عماد البليك ----------السودان "2050" !
هل فكرت ذات يوم في شكل السودان بعد أربعين سنة مثلا أو أقل.. لنقل خمس وأربعين سنة. حتميا لا أحد يستطيع التكهن بالمستقبل، فهو غامض ومربك. ولكن من مبدأ أولي فالاستشراف علم يدرس اليوم في الجامعات. حيث بإمكان الإنسان أن يبني تصورات ذهنية عن المستقبل بناء على معطيات راهنة، تؤخذ بقدر عال من الدقة والمعلومات والتحليل والنظرة ذات الأبعاد المختلفة للأمور.
لكن هذا نفسه قد لا يكون ممكنا وقد لا يجوز بالطرق العلمية البحتة في ظل اختلال المعطيات نفسها كما في الحالة السودانية، حيث ثمة تعقيد كبير جدا، يجعل من الصعب التنبؤ بالمآلات.
هنا لماذا لا نعمل العكس تماما.. فبدلا من البحث عن نبوءة أو قراءة لما سيكون، علينا أن نحاول التحكم في/السيطرة على المستقبل من خلال المعطيات والحوافز التي يوفرها الزمن والتاريخ الراهن. وطبعا قد يبدو ذلك من قبيل الاستخفاف، لأن الواقع معقد كما قلنا بل صعب جدا ولا يمكن الإمساك به البتة.
لكن من ناحية تجريدية، فالواقع يخضع لجملة من المسارات التي يشكلها الأفراد. ومجموع هذه التحيزات الذاتية هي التي تصوغ الكتلة المجموعية، فالفعل الفردي مضاف إلى غيره يمكن أن يكون قويا ومؤثرا بل ضاغطا. وهنا لا أتكلم عن كتل السلطة والأنظمة السياسية فحسب، بل كما سبق أن فسرت ذلك إنها قضية عامة تتعلق بالسياقات الاجتماعية والأنساق الكلية للحياة في السودان، هي التي تحتاج الكثير من العمل والضغط من أجل التغيير، ابتداء من التقاليد الاجتماعية والتي لم يعد بعضها صالحا بل ضارا، وليس انتهاء بالممارسات والسلوكيات العامة في مناحي مختلفة من وجودنا.
إن أزمة الراهن في محاولة ربطها بالقدر المستقبلي – إن جاز التعبير، ما يفترض أن يكون لهي تتطلب نظرة غير كلاسيكية للأمور في الفكر المجتمعي والأنظمة المدنية التي يجب أن تتغير أدوارها هي الأخرى، وثمة استعداد ملموس في هذا الباب من قبل الأجيال الصاعدة، فقط يتطلب الأمر بذل مزيد من الجهد والعمل لأجل ذلك الغد الأكثر تسامحا مع الذوات.
فالحديث عن عام 2050 ليس مفترضا ولا يقدم أجوبة عما سيحدث، بل هو سؤال تحفيزي يسوق إلى الجدل المنفتح مع الذات في سبيل أن ترى الأفق الأجمل لمآلاتها، كيف يكون عليها أن تعيش في تفكير جديد ومساءلات أكثر ارتباطا بالسلم المدني والحياة المتغيرة التي تنشد الصلاح والإنصلاح، وتحلم بأن تصوغ عقدا إنسانيا للكائن في حيزاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
فبعد أربعين سنة من الآن، ستتغير أشياء كثيرة في العالم ولكن إلى أي حد هي وكيف سيكون تغيرها؟! ذلك أمر صعب التنبؤ به، وحتما سيكون للسودان مجاله داخل هذا التغيير العالمي وربما الكوني، فربما كان البشر يقطنون كوكب المريخ، ومنهم سودانيون! وربما حدث العكس تماما بأن يتردى واقع الإنسانية لتعيش في عصر الكهوف، بإفتراض أن حرب كونية ستدمر كل شيء، وهو افتراض ساذج على أية حال، فالبشر عبر تاريخهم مهما فعلوا من سخافات سيظلون يحافظون على شعرة من الارتباط بهذا الكوكب.
