خطة دي ميستورا... لعب الوقت الضائع بانتظار الحسم الميداني
يبدو أنّ الخطة التي تقدّم بها المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا من أجل الوصول إلى حلّ سياسي في سورية، قد أربكت "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، خصوصاً لناحية احتمال تبنّيها من قبل مجلس الأمن، الأمر الذي يجعل "الائتلاف" في حال رفضها، يبدو بمظهر عدم المتعاون مع الشرعية الدولية. في المقابل، فإنّ قبول "الائتلاف" للخطة، يعني الدخول في عملية سياسية تؤمّن شرعية للنظام السوري لمدة زمنية قد تمتد إلى سنوات، من دون أن تكون ملزمة له بوقف القصف على المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ومن دون أن تتضمن ضمانات بعدم تعطيل النظام للمفاوضات التي من المفترض أن تقوم على بيان جنيف، كما حصل في الجولات السابقة من المفاوضات.
ولم تتوصل الهيئة السياسية لـ"الائتلاف" إلى موقف حاسم بشأن خطة دي ميستورا خلال اجتماعها الطارئ الذي عقدته، يومي السبت والأحد الماضيين، لبحث الخطة واتخاذ موقف منها. واكتفت الهيئة بإصدار بيان يوم أول من أمس الإثنين، أوضحت فيه تحفّظاتها على الخطة التي لا تتضمن أي إلزام للنظام الذي عطّل مفاوضات جنيف، وبالتالي قد يعطل هذه المفاوضات وتصبح الخطة مجرد إضاعة للوقت.
وشدّد "الائتلاف" في بيانه، على أنّ "الحل السياسي يجب أن يؤدي إلى نقل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية من نظام الأسد إلى هيئة حاكمة انتقالية كاملة الصلاحيات، تضع البلاد على طريق الحياة الديمقراطية والتعددية السياسية، ما يعني عدم وجود أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية أو مستقبل سورية. وأشار "الائتلاف" في بيانه، إلى أن أعضاء الهيئة العامة لاحظوا تجاهل الخطة المقترحة لخروقات نظام الأسد الواضحة والمتكررة لقرارات مجلس الأمن رقم 2209 و2139، وإغفال أية آليات من شأنها أن تؤدي إلى حقن دماء الشعب السوري وتخفيف معاناته التي تسبب بها النظام والمليشيات الطائفية والإرهابية.
ولفت البيان إلى أنّ المقترحات المقدّمة تجاهلت قيام نظام الأسد بإعاقة أية خطوات لبناء الثقة في المجال الإنساني على نحو متعمّد، ما يعني عدم إيجاد بيئة تساعد على مفاوضات سياسية بناءة، فضلاً عن تقييد الخطة وتشتيتها بشكل انتقائي لممثلي الشعب السوري، ووضع معايير قسرية من شأنها أن تضعف تمثيلهم لشعبهم، في حين تترك للنظام حرية اختيار ممثليه من دون أي محددات.
وتبدو خطة دي ميستورا بعيدة عن التطبيق ومجرد لعِب في الوقت الضائع بانتظار الحسم الميداني، خصوصاً بعد تأكيد مصدر مطلع من داخل "الائتلاف"، سحب فريق دي ميستورا وثيقتين من الوثائق الثلاث التي قدّمها الأخير كتصوّر للحل السياسي في سورية، وتنفيذ بيان جنيف مدعوماً بتشكيل مجموعة اتصال دولية ــ إقليمية، والتي اقترح فيها عملية سياسية من ثلاث مراحل تتضمن تشكيل ثلاثة أجسام، هي هيئة انتقالية تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة باستثناء الصلاحيات البروتوكولية، والمقصود بها صلاحيات رئيس الجمهورية، وتشكيل مجلس عسكري مشترك ينسّق عمل الفصائل المسلحة من قوات النظام وفصائل المعارضة، ويشرف على إصلاح أجهزة الأمن مع احتمال إلغاء بعض هذه الأجهزة، إضافة إلى مؤتمر وطني وصولاً إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية الأمم المتحدة، الأمر الذي رأى فيه "الائتلاف" خروجاً عن بيان جنيف لناحية عدم حسم موضوع عدم وجود الأسد ضمن المرحلة الانتقالية.
