كوبولا في باريس لترميم فيلم «نابوليون»
لو عاش غوتيه اليوم لعمل في السينما!
لو عاش غوتيه اليوم لعمل في السينما!
ترجمة: كوليت مرشليان
أجرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية حديثاً شاملاً مع المخرج الأميركي الكبير فراانسيس فورد كوبولا الذي كرمته جوائز الاوسكار خمس مرات كما حاز مرتين السعفة الذهب في «مهرجان كان السينمائي» عن»حوار سري» عام 1974 وعن «ابوكاليبس الآن» عام 1979. وكوبولا الشغوف بالسينما تحدث عن مواضيع كثيرة اتى فيها على تفاصيل تصويره لفيلم «العراب» الجزء الثاني وافلام الحروب التي اشتهر بها.. وفرانسيس فورد كوبولا ضيف «السينماتيك الفرنسية» في باريس بمناسبة «المهرجان العالمي لإطلاق «سلسلة الافلام المرممة» الذي انطلق قبل أيام.نقتطف من حديثه الطويل بعض المقاطع:
[ ستنطلق مؤسستك الخاصة «زويتروب» في ترميم فيلم «نابوليون» للمخرج آبيل غانس. اي جزء في شخصيتك يعنيه هذا المشروع؟ هل هو السينمائي الملتزم في الحفاظ على التراث؟ أم هو ابن كارمين كوبولا الذي الف مقطوعة موسيقية خاصة للفيلم عند انطلاقه عام 1981؟ أم هو المعجب بغانس؟ بنابوليون؟
ـ انه كل ما ذكرته: فحياتي هي «مؤلفة دائماً من قطع وأجزاء أجمعها ولا يمكن فصلها مجدداً. السينما، النبيذ، الفندقية، العائلة، كل هذا يتقدم مجتمعاً وذكرى والدي عزيزة على قلبي بقوة. كان يعمل في «راديو سيتي ميوزيك هول» ولا يحصل على مقابل مادي تقريباً. وما انقذه من البؤس موسيقى السينما وتلك المؤلفات الموسيقية التي وضعها من اجل الأفلام الصامتة الضخمة مثل فيلم «ميتروبوليس». من جهة ثانية، بالتأكيد اني معجب بآبيل غانس ذاك المبدع الذي جعل اللغة السينمائية تتقدم معه. اما نابوليون، فأنا لا اشبه نفسي به على الاطلاق، ولكن صحيح ان السينما كما الاوبرا ايضا وكل الفنون التي تستلزم فريق عمل هي بحاجة الى قادة لجعل فريق العمل يتبع خطاهم وبالتالي هناك ايضا الوحي الذي قد يتركه القائد على فريق العمل تماما كما يحصل مع الجنرالات والعسكر في المعارك. وايضاً كما هي حال الجنرالات، هناك الجنرال المتسلط وهناك آخر قد يصغي لك! وأنا أفضل الأخير الذي يهتم بالإصغاء الى الآخرين.
[ بدأت مسيرتك الفنية والمهنية كمساعد لفيلمين عن الحرب «وهل باريس ستحترق؟» و»باتون». هل كانت في الحالتين مدرسة مهمة للمخرج المستقبلي الذي سيقدم للعالم تحفته «أبوكاليبس الآن»؟
ـ كنت على وشك ان يتم طردي من فريق عمل فيلم «وهل باريس ستحترق؟» لأن الفيلم كان تحت رقابة متشددة من قبل ديغول ولم يكن ممكناً المس بالسيناريو مطلقا«. كان الأمر غريباً، فلم يكن في السيناريو اي تفصيل يتعلق بالشيوعيين حتى اننا لم نكن نجرؤ على لفظ الكلمة. ومع هذا، قدمت بعض الاقتراحات اثناء التصوير وقد تقبلها رينيه كليمان. وفي لحظة، وصلت دراجة نارية يقودها احدهم وهو يرتدي جاكيت جلد سوداء قاتمة.
