" قال الراهب لجاليلو في احدى مسرحيات برخيت : ( انه عبثا يهتاج ويجازف بحياته لان الحقيقة ستظهر، على كل حال للعيان) فاجابه جاليلو:( كلا لن تظهر الحقيقة للعيان الا بقدر ما نظهرها نحن بانفسنا)"
اولا:- مضمون الايدلوجيا للسياسة الخارجية الامريكية، تصورات الشعب الامريكي عن دور بلادهم في ضبط السياسة الدولية، اي اهداف السياسة الخارجية الامريكية واساليبها لتحقيق اهدافها – هنا تجدر الاشارة الى مذاهب واشنطون السياسية والعسكرية الاستراتيجية خلال القرن العشرين وبداية الالفية الثالثة- سنجد سجل حافل من استخدام القوة في تغيير مسارات السياسة الداخلية في بلدان اسيا واروبا وامريكا الجنوبية وافريقيا.
ثانيا:- اساليب وآليات نشر الايدولوجيا الامريكية.ففي الحقيقة هي شبكة متشعبة جدا من هيئات ومراكز بحوث واجهزة دعاية تؤدي وظائف متعددة ومتنوعة ولكنها متكاملة تستخدم اساليب الحملات الدعائية نحو " الحرب على الارهاب" و" حقوق الانسان" و"نشر الديمقراطية بل مئات من الحملات التي تخضع لبعض السنن العامة.
ثالثا:- نتائج نشر الايدلوجيا الامريكية، فالدعاية الامريكية سمعية وبصرية وبكافة الوسائل المتاحة ينتج عنها الدخول في عمق تماسك بنية المجتماعات وتراكيبها السكانية وروابطها المجتمعية والنفسية.تاثير الايدلوجيا يختلف من دولة لدولة وقارة فتاثيرها على اسيا يختلف عن تاثيرها على اوربا وعلى بلد كالهند اوباكستان عنها ككوريا الشمالية والصين وروسيا. فالبضاعة الاكثر رواجا للايدلوجيا الامريكية هي نمط الحياة الامريكية. ومن النتائج السلبية لنشر الايدلوجية الامريكية انتشار العداء للولايات المتحدة الامريكية.
اما مضمون السياسة الخارجية الامريكية يتصل بدور امريكا في ابراز طاقتها العسكرية والاستخبارية ففي خلال القرن العشرين نشرت الولايات المتحدة قواتها في عشرات البلدان في قارات العالم كافة كما لها اساطيل وحاملات طائرات تجوب البحار والمحيطات يكفي انها الدولة الوحيدة التي استعملت عمليا اسلحة الدمار الشامل الحرب الكونية الثانية ( 1939-1945).بالنظر لتجربة احتلال العراق افغنستان ودورها الراهن في الحرب على الارهاب نجد عظم الشقة بين الشعب الامريكي وصناع السياسة الامريكية. فالملاحظ انه لم يبدي الامريكيون بغالبيتهم عدم اكتراث لسلوك قواتهم في الخارج ومايجلبه عليهم من سخط وكراهية قصص سجن بوغريب والسجون السرية في العديد من البلدان التي خضع لها الالوف اضافة للاغتيلات المنظمة التي لم تميز المدنين في اليمن والصومال ولبنان وسوريا ....الخ فالحقيقة التي لا مراء فيها ان الولايات المتحدة على الاعم والاغلب بلد سكانه قليلي الاضطلاع وغيرمبالين بمصائب الاخرين وهمومهم.
فادارة الحرب على الارهاب بعد احداث 11/ سبتمبر تؤكد ان الولايات المتحدة تدار بالديماغوجية اكثر من الاقناع ، بالقوة اكثر من القانون، وبالعادات والتقاليد اكثر من الاحترام والاهتمام اي بقوة الفولاذ بالكراهية والشيفونية والتعصب اكثر من الاعتراف بنمط اخر للتفكير. ففي الولايات المتحدة تسيطر القوالب الجاهزة والاساطير على الاعلام اكثر من الوقائع و المعلومات الموضوعية والمعارف. فالدعاية الامريكية وظيفتها " غسل الادمغة" ومن ثم الموافقة بطيب خاطر على القاء المسؤولية على الادارات والحكومات مهما كانت تستخدمه الاوساط الحاكمة في اهدافها فالنتيجة يجعل اعداد كبيرة ( الاغلبية) بمثابة اداء عمياء لدوائر السلطة الامريكية التي تسعى لتحقيق اهدافها بكافة السبل ولا تتورع من استخدام القوة المفرطة. فالدعاية الامريكية تجعل الاغلبية من الشعب الامريكي تعتقد ان الاوهام والاكاذيب حقائق ذلك لان الخطاب السياسي في الاصل يبيع الاثارة كاخبار والديماغوجية فضيلة والتعصب وطنية. فالافلام الرائجة ذات نوعية متدنية والكتب الدعومة التي توزع في اوسع نطاق تزرع الكراهية والتميز والعنصرية وتلك هي اذن اليات صياغة المجتمع والوعي الجماهيري.فالالة الاعلامية الضخمة تهدف فيما تهدف للانحدار بالقيم الروحية للانسان وتقوده ناحية الغرائزية وتعق فيه هوة السذاجة. هذا الجو الخانق لايولد صدفة بل تصنعة الاوساط المسيطرة بمكر ودهاء وبوعي وبصورة هادفة كي تصبح العقلية السائدة تؤمن بالعنف لهذا يصاغ بعناية لشخصية "عدوة" تهدد وجود الولايات المتحدة نفسها. فاسطور الخطر السوفيتي جعلت الولايات المتحدة تتماسك في مطاردة السيوعية والخطر السوفيتي الوشيك. وهي ذات الدعاية الامريكية التي جعلت العالم اجمع يصدق ان نظام البعث في العراق يمتلك اسلحة دمار شامل وطائراتها قبل اعوام دمرت البرنامج النووي العراقي قبل مراحل التشغيل. وفي الحرب على الارهاب ومطاردة تنظيم " الدولة الاسلامية داعيش" والقاعدة تحرك في العقل الجمعي العالمي ضد الاسلام عموما ومحاربة التطرف الاسلامي بسم الاسلامو فوبيا. والان الرئيس ترامب يستعدي الشعب الامريكي من البلدان الاسلامية باعتبارهم مصدر العنف والارهاب المهدد للحضارة الانسانية. فالان تستعمل الولايات المتحدة كل زخم العلم والتكنيك لاقناع العقل الامريكي والعالم بان الاسلام جسم غريب على الحضارة وان المسلمون هم العدو الاول للامن والسلم الدولين.كما انها قطعت شوطا بعيدا في تحريك الراي العام العالمي ناحية العداء للاسم والمسلمين .
