمة ما يتم إنتاجه لنصل إلى التراكم النوعي، وهذا سيسرّع من حدوثه الانفتاح والاطلاع على التجارب المتقدمة في المحيط العربي وحول العالم".
لدى جابر حضور واضح في منطقة الخليج. عن ذلك يقول: "ربما يرجع ذلك إلى حياتي التي قضيتها في السعودية، وقطر حالياً. لقد شهد الخليج ما يشبه الانفجار الروائي، وهذا أمر جيد في النهاية، مع بقاء الصالح وتلاشي الضعيف. هذه الوفرة في الإنتاج تزيد من صعوبة حجز مكان لدى القارئ الخليجي الذي أراه ذكيّاً ويضع الكاتب دائماً في تحدّي الاحتفاظ به".
وللسودان، أيضاً، مكانة خاصة عند جابر، جمهوراً وبلداً. ما السر؟ "تأخرت زيارتي إلى السودان كثيراً، لكنها حين جاءت، عوّضت الغياب الكبير، وقرّبتني من هذا البلد الذي يتنفّس الأدب. رأيت في السودان ما يملكه رجل الشارع العادي من حس نقدي أدبي ومن اطّلاع على كثير من الإنتاج الأدبي السوداني والعربي.. رأيت ما لم أره في مكان آخر، وربما لهذا يملك السودان في نفسي وقعاً جميلاً".
حجّي جابر.. حنين إلى إرتريا الغائبة
عبّاد يحيى
8 نوفمبر
2014
-
اختيارات القرّاء
مشاهدة تعليقاً إرسالاً - 1 2
يندر الحديث عن إرتريا عربياً. وما يندر أكثر هو الحديث عن اللغة
والثقافة العربيتين في هذا البلد الواقع شرق القارة الأفريقية، في ظل عملية
الإقصاء من قبل النظام القائم بحق العربية. البلد الذي عاش حركة تحرر وطني
ناضلت طويلاً ضد المستعمر الإيطالي، ثم الإثيوبي، لتفرز الكثير من
الشقاقات والتناقضات بين أبنائه؛ يتمتع بتمازج لغوي وثقافي بين العربية
ومكونات الجماعات العرقية الأخرى المشكّلة للكلّ الإرتري.
من أبرز الأصوات الإرترية التي تخاطبنا بالعربية، حجّي جابر، ابن مدينة مصوع، وصاحب "سمراويت"، روايته الأولى التي أتبعها بـ"مرسى فاطمة"، ليتناول بلده وغربته، مضيئاً على ما يقع على كاهل العربية هناك. نقل المترجم السوري مجاب الإمام حديثاً "سمراويت" إلى الإنجليزية، وهي في طريقها إلى النشر.
جزء مهم من صدى الرواية كان نابعاً من أنها نص عربي يأخذ قارئه إلى إرتريا الغائبة أو المغيّبة عن الوعي العربي في هذه المرحلة. يقول جابر: "في اعتقادي، هي واحدة من التجارب التي تسعى إلى تبديد الإعتام الذي يُطوّق إرتريا أدبياً، وحتى سياسياً. البلد يعيش في عزلة عن محيطه العربي، وفي عزلة أكبر عن بقية العالم. وترجمة أي نص إرتريّ إلى الإنجليزية أو بقية اللغات الحية يمنح هذا البلد فرصة لتخفيف القيد المفروض عليه منذ عقدين على يد "الجبهة الشعبية" الموغلة في الطائفية والإقصاء والتسلط".
وعن تقييمه تجربته الأولى مع الترجمة، يقول: "كانت رائعة. كنت محظوظاً
بأن يتولى الدكتور مجاب الإمام ترجمة أول أعمالي. هو رجل متفان في عمله.
التقيته مرتين لضبط ترجمة بعض المفردات العاميّة أو الإرترية؛ واهتمامه هذا
جعلني أعيش تجربة يسيرة ومشوّقة، تناقض ما نقله لي بعض الزملاء عن مشاقّ
العمل مع بعض المترجمين. ولعلّ من المبهج لي أن التجربة ستتكرر؛ فقد شرع
الإمام في ترجمة روايتي الأخرى "مرسى فاطمة". ولعلّ المشجّع أكثر أن مشروع
الترجمة كان بمبادرة منه، وهذا أمر أسعدني للغاية".
من الواضح أن جابر مشغول، في روايتيه، بنقل شيء ما عن إرتريا إلى قارئه. "إرتريا بلد جميل وناسه على قدر كبير من الطيبة والتسامح، لكنّ كل ذلك مُغيّب ومجهول. ولهذا أسعى مع غيري من الأدباء الإرتريين إلى كسر طوق العتمة الذي يلفّ بلدي. أعتقد أن في إرتريا ما يستحق أن يطّلع عليه الناس، الإرتريون قبل غيرهم، خصوصاً إذا ما علمنا أن أجيالاً إرترية كاملة انقطعت علاقتها بوطنها جرّاء سنوات الشتات الطويلة".
