"الاتحاد" تكشف المشكلة في أول دراسة تحليلية
الإرهاب.. يشوه عقول الأطفال |
|
تاريخ النشر: الثلاثاء 30 ديسمبر 2014
خورشيد حرفوش (أبوظبي)إنها بحق كارثة!
كارثة عقائدية وتربوية وأخلاقية..!
تلك كلمات جاءت ردة فعل تلقائية لـ 76% من النخب الإعلامية والثقافية والتربوية والفنية ورجال الدين، بعد أن «صدمتهم» نتائج استطلاع رأي «الاتحاد» للكشف عن حقيقة: «الصور الذهنية للإسلام في عقول الأطفال». بينما يرى 14% منهم إلى أنها «مصيبة.. ونتائج صادمة»، في الوقت الذي تبخرت فيه تفاؤلات 10% منهم، وقالوا: « إنه لمستقبل مظلم»! ليست مبالغة أو مصادفة أن تتلوث عقول الأطفال إلى هذا الحد، ونجد (55.33%) منهم لا يرون الإسلام إلا ذبح وقتل وانفجارات ودمار ونسف وتصفية جسدية وتشريد وتمثيل بالجثث!
|
55.33% من الأطفال يرون الإسلام «قتلاً وتفجيراً ودماءً»
في محاولة لقراءة «الصور الذهنية للإسلام في مخيلة الأطفال» الذين التقت أعينهم عبر أجهزة التلفاز، أو مواقع التواصل الاجتماعي بعض مشاهد الصراع والعنف والدمار والذبح والقتل والاغتيالات والتصفية الجسدية ونسف المنازل، والتمثيل بالجثث، وغير ذلك من مشاهد بربرية وهمجية باسم الإسلام، وبمسميات بغيضة متعددة.
قامت «الاتحاد» باستطلاع للرأي عبر ثلاثة اتجاهات محددة:
* الاتجاه الأول المستهدف، ويتمثل في عينة عشوائية شملت « 150 طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين6 - 12 سنة» من أطفال مرحلة التعليم الأساسي من الجنسين، وبمدارس مختلفة.
، وينتمون إلى 15 جنسية عربية وأجنبية مختلفة مقيمة في أبوظبي، وهي: «الإمارات، مصر، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، اليمن، الجزائر، السودان، إرتيريا، باكستان، إيران، الهند، بريطانيا، إيرلندا».
وحيث طُلب منهم التعبير الحر بالرسم، و« دون تدخل أو إيعاز»: « كيف ترى الإسلام؟» أو «ماذا يعني لك الإسلام؟» أو «إذا سُألت عن «الإسلام أوالمسلمين» فكيف تعبر عنهما بالرسم؟».ومن ثم يُتاح للطفل الوقت الكافي، وحرية الرسم والتعبير بتلقائية تامة، كما تُرك للأطفال حرية التعليق على رسوماتهم ببعض الكلمات والجمل التي «استنبطوها» من تلقاء أنفسهم أيضاوفي خطوة لاحقة، تم عرض رسومات الأطفال على أساتذة وأطباء وخبراء الطب النفسي والسلوكي، للقراءة وتحليل المضمون، والتشخيص العلمي الدقيق، والتعرف على «الصور الذهنية» عن «الإسلام والمسلمين» عند هؤلاء الأطفال.
الاتجاه الثاني: شريحة عشوائية قوامها « 125 أبا وأما» 75% منهم «درجات متفاوتة من التعليم»، و25% منهم من غير المتعلمين.
أجابوا فيه بشكل مباشر على «6 أسئلة» محددة، هي:
1 هل يشاهد طفلك ما تنقله
الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي ما يحدث حولنا من أعمال عنف وقتل واغتيالات في أكثر من بقعة من العالم؟ 2 هل حاولت منعه أو منع تلك المشاهد من الوصول إليه؟ 3 هل سألك طفلك ذات مرة تقديم تفسير لما يشاهد؟ 4 بم تجيب طفلك إن سألك: لماذا يقتل المسلمون بعضهم البعض؟ هل تحاول تبسيط الإجابة؟ أم تحاول الهروب من الإجابة؟ أم لا تعرف ماذا تقول له؟ 5 هل تستشعر أن حقيقة وصورة الإسلام الحنيف باتت مشوهة، أو «مهزوزة» أصابها اللبس والغموض في ذهن طفلك؟ 6 كيف يتم تصحيح هذه الصورة؟ .
الاتجاه الثالث : استطلاع رأي 25 معلمة لمرحلة التعليم الأساسي، بسؤالهن سؤالين محددين:
السؤال الأول: هل سبق وأن سألك أحد الأطفال «الطلاب» توضيحاً لما يراه من مشاهد القتل والذبح والعنف والدمار التي يراها في التلفاز، أو من خلال أي مصدر أو وسيلة إعلامية أخرى، ولماذا يقتل المسلمون بعضهم البعض؟ السؤال الثاني: كيف كانت الإجابة؟ (هل تحاولين تبسيط الإجابة؟ أم تحاولين الهروب من الإجابة؟ أم تحتارين فيما تقولين؟).2 بعد الانتهاء من استخلاص الدلالات الرقمية كافة، حملناها إلى 50 شخصية من النخب الإعلامية والثقافية والتربوية والنفسية ورجال الدين، وطلبنا التعليق على نتائج استطلاع الرأي، وكيف يرون هؤلاء الأطفال في المستقبل القريب، في ضوء ما تقدم من أرقام ونتائج.
تحليل لرسوم الأطفال جاءت رسوم الأطفال التعبيرية الحرة، عن الصور الذهنية المراد استنباطها في «150 رسمة» موزعة كالآتي:
«83 رسمة» صريحة لمشاهد انفجارات وقتل وعنف وإعدام ودمار، وبنسبة 55.33%.
