ڤیان
صبري عقراوي
((تحرير الموصل بين رؤية هولير وبغداد ))
قد لا تكون معركة تحرير الموصل من براثن الداعش بمثل سهولة سقوطها عندما
تخلت القوات العراقية عن ثاني مدن العراق الكبيرة وتركتها لتصبح بيد الداعش
على مراى ومسمع كل العراقيين وهنا بدا جليا ذلك الفشل الواضح والمستمر في
سياسة حكومة بغداد تجاه قضايا اساسية ومصيرية ومنها قضية المشاركة السياسية
في الحكم وتقرير مصير الشعوب في فترة مابعد الاحتلال الامريكي والتي في
حقيقة الامر لم تجد لها اذانا صاغية من قبل الحكومة في بغداد مما ولد شعورا
شعبيا متأزما وناقما على سياساتها القائمة اصلا على التهميش والطائفية
وبالتالي اوجد تعاطفا واسعا للقادمين الجدد حينها مما بدوا كمنقذين ومحررين
لسكانها. اليوم نرى تسارع القوات العراقية من جهة وقوات بيشمركة اقليم
كوردستان من جهة اخرى للوصول لابواب مدينة الموصل على امل التحرير المرتقب
والمنشود, الا انه يبدو واضحا انه لم يحن وقت هبوب العاصفة الحقيقية في
سمائها ولما تنقشع الغمة عن ربوعها وحيث لاتبدو في الافق اي ملامح لرؤية
ماسيكون عليه الحال في هذه المدينة التي تعد من اكبر المدن التي يسيطر
عليها داعش في العراق وسوريا ومن هنا يبرز في الافق تلك التجاذبات
والخلافات الدائرة حاليا بين حكومة اقليم كوردستان وحكومة بغداد حول تلك
العملية بشقيها العسكري والسياسي وبالحقيقة ان موقف حكومة بغداد يثير جملة
من الاسئلة والاستفساراتالتي لاتدع مجالا للشك حول النوايا الحقيقية لبغداد
تجاه هذه الازمة المفتعلة رغم السياسة الواضحة لاقليم كوردستان حول هذه
المشكلة فالواضح ان حكومة بغداد لاتنظر الى الموصل من المنظورالمحلي
الداخلي بل من الزاوية الاقليمية الاوسع والاكثر ضغطا وهي بهذا لن تاخذ
بنظر الاعتبار مخاطر سياسة التهميش الداخلي للفرقاء السياسيين وهي ذات
المواقف التي ادت لسقوط الموصل وتدفع بالاخرين الى اتخاذ مواقف بعيدة
ومتشنجة ولربما متطرفة في مرحلة لاحقة ومن الواضح والجلي لكل المراقبين
السياسين ان حكومة بغداد لم تجد حلولا او بصورة اوضحغير معنية بايجاد اي
حلول لذلك الكم الهائل من المشاكل والمعاناة الانسانية المستمر الذي ولدته
سياساتها المدعومة من قبل البعض من الدول الاقليمية في المنطقة ويبدو واضحا
ايضا ان حكومة بغداد غير عابئة البتة بانتقادات المنظمات الدولية والهيئات
المستقلة حول الظروف الانسانية والاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها
المدنيون في جميع المناطق التي حررتها قواتها ، وهي تمادت اكثر بانها قد
اطلقت يد القوى المحلية الطائفية لممارسة الاقصاء والتدميرالممنهج بصورة
اكثر ايلاما. وهنا في الموصل الحدباء تتغير الخارطة الجيوسياسية
والديمغرافية للحل المرتقب في معركة التحرير ويصبح ماطبق من اجراءات حربية
عسكرية ارتجالية حملت معها الكثير من التجاوزات والانتهاكات الصريحة
للقانون الدولي الانساني وحقوق المدنيين في زمن الحرب وكما حدث في مدن
محافظات صلاح الدين والانبار لايمكن تطبيقه على معركة تحرير مدينة الموصل
والتي تختلف عن تلك المدن الاخرى كونها تعد فسيفساء عراقية متميزة تعبر عن