اقرأ أيضاً: فريق دي ميستورا يسحب وثائق تنفيذ بيان جنيف
اقرأ أيضاً: فريق دي ميستورا يسحب وثائق تنفيذ بيان جنيف
ويؤكد مصدر مطلع في "الائتلاف" لـ"العربي الجديد"، أنّ فريق دي ميستورا أبلغ النظام السوري وأطراف المعارضة ومنها "الائتلاف"، وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، بسحب الوثيقتين اللتين تم تسليمهما لتحديد إطار تنفيذ بيان جنيف وآلية عمل مجموعات العمل الأربع. ويبيّن المصدر نفسه، أنّ الوثيقة الأولى مفصّلة على مقاس الرئيس السوري بشار الأسد، وهي تساعد على بقائه في السلطة خلال المرحلة الانتقالية، وهذا مخالف لبيان جنيف ولا تقبل به المعارضة السياسية والعسكرية ولا يمكن تحقيقه، كما يساعد على انتشار التطرف والإرهاب.
ويبقى من وثائق خطة دي ميستورا، الوثيقة التي تقوم على تشكيل أربع مجموعات عمل يختارها المبعوث الأممي، والتي تضم مجموعات (السلامة والحماية، مكافحة الإرهاب، القضايا السياسية والقانونية، وإعادة الإعمار) للخروج بكل منها بورقة تكون قاعدة للمفاوضات المقبلة في جنيف 3، وقد تبنى مجلس الأمن خطة المبعوث الدولي، ووافقت عليها كل من إيران والنظام السوري.
ويؤكد مصدر مطلع على اجتماع هيئة "الائتلاف" السياسية، أنّ أعضاء "الائتلاف" كانوا ذاهبين باتجاه مقاطعة الخطة ورفضها بشكل كامل والمطالبة بتطبيق بيان جنيف الذي يدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات لا وجود للأسد فيها، إلّا أن الضغط الدولي على "الائتلاف" من قبل دول أصدقاء الشعب السوري، خصوصاً الغربية منها، باتجاه الموافقة على الخطة، قد دفع بـ"الائتلاف" إلى اتخاذ موقف يتضمن عدم رفض الخطة، لكنّه يعلّق العمل بها مع المطالبة بتوضيحات حول النقاط التي يتحفّظ عليها "الائتلاف".
وسبق الاجتماع الطارئ لهيئة "الائتلاف" السياسية، لقاءهم سفراء وممثلي دول عدة من أصدقاء الشعب السوري وفريق عمل المبعوث الدولي، تمّ خلاله مناقشة خطة دي ميستورا، والآليات المطروحة بشأنها. ونقل "الائتلاف" خلال اللقاءات تحفّظاته على الخطة، طالباً التوضيحات بشأن بعض تفاصيلها، لكن من دون أن يتلقّى أية ضمانات تتعلق بجدية النظام وعدم استغلاله الخطة لكسب المزيد من الوقت. وكان "الائتلاف" قد لفت في بيان سابق له، إلى أنّ الخطة تمنح النظام مزيداً من الوقت ليواصل عمليات القتل بحق المدنيين، مؤكّداً أنّ الخطة تفتقر إلى الآليات الواضحة، وتتجاوز الإقرار بالتمثيل الشرعي لقوى الثورة والمعارضة السورية.
وبالتوازي مع الحراك داخل "الائتلاف"، يتواصل الأخير مع الفصائل العسكرية المعارضة الفاعلة ومع العديد من منظمات المجتمع المدني، من أجل الخروج ببيان مشترك في ما بينهم، يحدّد آلية مشاركتهم في المجموعات الأربع، معوّلين على دعم أصدقائهم من دول المنطقة كالسعودية وقطر وتركيا في جميع الخيارات بما فيها خيار الحسم العسكري الميداني من خلال دعم فصائل المعارضة المسلحة من أجل تحقيق المزيد من الانتصارات على النظام ودفعه للقبول ببيان جنيف، خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير الذي جدّد فيه تأكيد المملكة على ثبات موقفها الرافض لوجود الأسد في سورية مستقبلاً. وشدد الجبير على أن "رحيل الأسد ومن تلطّخت أيديهم بالدماء، موقف واضح لا مساومة فيه"، وأن "رحيل الأسد عبر عملية سياسية أو هزيمة عسكرية هو تحصيل حاصل"، وأنّ "الأسد لا مستقبل له في سورية".
Comments
Post a Comment