لنضع صورة ذهنية إيجابية جدا. بلد متطور على كافة الأصعدة، الاقتصاد رقم خمسة في العالم لا نبالغ ونقول رقم واحد، ويمكن أن يحدث العكس تماما.. بلد متخلف على كافة الأصعدة وفي ذيل القائمة الدولية بل أسوأ من الوضع الراهن. واحتمال ثالث أن مفهوم الدول بالجغرافية القائمة اليوم قد انتهى وإلى الأبد، فهناك تسامح كوني أزال القوميات والإثنيات وهدم الحدود "الوهمية" وفتح مساحات من التواصل الإيجابي بين الشعوب.
وهكذا يمكن أن تتنوع الافتراضات وتعتمد على خيال الفرد، وعلى قدراته في التصور، ولكن يبقى التفاؤل والأمل بأن يكون المستقبل أفضل من اليوم. بأن يكون ثمة غد جميل فيه مساحة أوسع لهذا البناء الكلي والقدري الذي نسميه بالوطن وعلينا أن نندغم فيه هوية وانتماء وتفكيرا.
في علم تطوير قدرات الذات يفيد الاختصاصيون أن أفضل الطرق لبناء الغد الأفضل تقوم على التصورات الذهنية المسبقة، أن تغمض عينيك وتتخيل ما لا حدود له. هذا ممكن ولأي إنسان أن يتخيل أشياء كثيرة ومعجزات. فالأمل يبدأ بفكرة وبخيال، والإشكال أن بعض الناس أحيانا لا يتوقفون أبدا لكي يحلموا أو يتخيلوا لحياتهم ما هو أفضل. كما أن بعض الدول والحكومات جامدة تماما عن التصورات والتخييل والآمال ولا تفكر بسوى نقط عمياء لا ترى سواها، فهي تعمل على تدوير الوقائع والتاريخ كما هو. فما جرى من حيل وابتكارات لمعالجة المشكلات وتعمية الشعوب هي الوسائل نفسها التي يتم الاشتغال عليها بعد مضي خمس سنوات وكأن الحياة لا تتطور أو تتقدم بل هي ثابتة. والواقع هو العكس فإن الثابت هو خيالهم وقدراتهم ومعرفتهم التي تظل محددة ومحدودة بظن أنهم يملكون الناصية الأعلى للحق والحقيقة، وذلك غير صحيح تماما.
أذكر بما قاله آينشتاين في مقولة مشهورة: "كل ما يتصوره الذهن ممكن".
وبين الممكن و"اللاممكن" مساحة فاصلة يسدها قبل كل شيء الإيمان القوي بالفكرة. إنها سوف تصبح حقيقة ماثلة ذات يوم.. وهو يوم قريب جدا.. "يرونه بعيدا ونراه قريبا". ومن هنا يتشكل الإحساس القوى بانتقال الأفكار من حيز الذهن إلى المرئي والواقعي والملموس، إذ لا يقوم ذلك على سوى الإصرار الذي طابعه معرفي وإدراكي وله بعد عرفاني يتعلق بذكاء الإيمان الفطري والنظيف وليس الملوث بدنس الكبرياء والغرور الأعمى. فالإيمان مهما بلغت قوته أو ضعف في الصور الخارجية، فهو انعكاس أو تجسيد لروح مثابرة تعمل وتكدّ وتخلص من أجل أن ترى الإشراق، وهو بالتالي يتبدى من خلال النتائج الظاهرة والواضحة، إذ لكل صورة أثر ولكل عهد يقين، ولكل نية طيبة بقية أمل في الصفاء والانعتاق وصياغة الأمثل.
وفي اللغة فإن معنى الإشراق أقوى من "الشروق" فالشروق يتكرر يوميا كفعل روتيني. أما الإشراق فهو قوة انفجار لميلاد يتم مرة واحدة، هو قوة باذخة يتمناها المرء أو الذات لينهض بها من مسار عميق من التراجع ومن الهوة ليكون ابن المستقبل والزمان الثاني البعيد، المتجلي في حضارة وتلاقح إنساني يصنع المستحيل كما يقال.