«32 رسمة» لمساجد وأشخاص يؤدون الصلاة، وبنسبة 21.3%.
«14 رسمة» للمصحف الشريف، وبنسبة 9.3%.
«10 رسمات» ترمز إلى مشاعر فريضة الحج، وبنسبة 6.6%.
« 6 رسمات ترمز إلى شهر رمضان الفضيل، وبنسبة 4%.
« 5 رسمات» ترمز إلى قيم أخلاقية مختلفة، كالصدق، والأمانة، والعمل، وبنسبة 3.3%.
قراءة وتوصيف
في مستهل قراءته لرسوم الأطفال لتحليل مضمونها، وتفسير دلالاتها النفسية، أعرب الدكتور أحمد الألمعي، استشاري ورئيس قسم الطب النفسي للأطفال بمدينة خليفة الطبية عن صدمته واندهاشه من محتوى الرسوم، وأنها جاءت صادمة، ويمكن قراءتهاعلى النحو التالي:
*الأطفال رغم صغر سنهم إلا أن من الواضح أنهم متابعين لكل ما يجري حولهم من أحداث سياسية، لذا نراهم متأثرين جداً بموجة العنف والإرهاب التي تجتاح العالم، وتتناقلها وسائل الإعلام، وخاصة التلفاز، وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما نراه متجسداً في رسوماتهم.
* إن الأطفال عبروا عن حالة واضحة من التناقض الذي يعيشونه.
تناقض بين ما يسمعونه ويتعلمونه من الأسرة والمدرسة والمجتمع عن سماحة الدين الإسلامي، وقيمه الأخلاقية والإنسانية من جانب، وبين ما يرونه من انتهاكات وجرائم على أرض الواقع باسم الدين.
* كثير من الآباء والأمهات يتركوا أمر مشاهدة الأطفال للتلفاز، أو استخدام الإنترنت وأجهزة المحمول دون ضوابط، وكثير منهم أيضاً قد يظن أن الطفل لا يستوعب ما يشاهد من مواد إعلامية مصورة، لكن ما نشاهده في رسوم الأطفال يثبت عكس ذلك تماماً.
* من الواضح تماماً أن الأطفال شاهدوا الكثير من صور ومشاهد العنف التي تعكس الوجه غير الصحيح عن الإسلام والمسلمين، ومن ثم تكون لديهم انطباع خاطء وسلبي، مما ألقى بظلاله على تفكيرهم، وتكوين صور ذهنية مسيئة عن الإسلام، نتيجة «الصدمة النفسية» التي سببتها مثل هذه المشاهد الصادمة.
* نتيجة لذلك، قد نرى تغيراً في تصرفات وسلوكيات هؤلاء الأطفال بصورة تدريجية من دون أن يكون هناك سبب واضح أمام الأهل، ألا وهو مشاهد العنف التي رأوها.
* إن تكرار مشاهد العنف في المادة الإعلامية تفرز وتسبب تأثيراً سلبياً دون أن يشعر الأهل، ويصاب الطفل بـ «تبلد الإحساس والمشاعر»، ويصل إلى مرحلة يصبح العنف شيئاً وسلوكاً طبيعياً في حياته، ومن ثم يتطور الأمر إلى ممارسة الطفل نفسه للعنف ضد أفراد أسرته وأقرانه ومن حوله « المجتمع» في مرحلة لاحقة، وتنتقل العدوى إلى مجموعات أخرى من الأطفال والصبية حتى تصبح «ثقافة العنف» ثقافة سائدة.
* فرط التأثر بمشاهد العنف المتكرر يصيب هؤلاء الأطفال بكثير من الاضطرابات والأمراض النفسية والسلوكية، وفي مقدمتها الخوف والهلع، والقلق، الذي يسبب كوابيس وصعوبات واضطرابات النوم، والتعلق المرضي المفرط بالأب أو الأم حتى سن متأخرة.
كما تظهر آثار الخوف في الخوف من الذهاب إلى المدرسة «ولاسيما إن كان من الذين شاهدوا الاعتداء الآثم على مدرسة بيشاور في باكستان، كما أن الخوف المرضي يسبب انتكاسات واضطرابات سلوكية عديدة، وفي مقدمتها «التبول اللاإرادي»، واضطرابات الكلام، وسوء التوافق، والتأخر الدراسي.
ومن المؤكد إنه يحتاج لتدخل وعلاج نفسي وسلوكي يتناسب ودرجة تأثر الطفل، وأحياناً يحتاج علاج دوائي بالمهدئات.
* إن وجود مشاكل واضطرابات نفسية لدى الأطفال، إنما يمثل عبئاً وضغطاً إضافياً على الأسرة، سواء على مستوى النفقات، أو ضغط الوقت، إلى جانب تأثر الأشقاء الصغار بما يمر به الطفل من أزمة، وما ينعكس من تصرفاته هو نفسه عليهم بالعنف أو الإساءة والإزعاج.
* في كثير من الحالات يستلزم التدخل العلاجــي والســلوكي والنفسي لكافة أفراد الأسرة «العلاج الأسري»، لمحو التأثيرات السلبية التي سببتها «الصور الذهنية» الطاغية المشوهة.
* إن نشأة الطفل في مثل هذه الأجواء الحافلة بالتناقضات، وغياب الحوار الأسري، والإرشاد، والتوعية المدرسية، إنما يشكل لديه انطباع واتجاهات سلبية عن الدين والأخلاق والقيم، ولا يرى في الدين إلا أنه مجرد ممارسات للعنف ضد الأطفال والنساء والمجتمعات. وهذا ما يفسر تنامي ظاهرة «إسلامو فوبيا» في الغرب.
