(مقاطعة الضوء الأحمر).. رواية الأغاني والأخبار
يستلهم الروائي محمد سليمان الفكي الشاذلي في روايته "مقاطعة الضوء الأحمر" بنية سردية ارتكزت على الليالي العربية بعمقها وشفافيتها وخيالها الكبير، ويعيد قراءة "ألف ليلة وليلة" و"الأغاني" في رواية تقف على تخوم التاريخ السوداني القديم في بواديه العربية، بكل ما فيها من لغة وحكي وغناء داخلي.
يضطلع سارد الأحداث بالمهمة التعريفية للتاريخ والشخوص والأماكن والأزمنة المتداخلة في بلاغة قل نظيرها في الكتابات السردية المعاصرة، مع إحاطة بتاريخ يغيب فيه الزمان والمكان ظاهريا، ويلتقيان في نقطة ضوء لها قوانينها الخاصة في الخروج من الزمان والمكان.
يقرأ الروائي محمد الشاذلي التاريخ الملحمي بتضمين التراث العربي الحكائي في قرون سابقة ظهر فيها صعاليك الشعراء ومجانينهم مع توظيف حكايات شائعة في التراث السردي العربي، وجعلها جزءا لا يتجزأ من مروياته السردية، ويرتبط بالزمن الحاضر في البوادي البِكر شعريا وسرديا، وهي ظواهر في الطبيعة البدوية السودانية لا زالت ماثلة ويتغنى بها الشعراء.
وقد عمد السارد في رحلته إلى اصطحاب العلاقات الإنسانية من حب وكره ومروءة وشجاعة في تتبع سيرورة المجتمع وقيمه مع إلمام كبير بهذه العلاقات وتفاصيلها، وكانت لأخبار العشاق المرتبطة بالبيئة ونوازع الحب والهوى مقامها السردي داخل البنية الروائية مع صورة خبرية تحكي تواصل الناس قديما.
يقول الكاتب محمد سليمان الشاذلي للجزيرة نت إن المزاوجة بين الأشكال الأدبية للتراث العربي القديم في فن الحكي عن طريق ما يعرف بالخبر تستطيع أن تستوعب آخر أنماط السرد الروائي الغربي من حيث التعامل مع الزمن وأحداثه المختلفة، فهذه الرواية استفادت من "جيمس جويس" في محاولة خلق الأسطورة الخاصة بالحكاية نفسها. ويضيف "لقد حاولت أن أعيد ما قيل من حكايات عربية قديمة على نحو مختلف وهذه طرافة الأدب وجدته".
"محمد سليمان الشاذلي: إن المزاوجة بين الأشكال الأدبية للتراث العربي القديم في فن الحكي عن طريق ما يعرف بالخبر تستطيع أن تستوعب آخر أنماط السرد الروائي الغربي من حيث التعامل مع الزمن وأحداثه المختلفة "
ضوء أحمر
برع الشاذلي في إلباس سرده صورة الحاضر، وتقاطعاتها مع الهوية العربية في السودان، مع نبش في تاريخ قديم وهجرات تعود إلى آلاف السنين بين حضارات "مروي" والفراعنة واليمن والجزيرة العربية، وهي صورة تكاد تنطق جيناتها بكل تفاصيل تكوين السودان وتعدده الثقافي، وتميزت اللغة الساردة بانضباط كبير في شرح البيئة القديمة ولغاتها.
واستخدم الروائي محمد الشاذلي في مبتدأ كل فصل "اسم الخبر" كدلالة قديمة على مفهوم القصة، فالقصة عند قدماء العرب هي "خبر"، ومن ضمن الأخبار التي تقف مقام القصة في رواية "مقاطعة الضوء الأحمر" خبر "قبيل أبي قرن". وأبو قرن وأهله من العمارنة من بطن بني وضاح أهل صنغة السلم التي من وراء جبل "المراحيك"، وكان لجده ذي الطروح 11 ذكرا من امرأة واحدة، كل منهم يكنى باسم صاحبه.
