يتنبأ العلم أن الحمل والإنجاب، قد لا يصبح حكرًا على النساء، وأن هذه العملية البيولوجية اللازمة لبقاء النوع، يمكن أن تتحكم فيها التكنولوجيا بالكامل، ويعنى هذا أننا أمام عصر جديد أقرب للخيال العلمي؛ إذ يمكننا فقط أن نتصور ما الذي ستؤول إليه البشرية.
يقول العلماء إنه من الممكن تكوين أجنة دون الحاجة لبويضات، وهو ما يعني إنجاب الأطفال دون الحاجة لنساء، وهذه الطريقة التي اكتشفها العلماء، تعد فريدة من نوعها في إنتاج أجنة دون الحاجة لبويضات، وإنما يمكن لخلايا أخرى بالجسم أن تحل محلها.
إعادة برمجة الحيوانات المنوية لإنتاج نسل من الفئران
من المعروف أن علمية «الإخصاب» تعتمد على عدد من عمليات الدمج والانقسام التي يتحد فيها الحيوان المنوي مع البويضة؛ لتكوين جنين مكتمل النمو يحمل مادة وراثية جديدة من كليهما، إلا أن فريقًا من الباحثين البريطانيين بجامعة باث تمكن من خداع بويضات فئران عن طريق بعض المواد الكيميائية للانقسام بدون حيوان منوي.وتمكنت البويضة الناتجة من الانقسام والتطور لتكون جنينًا دون تخصيب، ولكن لم تستطع «الأجنة العذرية» المتكونة من العيش سوى بضعة أيام فقط لافتقاد خلايا الأجنة البرمجة الصحيحة.
وتمكن الباحثون بعد ذلك، من تحويل هذه الأجنة العذرية المعروفة بـ«parthenogenotes»،لأخرى طبيعية بعد حقنها بحيوانات منوية، ومن ثم استمرت الأجنة في النمو حتى كونت نسلًا جديدًا من صغار الفئران بصحة جيدة، وبنسبة نجاح بلغت 24%،حتى إن بعض الفئران الناتجة نجحت في التكاثر وتكوين نسل آخر جديد.
لم يعد وجود البويضة شرطًا لحدوث الإخصاب
قال عالم الأجنة، ومُؤلف الدراسة، «توني بيري»، إنه كان يعتقد أن البويضة فقط قادرة على إعادة برمجة الحيوانات المنوية للسماح بحدوث التطور الجنيني، لكن ذلك اختلف مع الدراسة التي أجراها.وأضاف أن الدراسة «تتحدى الاعتقاد الراسخ، بعد أن درس علماء الأجنة بيض الثدييات في حوالي عام 1827، وبعدها عملية الإخصاب بعد مرور 50 عامًا، بأن خلية البويضة المخصبة بواسطة خلية الحيوان المنوي هي فقط التي يمكن أن تؤدي إلى ولادة الكائنات الحية».
ويوضح بيري، أن هذا يقدم طرقًا مختلفة لتكوين الأجنة. ومع أن البحث اعتمد في البداية على تلقيح الأجنة العذرية الناتجة من بويضات؛ إلا أن باحثي الدراسة يرون أنها تنقسم وتتطور بشكل مشابه لخلايا الجلد. لذا يبحث العلماء في تطبيق هذه التقنية باستخدام الخلايا الجلدية في المستقبل بدلًا من الأجنة العذرية.
ويظن العلماء أنه من الممكن بنفس الطريقة أن تخصب أية خلية من خلايا الجسم بواسطة حيوان منوي، وذلك بعد إعادة برمجة «جينوم» الحيوانات المنوية خلال الإخصاب لتكوين الجنين.
المثليون والمصابون بالعقم قد يحصلون على الأطفال
ما زال أمام هذه التقنية الكثير من التحديات قبل أن يصبح ممكنًا للعلماء استخدام خلايا أخرى غير البويضات. إلا أن تطبيقات هذه التقنية تحمل الكثير من المنافع الضخمة.يقول «بول كولفيل ناش»، الأستاذ في مجلس الأبحاث الطبية الذي مول الدراسة، إن «هذا البحث قد يساعدنا على فهم المزيد عن كيفية نشوء الإنسان، والعوامل التي تحكم بقاء الأجنة، والآليات التي قد تكون ذات أهمية في الخصوبة». وأضاف «ربما يكون لها تأثير يومًا من الأيام في علاج العقم».