* في ظل غياب المسؤولية المجتمعية والأسرة والمدرسة، يسهل لوسائل الإعلام باختلاف توجهاتها التأثير على الأطفال، في ظل خطورة الانطباعات التي تحفر على الذاكرة وتبقى طيلة سنوات العمر، ومن ثم ننبه لخطورة الصور المسمومة التي تتناقلها وسائل الإعلام على وجه التحديد، وتسبب تشوه القيم والمبادئ الأخلاقية القويمة.
لذا لا مفر من مراجعة المسؤولية الإعلامية لوسائل الإعلام، والمسؤولية التربوية في المدارس، والمسؤولية الاجتماعية للأسرة، والمسؤولية الدينية والأخلاقية لكافة أجهزة المجتمع المعنية دون استثناء.
الإعلام وانحسار دور الأسرة في قفص الاتهام
الدكتور حسين سالم السرحان، مستشار وخبير الأمن الإنساني، يعقب محللاً الدلالات الرقمية، ويرى أنها «صادمة»، فأولياء الأمور معذورون لأن الواقع يفرض عليهم فقدان السيطرة وتراجع وانحسار دور الأسرة، بعد أن أصبحت تعيش حالة من السلبية والغياب الطوعي أو القهري في ظل هيمنة وسائل الاتصال الحديثة. فلا أحد يضمن أو يستطيع أن يفرض إجابات محددة، أو تفسيرات منطقية، أو تعليلات أخلاقية يمكن أن تقدمها المربية أو الخادمة للطفل ـ الذي تركته الأم طيلة الوقت في حوذتها لأسباب مختلفة، إن سألها تفسيراً لما يرى ويشاهد في التلفاز أو «التيوب» ـ وإن سأل الأب والأم أو المعلمة، لا يجد إجابة وافية لما يسأل، وهو ما نراه في استطلاع الرأي « 87.2% من الآباء والأمهات باتوا مدركين أن الصور الذهنية عن الإسلام الحنيف، لدى أطفالهم باتت مشوهة»، وأن «74% أن أطفالهم يشاهدون مشاهد القتل والذبح والاغتيالات والعنف والدمار من بين حين لآخر في التلفاز فقط».21.6% فقط هم الذين حاولوا منع أطفالهم من مشاهدة تلك الصور.
كما أن النسبة التي تقول إن 89.6% من الآباء والأمهات أكدوا أنهم «عجزوا تماما» عن تقديم تفسير مقنع لتساؤلات أطفالهم، أمر يدعو إلى القلق والخوف من مستقبل هؤلاء الأطفال الضحية.
ويكمل الدكتور السرحان:« نحن أمام تراجع الصورة النمطية للأسرة، وهيمنة وسائل الإعلام والبرامج الموجهة والمدفوعة الأجر، وموجات الاستهداف للمساس بجوهر الدين الحنيف وقيمه الإنسانية، ومحاولات تشويهه وإشاعة المفاهيم الخاطئة المنحرفة، وإشاعة ثقافة التخويف والرعب والعنف والوصاية على الآخر والغلو والتطرف، وبث فوضى الحدود بين الحلال والحرام، والمقبول والمفروض، مما نتج عنه حالة مرعبة من التداخل والاختراق لجماعات إرهابية هي في غالبيتها عناصر منحرفة ومحبطة اجتماعياً ونفسياً وعقائدياً، ومغرر بها، وأصبح كل همها الانتقام من المجتمع وقيمه وثوابته.
الصور المشوهة وعجز الأسرة
* من خلال استطلاع رأي الآباء والأمهات، أشار 74% أن أطفالهم يشاهدون مشاهد القتل والذبح والاغتيالات والعنف والدمار من بين حين لآخر في التلفاز فقط، فيما أشار 26% منهم أنهم لاحظوا أن أطفالهم يشاهدونها أيضاً من مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما «التيوب»، كما يتداولونها مع أقرانهم.
* 21.6%من الآباء والأمهات حاولوا منع أطفالهم من مشاهدة تلك الصور، أو طلبوا منهم ذلك، لكنهم ذكروا أن ليس بامكانهم حجبها نهائياً عنهم.
* 75.2% من الآباء والأمهات واجهوا تساؤلات أطفالهم عن الأسباب التي يتقاتل المسلمون من شأنها.
* 89.6% من الآباء والأمهات أكدوا أنهم «عجزوا تماما» عن تقديم تفسير مقنع لتساؤلات أطفالهم. إما لأنهم أنفسهم عاجزون عن فهم واستيعاب ما يحدث، وما يشاهدون ويسمعون، أو لأن الوقت لم يحن بعد أن يستوعب الأطفال معنى «العنف والتطرف والإرهاب» وغيرها من مرادفات ومفاهيم الاقتتال والصراعات السياسية والأيديولوجية.
* 5.4% حاولوا تبسيط الإجابة قدر استطاعتهم.
لكنهم متأكدون أن ما قدموا من تبريرات لم تصل إلى قناعة أطفالهم.
* 5% تهربوا من الإجابة.
* 87.2% من الآباء والأمهات باتوا مدركين أن الصور الذهنية عن الإسلام الحنيف، لدى أطفالهم باتت مشوهة، و«مهزوزة» يكتنفها اللبس والغموض والارتباك والخوف.
* عجز 89.6% من الآباء والأمهات عن تقديم حلول معينة لتصحيح صورة الإسلام في أذهان أطفالهم، سوى محاولة التفكير في طريقة ما تحول دون وصول صور ومشاهد الصراع والعنف والدمار والذبح والقتل والاغتيالات.
حتى الألعاب البريئة تأثرت بالإرهاب
الاقتتال والعنف.. جزء من مكونات شخصية الطفل العربي
نعود بالذاكرة قليلاً إلى إحدى ليالي شهر رمضان الفضيل الفائت، لنرصد تجمع نفر من الأطفال اللبنانيين وإخوانهم من النازحين السوريين ممن تتراوح أعمارهم مابين7 إلى 10 سنوات، في أحد الأحياء الشعبية من مدينة صيدا القديمة اللبنانة، وبدلاً من اللعب بالألعاب التقليدية المعروفة، شرعوا في تجسيد لعبة تمتد مصائبها وتفاصيلها بامتداد الساحتين السورية والعراقية والحدود اللبنانية.