أؤكد لك هذا! كانت المداخلة فورية! «من فعل هذا»؟ لم يخف رينيه كليمان على استمراريتي في العمل لأنني كنت محمياً من قبل شركة «باراماونت» التي كانت الممول الأساسي للفيلم. ولكن شعرت بأن الأمر كان فعلاً مخيفاً! في هذا المعنى، كانت مدرسة مهمة. وكانت المرة الأولى التي أزور فيها فرنسا وأتعرف فيها على النبيذ. اجل، هذه التجربة كانت مهمة!
[ ومع من كنت تتوافق من السياسيين في تلك المرحلة؟
ـ كان زمن الحرب الباردة، وكانت الشيوعية هي العدو الأكبر. وكانت لي نظرتي الشبابية الى الشيوعية: بالنسبة إلي، كان الأمر يشبه الذهاب الى المطعم حيث يدفع احد الموجودين على طاولة الطعام عن الجميع. وكل السينمائيين، كل عائلة «مال» كذلك عائلة «برتولوتشي» كانوا شيوعيين في هذا المعنى. فالفنانون هم دائماً يسعون الى المثالية ويريدون ان يعامل كل الناس بالتساوي، وان يساعد المتمول الغني الفقير. فأن تكون غنياً من دون ان تساعد امر يشبه السرقة!
[ عرفت الثروة والغنى كما عرفت الإفلاس.. عرفت النجاح كما الفشل. وكأن تجربتك هي صورة عن حرية التصرف والمباشر في الأعمال..
ـ أجل، اردت دوماً ان اكون ممول نفسي وراعي كل أعمالي. فيلم «العراب» صنع شهرتي ونجوميتي وأنا شخصيا كنت بحاجة الى ذلك لأنني كنت شاباً مع عائلة وأولاد علي تربيتهم. ولكن، بالنسبة لي، كان فيلماً واحداً وانتهت القصة. ليس هناك من «هاملت 2» و «هاملت 3». ولكنني رضيت بالمباشرة بتصوير «العراب» لأن مضمونه كان يتعلق بقصص الآباء والابناء والعائلة تهمني كثيراً. أما الجزء الثالث، بعد حين، فكان محض تجارة! لم أعد أملك فلساً في ذلك الوقت وكنت منهاراً نفسياً وفاقداً للشجاعة لأي مشروع. كنت راغباً في تنفيذ عمل آخر، لكن ذلك كان يتطلب مني الوقوع بالديون كما لم اكن املك القدرة على الاستدانة. فرحت اعمل لتحصيل المال في قطاعي الفندقية والنبيذ. كان اسهل علي ان اكسب مالي وان اقتصد قليلاً لأجمع المبلغ من دون اللجوء الى المصارف. اما الخطر فكان في ندرة اعمالي إذ عملت بنسبة قليلة. سكورسيزي يعمل اكثر مني ويقدم الافلام بوفرة لانه مدعوم من قبل ستوديوهات كبيرة.
ميغالوبوليس
[ أين اصبح مشروع «ميغالوبوليس» الذي ستضع فيه روما القديمة بالمواجهة مع نيويورك اليوم؟
ـ كان فيلماً من النوع المثالي الا ان العمل عليه توقف مع اعتداءات 11 ايلول ولا اظن انني سأعود اليه. إذ كيف سأقدم فيلماً يحكي عن عالم طوباوي ومثالي ونحن نحارب الإسلام؟
[ وهل تظن ان هذا سيؤدي الى حرب؟
ـ أجل. وفي كل بقاع الارض بما ان هناك ناساً معنفين ويقتلون في كل مكان.
