"إسرائيل في حوض النيل".. ليس عنوانا لإحدي المؤلفات، أو للدراسات البحثية المُعمقة، ولكنه واقع نعيشة هذه الأيام، واقع فرضته علينا زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلي بعض الدول الأفريقية، والتي بدأت أمس الثلاثاء بزيارة العاصمة الكينية نيروبي، وذلك لحضور مراسم تنصيب الرئيس الكيني "اوهورو كينياتا".
زيارة رئيس وزراء إسرائيلي لإفريقيا، قد يعتقد البعض إنها أمر دبلوماسي اعتيادي تقوم به الدول، ولكنه سيمثل مبعثا مهما للتساؤل اذا ما نظرنا الي كونها الزيارة الثالثة لـ"بنيامين نتنياهو" خلال أقل من عام ونصف، حاملا في كل مرة العديد من الملفات التي يسعي من وراءها تعزيز التواجد الإسرائيلي فى إفريقيا وخاصة فى دول حوض النيل، الأمر الذى يشير إلى جهود إسرائيلية منقطعة النظير، ترمي إلى التوغل أكثر فى قلب القارة السمراء، وتحقيق أكبر قدر من الاستفادة بتواجدها فى حوض النيل.
خلال تواجده بالعاصمة الكينية "نيروبي"، ألقي بنيامين نتنياهو كلمة عكست الكثير من النوايا الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بمبدأ المصالح المشتركة، والتي حاول أن يغري بها الدول الإفريقية، فتحدث عن ملفات مشتركة يمكن أن تقدمها "تل أبيب"، في مجالات الكهرباء، الطاقة، مكافحة الإرهاب، والمياه، الزراعة، تأمين الفضاء الإكتروني، التكنولوجيا المعلوماتية، الصحة، ليصل فى نهاية حديثة إلى مبتغاه، وهو الحصول على عضوية بصفة مراقب فى الإتحاد الإفريقي.
الحقيقة أن إسرائيل تسعي منذ سنوات للحصول على صفقة مراقب فى الإتحاد الإفريقي، الأمر الذي سيخلق خصومة مباشرة مع الدول العربية فى حال حدوثه، حيث يحق للعضو المراقب أن يقدم المقترحات والتعديلات، وأن يشارك في المناقشات التي يشهدها الاتحاد، كما يُسمح له بطلب الانضمام إلى الاتفاقيات العالمية التي يُعد الاتحاد طرفا فيها، كما أن حصول إسرائيل علي تلك الصفة سيمكنها من الإطلاع على كافة المعلومات التي تخص المنظمات التابعة للاتحاد الأفريقي، مثل الجمعية العامة للاتحاد الأفريقي واللجان المتخصصة ومحكمة العدل الأفريقية، ما يدعم مركزها كفاعل دولي.
المراقب للشئون الإسرائيلية سيدرك جيدا المعني الحقيقي لإهتمام "تل أبيب" بالقارة السمراء، فالقارة الأفريقية ذات ثقل ضخم يرغب الساسة الاسرائيليين في احتوائة، وياتي ذلك الثقل من أهميتها في المحافل والمنظمات الدولية، والتي تعود في المقام الأول الي الكتلة التصويتية الكبيرة التى تتمع بها، ومنذ أكثر من نصف قرن وقف مؤسس الدولة الإسرائيلية ديفد بن جوريون في إحدى خطبه بالكنيست ليقول: "إن الدول الأفريقية ليست قوية ولكنها تمتلك صوتا مسموعا في العالم، وأصواتها في المنظمات الدولية تساوي في قيمتها أصوات الدول الكبرى، والصداقة الإسرائيلية الأفريقية تهدف في حدها الأدنى إلى تحييد أفريقيا في الصراع العربي الإسرائيلي، وفي أحسن حالاتها إلى ضمان مساندة أفريقيا للموقف الإسرائيلي.