فقسموا أنفسهم إلى مجموعتين، الأولى أطلقت على نفسها اسم أحد الفصائل الإسلامية المتشددة، والثانية أطلقت على نفسها اسم مقاتلي المقاومة الإسلامية.
وسرعان ما شرعوا في تقليد الجماعات المتشددة المتطرفة في طريقة لعبهم.
وبدلاً من يغني الأطفال: أغانٍي رمضانية فلكلورية، أخذوا يصرخون بهتافات عنيفة وتعصبية معادية للمجموعة الثانية من رفاقهم: «يا خونة..
بالذبح جيناكم بلا اتفاقية !»..
و« وين أيامنا..
وين؟ وين راحت بغمضة عين؟..
إرهابنا محمود ودعوتنا للجهاد!».وسرعان ما يعلوا رد المجموعة الثانية بهتافات وشعارات تقول: «احسم نصرك في يبرود..
« ياتكفيري جاي جنود حتى تعمل أيامك سود».
.وغالباً ما تنتهي جولة اللعب بصدام وعراك حقيقي ينتظر أن يحسمه الكبار، إن لم يتسبب في فتنة اجتماعية ودينية حقيقية!
أي دلالات تحمل تلك الصور، التي حلت محل التراث الشعبي الأصيل في الأزقة والحارات العربية، وباتت للأسف جزءاً من مكونات شخصية الطفل العربي في الوقت الراهن؟ هل الآباء بمعزل عن هذا المشهد؟
التراث الشعبي
على هذا المشهد، يعلق الدكتور عبد الحميد يونس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان المصرية ويقول:« التراث الشعبي هو ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل،ويشمل كل الفنون والمأثورات الشعبية من شعر وغناء وموسيقى ومعتقدات شّعبية وأمثال ترتبط بالثقافة العربية والإسلامية ارتباطاً وثيقاً، ويستمد تفاصيله من الموروث الديني والأخلاقي والقيمي الراسخ في العقل الجمعي، وتستخدم مواده في إبراز الهوية الوطنية والقومية والكشف عن ملامحها.
وفي حالة أطفال صيدا، نجد أن الحالة السياسية والاجتماعية التي تمر بها المنطقة، وخاصة الساحتين السورية واللبنانية وما يجري فيها من أحداث، وما يعيشه الناس، والأ طفال منهم، وما تتناقله وسائل الإعلام من أخبار يومية، وصور مأساوية، من شأنه أن يلقي بظلاله على حياة الناس، ومزاجهم العام، واتجاهاتهم، ومن ثم نجد الأطفال أول الناقلين لهذه الحالة المرتبكة، ليعبروا عنها من خلال ألعابهم اليومية، لتحل ألعاب العنف والاقتتال والتعصب بدلاً من ألعاب الكرة، وألعاب رمضان، ونرى البندقية البلاستيكية بدلاً من فانوس رمضان، ومن ثم تشكل مثل هذه الألعاب تأثيراً سلبياً بالغاً في تكوين اتجاهات الطفل، وتشويه الصور الذهنية الإيجابية البريئة في ذهنه لمفردات حياته ومعتقداته وثقافته التي نشأ عليها».
صور ومشاهد
* نشرت صورة طفل أسترالي عمره «7 سنوات» على صفحة والده الإرهابي «خالد شاروف» الذي انخرط ضمن صفوف عصابة «داعش» الإرهابية، على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وهو يحمل رأسا مقطوعاً لأحد الجنود في مدينة الرقة شمالي سوريا.
* نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة طالبة الطب البريطانية التي انضمت إلى جماعة «داعش» الإرهابية، وأطلق عليها اسم «مجاهدة بنت أسامة»، وهي ترتدي المريول الأبيض الخاص بالأطباء فوق لباسها الأسود، وتضع البرقع على رأسها، وتمسك رأساً مفصولاً بالذبح لرجل في يدها، ويظهر خلفها في نفس الصورة طفلان يظهران رغبتهما في الظهور في الصورة.
الغريب أن تعنون الصورة باسم «طبيبة المجاهدين بالرقة في سوريا»، وتعرف بتغريدات الشاذة التي تحض فيها النساء على التطرف.
* نشرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية صورة صادمة لأحد عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي وهو يشجع طفله الصغير على ركل رأس جندي سوري مقطوعة «كأنها كرة» بينما وقف يضحك هو ورفاقه.
مصاحف مفخخة
* كانت أحدث ابتكارات «داعش» في العراق، توزيع مصاحف مفخخة بعد صلاة الجمعة في مساجد الموصل، لتنفجر بعد لحظات من الإمساك بها.
* كانت أغرب فتاوى بربر «داعش»، فتوى تحلل لمسلحيها أسر الأطفال، والفتيات وسبيهن ووطئهن جنسياً، وتشجيعهن على الجمع بين أكثر من واحدة حتى لو كنّ أخوات أو خالات أو عمات، كما أباحت الفتوى لمقاتلي التنظيم حق الزواج من القاصرات.
وهو الأمر الذي أقدموا عليه بخطف مئات من «الايزديات» بعد دخولهم مدينتي الموصل وسنجار، وقاموا ببيعهن ك «سبايا» في أسواق الموصل.
