علاء الدين محمود -----الحزب الشيوعي.. أي التيارات تسعى إلى تصفيته؟! الحلقة الأولى.. أعداء الحزب-----
علاء الدين محمود -----الحزب الشيوعي.. أي التيارات تسعى إلى تصفيته؟!
الحلقة الأولى.. أعداء الحزب
نسمات باردة بدأت تداعب جسد الحزب الشيوعي، أصبح الحديث ممكنا وبصوت مرتفع، ربما أخيرا اهتدى الكثيرون إلى حقيقة أن الصراع الفكري الحر خير وأبقى، فصار كل بما لديهم فرحين، يعرضون بضاعتهم في هواء الأسافير الطلق وفي الصحف والملتقيات وما يذكر فيه اسم الحزب، وما يكتبون، كان الحديث محرم خارج القنوات الحزبية، ولا شيء يمر إلا عبر المواعين الحزبية، ولكن فيما يبدو أن المواعين قد ضاقت تماما وصارت وكأنها قد صممت لخدمة تيار معين، وبعد أن كان الرفاق يؤدون صلاتهم سرا، الأن انتقل الكثير منهم إلى صلاة العلن باحثين عن مخرج وعن إجابة على سؤال "ما العمل"؟!
تحقيق: علاء الدين محمود
والأيام الفائتة حملن حدثين مهمين أولهما الحوار الذي أجرته "التيار" مع الأستاذ يوسف حسين، الذي أخرج من لدنه هواءً ساخنا زاد من لهيب صيف قائظ، في ذلك الحوار أقر يوسف حسين بأن ثمة خروقات أمنية في جسد الحزب، ولكن يوسف حسين قال إن تلك الخروقات في الفروع وليست في موضع الرأس من جسد الحزب، وفي المقابلة شن حسين هجوما شرسا على الذين أطلقوا مصطلح "جهاز المتفرغين" بل وقال إن جهاز الأمن هو من يروج لهذا المصطلح، ليغلق يوسف حسين الباب أمام أي محاولات لصعود الشباب إلى رأس الحزب بحجة الهجمة الأمنية الشرسة ومعركة الحفاظ على جسد الحزب.. وسيكون لنا وقفات مع تصريحات يوسف حسين تلك، مع تلك الروح الأبوية التي ربما تعمل صادقة للحفاظ على جسد الحزب، لكن الصدقية وحدها ليست كل شيء كما سنرى
اسم الحزب ومرجعيته
أما الحدث الثاني فكان تلك التصريحات الحارقة التي قذف بها د. الشفيع خضر في وجوه الرفاق، في حواره المثير للجدل بصحيفة "الجريدة" وبدأ الشفيع خضر مستكملا فيها حديثا كان ينشره بين السطور في مقالات وحوارات على تخوم المؤتمر الخامس، أقر الشفيع خضر بأنه كان يدعو إلى تغيير اسم الحزب، ويبدو أن اسم الحزب «الشيوعي» من القضايا التي أثير حولها جدل كثيف حول أن يبقى الاسم «الشيوعي» أو أن يتم تغييره باسم آخر على شاكلة اشتراكي ديمقراطي أو ديمقراطي اشتراكي، وفي هذا الصدد أكد الأستاذ محمد إبراهيم نقد للأهرام العربي قبيل المؤتمر الخامس أن تغيير اسم الحزب من القضايا التي سيتم طرحها في المؤتمر العام الخامس المزمع عقده قريبا، مبينا أن تغيير الاسم لم تمله أي ضغوطات، لكن هناك تحولات حدثت وأحزابا شيوعية فشلت، كما أن تغييرات كثيرة في العالم أحس بها الحزب ومن بينها موضوع الاسم، وفي هذا التصريح يبدو الراحل محمد إبراهيم نقد، وكأنه قد ترك الباب مواربا لكل الاحتمالات وربما كان أكثر ترجيحا لتغيير اسم الحزب، غير أن الشفيع خضر لم يكن يدعو فقط لتغيير كلمة اسم الحزب الشيوعي، فالشفيع كان