[ وما رايك بالأحداث الأخيرة التي حصلت في باريس على يد الإسلاميين «شارلي ايبدو»؟
ـ أظن ان السبب الاساسي للإرهاب هو الظلم والفقر وعدم استخدام العدالة كما يجب. ويجب ان نعالج الارهاب بالغاء أسبابه. وكل الناس الذين يثورون ضد الظلم تسميهم المجتمعات إرهابيين، منهم الاسبان الذين وقفوا في وجه نابوليون، وهم الايرلنديون والفلسطينيون... وهل هم على هذا الحد من السوء؟ ابداً، هم فقط لم يجدوا حلا الا من خلال العنف، وما يحدث هو تكملة ولا تنتهي بهذه الحلقة المتعلقة بالتراجيديا الاغريقية. محاربة الارهاب لا تمر عبر السلاح انما بالبحث عن مواضع النقص للعدالة في العالم. انا مقتنع بأن كل الكائنات البشرية متشابهة وتبحث عن الحب والسلام وتحب اولادها اكثر من اي شيء في العالم. ولكن اذا شعر الانسان بالظلم من قبل المجتمع أو إذا لمس تعاملاً غير انساني، تبدأ المشكلة وفئة الشباب تقع بسهولة فريسة الأصوليين المتطرفين.
الظلم هو السبب الأكبر للتصرفات غير الحضارية. والجواب الوحيد لمحاربة هذا الواقع هو الثقافة والحب والإبداع.
[ هذا جواب ينفع على المدى الطويل. وللوضع الراهن الذي يتطلب السرعة؟
ـ ولكن يجب علينا ان ننظر على المدى الطويل وبانفتاح اكبر وأوسع من الافكار السياسية الضيقة. أظن انه علينا ان ننظر في العمق، إن في الماضي او في المستقبل. الإسلام حضارة كبيرة وصلت الى القمم في كل المجالات في العلوم، في الفن، في الشعر. اليوم، المسلمون يشكلون اكثر المجتمعات فقراً في العالم.
[ وهل هذا صحيح؟
ـ أجل، أجل. وأظن انهم في باريس، وتحديداً في الضواحي، يتعرضون لسوء المعاملة وللإهمال.
[ ولكن الا ترى واجباً عليك الدفاع عن حرية التعبير التي تعرضت للاعتداء؟
ـ بالتأكيد، هذا أساسي. وفي غاية الخطورة. علينا ان نحترم الآخر ومعتقداته ونعرف كيف نرسم حدوداً لكل شيء.
البابا فرنسيس
[ تتحدث على طريقة البابا فرنسيس..
ـ أحبه كثيراًّ هو يمتلك عاطفة كبيرة وفي كل الأحوال، كان على «شارلي ايبدو» ان تنشر نصوصاً قرآنية لدى صدورها ثانية بعد التفجير كي يتسنى للجميع قراءتها. وليتأكد الجميع بأن ما من شيء في مضمونها سوى الخير.
[ الا تظن أنه يجب ان تكون حساباتنا ايضا خاضعة لارادة القوى الامبريالية التي تسيطر اساسا وموجودة لدى الانسان بطبيعته؟
ـ هذه افكار بالية ولم تعد على الموضة. هي من الماضي. اليوم، لم يعد الحديث عن السيطرة بل عن اطلاق حيوية الانسان لتحسين ظروفه. وثمة امور كثيرة علينا اختراعها اليوم كي نجعل العالم الطبيعي ينسجم مع عالم التكنولوجيا.
[ ربما هذا يختصر ما تنفذه في افلامك السينمائية، حيث تجعل المشاعر الانسانية والحب العائلي بشكل خاص على انسجام مع التقدم التكنولوجي. هل انت متفائل؟
ـ السينما فن على صلة مباشرة بالتكنولوجيا. إذا، اجل انا اؤمن بالتطور المتواصل والعثور على لغات جديدة للتعاطي مع التطور. ولو عاش غوتيه في عصرنا هذا لكان عمل في السينما. اجل، انا متفائل: أظن أنه من واجب الانسان ان يسيطر هنا، يصحح هناك الاتجاهات او قد يقلبها اذا ما شعر بأنها سيئة، تماما مثل الحرب.
Comments
Post a Comment