ما معن»
الصور الذهنية ؟
الأخصائية النفسية موزة المنصوري، تُعرف الصورة الذهنية بأنها «الصورة العقلية التي تتكون في أذهان الناس عن شيء أو كيان أو موضوع معين. وقد تتكون الصور من التجربة المباشرة أو غير المباشرة، وإذا كان مصطلح الصورة الذهنية لا يعني بالنسبة لمعظم الناس سوى شيء عابر أو غير حقيقي أو حتى مجرد وهم، فإن كلمة Image تشير إلى التقديم العقلي لأي شيء لا يمكن تقديمه للحواس بشكل مباشر. أو هي إحياء أو محاكاة لتجربة حسية ارتبطت بعواطف معينة، وهي أيضاً استرجاع بشكل مباشر، أو تخيل لما أدركته حواس الرؤية أو السمع أو الشم أو التذوق.
أي أن الصورة الذهنية هي الفكرة التي يكَونها الفرد عن موضوع معين، وما يترتب عن ذلك من أفعال سواء سلبية أو إيجابية، وهي فكرة تكون عادةً مبنية على المباشرة أو على الإيحاء المركز والمنظم بحيث تتشكل من خلالها سلوكيات الأفراد المختلفة».
وتضيف المنصوري: «عادةً ما تبنى الصورة الذهنية على خبرات الإنسان السابقة منذ لحظة الميلاد، واحتفاظه لصورة ذهنية عن الأشياء والأشكال والألوان ودرجات الإضاءة ودرجات الحس المختلفة».
وأي فكرة تتكون في العقل الواعي النشط تؤثر مباشرة على محتوى العقل اللاواعي «الباطن» خصوصاً مع تكرار الأفكار، لأن أي معلومة تنفذ الى العقل الواعي عن طريق مداخل المعلومات «الحواس الخمس» تؤثر في العقل الباطن، ويأخذها كما هي دون زيادة أو نقصان، لأن العقل الباطن «لا شعوري» ولا يستطيع الاختيار، ولا يمنطق الأشياء بل يقبلها كما هي من العقل الواعي، وهنا مكمن الخطورة، لأن العقل الباطن لا يستطيع أن يختار بين الصح والخطأ، وإنما يأخذ الأفكار كما هي من العقل الواعي، سواء كانت صح أم خطأ، سواء كانت خيراً أو شراً.
فأفكار الإنسان موجودة في العقل الواعي، وأيضاً التصورات موجودة في العقل الواعي، لكن حفظها يتم في العقل الباطن، وبما أن العقل الباطن هو مركز التحكم في الأحاسيس، فإن الأفكار التي تم تخزينها سوف تؤثر على منحى التحكم في السلوك.
ثقافة الصورة بين الأخلاقيات والتأثير
يؤكد الدكتور السيد بخيت، أستاذ الإعلام بجامعة زايد في أبوظبي، أن الصورة أصبحت بمليون كلمة، ولقد أصبحت لغة في حد ذاتها، وتفوقت علي الكلمة في أحيان كثيرة، وزاد عددها، وتحسنت جودتها، ولم تعد حكرًا على فئة معينة. وأصبحنا نرى صورًا تحولت إلى سلاح وسلطة وقهر وضغط وابتزاز وإلهاء وتخريب وتدمير لدى كارهي الحضارة، وأعداء الأديان، وفاقدي الإنسانية.
ففي الأونة الأخيرة أصبح الجمهور العربي، وخاصة الأطفال، معرضًا لسيل جارف من الصور التي ينتجها آخرون، لا تنقل الواقع بصورة صحيحة، وتنقل الكثير من مشاهد العنف والتدمير والقتل والإساءة، ومحملة بأغراض خبيثة لا تمت للمفهوم الحقيقي للصورة أنها لا تكذب ولا إلى أخلاقيات العمل الإعلامي. والأخطر أن إنتاج عدد كبير من هذه المشاهد المصورة والفيديوهات تقف وراءها قوى وجماعات بل ودول تسعى لتدمير مجتمعات، بنشر ثقافة الكراهية والحقد والبغض.
أما ما قام به تنظيم «داعش» ومثيلاته من الجماعات الإرهابية مؤخرًا، وبثها مقاطع لجذها أعناق بعض الغربيين لإرهابهم وتخويفهم. ومكمن الخطورة يتمثل في القدرات التي تتصف بها الصور، في تفوقها على الكلمة بتجسيدها للواقع، وقدرتها على البقاء عالقة في الذهن لفترة أطول، ولتأثيراتها النفسية البالغة وخاصة في الصور التي تحمل مشاهد عنف بالغة، والأخطر هو تزايد التوجه نحو توظيف الصورة «عن عمد وإصرار» في نشر مشاهد العنف والتدمير والقتل. إنها صور محملة برسائل مستهدفة لتحقيق غايات خبيثة، ولتأليب الشعوب العربية والإسلامية على بعضها البعض، وتشويه صورة الدين الحنيف. وهو أمر يمثل خطرًا كبيرًا على مجتمعاتنا سواء في الداخل أو الخارج.
إن المشاهد المصورة التي انتشرت مؤخرًا عن عمليات قتل وتدمير وحرق واغتصاب وتفجير باسم الدين وتحت شعاراته، تسيء للدين الحنيف، وتشوه رموزه، وتدمر أية محاولة لنقل صورة صادقة عن واقعنا ومجتمعاتنا للآخرين. والأخطر أن تربك أجيالنا الجديدة، وتضلل بعضهم، وهو أمر يحتاج لمراجعة لحماية هذه الأجيال، وهو ما يتطلب مراجعة لثقافة الصورة سواء لدى منتجها « وسائل الإعلام» ولدى مستقبلها « الجمهور العربي»، مع العمل على تنشئة جيل عربي يعي المخاطر النفسية والاجتماعية للصورة.
إن إسهامنا العربي في مجال الصور الرقمية القادرة على التصدي لمثل هذا الفكر الإرهابي الضال حتى الآن غير مشرف كما وكيفاً. إن كم المحتوى العربي على الإنترنت، لا يتعدى 3%، ومكانة الصورة في ثقافتنا لا تزال محل خلاف، وهو ما أمر يحتاج لحسم وفهم ورؤية ثاقبة، لكى نساهم بفعالية في عالم وحضارة الصور، ولكى نرد على الهجمات التي نتعرض لها.