ومنها خبر الوادي العظيم "قال مرابض: هبطنا أنا والوجناء ظلمات خببا كما يخب الظليم النافر، أخذنا اللهاث فأرغينا وأزبدنا، هاجت الوجناء ولولت تملأ الحلك، أخذني وهج ثم تملكتني الوحدة وبرودة فيزوس ينتصر، زاد وجيب قلبي فنظرت في عين الوجناء فإذا بقبة السماء قد انعكست فيها تجر مجراتها نجما وكوكبا يضيء هذا وينير ذاك". ويستخدم الكاتب النجوم والمجرات في قراءة سير السرد مع معرفة مكتملة بخط سير النجوم عند العرب وعلاقتها بالصحراء.
جدل الطبيعة
يذهب الناقد مجذوب عيدروس إلى أن هذه الرواية تطور طبيعي لكاتب لديه مشروعه الأدبي، خاصة في مجال الكتابة السردية، وقد توفرت له إمكانيات القراءة والاطلاع في اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وتعرف على العالم بشكل أفضل من خلال تنقله في بيئات مختلفة: أوروبية، وخليجية، وأميركية، وسودانية بطبيعة الحال.
ويقول عيدروس "توفرت للشاذلي معرفة دقيقة بالتراثين السوداني والعربي انعكست في هذه الرواية التي يماثل فيها السرد ألف ليلة وليلة مع الإفادة من النص القرآني، والاستفادة من إقامته خارج السودان".
يضطلع سارد الأحداث بالمهمة التعريفية للتاريخ والشخوص والأماكن والأزمنة المتداخلة في بلاغة قل نظيرها في الكتابات السردية المعاصرة، مع إحاطة بتاريخ يغيب فيه الزمان والمكان ظاهريا، ويلتقيان في نقطة ضوء لها قوانينها الخاصة في الخروج من الزمان والمكان.
يقرأ الروائي محمد الشاذلي التاريخ الملحمي بتضمين التراث العربي الحكائي في قرون سابقة ظهر فيها صعاليك الشعراء ومجانينهم مع توظيف حكايات شائعة في التراث السردي العربي، وجعلها جزءا لا يتجزأ من مروياته السردية، ويرتبط بالزمن الحاضر في البوادي البِكر شعريا وسرديا، وهي ظواهر في الطبيعة البدوية السودانية لا زالت ماثلة ويتغنى بها الشعراء.
وقد عمد السارد في رحلته إلى اصطحاب العلاقات الإنسانية من حب وكره ومروءة وشجاعة في تتبع سيرورة المجتمع وقيمه مع إلمام كبير بهذه العلاقات وتفاصيلها، وكانت لأخبار العشاق المرتبطة بالبيئة ونوازع الحب والهوى مقامها السردي داخل البنية الروائية مع صورة خبرية تحكي تواصل الناس قديما.
يقول الكاتب محمد سليمان الشاذلي للجزيرة نت إن المزاوجة بين الأشكال الأدبية للتراث العربي القديم في فن الحكي عن طريق ما يعرف بالخبر تستطيع أن تستوعب آخر أنماط السرد الروائي الغربي من حيث التعامل مع الزمن وأحداثه المختلفة، فهذه الرواية استفادت من "جيمس جويس" في محاولة خلق الأسطورة الخاصة بالحكاية نفسها. ويضيف "لقد حاولت أن أعيد ما قيل من حكايات عربية قديمة على نحو مختلف وهذه طرافة الأدب وجدته".
"محمد سليمان الشاذلي: إن المزاوجة بين الأشكال الأدبية للتراث العربي القديم في فن الحكي عن طريق ما يعرف بالخبر تستطيع أن تستوعب آخر أنماط السرد الروائي الغربي من حيث التعامل مع الزمن وأحداثه المختلفة "
ضوء أحمر
برع الشاذلي في إلباس سرده صورة الحاضر، وتقاطعاتها مع الهوية العربية في السودان، مع نبش في تاريخ قديم وهجرات تعود إلى آلاف السنين بين حضارات "مروي" والفراعنة واليمن والجزيرة العربية، وهي صورة تكاد تنطق جيناتها بكل تفاصيل تكوين السودان وتعدده الثقافي، وتميزت اللغة الساردة بانضباط كبير في شرح البيئة القديمة ولغاتها.
