Skip to main content

المعهد - الكلية: أيهما المستفيد أكثر، الموسيقى أم المسرح؟ ------صلاح شعيب

المعهد - الكلية: أيهما المستفيد أكثر، الموسيقى أم المسرح؟
صلاح شعيب
منذ تأسيسه خرج المعهد عددا من الكوادر التي رفدت مجالي الموسيقى والمسرح، ولكن أي كوادر المجالين هذه خدمت الفن أكثر من الأخرى، أم أن الخريجين في المجالين يتعادلون من حيث عطاء التحديث الأعمق في الأغنية والدراما؟ فضلا عن هذا السؤال ربما يترافق آخر معه مؤداه: هل استطاع المعهد، والذي تحول لاحقا إلى كلية تابعة لجامعة السودان التكنولوجية، أداء رسالته أم أن دوره في تحديث تراثنا الإبداعي لم يواز سوى دور كلية الصحافة والإعلام - أمدرمان الاسلامية - أو كلية العلوم السياسية - جامعة الخرطوم - واللتين لم يسهم الخريجون فيها تطوير رسالة الصحافة، والفهم السياسي، بالقدر الذي طوره من هم لا علاقة لهم بدراسة الصحافة، والعلوم السياسية، مطلقا؟
أسئلة كهذه تحتاج الى دراسات، واستطلاعات رأي، ومقاربات، وورش عمل، تضم مختلف المعنيين بالعملية الإبداعية، على أن يتوفر مناخ من الحوار الموضوعي الحادب، إذا كان لا بد من القناعة بأن أي تجربة أكاديمية قابلة للمراجعة. وتستحق جرد عطائها لمعرفة ما إذا كانت بحاجة إلى تطوير، أو إعادة تأسيس. ومبلغ علمي أن مؤسساتنا التعليمية برغم رسوخها في تاريخنا التعليمي الحديث إلا أنها لم تتطور، بل تراجع دورها، نظرا لغياب الاستقرار السياسي الذي أضر بها. بل إن المعهد، وهو موضوعنا الأساسي هنا، عانى الأمرين. فمنذ تأسيسه عام 1969 تأرجح بين التبعية لوزارة الثقافة والإعلام والتبعية للتعليم العالي. والأنكى وأمر أن طلبته كانوا يتراوحون بين الفينة والأخرى حول المكان واللا مكان. وقد خلق ذلك عدم استقرار في المؤسسة، وتبع ذلك إرهاق لذهنية الطالب أو الطالبة. ولعله المؤسسة التعليمية الوحيدة التي عجزت الحكومات السابقة عن إيجاد مقر ثابت لها. وربما كانت حكومة الإنقاذ هي الوحيدة التي حسمت بجدية أمر المقر بعد أن ألحقت المعهد بجامعة السودان، وصار من ثم كلية تتبع له.
ولا ندري حتى الآن إلى أي مدى أسهم هذا الاستقرار النسبي للكلية في زيادة عطائها، مقارنة بالفترة السابقة التي كان فيها المعهد مؤسسة قائمة بذاتها. ولكن على كل حال يبقى السؤال قائما حول علاقة المعهد - الكلية بتطوير التراث السوداني قياسا بالصرف الذي تم له، وقياسا بحساب الزمان، إذ إنه يقترب من يوبيله الذهبي، ولا ندري إن كان المتخرجين فيه، أو خريجو الكلية بجامعة السودان يخططون للاحتفال بهذه المناسبة، وبحث كلفة هذا التاريخ، وإلى أي مدى تم تجديد المناهج المقررة، والمكتبة الموسيقية والمسرحية، ودور الخريجين في سوق العمل، والإبداع، والبعثات التعليمية، والتعاون مع الجامعات المماثلة في ما خص الدراسات العليا، ونشر رسائل الماجستير والدكتوراة المهمة، والخطط البحثية التي تزمع الإدارة تنفيذها على ضوء التطورات في المجالين. وهناك غيرها من الهموم العلمية التي لا بد أن توقر في ذهن الحادبين على التجربة، والمسؤولين عنها نهار اليوم!. ويبقى السؤال الآخر الخاص بالمقاربة بين أداء الخريجين في المجالين الإبداعيين. وذلك في واقع ندرك خلاله أن الثلاثين عاما الأخيرة شهدت تراجعا في كيف، وكم، الإنتاج الغنائي والمسرحي الذي أوجد تأثيره غير المشكوك في ذهن المستهلك، أو المتلقي.