يقول في أوقات سابقة بضرورة تقليص مساحة الأيدولوجيا في برنامج الحزب، وربما كان ذلك مؤشرا واضحا إلى أن دعوة الشفيع إلى تغيير اسم الحزب كان مدخلا إلى قطعه مع الماركسية وربما هذا ما عبر عنه جليا في ورقته التي لم تجد حظا من النشر وهي ورقة "من الماركسية إلى الحقيقة" والتي سوف نستعرضها باسهاب لاحقا، لكن الواضح أن الشفيع خضر كان يسعى إلى أن يتخلى الحزب عن الماركسية، وربما يظهر ذلك جليا في تصريحه لإحدى الصحف: "كنا في حزب نظريته العامة هي الماركسية التي تتجلى حسب القسمات الخاصة بكل بلد، ما نحن الآن بصدده عكس هذا الطرح -نحن نتحدث عن تعدد المصادر النظرية- طرح حزبنا الجديد ليس حزباً ماركسياً أننا لن نوصد الأبواب أمام النظريات الأخرى، نحن طرحنا يتبنى تقليص مساحة الأيديولوجيا في الحزب على أساس زيادة مساحة البرنامج" والواضح أن ما طرحه الشفيع خضر هنا لا يختلف كثيرا مع الأفكار التي كان يطرحها عوض عبد الرازق وظل يطرحها بروفيسور فاروق محمد إبراهيم القيادي السابق بالحزب الشيوعي، والذي دعا إلى تحويل الحزب الشيوعي إلى حزب اشتراكي ديمقراطي، وهذه العملية هي إحياء لطرح قديم منذ 1965م، في مؤتمر دعا إلى قيام الحزب الاشتراكي، ود. فاروق يدافع عن ذلك الطرح باعتباره أحد القيادات التي شاركت في ذلك المؤتمر، وأنحازت لهذا الطرح وبسببه ترك الحزب في تلك الفترة إلى أن عاد إليه مرة أخرى في فترة الانتفاضة، ثم خرج عنه مرة أخرى وعاد أخيرا قبيل المؤتمر الخامس ليوجه رسالة إلى مؤتمر الحزب الخامس، داعيا إياه إلى الأخذ بأفكاره التي نفض عنها غبار القدم، داعيا إلى رد الاعتبار إلى مؤتمر الجريف عبر تحويل الحزب إلى اشتراكي ديمقراطي، متهما قيادات الحزب الشيوعي بأنهم قد اجهضوا هذه العملية، ويرى فاروق في خلاصة فكرته: "السؤال المطروح هو ما العمل الآن هل نجدد الحزب بصورته القديمة، ونجدد الماركسية، و.. الخ.. أم أن سبب الجمود هو الماركسية نفسها وفهمنا لها، وتجربتنا معها؟ وبالتالي أن تكون الماركسية هي أحد المصادر، وبالتالي نتجه نحو أن يصبح الحزب حزب برنامج وليس حزب نظرية وهذا طرحي أنا" هذا ما كان من أمر فاروق محمد إبراهيم الذي حاول جهد إيمانه دفع الحزب الشيوعي في اتجاه أن يصبح حزبا اشتراكيا، فهي دعوة للتخلي عن مرجعيات الحزب ورميها إلى مزبلة التاريخ، ويبدو طرح فاروق هذا لا يختلف كثيرا عن الأفكار التي حملها الخاتم عدلان فيما بعد، وحملها الشفيع خضر
الحمولة الأيديولوجية
وربما كان الأثر الواضح لتصريحات الشفيع تلك مستمد من موقف الأستاذ الخاتم عدلان والذي تحدث في "آن أوان التغيير" وفي لحظة خروجه من الحزب الشيوعي عن "الحمولة الأيدولوجية الثقيلة التي قصمت ظهر الحزب" ولقد قال الراحل الكبير الخاتم عدلان حينها إن بعض الرفاق داخل الحزب كانوا يتفقون تماما مع ما طرحه إلا أنهم قالوا له إنك قد "تعجلت"، وهذا يشير إلى أن الذين اتهموا الخاتم بالعجلة