:
( قصة عجيبة )- حسن اسماعيل سيد احمد
وأنا يومذاك مدير للمبيعات لواحدة من شركات معاوية البرير الصناعية، وكنا نجري المعاينات لتشكيل تيم المبيعات الذي سيقوم بتسويق منتجات الشركة، لفت نظري أن حجم المتقدمين لشغل الوظائف كان كبيراً للغاية، وكنا نجلس حتى صلاة العشاء لفرز الأوراق وإجراء المقابلات الشخصية مع المتقدمين.
دخل علينا شاب أسمر اللون ناحل الجسد يبدو هادئاً منطوياً، وكدتُ أن أشكل رأياً سالباً منذ الانطباع الأول بأنه لا يصلح أن يكون رجل مبيعات ناجح، إجابات الشاب وانسياب حديثه أثناء النقاش فيما بعد غير من هذا الانطباع سريعاً، )عجيب( درس في جامعة الجزيرة، درجاته التي أوضحتها شهادته الجامعية كانت عالية للغاية. قلت له لماذا لم تلتحق بأحد البنوك أو شركات البترول؟ لقد تخرجت منذ خمس سنوات فلماذا لم تلتحق بوظيفة؟، رد ضاحكاً: الوظيفة هي التي لم تلتحق بي.
قال )عجيب( إنه عمِل مضيفاً في أحد البصات السياحية قرابة السنة، يقوم بنظافة البص وتجهيزه لكل رحلة ويقوم بتجهيز الوجبات للركاب ويدخل حقائبهم إلى مستودع البص، ويقدم الماء للمسافرين وينزل أكثر من خمس مرات أثناء الرحلة لسداد فواتير العبور والرسوم المختلفة، صمت قليلاً وكأنه يقاطع نفسه وهو يقول )شغله صعبة والله(.
ثم اشتغلت بائع أحذية قالها وهو ينظر إلينا مباشرة، وكأنه يريد أن يرى وقع هذه الإفادة.. سألته هل كان لديك متجر ودكان ثابت؟، رد بذات ضحكته التي لم تفارقه منذ بداية المعاينة.. أبداً والله.. كنت آخذ عدداً كبيراً ومختلفاً من الأحذية النسائية والرجالية وأطوف بها شواع العاصمة.. أحملها فى جوال على ظهري.. فاجأه زميلي بسؤال حارق.. ألم تكن تخشى أن تقابل زملاءك وزميلاتك في الجامعة، وأنت تحمل على ظهرك )شوال الأحذية( وهل حدث أن قابلت أحدهم، وماذا كان رد فعلك، ضحك طويلاً.. ثم رد.. )والله حاجة حارة تكون الرابع ولا الخامس في دفعتك خمسة سنة وتحوم شايل ليك شوال في ضهرك، بس الأحر من ده إنك تستسلم وتقعد تمد يدك للناس.. خاصة إنى درست على نفقة أسرة فقيرة شدييد، ما كان في زمن أقعد انتظر وظيفة تحت مكيف هوا بارد.. ثم صمت.. عشان كده ما كنت بخجل ولا بخاف يلاقيني زول من دفعتي.. ضحك وهو يقول طبعاً مرة لاقتني بت دفعتي، واشترت مني لكن أبيت أشيل القروش.. بيني وبينكم كنت بعزها وأهى جات فرصة أقدم ليها هدية )انتهت المعاينة التي كاد عجيب أن يكسر وقارها وهيبتها بقصصة وضحكه الحزين( وقررنا أن نأخذه معنا في هيكل مناديب المبيعات وقد أثبت هذا الأسمر الناحل نجاحاً وتفوقاً باهراً في وظيفته.. كان يحقق كل أرقام وأهداف البيع المطلوبة منه، وكان يحقق أعلى معدلات رضا وقبول العملاء في القطاع الذي كان مكلفاً به قبل ثلاثة أيام تلقيت مكالمة من دبي.. إنه عجيب الذي انقطعت أخباره عني منذ سنوات.. يعمل في دبي مدير قطاع في واحدة من شركات التوزيع الكبرى هناك.. قصّ على كيف وصل إلى هذا المقام الوظيفي، ثم ضحك وقال أنا شاكر لكل بنك أو شركة حكومية رفضت توظيفي هناك، وأنا شاكر لكل حذاء بعته في حوارى أم درمان.. كلهم كانوا سلماً للرخاء ولله الحمد أولاً وأخيراً.
