رسالة عبر الايميل.. شاب يسترجى أن يكون اسمه سرا بيننا ولا مانع ان أنشر ما كتبه.. رواية كاملة الدسم.. سأنشر منها مقاطع بعد اذنه طبعا. سيظل الاسم سرا.. وسأظل شغفا ان يخبرني بحقيقته
-----------------------------------
ينهض عام جديد متثاقل مثل ثور ذبيح. ينهض لكي يعلمنا أن نفكر قليلا قبل أن نسلم رؤسنا للقدر. فيذبحنا. هي ليلة تبقت في العام الذي يلملم أشلائه عما قليل ليمضي إلى الأبد ليس مأسوفا عليه إنها لعنة الزمن والتاريخ والإنسانية التي ابتكرت الأيام لكي ترهقها بالدماء والدموع والرهان البالي على الأسف.
ستقف لحظات لتسأل نفسك ومن ستكون أنت أيها الضليل مع هذا العام الناهض، وهل ستكون لك القدرة والمثابرة على الجنون، فالأيام المقبلات لا تعرف قدرهن ولا بيتهن في العواصف الترابية التي ستذكرك بأيام الطفولة البعيدة. ساعة كانت تضرب النوافذ مطلع سنة جديدة وقتذاك لا علم لك بأعياد رأس السنة ولا قلبها المنفطر على البغضاء.
تناديك أمك يا ولد يا مجنون. وترد عليها بكل أناة وأنت تطوي الكتاب طي السجل للكتب الأخرى. نعم أنا مصطفى. أنا يا أمي. أنا.. ومن ثم تتلفت فلا ترى أحدا، كانت الأضغاث هي التي تداعبك وتناديك باسم أمك. وكان الماضي وغيبه وظنونه يطل في اللحظة الراهنة ليصنع لك أحداثا ربما لم تمر بها أصلا. هل كان اسمك مصطفى وهل كانت تلك الغرفة وذاك الكتاب لك.
لا تشغل بالك يا ابني. ستخبر نفسك.. وتتخيل ان أبيك يسكنك ثم يناديك. أبوك الذي لا تعرف أين هو الآن في ذاكرتك. وأمك وكل الأهل والأقارب والأصدقاء. ليس بإمكانك أن تتذكرهم جميعا في هذه اللحظات لأن ثمة أشياء كثيرة حدثت في حياتك غسلت منك ظنونا ونجوى.
وهذه القطة الأليفة التي تسكن في الحارة وتقابلك في الفجر وأنت تتمشى باتجاه المسجد لتصلي في البرد. ستذكرك هي الأخرى بالصبا وتلك الذكريات البائدة، ما هي هذه اللعنة التي تطاردك اليوم لتجعلك ابن ذلك الزمن المنصرم. قطط وكتب ومصاحف ونساء وليال ونجوم.. شوارد تطارد الذهن وتجعله غير صاف البتة ويكون عليك أن تتعرف على ظلك وخيالاتك.. طهارتك ونجساتك يا ملعون. هل تسمي نفسك كذلك قبل أن تسمع من يناديك أيضا ولكن هذه المرة حقيقة ليس كذبا.
إنه جارك بارمن الفلبيني ذي اللحية الصغير المشذبة. يقول لك "هِي هبي نيو أير"، ثم يمط شفتيه بدخان سيجارة ماركة بحاري.. مارلبورو أحمر أمريكي الصنع. في تلك الأزمنة كان البحاري قاسيا على الرئة يدخلها فيغسل قلقها ثم يجعلك حزينا واليوم عليك أن تنتظر موعدا مع قدرك وأنت في انتظار موت لذيذ حقيقي لابد آت مثلما أخبرك بارمن في الحلم. جاءك قبل قليل والآن في الواقع لا يستحي أن يتذكر ما أسّر به من عفونات.
"بارمن دونت سيَ أني سنيج"
"يو.. مان..
وتجرب معه مهارتك في البتكيس.. تضربه خمس مرات فتطيح به أرضا ببقايا رأسك وأنت قادم من الفندق الليلي وفي ذهنك صور متداخلة للنادل الذي كان يحاول أن يقرص أحداهن في ردفها ثم تلقيه منها صفعة بكف موسم بالأحمر وعليه نجوم صباحية باهرة. وصورة ذلك العجوز الذي كان يتمرن على المشي في البار.. وليلى التي ترنو إلى السماء بقوة تظن أن سقف الغرفة المستطيلة هو السماء. يا لبؤسهن هؤلاء المسمومات بالشبق المجنون.
يظل بارمن أمامك لا يغادرك.. تتركه وتمشي، تفتح باب الشقة على اليمين.. تدير المفتاح لتستقبل صوت المكيف الذي تركه يعمل منذ العصر.. الغرفة باردة جدا في فصل شتوي بارد.. تسرع بحثا عن الريموت كنترول لا تجده لتغلق المكيف.. تسرع للضغط على المفتاح الدواسة.. معه ينطفئ النور وتعيش في الظلام ومن جديد تجرب الدوس إلى أن يهدأ المكان من ضجيج الآلة القديمة والمعطوبة في أكثر الأوقات إلا ما رحم ربي. وتروح أنت على السرير.. عفوا على الأريكة متأملا عمرك وسنوات بؤسك التي مضت منذ أن أتيت هذه المدينة.
Comments
Post a Comment