يمكن لهذه التقنية أن تمنح الأمل للنساء كبيرات السن اللاتي تتناقص فرصهن في الإنجاب مع التقدم في العمر، أو اللاتي يعانين من العقم في إنجاب أطفال دون الحاجة لبويضات. وخاصة اللاتي يعانين من السرطان، وتعرضن لجرعات إشعاعية وعقاقير كيميائية أثرت في فرصهن الإنجابية.
كذلك تتيح لمثليي الجنس الحصول على طفل يحمل صفات مشتركة من كلا الطرفين. أو لرجل يريد الحصول على طفل بمفرده بواسطة تخصيب حيوانه المنوي. إلا أنه قد يكون من المطلوب الاستعانة بأم بديلة خلال مرحلة حمل الطفل. وعلى الجانب الآخر يمكن استخدام هذه التقنية في حفظ أنواع الحيوانات المعرضة للانقراض دون الحاجة لحفظ البويضات.
توقعات متضاربة حول التقنية ما بين علاج العقم وأطفال بلا آباء
وتباينت الآراء حول هذه الدراسة ما بين التأييد والحماسة، والاعتراضات التي تثير جدلًا أخلاقيًا حول تطبيقات هذه التقنية.وقال «روبين لوفيلبادج»، البروفيسور معهد فرانسيس كريك، إنه ليس مندهشًا من حماس الباحثين تجاه الدراسة؛ فهو يعتقد أنها «دراسة مثيرة جدًا للاهتمام، وبارعة من الناحية التقنية».
وأضاف «أنا واثق من أنها سوف تضيف لنا شيئًا مهمًا حول إعادة برمجة الخلايا في الخطوات الأولى من تطور العمليات التي لها صلة بالإخصاب، وربما حول إعادة برمجة مصير الخلايا في حالات أخرى على نطاق واسع بشكل أكبر».
على الجانب الآخر، يظن «تريفورستامرز»، المتخصص بأخلاقيات الطب في جامعة سانت ماري بلندن، أن الباحثين يرفعون التوقعات والآمال الكاذبة بعلاج العقم، واصفًا الدراسة بأنها «قفزات تخمينية نحو المجهول».
وتساءلت «جوزفين كوينتافالي»، من حملة مختصة بالأخلاقيات الإنجابية،عن سبب أخذ هذا الشوط الكبير في علاج مشاكل الخصوبة؛ في حين إن هناك الكثير من الأطفال الذين يبحثون عن آباء لتبنيهم.
اختفاء الحمل والولادة خلال 50 عامًا
لم تكن تلك الدراسة الوحيدة التي تبحث في إمكانية استخدام خلايا الجلد في إنتاج أجنة؛ فقد أوضحت دراسة أجراها باحثون بجامعة كامبردج إمكانية تكوين بويضات وحيوانات منوية بدائية من خلايا الجلد.يقول «عظيم صوراني»، الباحث بمعهد جوردون في جامعة كامبريدج، إنه بإمكان خلايا الجلد عند النساء، تكوين البويضات فقط لخلو الخلايا من الكروموسوم «Y»، وهو ما يميز الرجال بإمكانية إنتاج كل من خلايا الحيوانات المنوية والبويضات؛ لاحتواء الخلايا على كل من كرموسومات «X» و«Y»، ولكنه يشير إلى أن هذا ممكنًا من الناحية النظرية؛ لكنه ما زال قيد البحث والدراسة من الناحية العملية.
وتعني هذه الأبحاث، عدم الحاجة للنساء في أية مرحلة من مراحل الإخصاب، وتكوين الأجنة، وحتى خلال مرحلة الحمل عن طريق «تكنولوجيا الرحم الاصطناعي».
وهي تقنية خضعت للبحث والتطوير منذ أكثر من عشر سنوات، ويتوقع عالم المستقبليات «زولتان إستفان» استخدام هذه التقنية على نطاق واسع خلال 30 سنة، وأن التقدم التكنولوجي سيؤدي إلى اختفاء الحمل والولادة الطبيعية خلال ربع إلى نصف قرن.
Comments
Post a Comment