تلك البداية المهمة لمؤسس الدولة العبرية مكنت اسرائيل من الحصول علي وضعية "عضو مراقب"، في منظمة الوحدة الأفريقية، وظلت تحافظ على هذا الوضعة حتى عام 2002، حينما جرى حل المنظمة، واستبدل بها الاتحاد الأفريقي كإطار منظِّم للعلاقات الإقليمية الأفريقية، وكثيرا ما حاولت "تل أبيب" أن تستعيد تلك المكانة فتقدمت في 2003 بطلب الانضمام إلى الاتحاد كـ"عضو مراقب" من جديد، ولكن طلبها قوبل بالرفض، وما زالت تحاول نيل هذه الصفة حتي اليوم.
سفارة وخط طيران
من ناحية أخري، اسفرت زيارة نتنياهو بالأمس للعاصمة الكينية نيروبي عن اتفاق نتنياهو مع الرئيس الرواندي "بول كجاما" على افتتاح سفارة إسرائيلية في العاصمة الرواندية كيغالي بالإضافة لإمكانية فتح خط طيران مباشر بين البلدين، فاسرائيل تسعي من خلال تواجدها في كينيا إلى ضرب طوق استخباري يمتد من أديس أبابا إلى نيروبي، تتمكن من خلاله إحكام قبضتها على المنطقة وتطويق دول حوض النيل وتهديد أمنها المائي.
ولعكس الصورة الحميمة التى أصبحت تتوج العلاقات بين بعض الدول الإفريقية وإسرائيل، مشاركة نتنياهو في مأدبة غداء رسمية أقامها رئيس كينيا اوهورو كينياتا، بمناسبة تنصيبه، وشارك فيها رئيس تنزانيا، ورئيس أوغندا، ورئيس زامبيا، ورئيس رواندا، ورئيس توغو، ورئيس بوتسوانا، ورئيس ناميبيا، ورئيس وزراء إثيوبيا، ونائب رئيس نيجيريا، وقادة آخرون.
برلمانات إفريقية بـ"الكنيست"
لم يكتفي نتنياهو بالزيارات التي يقوم بها لإفريقيا، بل اتبع إستراتيجية جديدة وهي استقدام قادة أفارقة لإسرائيل، فقد كشفت الصحف العبرية فى تقارير لها عن وصول رؤساء العديد من البرلمانات الإفريقية، خلال الأسبوع المقبل، للمشاركة في مؤتمر سينعقد في قاعة الكنيست
وستستقبل إسرائيل خلال هذا المؤتمر رؤساء برلمانات كل من رواندا وأوغندا وبنين وغانا والكاميرون وتنزانيا وسيشل وجنوب السودان، للمشاركة في هذا المؤتمر غير المسبوق في الكنيست من حيث عدد رؤساء البرلمانات المشاركين فيه في آن واحد، في مؤشر يدل على حجم الاختراق الإسرائيلي لدول القارة السمراء، وقد استجاب بالفعل رؤساء البرلمانات الإفريقية لدعوة وجهها اليهم رئيس الكنيست "يولي ادلشتين".
وسيتناول المؤتمر الذي سيعقد يوم الثلاثاء المقبل قضايا عديدة، من بينها، على سبيل المثال، موضوع تدعيم النساء والمساواة بين الجنسين، الذي ستشارك فيه "دونتيلا موكباليسا" رئيسة برلمان رواندا، كما سيستعرض رئيس لجنة الخارجية والأمن، افي ديختر، أمام الوفود التحديات المشتركة لـ"إسرائيل" وافريقيا في موضوع ما أسماه "مكافحة الارهاب"، فيما سيشرح النائب بيني بيجن (ليكود)، قانون الإرهاب "الاسرائيلي".
الخلاصة
أفريقيا أضحت تمثل لإسرائيل طوق نجاه للعالم الخارجي، لذلك ستستخدم كل الطرق الممكنة وغير الممكنة فى اختراقها، علي الأخص منطقة حوض النيل والقرن الافريقي، إضافة إلى وجودها في نيروبي وكمبالا، فإسرائيل تدرك أن هذه المنطقة هي المدخل الحقيقي إلى أفريقيا كما أنها منطقة إستراتيجية، ولتحقيق ذلك تستخدم "تل أبيب" كل أدواتها الإقتصادية للتأثير قرارات الدول الأفريقية، تلك الأداة التي تستخدمها بالفعل منذ عقود طويلة، من خلال ايفادها للبعثات الاقتصادية والعسكرية والزراعيةوالصناعية.
Comments
Post a Comment