تلاقي كل المكونات العراقية المتعايشة بشكل سلمي منذ الاف السنين وهنا يبرز
خطورة شكل تحركات الحكومة العراقية في هذا الامر حيث تبدو مقارباتها
العسكرية لاتحمل اي بشرى لانها لم تشتمل على اي خطوات سياسية للحل بل انها
تؤدي عكس الغرض المطلوب منها ، وهي تمهد للامر وكانها خطوات حربية بحتة
ستؤدي الغرض المطلوب منها وتنتهي بلا اي عواقب وفي ذلك تبسيط مغرض للقضية
ولعب على اوتار سبقت ان لعب بها اخرون وادت الى ماسي كثيرة يشهد العراقيين
عواقبها الى يومنا هذا. وعلى عكس تلك الرؤية المشوهة والاحادية الجانب تقف
حكومة اقليم كوردستان وعلى راسها الرئيس البرزاني لتمارس دورا اساسيا في
كتابة فصول تلك المعركة التي يرى الكورد انها معركة سياسية بامتياز ويعتبر
الشعب الكوردي فصيلا اساسيا فيها عبر الاف التضحيات التي قدمتها البيشمركة
ويقدمها عموم شعب كوردستان وان من الضرورة ان تكون هناك مقدمات سياسية
وامنية واقتصادية متفق عليها بين كافة المكونات الاساسية في الموصل قبل
البدء بالعمليات العسكرية المطلوبة للتحرير والتي بدونها ستجلب تلك
العمليات دمارا اكثر على عموم الشعب العراقي وعلى شعب كوردستان وخصوصا من
سكان الموصل من الذين تم تهجيرهم سابقا اواولئك الذين لايزالون في المدينة،
وليس سرا القول بانه كان هناك ولايزال وسيبقى هناك مقاربات كوردستانية
واضحة وعملية لمسألة الموصل تعبر عنها المادة 140 من الدستور العراقي
كمناطق متنازعة حيث ان مدينة الموصل كانت ولاتزال تعتبر ساحة من ساحات
العمل الكوردستاني والتي لايمكن تركها تواجه مصيرا غامضا لاتعرف عواقبه
وستكون بالمحصلة بؤرة للتوتر في المستقبل ان حلت مشاكلها بالطريقة العسكرية
الحالية على غرار ماحدث في صلاح الدين والانبار وهذا مالاتقبله حكومة
اقليم كوردستان ولايرتضيه شعب مدينة الموصل الذين تعايشوا مع اخوانهم
الكورد لالاف السنين بدون مشاكل وكانت دعوة رئيس الاقليم السيد مسعود
بارزاني الى مشاركة البيشمركة في تحرير الموصل واعادة الاستقرار الى ربوع
المدينة كاولوية كوردستانية قبل ان يكون منهج عراقي غير واضح المعالم و حيث
يشعر سكان المناطق الوسطى والغربية من الذين تم تحريرهم او اولئك الذين
سيتم تحريرهم مستقبلا ان السلطة في بغداد غير راغبة بحل مشاكلهم ولن يتم
اشراكهم بصورة فاعلة في العملية السياسية مما يبقى الجرح نازفا وامكانية
انتاج نسخ اخرى من التطرف قائما بشكل كبير وهذا مايدفع بحكومة اقليم
كوردستان على الطلب من حكومة بغداد بالتعقل وتغيير نهجها اللامنطقي في
التعامل مع الموضوع ويدعوا بيان حكومة الاقليم على اعتبار تحرير الموصل
كفرصة تاريخية يمكن حكومة بغداد من تغيير سياستها التي لايبدو انها ستقود
الى اي حلول مرضية ان استمرت بهذا النهج وتبدو دعوة الرئيس مسعود بارزاني
هي الدعوة المخلصة حول ضرورة البدء بمصالحة سياسية شاملة في العراق تاخذ
بنظر الاعتبار كل الاطراف وتعمل على ايجاد حلول منطقية تكون سدا منيعا لدحر
الارهاب والتطرف وابعادا لمشاكل المنطقة بما يضمن حقوق كافة الاقليات
والشعوب في تقرير مصيرها بدون اي تدخلات خارجية.
Comments
Post a Comment