من أمره، يتفقون تماما مع طرحه ليبقى الفرق أن الخاتم عدلان قد خرج، ومازال الذين قد رموه بالتعجل، ماكثين داخل الحزب يحملون ذات الأفكار، والفكرة الأساسية لدى الخاتم عدلان تقول بفشل المشروع الماركسي للتغيير الاجتماعي وفشل الثورة البرولتارية لأسباب تمثلت في، انفجار ثورة العلم والتقنية، والإزدياد الهائل في إنتاجية العمل الإنساني وانتقال الإنتاجية من اليد إلى الدماغ الأمر الذي يعني ببساطة أن البروليتاريا لم تعد القوة المنتجة الرئيسية وليست القطب الرئيسي في الصراع الاجتماعي ولم يعد نفوذها هو النفوذ الحاسم بل ظل يضمحل باستمرار ولم تعد هي حاملة رسالة الخلاص الإنساني .وعلى هذا المستوى فقد انهار المشروع الماركسي، هذا ما خلص إليه الخاتم عدلان بعد أن أشبعه بحثا، وهذا عينه ما يتفق فيه معه الذين قالوا له "لقد تعجلت".
صراع التيارات
غير أن الواضح في الأمر أن الحدثين اللذين أشرنا إليهما قد الهابا الحزب بنقاشات واسعة وظهر الحديث مجددا عن "أعداء الحزب" و"محاولات تصفية الحزب" و"الاتجاهات اليمينية التصفوية داخل الحزب" وهي الاتهات التي وضح جليا أنها مازالت تكمن داخل الحزب، لكن المهم في الأمر أن صفة "أعداء الحزب" لم تعد وفقا لمجريات الأحداث والنقاش والجدل المحتدم، لم تعد حكرا على من هم خارج أسوار الحزب الشيوعي من الشيوعيين، ويبدو جليا أن مشروع تصفية الحزب هو مشروع يعتمل بالأساس داخل الحزب الشيوعي ولئن أجهر الشفيع خضر بما كان سره فإن في الانتظار قيادات أخرى كانت تحمل ذات الأفكار، وقيادات أخرى مازالت تحمل ذات الأفكار
على تخوم المؤتمر الخامس
قبيل المؤتمر الخامس بسنوات، كان الحديث والجدل منصبا على المرجعيات الفكرية للحزب وسط عالم يمور بالمتغيرات الكبيرة، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وإنهيار المعسكر الاشتراكي ودخول الماركسية في تحدي البقاء، وتسابق الكتاب والمفكرين في الغرب إلى إعلان نهاية الماركسية، ونهاية التاريخ، موت الأيديولوجيا، وهي الأفكار التي وجدت صدى كبيرا لدى الكثير من الشيوعيين هنا وتأثر كثير منهم بأدب "الحانوتية" الذي ساد زمانا إلى حد المت فيه بالبعض مخافة أن يلقي الحزب رايته الماركسية مرة واحدة في مزبلة التاريخ خاصة أن الإسهمات النظرية لقيادات الحزب الشيوعي في معرض تناولهم لتجربة سقوط الاتحاد السوفيتي كانت تصب في ذلك الاتجاه وتحمل اثر تلك الكتابات التي ظهرت وسادت، ويشير البعض إلى ورقة سكرتير الحزب محمد إبراهيم نقد " كيف حاصر الجمود أفكار ماركس" على الرغم من أن نقد نفسه كان قد أشار قبله إلى عدم فرارهم من الصف المهزوم إلى المنتصر، غير أن نقد نفسه وفي حوار لمجلة باكستانية صادرة باللغة العربية عام 1992م والحزب يدشن مناقشته العامة، كان قد أعلن عن ضرورة التفكير الجديد فيما يتعلق بالماركسية، وظل التفكير حول مرجعيات الحزب وضرورة تحصينها من التيارات التصفوية هاجس للشيوعيين.