أتمنى وقبل 2050 أن أرى بلدي في مصاف التقدم وأن أرى الشعب السوداني سعيدا بكامل ما تحمله المفردة من معان، حتى لو بدأت هذه التصورات من قبيل التفكير والخيالات بأن نبدأ بتحقيق الحلم بالتأمل والكتابة والفنون والتخيل. أن نوجد لنا تغييرا يبدأ من مسافة خيالاتنا. فما لم يتغير الخيال لن ينعدل الواقع.
لكن هذا نفسه قد لا يكون ممكنا وقد لا يجوز بالطرق العلمية البحتة في ظل اختلال المعطيات نفسها كما في الحالة السودانية، حيث ثمة تعقيد كبير جدا، يجعل من الصعب التنبؤ بالمآلات.
هنا لماذا لا نعمل العكس تماما.. فبدلا من البحث عن نبوءة أو قراءة لما سيكون، علينا أن نحاول التحكم في/السيطرة على المستقبل من خلال المعطيات والحوافز التي يوفرها الزمن والتاريخ الراهن. وطبعا قد يبدو ذلك من قبيل الاستخفاف، لأن الواقع معقد كما قلنا بل صعب جدا ولا يمكن الإمساك به البتة.
لكن من ناحية تجريدية، فالواقع يخضع لجملة من المسارات التي يشكلها الأفراد. ومجموع هذه التحيزات الذاتية هي التي تصوغ الكتلة المجموعية، فالفعل الفردي مضاف إلى غيره يمكن أن يكون قويا ومؤثرا بل ضاغطا. وهنا لا أتكلم عن كتل السلطة والأنظمة السياسية فحسب، بل كما سبق أن فسرت ذلك إنها قضية عامة تتعلق بالسياقات الاجتماعية والأنساق الكلية للحياة في السودان، هي التي تحتاج الكثير من العمل والضغط من أجل التغيير، ابتداء من التقاليد الاجتماعية والتي لم يعد بعضها صالحا بل ضارا، وليس انتهاء بالممارسات والسلوكيات العامة في مناحي مختلفة من وجودنا.
إن أزمة الراهن في محاولة ربطها بالقدر المستقبلي – إن جاز التعبير، ما يفترض أن يكون لهي تتطلب نظرة غير كلاسيكية للأمور في الفكر المجتمعي والأنظمة المدنية التي يجب أن تتغير أدوارها هي الأخرى، وثمة استعداد ملموس في هذا الباب من قبل الأجيال الصاعدة، فقط يتطلب الأمر بذل مزيد من الجهد والعمل لأجل ذلك الغد الأكثر تسامحا مع الذوات.
فالحديث عن عام 2050 ليس مفترضا ولا يقدم أجوبة عما سيحدث، بل هو سؤال تحفيزي يسوق إلى الجدل المنفتح مع الذات في سبيل أن ترى الأفق الأجمل لمآلاتها، كيف يكون عليها أن تعيش في تفكير جديد ومساءلات أكثر ارتباطا بالسلم المدني والحياة المتغيرة التي تنشد الصلاح والإنصلاح، وتحلم بأن تصوغ عقدا إنسانيا للكائن في حيزاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
فبعد أربعين سنة من الآن، ستتغير أشياء كثيرة في العالم ولكن إلى أي حد هي وكيف سيكون تغيرها؟! ذلك أمر صعب التنبؤ به، وحتما سيكون للسودان مجاله داخل هذا التغيير العالمي وربما الكوني، فربما كان البشر يقطنون كوكب المريخ، ومنهم سودانيون! وربما حدث العكس تماما بأن يتردى واقع الإنسانية لتعيش في عصر الكهوف، بإفتراض أن حرب كونية ستدمر كل شيء، وهو افتراض ساذج على أية حال، فالبشر عبر تاريخهم مهما فعلوا من سخافات سيظلون يحافظون على شعرة من الارتباط بهذا الكوكب.
لنضع صورة ذهنية إيجابية جدا. بلد متطور على كافة الأصعدة، الاقتصاد رقم خمسة في العالم لا نبالغ ونقول رقم واحد، ويمكن أن يحدث العكس تماما.. بلد متخلف على كافة الأصعدة وفي ذيل القائمة الدولية بل أسوأ من الوضع الراهن. واحتمال ثالث أن مفهوم الدول بالجغرافية القائمة اليوم قد انتهى وإلى الأبد، فهناك تسامح كوني أزال القوميات والإثنيات وهدم الحدود "الوهمية" وفتح مساحات من التواصل الإيجابي بين الشعوب.