( قصة عجيبة )- حسن اسماعيل سيد احمد
وأنا يومذاك مدير للمبيعات لواحدة من شركات معاوية البرير الصناعية، وكنا نجري المعاينات لتشكيل تيم المبيعات الذي سيقوم بتسويق منتجات الشركة، لفت نظري أن حجم المتقدمين لشغل الوظائف كان كبيراً للغاية، وكنا نجلس حتى صلاة العشاء لفرز الأوراق وإجراء المقابلات الشخصية مع المتقدمين.
دخل علينا شاب أسمر اللون ناحل الجسد يبدو هادئاً منطوياً، وكدتُ أن أشكل رأياً سالباً منذ الانطباع الأول بأنه لا يصلح أن يكون رجل مبيعات ناجح، إجابات الشاب وانسياب حديثه أثناء النقاش فيما بعد غير من هذا الانطباع سريعاً، )عجيب( درس في جامعة الجزيرة، درجاته التي أوضحتها شهادته الجامعية كانت عالية للغاية. قلت له لماذا لم تلتحق بأحد البنوك أو شركات البترول؟ لقد تخرجت منذ خمس سنوات فلماذا لم تلتحق بوظيفة؟، رد ضاحكاً: الوظيفة هي التي لم تلتحق بي.
قال )عجيب( إنه عمِل مضيفاً في أحد البصات السياحية قرابة السنة، يقوم بنظافة البص وتجهيزه لكل رحلة ويقوم بتجهيز الوجبات للركاب ويدخل حقائبهم إلى مستودع البص، ويقدم الماء للمسافرين وينزل أكثر من خمس مرات أثناء الرحلة لسداد فواتير العبور والرسوم المختلفة، صمت قليلاً وكأنه يقاطع نفسه وهو يقول )شغله صعبة والله(.
ثم اشتغلت بائع أحذية قالها وهو ينظر إلينا مباشرة، وكأنه يريد أن يرى وقع هذه الإفادة.. سألته هل كان لديك متجر ودكان ثابت؟، رد بذات ضحكته التي لم تفارقه منذ بداية المعاينة.. أبداً والله.. كنت آخذ عدداً كبيراً ومختلفاً من الأحذية النسائية والرجالية وأطوف بها شواع العاصمة.. أحملها فى جوال على ظهري.. فاجأه زميلي بسؤال حارق.. ألم تكن تخشى أن تقابل زملاءك وزميلاتك في الجامعة، وأنت تحمل على ظهرك )شوال الأحذية( وهل حدث أن قابلت أحدهم، وماذا كان رد فعلك، ضحك طويلاً.. ثم رد.. )والله حاجة حارة تكون الرابع ولا الخامس في دفعتك خمسة سنة وتحوم شايل ليك شوال في ضهرك، بس الأحر من ده إنك تستسلم وتقعد تمد يدك للناس.. خاصة إنى درست على نفقة أسرة فقيرة شدييد، ما كان في زمن أقعد انتظر وظيفة تحت مكيف هوا بارد.. ثم صمت.. عشان كده ما كنت بخجل ولا بخاف يلاقيني زول من دفعتي.. ضحك وهو يقول طبعاً مرة لاقتني بت دفعتي، واشترت مني لكن أبيت أشيل القروش.. بيني وبينكم كنت بعزها وأهى جات فرصة أقدم ليها هدية )انتهت المعاينة التي كاد عجيب أن يكسر وقارها وهيبتها بقصصة وضحكه الحزين( وقررنا أن نأخذه معنا في هيكل مناديب المبيعات وقد أثبت هذا الأسمر الناحل نجاحاً وتفوقاً باهراً في وظيفته.. كان يحقق كل أرقام وأهداف البيع المطلوبة منه، وكان يحقق أعلى معدلات رضا وقبول العملاء في القطاع الذي كان مكلفاً به قبل ثلاثة أيام تلقيت مكالمة من دبي.. إنه عجيب الذي انقطعت أخباره عني منذ سنوات.. يعمل في دبي مدير قطاع في واحدة من شركات التوزيع الكبرى هناك.. قصّ على كيف وصل إلى هذا المقام الوظيفي، ثم ضحك وقال أنا شاكر لكل بنك أو شركة حكومية رفضت توظيفي هناك، وأنا شاكر لكل حذاء بعته في حوارى أم درمان.. كلهم كانوا سلماً للرخاء ولله الحمد أولاً وأخيراً.
Comments
Post a Comment