يعمل جابر حالياً على رواية جديدة. نسأله عمّا تختلف عن روايتيه السابقتين، من حيث المضمون والشكل، فيقول: "لطالما حلمتُ بإنجاز شيء عن مدينتي مصوع، تلك المدينة التي كانت عاصمة البلاد، وبلغت أوج العظمة وتقدّمت على معظم المدن الكبيرة في دول الجوار في فترات زمنية مضت، لكنها تعاني اليوم، تحت النظام القمعي، التهميش والإهمال، ويعيش من بقي من أهلها في فقر وعوز كبيرين. أتمنى أن أصل بما سأكتبه إلى ما تستحقه هذه المدينة. أحاول، في هذه الرواية، التركيز على المستوى النفسي والاجتماعي للإرتيري أكثر مما فعلت في الروايتين السابقتين".
لا شك أن جابر صاحب موقف من قضيته الوطنية، وهذا واضح من خلال نشاطه السياسي والإعلامي. لكن أي دور للأدب يراه في هذا السياق؟ وألا يخشى، كما يخشى الكثير من الكتّاب، أن تؤثر مواقفه على قرّائه، تحديداً من يخالفونه في توجهاته السياسية؟ "أودّ الإشارة، أولاً، إلى ضرورة ألا تطغى القضية على الأدب. أضع هذا الأمر في اعتباري وأسعى إلى عدم الوقوع في هذا المحظور. فالأدب برأيي هو من يحمل القضية وليس العكس. عدا ذلك، بإمكاننا تناول القضية بأي شكل آخر، مقال أو كتاب علمي، لكن ليس الرواية بأي حال من الأحوال".
ويضيف الروائي: "من حقّ الكاتب أن تكون له مواقف سياسية أسوة ببقية
الناس، ومن الطبيعي أن يرضي ذلك أشخاصاً ويُغضب آخرين، لكن المهم هنا أن
يمارس الجميع حقوقهم. ثم إن الكثير من الكتّاب أثبتوا أن مقولتهم السياسية
لم تُطفئ المقولة الأدبية، ولعلّي أستحضر هنا جورج أورويل الذي برع في
الأدب وقد حقنه بالسياسة، وأبان عن مواقفه بكل وضوح في الكتابة وفي
الحياة".
في الفترة الماضية، حقق جابر حضوراً لافتاً في الساحة الأدبية العربية، رغم وجود أصوات أخرى تكتب وتنتج بالعربية عن إرتريا. عن تفسيره الشخصي لذلك، يقول: "لعلّه الحنين إلى إرتريا الغائبة، وهو حنين متبادل بين الإرتريين والعرب. لعلّه تناول قضايا تتقاطع مع الهموم العربية والإنسانية قبل ذلك، ولعلّه التوفيق أو الصدفة. لكني أتمنى استمرار هذا الحضور أياً كان السبب. ونحن الآن في مرحلة التراكم الكمّي، وهذه مرحلة هامة؛ إذ تشهد الساحة الإرترية الأدبية إنتاجاً متنامياً، سيعقبه ولا شك تمحيص أكثر في قيمة ما يتم إنتاجه لنصل إلى التراكم النوعي، وهذا سيسرّع من حدوثه الانفتاح والاطلاع على التجارب المتقدمة في المحيط العربي وحول العالم".
لدى جابر حضور واضح في منطقة الخليج. عن ذلك يقول: "ربما يرجع ذلك إلى حياتي التي قضيتها في السعودية، وقطر حالياً. لقد شهد الخليج ما يشبه الانفجار الروائي، وهذا أمر جيد في النهاية، مع بقاء الصالح وتلاشي الضعيف. هذه الوفرة في الإنتاج تزيد من صعوبة حجز مكان لدى القارئ الخليجي الذي أراه ذكيّاً ويضع الكاتب دائماً في تحدّي الاحتفاظ به".
وللسودان، أيضاً، مكانة خاصة عند جابر، جمهوراً وبلداً. ما السر؟ "تأخرت زيارتي إلى السودان كثيراً، لكنها حين جاءت، عوّضت الغياب الكبير، وقرّبتني من هذا البلد الذي يتنفّس الأدب. رأيت في السودان ما يملكه رجل الشارع العادي من حس نقدي أدبي ومن اطّلاع على كثير من الإنتاج الأدبي السوداني والعربي.. رأيت ما لم أره في مكان آخر، وربما لهذا يملك السودان في نفسي وقعاً جميلاً".
من أبرز الأصوات الإرترية التي تخاطبنا بالعربية، حجّي جابر، ابن مدينة مصوع، وصاحب "سمراويت"، روايته الأولى التي أتبعها بـ"مرسى فاطمة"، ليتناول بلده وغربته، مضيئاً على ما يقع على كاهل العربية هناك. نقل المترجم السوري مجاب الإمام حديثاً "سمراويت" إلى الإنجليزية، وهي في طريقها إلى النشر.