حادثة غريبة
في خضم ذلك برز في عام 2004م من شهر مارس بيان مجهول الهوية لمجموعة تقول إنها تقف ضد تصفية الحزب الشيوعي وتعلن عن تشكيل لجنة لمقاومة تصفية الحزب منتقدة القيادة آنذاك والتي هي ذات القيادة لمرحلة ما بعد المؤتمر الخامس
شنت تلك المجموعة هجوماً عنيفاً على قيادة الحزب واتهمتها مباشرة بالسعي إلى تصفية الحزب وانتزاعه من جذوره الطبقية، "ليصبح واحداً من أدوات البرجوازية والرأسمالية الطفيلية" وحذر بيان تلك المجموعة
من أنها لن ترضى بمسعى «القلة المتحكمة في أمر الحزب لتنفيذ سياسات الأمبريالية من أجل تصفية الحزب الشيوعي بدعاوى التجديد»
وقال بيان للجنة إن اتجاه التصفية بدأ باقتراح بتغيير اسم الحزب، ثم طرح لائحة جديدة "أقل ما يمكن أن توصف به أنها أكثر تخلفاً من دستور الاتحاد الاشتراكي" وأضاف أن القيادة الحالية بدأت هجوماً محموماً على المركزية الديمقراطية للقضاء على المبدأ التنظيمي الذي يحمي جسد الحزب ويمنع الفوضى والتكتلات، وعلى الرغم من أن الحزب الشيوعي قد اعتبر ذلك البيان رجسا من عمل أعداء الحزب، وفي أحيان أخرى من دس الأجهزة الأمنية، إلا أن لذلك البيان كان تأثيرا كبيرا كما سنرى في تعليق بعض الذين تركوا الحزب وحلموا بتغيير طبيعته، وكذلك تعليق من هم داخل الحزب الشيوعي، غير أنه في نهاية الأمر كان يعبر عن تجليات الأزمة والمخاوف من التغيير الذي سيحمله المؤتمر الخامس، أو هاجس الخوف الكامن من أن ينجح مشروع تصفية الحزب الشيوعي عبر الإعلان عن التخلي عن الماركسية
وسنتناول هذه الحادثة بعيون مختلفة في الحلقة الثانية بعد غدٍ الخميس بعنوان: "شبح يجول"..!!
والأيام الفائتة حملن حدثين مهمين أولهما الحوار الذي أجرته "التيار" مع الأستاذ يوسف حسين، الذي أخرج من لدنه هواءً ساخنا زاد من لهيب صيف قائظ، في ذلك الحوار أقر يوسف حسين بأن ثمة خروقات أمنية في جسد الحزب، ولكن يوسف حسين قال إن تلك الخروقات في الفروع وليست في موضع الرأس من جسد الحزب، وفي المقابلة شن حسين هجوما شرسا على الذين أطلقوا مصطلح "جهاز المتفرغين" بل وقال إن جهاز الأمن هو من يروج لهذا المصطلح، ليغلق يوسف حسين الباب أمام أي محاولات لصعود الشباب إلى رأس الحزب بحجة الهجمة الأمنية الشرسة ومعركة الحفاظ على جسد الحزب.. وسيكون لنا وقفات مع تصريحات يوسف حسين تلك، مع تلك الروح الأبوية التي ربما تعمل صادقة للحفاظ على جسد الحزب، لكن الصدقية وحدها ليست كل شيء كما سنرى
اسم الحزب ومرجعيته