وهكذا يمكن أن تتنوع الافتراضات وتعتمد على خيال الفرد، وعلى قدراته في التصور، ولكن يبقى التفاؤل والأمل بأن يكون المستقبل أفضل من اليوم. بأن يكون ثمة غد جميل فيه مساحة أوسع لهذا البناء الكلي والقدري الذي نسميه بالوطن وعلينا أن نندغم فيه هوية وانتماء وتفكيرا.
في علم تطوير قدرات الذات يفيد الاختصاصيون أن أفضل الطرق لبناء الغد الأفضل تقوم على التصورات الذهنية المسبقة، أن تغمض عينيك وتتخيل ما لا حدود له. هذا ممكن ولأي إنسان أن يتخيل أشياء كثيرة ومعجزات. فالأمل يبدأ بفكرة وبخيال، والإشكال أن بعض الناس أحيانا لا يتوقفون أبدا لكي يحلموا أو يتخيلوا لحياتهم ما هو أفضل. كما أن بعض الدول والحكومات جامدة تماما عن التصورات والتخييل والآمال ولا تفكر بسوى نقط عمياء لا ترى سواها، فهي تعمل على تدوير الوقائع والتاريخ كما هو. فما جرى من حيل وابتكارات لمعالجة المشكلات وتعمية الشعوب هي الوسائل نفسها التي يتم الاشتغال عليها بعد مضي خمس سنوات وكأن الحياة لا تتطور أو تتقدم بل هي ثابتة. والواقع هو العكس فإن الثابت هو خيالهم وقدراتهم ومعرفتهم التي تظل محددة ومحدودة بظن أنهم يملكون الناصية الأعلى للحق والحقيقة، وذلك غير صحيح تماما.
أذكر بما قاله آينشتاين في مقولة مشهورة: "كل ما يتصوره الذهن ممكن".
وبين الممكن و"اللاممكن" مساحة فاصلة يسدها قبل كل شيء الإيمان القوي بالفكرة. إنها سوف تصبح حقيقة ماثلة ذات يوم.. وهو يوم قريب جدا.. "يرونه بعيدا ونراه قريبا". ومن هنا يتشكل الإحساس القوى بانتقال الأفكار من حيز الذهن إلى المرئي والواقعي والملموس، إذ لا يقوم ذلك على سوى الإصرار الذي طابعه معرفي وإدراكي وله بعد عرفاني يتعلق بذكاء الإيمان الفطري والنظيف وليس الملوث بدنس الكبرياء والغرور الأعمى. فالإيمان مهما بلغت قوته أو ضعف في الصور الخارجية، فهو انعكاس أو تجسيد لروح مثابرة تعمل وتكدّ وتخلص من أجل أن ترى الإشراق، وهو بالتالي يتبدى من خلال النتائج الظاهرة والواضحة، إذ لكل صورة أثر ولكل عهد يقين، ولكل نية طيبة بقية أمل في الصفاء والانعتاق وصياغة الأمثل.
وفي اللغة فإن معنى الإشراق أقوى من "الشروق" فالشروق يتكرر يوميا كفعل روتيني. أما الإشراق فهو قوة انفجار لميلاد يتم مرة واحدة، هو قوة باذخة يتمناها المرء أو الذات لينهض بها من مسار عميق من التراجع ومن الهوة ليكون ابن المستقبل والزمان الثاني البعيد، المتجلي في حضارة وتلاقح إنساني يصنع المستحيل كما يقال.
أتمنى وقبل 2050 أن أرى بلدي في مصاف التقدم وأن أرى الشعب السوداني سعيدا بكامل ما تحمله المفردة من معان، حتى لو بدأت هذه التصورات من قبيل التفكير والخيالات بأن نبدأ بتحقيق الحلم بالتأمل والكتابة والفنون والتخيل. أن نوجد لنا تغييرا يبدأ من مسافة خيالاتنا. فما لم يتغير الخيال لن ينعدل الواقع.
Comments
Post a Comment