فريسة للهواجس والهلاوس
الطفل بين «المطرقة والسندان»
رسوم الأطفال مادة جيدة لفهم شخصية الطفل، والتعرف على اتجاهاته ورغباته ومشاعره الدفينة، حيث يمكنه استقراء ما بدواخله عن طريق الرسم، أو ما يعجز في التعبير عنه بالكلام.
الدكتور محمد الجارحي، استشاري الطب النفسي بجناح العلوم السلوكية بمستشفى خليفة في أبوظبي يوضح أن الرسوم التلقائية للطفل «صورة كاشفة» لكثير من المشاعر التي لا يمكن للطفل أن يعبر عنها. فبعد مرحلة الرسم بـ «الشخبطة» ينتقل في مرحلة لاحقة إلى محاولة التنظيم التصويري للأشكال الملموسة، والمجردة بلغة الرسم والألوان، ومن ثم يمكن استنباط انطباعاته واتجاهاته حيال أي ظاهرة اجتماعية تحدث، ويتأثر بها، وبالتالي تتشكل خبرات طفولته السارة منها والمؤلمة. هذا ما نراه في صور كاشفة لرسومات العينة المطروحة، والتي تجسد بوضوح حالة التناقض الملحوظ بين ما يتعلمه، وما يسمعه عن سماحة الإسلام وعظمته، وبين ما يشاهده كل يوم على أرض الواقع من عنف وإرهاب وقتل ودمار، ويصبح فريسة وضحية سهلة بين «المطرقة والسندان» ويفقد الثقة في ذاته والآخرين، مما يعرضه لمشاكل واضطرابات نفسية وسلوكية عديدة.
الأمراض الـ «سيكوسوماتية»
تؤكد الدكتورة دولي حبال، الأخصائية العلاجية للأمراض النفسية، أن مثل هؤلاء الأطفال وقعوا فريسة المشاهد المؤذية، ومن ثم هم عرضة للإصابة بالآثار النفسية السلبية، والاضطرابات السلوكية العديدة، وأهمها الخوف والهلع والفزع، والتشتت الذهني، وقلة التركيز والانتباه وضعف الإدراك والتحصيل، واضطراب النوم والأحلام والكوابيس المزعجة، كما أن فشل الطفل في التوصل لتفسير مقنع لما يرى، مع تكرار تلك المشاهد المفزعة، فإنه يصاب بالإحباط، ونوبات الحزن الاكتئاب، وتبلد الإحساس وتجمد العواطف، والعزلة والانسحاب من المجتمع، وعادة ما ينعكس كل ذلك شخصيته، وتظهر أعراض الأمراض الـ «سيكوسوماتية» -أمراض عضوية نفسية المنشأ- مثل سرعة التعرق، والارتجاف والدوار والتبول اللاإرادي، وصدمة الحواس، وفقدان الشهية والخمول وعدم الإقبال على ممارسة الأنشطة اليومية، وغير ذلك من اضطرابات.
«الإرهاب» رسخ صوراً وتجارب مريرة
في وجدان الطفل عبر ثلاثة عقود
إذا كان العنف قد أصبح من المشاهد التي يتجرعها الطفل كل صباح، فمن الطبيعي أنه يجعل الطفل يمارس العنف دون تردد أو إحساس بالذنب، ويتشكل لديه في «اللاوعي» مكونات هذا العنف وتفاصيله فانتشار ظاهرة العنف «المتأسلم» ومشاهدها وتفاصيلها في وسائل الإعلام العربي سبب حالة من الارتباك والاضطراب والخلل الذي أسهم بدوره في تشكيل صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين في «اللاوعي» عند الطفل،
التجربة الجزائرية
الإعلامي الجزائري خالد عمر بن ققة، يروي بعضاً من تفاصيل تجربة أسرته وأطفاله قبل أكثر من عقدين عندما شهدت الجزائر كثيراً من مظاهر العنف والإرهاب «المتأسلم»، ويقول« ابنتي التي كانت تبلغ من العمر في حينها 8 سنوات لا تزال تتذكر تفاصيل إطلاق الرصاص على ضابط جزائري ومقتله في عرض الشارع، وهي واقفة تراقب المشهد مصادفة من شرفة المنزل، وكثيراً ما كان أطفالي يشاهدون مشاهد ذلك العنف والإرهاب من خلال التلفاز، رغم محاولاتنا منعهم أن يشاهدوها، لكنهم عانوا من صدمات قاسية ندفع ثمنها كثيراً حتى الآن. إن المشكلة تكمن في التناقض بين أحلام الطفولة الجميلة والواقع المرير. وعندما كان أطفالي يسألونني لماذا يتقاتل المسلمون؟ وما هي أسباب ما يرى من صراعات ودمار واغتيالات وجرائم في أكثر من مكان باسم الإسلام، أشعر بالخيبة لأنني لا أملك إجابة واضحة، أو على الأقل إجابة يمكن أن يستوعبوها. فالطفل يقول تربينا على كذا وكذا، لكننا نشاهد عكس ما تربينا عليه تماماً. إن المصيبة أن يصبح الطفل أو يتحول حالة من اللامبالاة لما يشاهد من عنف وإرهاب اليوم. هذه الحالة تولد لديه عدم الإحساس بالذنب ويموت ضميره». ويكمل بن قـقه: « هذه الحالة وتداعياتها، انعكست بكل تفاصيلها عندما شبت ابنتي وروت قصة جيلها في روايتها «فراشات المستنقع» وعندما روت مقتل صديقتها الفلسطينية في عرض الشارع أيضاً، ولم تعرف حتى اليوم لماذا سالت دمائها وغابت عن هذا العالم دون ذنب اقترفته، ويبقى السؤال قائماً».