واستخدم الروائي محمد الشاذلي في مبتدأ كل فصل "اسم الخبر" كدلالة قديمة على مفهوم القصة، فالقصة عند قدماء العرب هي "خبر"، ومن ضمن الأخبار التي تقف مقام القصة في رواية "مقاطعة الضوء الأحمر" خبر "قبيل أبي قرن". وأبو قرن وأهله من العمارنة من بطن بني وضاح أهل صنغة السلم التي من وراء جبل "المراحيك"، وكان لجده ذي الطروح 11 ذكرا من امرأة واحدة، كل منهم يكنى باسم صاحبه.
ومنها خبر الوادي العظيم "قال مرابض: هبطنا أنا والوجناء ظلمات خببا كما يخب الظليم النافر، أخذنا اللهاث فأرغينا وأزبدنا، هاجت الوجناء ولولت تملأ الحلك، أخذني وهج ثم تملكتني الوحدة وبرودة فيزوس ينتصر، زاد وجيب قلبي فنظرت في عين الوجناء فإذا بقبة السماء قد انعكست فيها تجر مجراتها نجما وكوكبا يضيء هذا وينير ذاك". ويستخدم الكاتب النجوم والمجرات في قراءة سير السرد مع معرفة مكتملة بخط سير النجوم عند العرب وعلاقتها بالصحراء.
جدل الطبيعة
يذهب الناقد مجذوب عيدروس إلى أن هذه الرواية تطور طبيعي لكاتب لديه مشروعه الأدبي، خاصة في مجال الكتابة السردية، وقد توفرت له إمكانيات القراءة والاطلاع في اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وتعرف على العالم بشكل أفضل من خلال تنقله في بيئات مختلفة: أوروبية، وخليجية، وأميركية، وسودانية بطبيعة الحال.
ويقول عيدروس "توفرت للشاذلي معرفة دقيقة بالتراثين السوداني والعربي انعكست في هذه الرواية التي يماثل فيها السرد ألف ليلة وليلة مع الإفادة من النص القرآني، والاستفادة من إقامته خارج السودان".
بينما يرى الناقد الدكتور عز الدين ميرغني أن لغة الرواية غير عادية، وهي لغة سردية جديدة وظفها الكاتب في حكي حداثي لاستدعاء التاريخ الإنساني القديم ومزجه بشخصيات معاصرة وقديمة لتقرأ بها الحاضر بصورة نقدية ساحرة، واستخدمت هذه اللغة تكنيك "الزمكانية" دون أن يفلت حبل السرد ومنطقية النص من يد الكاتب. ويشير ميرغني إلى أن الرواية تحفر جيدا في الفلكلور والثقافة الشعبية.
ومن جانبه، ذهب الناقد عامر محمد أحمد إلى أن الشاذلي "أعاد اكتشاف المخبوء في ذواتنا ورسم بمهارة بيئة قديمة يعيش فيها الناس بالمروءة والشجاعة والكرم ووقف على محطات في التاريخ لم يتجاوزها الحاضر. ويرى عامر أن الخطاب المسرود هو صاحب القدح المعلى والهيمنة داخل الرواية، إلا أن السارد أراد أن يقول إن أحداث الليالي كانت مركزية وعلى لسان واحد في الحكي.
وسبق للكاتب محمد سليمان الفكي الشاذلي أن فاز بالعديد من الجوائز في مجال القصة القصيرة، آخرها جائزة مسابقة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي عن مجموعته "طبيعة صامتة" عام 2013، كما صدرت له رواية باللغة الإنجليزية بعنوان "Shadow of the South".
المصدر | الجزيرة
Comments
Post a Comment