-1-
لا شك ان التعليم الجامعي في بلادنا قام على أساس الاحتياج الشديد له في سوق العمل، أو المساهمة في المشاريع الإنمائية، أو ترقية الوعي، أو دعم الجهاز البيروقراطي بخبرات تعين في بناء الدولة. ومن هنا كانت فلسفة إنشاء المعهد لتحسين شرط الابداع المسرحي، والغنائي، والإذاعي، والتلفزيوني، وكذا ترقية النقد الفني. وقد ساهمت دفعات المعهد المتعاقبة في صقل مواهب بعض المبدعين أكثر من أن تنجب مبدعين خرجوا بفنونهم من داخل المعهد نفسه. فالدفعات الأولى التي تم قبولها كانت تضم مبدعين أصلا، أثبتوا وجودهم في الساحة الفنية، ولم ينقصهم شيء، آنئذ، سوى البعد الاكاديمي الذي يفتح لهم آفاق معرفية جديدة لتطوير ثقافتهم العامة، ورفدهم بالمنهجيات الفنية الإنسانية. وقد أثبتت قلة من الخريجين في قسم الموسيقى في تطوير فنوننا ولكن نكاد نعدهم بالأصابع. وهذ القلة القليلة نهضت لتجيب على أسئلة التحديث، ولكنها أخفقت في تطوير الألحان قياسا بتراكمات لحنية للجيل الذي سبقها، ولم تتح له فرصة التخصص العلمي. فالمبدعون الذين لم يدخلوا المعهد ما تزال أعمالهم هي الأكثر قدرة على جذب الجمهور. ففنان واحد مثل برعي محمد دفع الله كان يمثل لوحده مؤسسة فنية واستطاع بجانب ألحانه الشيقة أن يسهم في العمل الإداري. ويشك المرء أن يرى ألحانا سلسبيلا من الجيل الجديد جارت أعماله طوال الثلاثة عقود الأخيرة، من حيث بنائيتها، وتنوعها، وحبكتها. ربما يصح القول إن المعهد قبل تحوله لكلية ساهم في تطوير الأداء الآلي من جهة، والاوركسترالي من جهة أخرى، أكثر من تطوير الألحان بالقدر الذي تبني فوق زاد الشجون، أو شجن، أو بعد الغياب، أو المصير، أو طبع الزمن، أو أرحل، مثالا. ولم لا إذا كنا ندرك أن كل جيل يأتي بما لم يستطعه الأوائل. وإذا كنا نتصور أن الفنون تزدهر بين كل فترة وأخرى
ولعل الدارس لتلك الأعمال التي يمكن ان نضيف إليها هذه الصخرة، وغيرها من جياد النغم السوداني، يلحظ أنها مسبوكة نصا، وأداء، وشعرا، ولم يكن ينقصها سوى مواكبة التوزيع الأوركسترالي بالشكل الذي ابتدرته السمندل، وتجارب حصاد التي قادها الأستاذ يوسف الموصلي. وللأسف أن التجربتين توقفتا عند ذاك الحد، ولم يعقبهما شكل من التراكم الآن في ظروف تحسن فيها الإنتاج، وسهل بشكل لا مثيل له في السابق. والملاحظة الأخرى أن تجربة السمندل، وعقد الجلاد، وساورا، باعتبارها من أقوى تجارب الجيل الذي درس في المعهد أخذت الشكل الجماعي، ولكن لم تتطور لأسباب شتى يدركها الكثيرون. ولكن حين تناثرت حبات العقود عجز معظم الأفراد المغنيين، والملحنين، أن يشقوا طريقهم نحو نيل رضا المستمع بالشكل الذي يوازي تجارب الفنانين والملحنين الذين سبقوهم، أو بالشكل الذين ينافسون فيها صناعة النجومية الجديدة التي رسخ لها السر قدور. ولا شك أن هناك عطاء ربما لم يخرج للمتلقي بصورة مكتملة، خصوصا أن الظروف التي واجهت تشرد السودانيين في