أما الحدث الثاني فكان تلك التصريحات الحارقة التي قذف بها د. الشفيع خضر في وجوه الرفاق، في حواره المثير للجدل بصحيفة "الجريدة" وبدأ الشفيع خضر مستكملا فيها حديثا كان ينشره بين السطور في مقالات وحوارات على تخوم المؤتمر الخامس، أقر الشفيع خضر بأنه كان يدعو إلى تغيير اسم الحزب، ويبدو أن اسم الحزب «الشيوعي» من القضايا التي أثير حولها جدل كثيف حول أن يبقى الاسم «الشيوعي» أو أن يتم تغييره باسم آخر على شاكلة اشتراكي ديمقراطي أو ديمقراطي اشتراكي، وفي هذا الصدد أكد الأستاذ محمد إبراهيم نقد للأهرام العربي قبيل المؤتمر الخامس أن تغيير اسم الحزب من القضايا التي سيتم طرحها في المؤتمر العام الخامس المزمع عقده قريبا، مبينا أن تغيير الاسم لم تمله أي ضغوطات، لكن هناك تحولات حدثت وأحزابا شيوعية فشلت، كما أن تغييرات كثيرة في العالم أحس بها الحزب ومن بينها موضوع الاسم، وفي هذا التصريح يبدو الراحل محمد إبراهيم نقد، وكأنه قد ترك الباب مواربا لكل الاحتمالات وربما كان أكثر ترجيحا لتغيير اسم الحزب، غير أن الشفيع خضر لم يكن يدعو فقط لتغيير كلمة اسم الحزب الشيوعي، فالشفيع كان يقول في أوقات سابقة بضرورة تقليص مساحة الأيدولوجيا في برنامج الحزب، وربما كان ذلك مؤشرا واضحا إلى أن دعوة الشفيع إلى تغيير اسم الحزب كان مدخلا إلى قطعه مع الماركسية وربما هذا ما عبر عنه جليا في ورقته التي لم تجد حظا من النشر وهي ورقة "من الماركسية إلى الحقيقة" والتي سوف نستعرضها باسهاب لاحقا، لكن الواضح أن الشفيع خضر كان يسعى إلى أن يتخلى الحزب عن الماركسية، وربما يظهر ذلك جليا في تصريحه لإحدى الصحف: "كنا في حزب نظريته العامة هي الماركسية التي تتجلى حسب القسمات الخاصة بكل بلد، ما نحن الآن بصدده عكس هذا الطرح -نحن نتحدث عن تعدد المصادر النظرية- طرح حزبنا الجديد ليس حزباً ماركسياً أننا لن نوصد الأبواب أمام النظريات الأخرى، نحن طرحنا يتبنى تقليص مساحة الأيديولوجيا في الحزب على أساس زيادة مساحة البرنامج" والواضح أن ما طرحه الشفيع خضر هنا لا يختلف كثيرا مع الأفكار التي كان يطرحها عوض عبد الرازق وظل يطرحها بروفيسور فاروق محمد إبراهيم القيادي السابق بالحزب الشيوعي، والذي دعا إلى تحويل الحزب الشيوعي إلى حزب اشتراكي ديمقراطي، وهذه العملية هي إحياء لطرح قديم منذ 1965م، في مؤتمر دعا إلى قيام الحزب الاشتراكي، ود. فاروق يدافع عن ذلك الطرح باعتباره أحد القيادات التي شاركت في