الاعلام الامريكي بوسائله المتطورة والناجزة والفاعلة وطاقاته التاثيرية الحاسمة كلها يعمل في دعم سلطة السياسة الامريكية وتدعيمها فوظيفة الاعلام الامريكي هو صياغة الوعي العالمي وتشكيل الراي العام الموالي. فالسياسة دوما تفقد الاعلام مهنيته وموضوعيته وتخلق منه خادما امينا لتشكيل توجهات النظام عبر الدعاية التي دائما ما تخلق لها اعداء وهميون، وتشوه الحقائق والوقائع بتفنن يجعل تصورات السلطات السياسية سائدة وذلك باستخدام العواطف والانفعالات وعناصر الوعي غير العقلانية. فالنظام الامريكي يطيل عمره بالتهديد باستخدام القوة واستخدامها ويدخل ضمن ذلك التهديد باستخدام اسلحة الدمار الشامل التي يمكن ان تبيد الحضار الانسانية. برغم ذلك يصور الاعلام الامريكي الولايات المتحدة الامريكية حامية وحاملة قيم الانسانية والديمقراطية والسلام مع الاصرار على كراهية كل ماهو غير امريكي وتحديد كل من يسعى للاستقلال وتقديم نفسه اخر.
ماهي طبيعة الحوار مع العقل الامريكي؟ وماذا يراد منه؟
حوار الشرق الاوسط مع الولايات المتحدة الامريكية يبدا من ادراك طبيعة الولايات المتحدة ويقوم على مبدا الذاتية والاستقلال الذي ترفعه كل الجماعات الانسانية هذا يتطلب بناء كتلة اقليمية تستوعب الجامعة العربية وايران واوسط اسيا وتركيا وافريقيا على مبدء الشعور بالمسؤلية وادراك الذات وقيمتها ورسالتها وانسانيتها ورغبة الشعوب في المساهمة الايجابية في الحضارة. كما يؤمن هذا التكتل بالتطور العلمي التكنولوجي وتطوير الذات والاستعداد لشركات تنشىء اسواق جديد وتفتح المجال لحركة راس المال في بناء السلام والنماء والاعمار كما تحرك قوة التراث ليتمظهر كاضافة للمعاصرة واستيعاب المعاصرة التي يقصد بها تفعيل الحضارة ومايتطلبه ذلك من تبادل واخذ من النماء المادي الامريكي.
فحوار الشرق الاوسط مع الولايات المتحده يبدا من معالجة الذهن السائد بالتحرر من التقليدية بانتاج وعي جديد ومواقف جديدة وسلوك نفسي اجتماعي جديد ناجم عن تحريك التوازنات التاريخية والاجتماعية، ولايتم ذلك الابتجاوز التقليدية والتجاوز لايعني الالغاء، وانما يعني انتاج حلول افضل للمشاكل المحلية والوطنية والاقليمية ومن ثم المساهمة الفاعلة في المشكلات العالمية من هجرة وتلوث واحتباس حراري وانتشار اسلحة الدمار الشامل والعنف والمخدرات. كما يجب اقناع العقل الامريكي بان حل مشكلات الشرق الاوسط لن تتاتى بالحلول المستوردة او منظور الغرب الموجود اليوم المستند على العنف، فمشكلات الشرق الاوسط لم تعد اولية كما كانت في القرن العشرين بل هي محور المواجهة الدولية المحتدمة في الراهن. بل هي التحدي الاكبر امام الامن والسلم العالمين من هنا يصبح من الضروري مشاركة الشرق الاوسط من واقع الابداع والمساهمة الايجابية لا من موقع المستهلك والتابع. فمعالجة ازمة الشرق الاوسط هي الدخل لتجاوز العجز في الفعل هنا تتاتى ضرورة النقلة العلمية المعرفية التكنولوجية اي تتحول الرقعة الجغرافية ذات الاهمية الحيوية الى سوق عالمية مفتوحة للعمل والاناج والبناء والاعمار ذلك بالافلات الفكري والعملي من قبضة التخلف والصراعات البدائية ولن يتم ذلك الابتفعيل القدرات الفكرية والثقافية للمجمعات والانفتاح على تطور العالم بوعي صحي خلاق. فلكي تتحقق الطموحات العظيمة لابد ان يتجسد حوار الشرق الاوسط مع العقل الامريكي حول الارتقاء بالاقتصاد في شراكة منهجية تزيد الانتاج والانتاجية وتحقق الاستقرار الاجتماعي اي باحداث تجديد اقتصادي كمي وقياسي من اجل مجابهة التحديات المشتركة.
السودان – امدرمان
حاتم بابكر عوض الكريم
اغسطس/2017م
Comments
Post a Comment