من صنعاء
من العاصمة اليمنية صنعاء، يشكو يوسف منار با وزير «طالب عمره 12 سنة» في مدرسة معاذ بن جبل حالته وزملاءه، ويقول:« لقد تغيبت وتغيب أخي وإخواني من المدرسة لمدد طويلة متقطعة، جميعنا خائفين. مشاهد القتل اليومي تحدث أمامنا، ونرى مثلما يحدث على شاشات الفضائيات يومياً دون معرف السبب، فالأطفال اليمنيون وغيرهم ضحية النزاعات المسلحة والحروب، ونسمع أنها لأسباب دينية وعقائدية لا نستوعبها تماما، وحتى عندما تستوقفنا نقاط التفتيش في المدينة لا نعرف بماذا نجيب، ووالدتي تضطر لحبسنا في المنزل، ولا تسمح لنا بمشاهدة الأخبار على شاشة التلفزيون».وترى، فاطمة الهاشمي «أم» أنها «تعجز» عن تفسير ما يجري لأطفالها، فالطفل لا يدرك معنى مفردات« الإرهاب والتطرف. ولا يدرك ما يحدث من مشاكل، لكننا نحاول أن نصحح ما نستطيع، وأن نعدل أي فكرة خاطئة، ما دمنا غير قادرين أن نحول دون وصول مثل هذه المشاهد إلى أطفالنا».
من بغداد
تقول الإعلامية ومقدمة البرامج التلفزيونية مديحة معارج إن تصاعد العنف والتوتر المستمرين في العراق خلال العقد الأخير أثر على الحياة في مجملها دون شك، وعلى نفسية الأطفال الذين يعجز الكبار على تقديم إجابات وافية لتساؤلاتهم، وهذا أوجد حالة من الضبابية والشكوك والالتباس، فلا نفهم نحن الكبار لماذا يتقاتل المسلمون بهذه الكيفية؟ ولم الصراعات والدماء والقتل والتخريب باسم الدين؟ الأطفال لا يستوعبون ما نقول، والفضائيات لا تخضع لرقيب. الأطفال ضحايا التمزق والحيرة والتشتت ولا سبيل سوى تفعيل الضمير المهني عند البث، ولنرى كيف تفعل تلفزيونات وإعلام الغرب وتضع تحذيرات على الشاشة قبل عرض مشهد عنف، وعادة ما تبث في ساعات متأخرة حتى لا يراها الأطفال. نحن في حاجة إلى تفعيل سبل الوقاية من ثقافة العنف، ودعوة المؤسسات التربوية المختصة الحكومية وغير الحكومية إلى الاهتمام بدور الرقابة، والعمل على حجب مظاهر الإرهاب عن الطفل.
وأد الأفكار السوداء من أعظم مقاصد الدين الإسلامي
يوصف الدكتور فاروق حمادة، مستشار الشؤون الدينية بديوان سمو ولي عهد أبوظبي، ومدير عام جامعة «أكدال» أبوظبي، التأثير السلبي لمشاهد عنف وجرائم الجماعات الإرهابية بحق الإنسانية، على عقول الأطفال، لتشويه الصور الذهنية للدين الحنيف في وجدانهم، ويقول:« إن الأولاد بنين وبنات مسؤولية عظمى، وأمانة أناطها الله في أعناق الآباء والأمهات، يسألون عنها في الدنيا والآخرة.
إن الطفل يولد صفحة بيضاء تكتب فيها ما تشاء، واحتمالها لعوارض الحياة ينمو ويكبر مع الأيام، فإذا حملناه في طفولته فوق قدرته من المعاني والأفكار والصور والأعمال والأشغال، فقد عرضناه لخطر جسيم ومستقبل مظلم أليم.
إن ما نراه من جرائم وممارسات ضد الإنسانية، عمل لا يرضاه الله، ولا رسوله، ولا العقلاء، وهي مسؤولية جسيمة يجب أن يتعاون الجميع على منعها، لأنها ضرر محقق، سواء كان معنوياً أو مادياً.
وأخطر ما يمكن أن نتصور تنسب هذه المشاهد المخيفة للكبار قبل الصغار، إلى الإسلام، أو ترتكب باسم الإسلام، وهو منها براء.
فالإسلام هو الذي يصون النفوس، ويحفظ الكرامات، ويحنو على الصغار ذكوراً وإناثاً حتى يكبروا وهم أسوياء أصحاء في نفوسهم، وعقولهم، وأجسادهم.
إن رؤية الأطفال لمشاهد القتل والدمار، وغيرها من الممارسات الوحشية، خطأ جسيم، وإثم عظيم لما تتركه في نفوسهم من جروح لا تندمل طيلة حياتهم، وتوجه سلوكهم إلى المزيد من الخوف والرعب والقلق والتوتر، فهل نستطيع أن نمنعها، أو نحول دون وصولها إليهم؟
ويضيف الدكتور حمادة:« إن العنف يسود العالم كله، لكن هناك إساءة ممنهجة إلى العالم الإسلامي، وإذا كان أطفال المسلمين محصنين بمبادئ الدين الحنيف بسماحته واعتداله وسمو قيمه، ونبل مقاصده باحترام النفس الإنسانية، فإذا ما حصناهم، وتركناهم لمثل هذه المشاهد، لانجرفوا متأثرين بها، ويطبقونها في حياتهم، عندها سيكون حكمنا على المستقبل أنه سيكون مضطرباً حافلاً بالصراعات والعنف، فالعنف يولد العنف، ويجب على كل العقلاء وجوباً دينياً وإنسانياً، مسؤولين مجتمعين أن يتعاونوا لوقف هذا العنف، والأهم من وقفه أن نمنعه من الوصول إلى أطفالنا.