ذلك المؤتمر، وأنحازت لهذا الطرح وبسببه ترك الحزب في تلك الفترة إلى أن عاد إليه مرة أخرى في فترة الانتفاضة، ثم خرج عنه مرة أخرى وعاد أخيرا قبيل المؤتمر الخامس ليوجه رسالة إلى مؤتمر الحزب الخامس، داعيا إياه إلى الأخذ بأفكاره التي نفض عنها غبار القدم، داعيا إلى رد الاعتبار إلى مؤتمر الجريف عبر تحويل الحزب إلى اشتراكي ديمقراطي، متهما قيادات الحزب الشيوعي بأنهم قد اجهضوا هذه العملية، ويرى فاروق في خلاصة فكرته: "السؤال المطروح هو ما العمل الآن هل نجدد الحزب بصورته القديمة، ونجدد الماركسية، و.. الخ.. أم أن سبب الجمود هو الماركسية نفسها وفهمنا لها، وتجربتنا معها؟ وبالتالي أن تكون الماركسية هي أحد المصادر، وبالتالي نتجه نحو أن يصبح الحزب حزب برنامج وليس حزب نظرية وهذا طرحي أنا" هذا ما كان من أمر فاروق محمد إبراهيم الذي حاول جهد إيمانه دفع الحزب الشيوعي في اتجاه أن يصبح حزبا اشتراكيا، فهي دعوة للتخلي عن مرجعيات الحزب ورميها إلى مزبلة التاريخ، ويبدو طرح فاروق هذا لا يختلف كثيرا عن الأفكار التي حملها الخاتم عدلان فيما بعد، وحملها الشفيع خضر
الحمولة الأيديولوجية
وربما كان الأثر الواضح لتصريحات الشفيع تلك مستمد من موقف الأستاذ الخاتم عدلان والذي تحدث في "آن أوان التغيير" وفي لحظة خروجه من الحزب الشيوعي عن "الحمولة الأيدولوجية الثقيلة التي قصمت ظهر الحزب" ولقد قال الراحل الكبير الخاتم عدلان حينها إن بعض الرفاق داخل الحزب كانوا يتفقون تماما مع ما طرحه إلا أنهم قالوا له إنك قد "تعجلت"، وهذا يشير إلى أن الذين اتهموا الخاتم بالعجلة من أمره، يتفقون تماما مع طرحه ليبقى الفرق أن الخاتم عدلان قد خرج، ومازال الذين قد رموه بالتعجل، ماكثين داخل الحزب يحملون ذات الأفكار، والفكرة الأساسية لدى الخاتم عدلان تقول بفشل المشروع الماركسي للتغيير الاجتماعي وفشل الثورة البرولتارية لأسباب تمثلت في، انفجار ثورة العلم والتقنية، والإزدياد الهائل في إنتاجية العمل الإنساني وانتقال الإنتاجية من اليد إلى الدماغ الأمر الذي يعني ببساطة أن البروليتاريا لم تعد القوة المنتجة الرئيسية وليست القطب الرئيسي في الصراع الاجتماعي ولم يعد نفوذها هو النفوذ الحاسم بل ظل يضمحل باستمرار ولم تعد هي حاملة رسالة الخلاص الإنساني .وعلى هذا المستوى فقد انهار المشروع الماركسي، هذا ما خلص إليه الخاتم عدلان بعد أن أشبعه بحثا، وهذا عينه ما يتفق فيه معه الذين قالوا له "لقد تعجلت".