المنافي، وعدم الاستقرار الكافي لهؤلاء الفنانين في أوطانهم الجديدة عوقت استمرارية، أو إخراج ذلك العطاء النغمي. ولكن الحقيقة المرة أن عمر إثبات الفنان، أو المبدع، عموما لموهبته قصير. فمعظم مبدعينا المغنين أثبتوا حضورهم القوي في المشهد الغنائي قبل أن يتجاوزوا عمر الثلاثين. بعضهم حين وصل إلى الأربعين بدت إضافاته باهرة ومقنعة. وهناك قليلون من استمروا في ضخ الإبداع حتى سن الخمسين بذات فاعلية منتصف الثلاثينات. والسؤال هو: إذا لم يستطع الفنان أن يقنع الجمهور قبل وصوله إلى سن الخمسين فمتى يا ترى يبزغ نجمه؟. وللأسف الشديد أن عدم تصنيف الأساليب اللحنية السودانية وتقديم دراسات عليا عنها حرمت الكثير من خريجي المعهد المؤلفين من معرفة أسرار هذا النجاح في حيازة أذن المستمع. فالمتوقع كان أن تكون أسرار الأساليب لحنية مدروسة باستفاضة. ففنانين مثل عبد الرحمن الريح، وعثمان حسين، وأحمد المصطفى، وبرعي محمد دفع الله، وعبد اللطيف خضر، ومحمد الأمين، والكابلي، وأبو عركي، ومصطفى سيد أحمد، وغيرهم، كان ينبغي أن يكونوا مشاريع تخرج لنيل الدكتوراة حتى. وذلك كما تفعل البلدان التي تقدر مبدعيها ،وتحافظ على تراثها الوطني، إذ إن الاعتماد على المنهجية الأوروبية لدراسة الموسيقى ليس كافيا. ذلك إذا كان الهدف هو فهم خصائصنا الموسيقية التي تنمي وجداننا القوي، وتقديمها كمساهمة للعالم بقليل من التشذيب، كما فعلت موسيقى الصحراء، وغرب أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وشرق آسيا، ووجدت حضورا عالميا بالرغم من أن ثرائنا النغمي والإيقاعي يندر أن تجد له مثيلا له.
-3-
ربما كان تأثير المعهد - الكلية الإيجابي على الدراما، والمسرح، والنقد، أكثر نفعا. ففي مرحلة السبعينات، والثمانينات، وحتى منتصف التسعينات كانت الساحة قد استوت على جودي التحديث على مستوى تقنيات التمثيل، والإخراج، في كل ما له علاقة بالعمل الدرامي. كانت المواسم المسرحية المنتظمة قد صقلت تجارب خريجي المعهد في وقت كان التوزيع الموسيقي الأوركسترالي يتم على مستوى حفلات التخرج فقط. والملاحظ أيضا أن مستوى العمق الذي تناول به خريجو الدراما كان قد تنوع بالنهل من المدارس الفكرية كافة، فيما سيطرت السودانوية، والتأكيد عليها ضمن معظم النصوص المقدمة، في ذهن المؤلفين الدراميين. بل تمت سونة الكثير من الأعمال العربية، والأفريقية، والعالمية، انطلاقا من تجارب جيل الرواد في سودنة عدد مهول من الأعمال الإنسانية. وإذا نظرنا إلى نماذج نبتة حبيبتي ـ هاشم صديق ومكي سنادة، ومأساة يرول ـ الخاتم عبدالله والسماني لوال، وأربعة رجال وحبل ـ ذو الفقار حسن عدلان وقاسم أبو زيد، والسكة حديد قربت المسافات ـ عبدالله علي إبراهيم وأسامة سالم، فإننا نلحظ تطورا كبيرا للمسرح السوداني في الموضوع، والتمثيل، والإخراج، بالقياس إلى فترة الرواد الذين لم يتسن لهم النهل العلمي التخصصي في المجال.
