لؤي قور
أبانا الذي في السموات
أخرج عن صمتك
أو هبنا أنبياء مدججين
بالأمل ..
فهذه الرؤوس المفزوعة
لم يحصدها شئ آخر
سوى الظلام
(من قصيدة “شكلة” – وخز الوطن)
علي امتداد السبعين صفحة من القطع المتوسط، ينشر الشاعر والكاتب الجنوب سوداني “أتيم سايمون” قصائده في مجموعته الشعرية الموسومة بـ”وخز الوطن”، والصادرة مؤخراً عن دار “رفيقي” للطباعة والنشر، حيث حوى الكتاب إضافة للقصائد، نصوصا نثرية من قبيل “بهو الروح”، و”في جدل الخذلان”.
وتطل الحرب التي تدور رحاها في جنوب السودان برأسها من خلال عناوين نصوص “سايمون”، وفي ثناياها، بكل ما حملت من ألم ودموع وخيبات أعقبت حلم الوطن الباذخ والكبير. يقول “سايمون” في نص بعنوان “بهو الروح”:
“وما الحرب إلا تباعد ما كان متشابكاً من أياد، واشتياق أخذ يتبدد سهواً في الجهات، يتردد صداه من خلف نافذة أعياها تجسس الأصدقاء الماهرين في تسلق الحوائط العالية، بحثاً عن نكبات غير محققة، ترى منهم آذاناً أطول من اللامبالاة، واختزال الدروب، لأن اللافتات استعادت لونها من ذات الابتسامة والمصافحة النيئة، فهنيئاً للخريف الذي اشترى العشب بكتابة طازجة، مبذولة الحروف، محسورة الكلم، محشوة بالرصاص الحميم”.
“لماذا وأنت تجاري الشحوب، تفكر في ما قد يحل بي، وأنا كامل العشيرة التي اختارت أن تنتظر انفراج الأكواخ، والمراحات، بالذبائح والطقوس العتيقة؟ دعك مني فالكوابيس التي عشعشت فوق مكتبك المكفهر، أسندت شبقها على وسادة بيضاء، وهمهمت بالرشاوي المبللة بعرق القضية، توجساً من انزعاجك الكبير، فالأحلام القومية محفوفة بالاستيقاظ المبكر للجثث”.
وفي موضع آخر من النص يقول:
“في بهو الروح يرقد الأصيل، بهدوئه المعتاد، فهو لا يأبه بالشموس الغاربة، وسذاجة المرائين حينما تلفظهم البلدة الهاربة، فصفوف الدولار أزاحت الوقار قليلاً، مثلما أن المعدمين من السابلة، وكومة مثقفي التماهي، يتسللون إلى شعابهم بمجرد سقوط الخيط الأول من حواف الأصيل”.
“وأنا شمس الحياة المنبثقة من عتمة البهتان، والخوف اللا متناهي، إياب الناجين من تجربة الموت. يلاحقني غرور الغشاوة عبر محطات صاخبة ببطولات تمجد الزيف وشجرة الشاي”.
وفي نص بعنوان “جدل الخذلان” يقول:
“لملمت حسراتها الحادة إذ ألمها لوم الغائبين، لكنها كتمت همهمات الأمسية الماضية، قتلتها رصاصات انطلقت من خيالها، واستقرت في ظهيرة تعود منها الطيور بكماء، وهي تغرد بإشارات وهمية، تتوخى بها أسراباً معادية الألوان، تخذت أعشاشها من عشب الجفاف الذي اعترى ما كان بيننا من صداقات تفرقت أيدي سبأ، دون اكتراث الشاي الدافئ، ولزوجة الأمسيات المتسربة من تدابير النسيم المنقسم على حبيباته، نقياً كالأصدقاء الذين أومأوا بظلالهم نحو هاوية النكران الضحلة، وضنوا علينا بالنصيحة والإشارة .. فكان أن ودعتهم بعمق مظلم، ومحاكمة عاجلة”.
وفي موضع آخر من النص يقول:
” الصبية تسمرت في السهو، وعلقت نقارتها فوق مشجب الذكريات، تقمصت معركة الوهن، أثقلتها الخسائر، وثمة “سكسك” انفرط من خاصرتها الرفيعة، ولم يشف الرماد غليلها “المنعنع”، ومن شدة غرورها أعلنت الحداد على “الكبابي” الواجمة في تمامها، وأطفأت ما تستطيعه من نار بزخات من زفير الرجاءات الخائبة، وما تعرضت له من خذلان السراب، وكنا – نحن الغافلون – على عجلة من من موتنا على كل حال، فتسامينا هكذا دون التفاتة للوراء”.
وتطل مدن مثل “بانتيو” و”ملكال” في ثنايا نصوص “سايمون” كمدن ألقت عليها الحرب بأثقالها، فصارت على غير ما كانت عليه من وداعة في زمان ما قبل الحروب. يقول في قصيدة له بعنوان “بانتيو”:
في بانتيو الرأفة مسجاة
ولسانها معقود
الأرواح متراصة
أعين تتشبث بالأرض
جافة كتماثيل بلا طلاء
فالحياة مهدرة
والإنسان هكذا
بطبعه يغادر
وهو يحمي أخاه
في خلاصة الإلتصاق المميت
وفي قصيدة بعنوان “ملكال” يقول:
كيف نكتب صفحة جديدة
والحياة لا تزال .. تضيع
في الأفق المحاذي
للهروب
كيف تعود الأغصان
والطيور لا تزال
محلقة
في التهاويم
تقرض الموت
وترك على ذبابات الأسى
الزنخة
كيف ستعرفنا الدروب
ومتى سنجيب
على أسئلة القبور
المتاحة على
مد البصر؟
فهل يلوح الغد
ببعض أصابعه الدامية؟
Comments
Post a Comment