صراع التيارات
غير أن الواضح في الأمر أن الحدثين اللذين أشرنا إليهما قد الهابا الحزب بنقاشات واسعة وظهر الحديث مجددا عن "أعداء الحزب" و"محاولات تصفية الحزب" و"الاتجاهات اليمينية التصفوية داخل الحزب" وهي الاتهات التي وضح جليا أنها مازالت تكمن داخل الحزب، لكن المهم في الأمر أن صفة "أعداء الحزب" لم تعد وفقا لمجريات الأحداث والنقاش والجدل المحتدم، لم تعد حكرا على من هم خارج أسوار الحزب الشيوعي من الشيوعيين، ويبدو جليا أن مشروع تصفية الحزب هو مشروع يعتمل بالأساس داخل الحزب الشيوعي ولئن أجهر الشفيع خضر بما كان سره فإن في الانتظار قيادات أخرى كانت تحمل ذات الأفكار، وقيادات أخرى مازالت تحمل ذات الأفكار
على تخوم المؤتمر الخامس
قبيل المؤتمر الخامس بسنوات، كان الحديث والجدل منصبا على المرجعيات الفكرية للحزب وسط عالم يمور بالمتغيرات الكبيرة، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وإنهيار المعسكر الاشتراكي ودخول الماركسية في تحدي البقاء، وتسابق الكتاب والمفكرين في الغرب إلى إعلان نهاية الماركسية، ونهاية التاريخ، موت الأيديولوجيا، وهي الأفكار التي وجدت صدى كبيرا لدى الكثير من الشيوعيين هنا وتأثر كثير منهم بأدب "الحانوتية" الذي ساد زمانا إلى حد المت فيه بالبعض مخافة أن يلقي الحزب رايته الماركسية مرة واحدة في مزبلة التاريخ خاصة أن الإسهمات النظرية لقيادات الحزب الشيوعي في معرض تناولهم لتجربة سقوط الاتحاد السوفيتي كانت تصب في ذلك الاتجاه وتحمل اثر تلك الكتابات التي ظهرت وسادت، ويشير البعض إلى ورقة سكرتير الحزب محمد إبراهيم نقد " كيف حاصر الجمود أفكار ماركس" على الرغم من أن نقد نفسه كان قد أشار قبله إلى عدم فرارهم من الصف المهزوم إلى المنتصر، غير أن نقد نفسه وفي حوار لمجلة باكستانية صادرة باللغة العربية عام 1992م والحزب يدشن مناقشته العامة، كان قد أعلن عن ضرورة التفكير الجديد فيما يتعلق بالماركسية، وظل التفكير حول مرجعيات الحزب وضرورة تحصينها من التيارات التصفوية هاجس للشيوعيين.
حادثة غريبة
في خضم ذلك برز في عام 2004م من شهر مارس بيان مجهول الهوية لمجموعة تقول إنها تقف ضد تصفية الحزب الشيوعي وتعلن عن تشكيل لجنة لمقاومة تصفية الحزب منتقدة القيادة آنذاك والتي هي ذات القيادة لمرحلة ما بعد المؤتمر الخامس
شنت تلك المجموعة هجوماً عنيفاً على قيادة الحزب واتهمتها مباشرة بالسعي إلى تصفية الحزب وانتزاعه من جذوره الطبقية، "ليصبح واحداً من أدوات البرجوازية والرأسمالية الطفيلية" وحذر بيان تلك المجموعة
من أنها لن ترضى بمسعى «القلة المتحكمة في أمر الحزب لتنفيذ سياسات الأمبريالية من أجل تصفية الحزب الشيوعي بدعاوى التجديد»
وقال بيان للجنة إن اتجاه التصفية بدأ باقتراح بتغيير اسم الحزب، ثم طرح لائحة جديدة "أقل ما يمكن أن توصف به أنها أكثر تخلفاً من دستور الاتحاد الاشتراكي" وأضاف أن القيادة الحالية بدأت هجوماً محموماً على المركزية الديمقراطية للقضاء على المبدأ التنظيمي الذي يحمي جسد الحزب ويمنع الفوضى والتكتلات، وعلى الرغم من أن الحزب الشيوعي قد اعتبر ذلك البيان رجسا من عمل أعداء الحزب، وفي أحيان أخرى من دس الأجهزة الأمنية، إلا أن لذلك البيان كان تأثيرا كبيرا كما سنرى في تعليق بعض الذين تركوا الحزب وحلموا بتغيير طبيعته، وكذلك تعليق من هم داخل الحزب الشيوعي، غير أنه في نهاية الأمر كان يعبر عن تجليات الأزمة والمخاوف من التغيير الذي سيحمله المؤتمر الخامس، أو هاجس الخوف الكامن من أن ينجح مشروع تصفية الحزب الشيوعي عبر الإعلان عن التخلي عن الماركسية
وسنتناول هذه الحادثة بعيون مختلفة في الحلقة الثانية بعد غدٍ الخميس بعنوان: "شبح يجول"..!!
Comments
Post a Comment