إن كثافة الأعمال التي قدمها خريجو المعهد تجوهرت على مستوى الإذاعة، والتلفزيون، ولا يمكن أن نتجاوز محطة التلفزيون الأهلية، وفرقة الأصدقاء، ونمارق، وجماعة السديم، وكواتو، وشوف. ولولا ظروف انقلاب الحركة الإسلامية لخلصنا إلى تطور مفارق في أعمالنا الدرامية. ليس ذلك فحسب فقد امتد التأثير الأكاديمي إلى مجال السينما السودانية، وشهدنا أعمالا كثيرة أخرجها، ومثل، فيها عدد من أجيال الخريجين. فضلا عن ذلك ففي مجال المقاربة بين المجهودات النقدية لخريجي المجالين نلاحظ أن هناك تراثا ضخما للكتابات النقدية، والدرامية، التي تضمه أرفف الأرشيف. ما ميز خريجي الدراما أيضا إسهامهم الملحوظ في التعلية من شأن التجريب المسرحي، وربما ساعد في ذلك استنادهم أثناء الدرس على معارف من التجارب العالمية في هذا المضمار. ومن ناحية أخرى كان الدراميون مدركين للتجارب القديمة للعبادي وإسماعيل أبو الروس ووجود تواصل بين المحاضرين في المعهد وجيل خورشيد وأحمد عاطف وميسرة السراج ويس عبد القادر. والملاحظ هنا أنه كثرة المعوقات التي تواجه الإنتاج المسرحي الدرامي.
ليس من غاية هذه الكتابة فتح حوار حول مدى استفادة الغناء والدراما من نشوء مؤسسة أكاديمية رسمية تعنى بهما فحسب، وإنما إثارة موضوع التأهيل الأكاديمي في المجالين لدواعي تحديث الفنون السودانية المعنية. وربما كان الابتعاد عن البلاد لمدى عقدين من الزمان حرمنا من التطورات الحادثة على أرض الواقع، ولكن من خلال متابعتنا عبر الإعلام نلمس أن هناك أجيالا جديدة أيضا لديها تصورات درامية وغنائية بعيدا عن اعتمادها على النهل الأكاديمي، سوى أنه ما يزال التوافق بين الموهبة الفنية وبين الصقل الأكاديمي معينة للإبداع أكثر، ولكنه ليس لازما. والسؤال المهم هو كيف الموائمة بين إمكانية التجديد في المجالين بالاستفادة من الميديا الحديثة، خصوصا أن التعذر بالتهميش الإعلامي ما عاد يكفي للبيات الشتوي الفني. صحيح أن فرص الأغنية أفضل أكثر من فرص الدراما والمسرح، ولكن زمن إبداع المبدع المسرحي مهدد بالضياع. إذ إننا نلاحظ أنه في العقدين الأخيرين تعطلت إمكانية الإنتاج المسرحي والدرامي بشكل منتظم، ما خلا محاولات مثابرة متفرقة هنا وهناك. بل إن المسرح القومي أصبح ساحة للحفلات الغنائية أكثر من كونه خُصص أصلا لعرض المسرحيات كما كان الحال إبان عهده الذهبي.

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe