Skip to main content

الحوار مع الولايات المتحدة------------ ماهي طبيعته وماذا يراد منه؟ (2-2) حاتم بابكر عوض الكريم

 
" قال الراهب لجاليلو في احدى مسرحيات برخيت : ( انه عبثا يهتاج ويجازف بحياته لان الحقيقة ستظهر، على كل حال للعيان) فاجابه جاليلو:( كلا لن تظهر الحقيقة للعيان الا بقدر ما نظهرها نحن بانفسنا)"

في الحوار مع الولايات المتحدة لابد ان يهتم بالحوار مع العقل الامريكي. والعقل الامريكي نقصد به( الاتجاه الفكري الذي ينتج علماء النفس والاجتماع المؤرخون ونواب الكونغرس والباحثون المتفرغون في مراكز البحوث التابعة للخارجية الامريكية والجامعات ووكالة الاستخبارات المركزية ....الخ).فالمعروف ان العقل الامريكي لم يترك اي فرصة سياسية او علمية لاثبات ان الولايات المتحدة الامريكية تعج بالتنوع والتعدد في الخلفيات الثقافية والعرقية والدينية كما تتنوع وتتعدد في المفاهيم والاراء والتقاليد ووجهات النظر حتى اعتقد البعض ان الولايات المتحدة لاتتحكم فيها ايدولوجيا على الاصلاق.فمن السخافة انكار وجود التعدد والتنوع غير المحدود للتصورات والاراء والمفاهيم في الولايات المتحدة الامريكية صحيح كم هي متناقضة ومتباينة ومتعارضة فهناك الاراء المحافظة واللبرالية والمعتدلة والراديكالية واليمينية واليسارية فكم التعدد والتنوع يبلغ درجة تجعل النظرة الاولى تقود الى انه في الولايات المتحدة لا توجد "ايدولوجيا" سائدة ومسيطرة اي وجهة نظر  رسمية معترف بها عليها تتم مقاييسة ومعايرة القيم والمبادي وتصاغ المواقف والقرارات التي تحدد توجه الاوساط الحاكمة من اوضاع الداخل الامريكي وفي السياسة الدولية. ففي الولايات المتحدة وجهة النظر الرسمية لاتقتصر على الداخل الامريكي فحسب بل هي دوما مادة "للتصدير الايدلوجي" من الولايات المتحدة الى كل العالم. فماهي اهم خصائص الايدلوجيا الامريكية وماهي وسائل نشرها في العالم؟ فالاجابة على هذا السؤال الضخم يتطلب منا الوفق عند بعض النقاط.
اولا:- مضمون الايدلوجيا للسياسة الخارجية الامريكية، تصورات الشعب الامريكي عن دور بلادهم في ضبط السياسة الدولية، اي اهداف السياسة الخارجية الامريكية واساليبها لتحقيق اهدافها – هنا تجدر الاشارة الى مذاهب واشنطون السياسية والعسكرية الاستراتيجية خلال القرن العشرين وبداية الالفية الثالثة- سنجد سجل حافل من استخدام القوة في تغيير مسارات السياسة الداخلية في بلدان اسيا واروبا وامريكا الجنوبية وافريقيا.
ثانيا:- اساليب وآليات نشر الايدولوجيا الامريكية.ففي الحقيقة هي شبكة متشعبة جدا من هيئات ومراكز بحوث واجهزة دعاية تؤدي وظائف متعددة ومتنوعة ولكنها متكاملة تستخدم اساليب الحملات الدعائية نحو " الحرب على الارهاب" و" حقوق الانسان" و"نشر الديمقراطية بل مئات من الحملات التي تخضع لبعض السنن العامة.
ثالثا:- نتائج نشر الايدلوجيا الامريكية، فالدعاية الامريكية سمعية وبصرية وبكافة الوسائل المتاحة ينتج عنها الدخول في عمق تماسك بنية المجتماعات وتراكيبها السكانية وروابطها المجتمعية والنفسية.تاثير الايدلوجيا يختلف من دولة لدولة وقارة فتاثيرها على اسيا يختلف عن تاثيرها على اوربا وعلى بلد كالهند اوباكستان عنها ككوريا الشمالية والصين وروسيا. فالبضاعة الاكثر رواجا للايدلوجيا الامريكية هي نمط الحياة الامريكية. ومن النتائج السلبية لنشر الايدلوجية الامريكية انتشار العداء للولايات المتحدة الامريكية.
 اما مضمون السياسة الخارجية الامريكية يتصل بدور امريكا في ابراز طاقتها العسكرية والاستخبارية ففي خلال القرن العشرين نشرت الولايات المتحدة قواتها في عشرات البلدان  في قارات العالم كافة كما لها اساطيل وحاملات طائرات تجوب البحار والمحيطات يكفي انها الدولة الوحيدة التي استعملت عمليا اسلحة الدمار الشامل الحرب الكونية الثانية ( 1939-1945).بالنظر لتجربة احتلال العراق افغنستان ودورها الراهن في الحرب على الارهاب نجد عظم الشقة بين الشعب الامريكي وصناع السياسة الامريكية. فالملاحظ انه لم يبدي الامريكيون بغالبيتهم عدم اكتراث لسلوك قواتهم في الخارج ومايجلبه عليهم من سخط وكراهية قصص سجن بوغريب والسجون السرية في العديد من البلدان التي خضع لها الالوف اضافة للاغتيلات المنظمة التي لم تميز المدنين في اليمن والصومال ولبنان وسوريا ....الخ فالحقيقة التي لا مراء فيها ان الولايات المتحدة على الاعم والاغلب بلد سكانه قليلي الاضطلاع وغيرمبالين بمصائب الاخرين وهمومهم.
فادارة الحرب على الارهاب بعد احداث 11/ سبتمبر تؤكد ان الولايات المتحدة تدار بالديماغوجية اكثر من الاقناع ، بالقوة اكثر من القانون، وبالعادات والتقاليد  اكثر من الاحترام والاهتمام اي بقوة الفولاذ بالكراهية والشيفونية والتعصب اكثر من الاعتراف بنمط اخر للتفكير. ففي الولايات المتحدة تسيطر القوالب الجاهزة والاساطير على الاعلام اكثر من الوقائع و المعلومات الموضوعية والمعارف. فالدعاية الامريكية وظيفتها " غسل الادمغة" ومن ثم الموافقة بطيب خاطر على القاء المسؤولية على الادارات والحكومات مهما كانت تستخدمه الاوساط الحاكمة في اهدافها فالنتيجة يجعل اعداد كبيرة ( الاغلبية) بمثابة اداء عمياء لدوائر السلطة الامريكية التي تسعى لتحقيق اهدافها بكافة السبل ولا تتورع من استخدام القوة المفرطة. فالدعاية الامريكية تجعل الاغلبية من الشعب الامريكي تعتقد ان الاوهام والاكاذيب حقائق ذلك لان الخطاب السياسي في الاصل يبيع الاثارة كاخبار والديماغوجية فضيلة والتعصب وطنية. فالافلام الرائجة ذات نوعية متدنية والكتب الدعومة التي توزع في اوسع نطاق تزرع الكراهية والتميز والعنصرية وتلك هي اذن اليات صياغة المجتمع والوعي الجماهيري.فالالة الاعلامية الضخمة تهدف فيما تهدف للانحدار بالقيم الروحية للانسان وتقوده ناحية الغرائزية وتعق فيه هوة السذاجة. هذا الجو الخانق لايولد صدفة بل تصنعة الاوساط المسيطرة بمكر ودهاء وبوعي وبصورة هادفة كي تصبح العقلية السائدة تؤمن بالعنف لهذا يصاغ بعناية لشخصية "عدوة" تهدد وجود الولايات المتحدة نفسها. فاسطور الخطر السوفيتي جعلت الولايات المتحدة تتماسك في مطاردة السيوعية والخطر السوفيتي الوشيك. وهي ذات الدعاية الامريكية التي جعلت العالم اجمع يصدق ان نظام البعث في العراق يمتلك اسلحة دمار شامل وطائراتها قبل اعوام دمرت البرنامج النووي العراقي قبل مراحل التشغيل. وفي الحرب على الارهاب ومطاردة تنظيم " الدولة الاسلامية داعيش" والقاعدة تحرك في العقل الجمعي العالمي ضد الاسلام عموما ومحاربة التطرف الاسلامي بسم الاسلامو فوبيا. والان الرئيس ترامب يستعدي الشعب الامريكي من البلدان الاسلامية باعتبارهم مصدر العنف والارهاب المهدد للحضارة الانسانية. فالان تستعمل الولايات المتحدة كل زخم العلم والتكنيك لاقناع العقل الامريكي والعالم بان الاسلام جسم غريب على الحضارة وان المسلمون هم العدو الاول للامن والسلم الدولين.كما انها قطعت شوطا بعيدا في تحريك الراي العام العالمي ناحية العداء للاسم والمسلمين .
 الاعلام الامريكي بوسائله المتطورة والناجزة والفاعلة وطاقاته التاثيرية الحاسمة كلها يعمل في دعم سلطة السياسة الامريكية وتدعيمها فوظيفة الاعلام الامريكي هو صياغة الوعي العالمي وتشكيل الراي العام الموالي. فالسياسة دوما تفقد الاعلام مهنيته وموضوعيته وتخلق منه خادما امينا لتشكيل توجهات النظام عبر الدعاية التي دائما ما تخلق لها اعداء وهميون، وتشوه الحقائق والوقائع بتفنن يجعل تصورات السلطات السياسية سائدة وذلك باستخدام العواطف والانفعالات وعناصر الوعي غير العقلانية. فالنظام الامريكي يطيل عمره بالتهديد باستخدام القوة واستخدامها ويدخل ضمن ذلك التهديد باستخدام اسلحة الدمار الشامل التي يمكن ان تبيد الحضار الانسانية. برغم ذلك يصور الاعلام الامريكي الولايات المتحدة الامريكية حامية وحاملة قيم الانسانية والديمقراطية والسلام مع الاصرار  على كراهية كل ماهو غير امريكي وتحديد كل من يسعى للاستقلال وتقديم نفسه اخر.
ماهي طبيعة الحوار مع العقل الامريكي؟ وماذا يراد منه؟
 حوار الشرق الاوسط مع الولايات المتحدة الامريكية  يبدا من ادراك طبيعة الولايات المتحدة ويقوم على مبدا الذاتية والاستقلال الذي ترفعه كل الجماعات الانسانية هذا يتطلب  بناء كتلة اقليمية تستوعب الجامعة العربية وايران واوسط اسيا وتركيا وافريقيا على مبدء الشعور بالمسؤلية وادراك الذات وقيمتها ورسالتها وانسانيتها ورغبة الشعوب في المساهمة الايجابية في الحضارة. كما يؤمن هذا التكتل بالتطور العلمي التكنولوجي وتطوير الذات والاستعداد لشركات تنشىء اسواق جديد وتفتح المجال لحركة راس المال في بناء السلام والنماء والاعمار كما تحرك قوة التراث ليتمظهر كاضافة للمعاصرة واستيعاب المعاصرة التي يقصد بها تفعيل الحضارة ومايتطلبه ذلك من تبادل واخذ من النماء المادي الامريكي.
فحوار الشرق الاوسط مع الولايات المتحده يبدا من معالجة الذهن السائد بالتحرر من التقليدية بانتاج وعي جديد ومواقف جديدة وسلوك نفسي اجتماعي جديد ناجم عن تحريك التوازنات التاريخية والاجتماعية، ولايتم ذلك الابتجاوز التقليدية والتجاوز لايعني الالغاء، وانما يعني انتاج حلول افضل للمشاكل المحلية والوطنية والاقليمية ومن ثم المساهمة الفاعلة في المشكلات العالمية من هجرة وتلوث  واحتباس حراري وانتشار اسلحة الدمار الشامل والعنف والمخدرات. كما يجب اقناع العقل الامريكي بان حل مشكلات الشرق الاوسط لن تتاتى بالحلول المستوردة او منظور الغرب الموجود اليوم المستند على العنف، فمشكلات الشرق الاوسط لم تعد اولية كما كانت في القرن العشرين بل هي محور المواجهة الدولية المحتدمة في الراهن. بل هي التحدي الاكبر امام الامن والسلم العالمين من هنا يصبح من الضروري مشاركة الشرق الاوسط من واقع الابداع والمساهمة الايجابية لا من موقع المستهلك والتابع. فمعالجة ازمة الشرق الاوسط هي الدخل لتجاوز العجز في الفعل هنا تتاتى ضرورة النقلة العلمية المعرفية التكنولوجية اي تتحول الرقعة الجغرافية ذات الاهمية الحيوية الى سوق عالمية مفتوحة  للعمل والاناج والبناء والاعمار ذلك بالافلات الفكري والعملي من قبضة التخلف والصراعات البدائية ولن يتم ذلك الابتفعيل القدرات الفكرية والثقافية للمجمعات والانفتاح على تطور العالم بوعي صحي خلاق. فلكي تتحقق الطموحات العظيمة لابد ان يتجسد حوار الشرق الاوسط مع العقل الامريكي حول الارتقاء بالاقتصاد في شراكة منهجية تزيد الانتاج والانتاجية وتحقق الاستقرار الاجتماعي اي باحداث تجديد اقتصادي كمي وقياسي من اجل مجابهة التحديات المشتركة.
                                                                 السودان – امدرمان             
                                                               حاتم بابكر عوض الكريم
                                                            اغسطس/2017م

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil...

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن...

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m ...