جزء مهم من صدى الرواية كان نابعاً من أنها نص عربي يأخذ قارئه إلى إرتريا الغائبة أو المغيّبة عن الوعي العربي في هذه المرحلة. يقول جابر: "في اعتقادي، هي واحدة من التجارب التي تسعى إلى تبديد الإعتام الذي يُطوّق إرتريا أدبياً، وحتى سياسياً. البلد يعيش في عزلة عن محيطه العربي، وفي عزلة أكبر عن بقية العالم. وترجمة أي نص إرتريّ إلى الإنجليزية أو بقية اللغات الحية يمنح هذا البلد فرصة لتخفيف القيد المفروض عليه منذ عقدين على يد "الجبهة الشعبية" الموغلة في الطائفية والإقصاء والتسلط".
من الواضح أن جابر مشغول، في روايتيه، بنقل شيء ما عن إرتريا إلى قارئه. "إرتريا بلد جميل وناسه على قدر كبير من الطيبة والتسامح، لكنّ كل ذلك مُغيّب ومجهول. ولهذا أسعى مع غيري من الأدباء الإرتريين إلى كسر طوق العتمة الذي يلفّ بلدي. أعتقد أن في إرتريا ما يستحق أن يطّلع عليه الناس، الإرتريون قبل غيرهم، خصوصاً إذا ما علمنا أن أجيالاً إرترية كاملة انقطعت علاقتها بوطنها جرّاء سنوات الشتات الطويلة".
يعمل جابر حالياً على رواية جديدة. نسأله عمّا تختلف عن روايتيه السابقتين، من حيث المضمون والشكل، فيقول: "لطالما حلمتُ بإنجاز شيء عن مدينتي مصوع، تلك المدينة التي كانت عاصمة البلاد، وبلغت أوج العظمة وتقدّمت على معظم المدن الكبيرة في دول الجوار في فترات زمنية مضت، لكنها تعاني اليوم، تحت النظام القمعي، التهميش والإهمال، ويعيش من بقي من أهلها في فقر وعوز كبيرين. أتمنى أن أصل بما سأكتبه إلى ما تستحقه هذه المدينة. أحاول، في هذه الرواية، التركيز على المستوى النفسي والاجتماعي للإرتيري أكثر مما فعلت في الروايتين السابقتين".
لا شك أن جابر صاحب موقف من قضيته الوطنية، وهذا واضح من خلال نشاطه السياسي والإعلامي. لكن أي دور للأدب يراه في هذا السياق؟ وألا يخشى، كما يخشى الكثير من الكتّاب، أن تؤثر مواقفه على قرّائه، تحديداً من يخالفونه في توجهاته السياسية؟ "أودّ الإشارة، أولاً، إلى ضرورة ألا تطغى القضية على الأدب. أضع هذا الأمر في اعتباري وأسعى إلى عدم الوقوع في هذا المحظور. فالأدب برأيي هو من يحمل القضية وليس العكس. عدا ذلك، بإمكاننا تناول القضية بأي شكل آخر، مقال أو كتاب علمي، لكن ليس الرواية بأي حال من الأحوال".
في الفترة الماضية، حقق جابر حضوراً لافتاً في الساحة الأدبية العربية، رغم وجود أصوات أخرى تكتب وتنتج بالعربية عن إرتريا. عن تفسيره الشخصي لذلك، يقول: "لعلّه الحنين إلى إرتريا الغائبة، وهو حنين متبادل بين الإرتريين والعرب. لعلّه تناول قضايا تتقاطع مع الهموم العربية والإنسانية قبل ذلك، ولعلّه التوفيق أو الصدفة. لكني أتمنى استمرار هذا الحضور أياً كان السبب. ونحن الآن في مرحلة التراكم الكمّي، وهذه مرحلة هامة؛ إذ تشهد الساحة الإرترية الأدبية إنتاجاً متنامياً، سيعقبه ولا شك تمحيص أكثر في قيمة ما يتم إنتاجه لنصل إلى التراكم النوعي، وهذا سيسرّع من حدوثه الانفتاح والاطلاع على التجارب المتقدمة في المحيط العربي وحول العالم".
لدى جابر حضور واضح في منطقة الخليج. عن ذلك يقول: "ربما يرجع ذلك إلى حياتي التي قضيتها في السعودية، وقطر حالياً. لقد شهد الخليج ما يشبه الانفجار الروائي، وهذا أمر جيد في النهاية، مع بقاء الصالح وتلاشي الضعيف. هذه الوفرة في الإنتاج تزيد من صعوبة حجز مكان لدى القارئ الخليجي الذي أراه ذكيّاً ويضع الكاتب دائماً في تحدّي الاحتفاظ به".
وللسودان، أيضاً، مكانة خاصة عند جابر، جمهوراً وبلداً. ما السر؟ "تأخرت زيارتي إلى السودان كثيراً، لكنها حين جاءت، عوّضت الغياب الكبير، وقرّبتني من هذا البلد الذي يتنفّس الأدب. رأيت في السودان ما يملكه رجل الشارع العادي من حس نقدي أدبي ومن اطّلاع على كثير من الإنتاج الأدبي السوداني والعربي.. رأيت ما لم أره في مكان آخر، وربما لهذا يملك السودان في نفسي وقعاً جميلاً".
Comments
Post a Comment