استبطان الذات في قصة ضياء الدين عثمان ( قلب خشبي )
عزالدين ميرغني
حتى الشعر لا يخلو من الواقعية فما بالك بالقصة
بودلير
نشرت هذه القصة في ملحق الرأي العام الثقافي في الأسبوع الماضي , وعنوانها يحمل عدة دلالات قبل الدخول في عتبات النص الأخرى . فالقلب الخشبي ممكن أن يعني ( العناد) , أو ( الصلابة والجمود ) , أو قد يعني ( القسوة والبرود ) . والقاص ضياء الدين عثمان له تجربة في كل الأجناس السردية , فهو قاص , وروائي , ويكتب الشعر أيضاً . لقد قام بتقسيم نصه القصصي إلي وحدات سردية مرقمة , وهو بذلك يخل في تقنية القصة ( السينيوريهاتية ) , بحيث يستقل كل مقطع بمشهد مستقل . يمكن أن نعتبره قصة قصيرة جدا ً . لقد كتب نصه بعدة تقنيات سردية , فالمشهد الأول , يمثل ( تقنية القصة الصورة ) , بحيث يصور لنا جيداً صورة المكان الذي توجد به الشخصية الساردة فيقول : { عتمة وصمت ثقيل يجثم علي الأنفاس الواهنة الغرفة تحتوي علي سرير ضخم في جانبيه طاولتين خزانة الملابس في المقابل . الغرفة هي الساهرة الوحيدة حتى ساعة متأخرة في الحي الراقي } , من هنا نكتشف الوحدة والصمت والمعانة التي تعانيها شخصية القصة , والتي يبدو بأنها حامل تنتظر مولوداً , صرختها بكماء , فتلك الجملة تكشف وتصور قمة المأساة , فهي تصرخ وذاتها تتفرج عليها . شخصيته غير مسماة , يكفي حالها عن تسميتها . فالنص , يكشف عن معاناة المتوحد في الأحياء الراقية حيث يتحول الفرد إلي رقم منزلي . وهذا يدخل نصه في محاولة الشباب للتجريب في القصة القصيرة . رغم أن القصة تدخل في مدرسة الواقعية , ولكنها الواقعية الجديدة التي أغوت الشباب لكتابتها . والتي يحاول أن يجعل اللغة في قمة تجويدها , وقد حاول أن يجعلها علي إنتاج مجموعة من الدلالات , في محيط الواقع الإنساني التي تعيش فيه الشخصية ( الحي الراقي ) . وفي هذا النص القصصي ( قلب خشبي ) , حاول القاص ضياء الدين عثمان أن يستخدم أكثر من تقنية من تقنيات القصة الحديثة . فقد استخدم تقنية المنلوج الداخلي , فهي تحاور نفسها متذكرة , وتسترجع تاريخها في الماضي القريب والبعيد , ( علاقتها بمصطفى , وعلاقتها بأبيها ) , ومع أبيها يستخدم تقنية الفلاش باك . فتعود البطلة طفلة محرومة من أبيها , فالوحدة تلازمها منذ صغرها . فشخصية قصة ( قلب خشبي ) , ليست محور السرد ,وقطبه , ولكن ما يحدث لها هو الذي يشكل البطولة فهو نص حادث يقع ( على ) , وليس حدث يقع ( من ) , لقد أثبت القاص ضياء الدين بأن الكاتب الجيد للقصة , يجب أن يكون له عالمه الخاص , حتى ولو كتب الواقع المعروف لدى الناس . ويظهر هذا العالم الخاص في مقدرته على رصد الحالة النفسية التي تعيشها بطلته والتي تبحث عن حنان الزوج , وتتذكر غياب الأب وهي طفلة . ويحاول دائماً القاص ضياء الدين أن يضيف ولا يقلد , وأن يلتزم بأركان القصة التي جاء بها الرواد , مع إضافة الشروط القابلة للزيادة والتحديث والتجريب . ومن الخصائص الفنية التي التزم بها في هذا النص , الاتجاه إلي الإيجاز والتركيز والتكثيف والدقة في اختيار الجملة السردية . وقد دخل نصه من باب الواقعية الجديدة التي تتخلص من سجن اللغة الواقعية , ومن المفهوم التقليدي القائم على الحبكة والتطور المنطقي للأحداث في البداية والوسط والنهاية .
Comments
Post a Comment