فعملية وقف صور العنف والإرهاب تلك دون أن تصل إلى الطفل، عمل من أجَل الأعمال عند الله، لأن صيانة النفس وكرامة الإنسان من أعظم مقاصد الدين الإسلامي الحنيف، والتعاون في تحقيق هذا المقصد من أعظم القروبات وأعظم ما وجه إليه ديننا العظيم، وعلى كل فرد أينما كان موقعه أن يسهم في ذلك، وأن يعمل جاهداً على المساهمة في إطفاء تلك الأفكار السوداء القاتلة في مهدها، والوقوف في وجه المروجين للعنف، ثم يأتي الرد الحاسم على كل من يمارس العنف، ومن ثم فإن هذا ممكن التحقق لو نهض كل فرد في المجتمع بدوره، وبالتالي نكون قد ترجمنا قول الله سبحانه وتعالى:«تعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، فلا أظن أن هناك إثم أعظم من إخراج أطفال للمجتمع لا تعرف إلا القتل والتدمير، ولا تعرف البناء والتعايش والعمل.
إنها دعوة لجميع العقلاء من جميع الأديان والثقافات أن تأخذ هذه المسؤولية مأخذ الجد والأولوية، حماية لحاضر مجتمعاتنا، وغدها ومستقبلها الأفضل».
مسؤولية المناهج التربوية
يحذر الخبير التربوي عدنان عباس من هيمنة وسائل الإعلام وخاصة التلفاز، وشبكات التواصل الاجتماعي على تشكيل وعي الطفل، وخطورتها تكمن في استمراريتها وسهولة وصولها، وتضمنها رسائل إعلامية خطيرة، ومتناقضة، ومتطرفة في كثير من الأحيان.
ويقول:« الأسرة والإعلام والمدرسة من أهم مصادر التنشئة الاجتماعية للطفل، لكن جميع الأطراف تقف اليوم عاجزة عن تأثير وسائل الإعلام في تشكيل وعي الطفل ووجدانه، وإذا كنا نطالب بمراجعة وتصحيح دور الإعلام، على المؤسسات التربوية في بلادنا العربية والإسلامية كافة أن تراجع مضمون مناهجها التعليمية، وكيف تعالج وتتصدي لموجات الإرهاب الفكري، والعنف، وكيف تحقق التوازن والاعتدال في المفاهيم التي يتساءل الأطفال عنها.
كما يجب أن ينهض المجتمع بكافة مؤسساته بتوعية المجتمع بثقافة الحوار الأسري، وأن يدعم الإعلام بقوة هذه الثقافة، وأن تنهض المناهج لتعالج هذا الخلل، وتفعيل منتديات الحوار، وتثقيف المجتمع تجاه ثقافة العنف ونبذها، ومصارحة الصغار والمراهقين والشباب بحقيقة فكر تلك الجماعات الإرهابية، ودحضها والتصدي لها».
«الإخوان» مزقوا الأسرة المصرية!
تلفت عواطف عبد العزيز ـ «موظفة مصرية» إلى ما يشهده الشارع المصري كل يوم من سقوط قتلى وجرحى بسبب العمليات الإخوانية الإرهابية بعد ثورة 30 يونيو، وما تنظره المحاكم من قضايا التمزق الأسري والاجتماعي، بسبب التباين الشديد في المواقف والاتجاهات ما بين مؤيد ومعارض ومتعاطف بين أعضاء الأسرة أو العائلة الواحدة، لدرجة تصل إلى حد «التعصب»، فعندما يحاول الطفل تفسير ما يحدث، ويتساءل عن سبب قتل الأب أو الشقيق، أو ابن الجيران، رغم أن كل من حوله ينادون الإرهابيين بـ «الإخوان» لا يصل إلى إجابة مقنعة.
وتضيف: «من يستطيع أن يفسر للطفل لماذا يطلق أبوه أمه بسبب مشاهدتها أغنية «تسلم الأيادي» على شاشة التلفاز، أو لماذا يلقي إخواني ضال جهاز التلفاز من شرفة الطابق الرابع، لأنه دخل على زوجته، وهي تغني مع الفنان حسين الجسمي «بشرة خير»، ويشبعها ركلاً وضرباً، وباتت المسكينة تنتظر كلمة القضاء بـ«الخلع» لاستحالة العشرة.. إنها حقاً مأساة لا نعلم متى تنتهي. الحقيقة المسلم بها أن صورة الإسلام شوهت في عقول الصغار».
«نقش على الحجر»
عن التوصيف الإسلامي لتشوه صورة الإسلام والمسلمين في أذهان الأطفال، يوضح الداعية الإسلامي وخبير الشؤون الدينية بالهيئة العامة للأوقاف في أبوظبي «الشيخ طالب الشحي»، أن الدين الإسلامي الحنيف يولي عملية تربية الأبناء اهتماماً كبيراً، باعتبارها مسألة إنسانية وأخلاقية وتربوية، فمن أجلها جاءت النصوص القرآنية مبينة ومؤكدة هذه الأهمية، وقال تعالى: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحياة الدنيا» (الكهف:46).
وعن عبد الله بن عمر يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، - قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
والأسرة اليوم مطالبة أن توجد البيئة المناسبة لتكوين المفاهيم الصحيحة على أسس مبنية وفق ضوابط الشرع الحنيف المبني على السماحة واليسر والاعتدال. وقد تواجه الأسرة أسباباً كثيرة تعيق عملية البناء الفكري الصحيح والمحافظة عليه ومن ذلك وجود القدوة السيئة وغياب القدوة الحسنة، والدور السلبي الذي يقوم به بعض الآباء، حَيْث يقومون بعزل الأبناء كليا دون تعريفه أو توعيته بقضايا المجتمع، والتحديات والبدع والضلالات من حوله، مما يجعله عرضة للانحراف الفكري».
ولابد أن يكون لدى الأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والاجتماعية دور في الحفاظ على الفكر الصحيح المعتدل
Comments
Post a Comment