شكلت مشاركة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في القمة الأوروبية الأفريقية المنعقدة في العاصمة الإيفوارية أبيدجان، يوم غد الأربعاء، مفاجأة في الأوساط السياسية المتابعة للملف، خاصة في خضم إعلان مشاركة "جبهة البوليساريو" من قبل في القمة ذاتها.
وبعدما ساد اعتقاد وسط المراقبين بأن المغرب سيكتفي بمشاركة وفد منخفض المستوى، بالنظر إلى حضور "جبهة البوليساريو" إلى القمة، باعتبارها عضواً في المنظمة الأفريقية، وتفادي المملكة الجلوس على الطاولة وفي القاعة ذاتها مع أعضاء البوليساريو في مناسبات وقمم سابقة، جاء التأكيد من القصر الملكي بأن العاهل المغربي سيمثل وفد بلاده في القمة، التي تستمر يومين.
وتباينت التحليلات عقب إعلان الملك محمد السادس المشاركة في القمة غداً وبعد غد، بشأن موقف الرباط من "جبهة البوليساريو" المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المغرب، إن كان قد تحول إلى نوع من "القبول السياسي" بها، ومن ثم إمكانية التفاوض المباشر معها مستقبلاً، أو أن في جعبة المشاركة المغربية خلفيات تسوغ هذا الحضور بأعلى مستوى.
وبإعلان مشاركة المغرب رسمياً بحضور رئيس البلاد، وفي حالة حضور وفد "جبهة البوليساريو" إلى القمة الأفريقية الأوروبية، كما هو مقرر، فإنها ستكون المرة الأولى التي يجلس فيها المغرب و"البوليساريو" على طاولة واحدة، إلا إن كانت الرباط قد تلقت ضمانات من كون حضور الملك في الأشغال سيكون على مستوى قادة الدول، وبالتالي قد لا يحضرها وفد البوليساريو الذي لا تعترف الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي بكونه دولة ذات سيادة.
ويرى مراقبون أنّ حضور الملك في قمة أبيدجان هو بمثابة رفض لاستمرار الدبلوماسية المغربية في نهج سياسة "الكرسي الفارغ"، خاصة بعد غياب طويل عن المنظمة الأفريقية، لكنه أيضاً "رد للتحية بأحسن منها" حيال ساحل العاج ورئيسها الحسن واتارا الذي رفض توجيه الدعوة إلى البوليساريو، إلى أن توصلت بها من طرف المفوضية الأفريقية.
ويسجل مدير مختبر الدراسات الدولية حول تدبير الأزمات بجامعة القاضي عياض بمراكش، الدكتور إدريس لكريني، ملاحظات عدّة بشأن مشاركة العاهل المغربي في هذه القمة الهامة، أولها أن المغرب عندما اختار طوعاً الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي، كان واعياً بحجم التحديات التي يمكن أن تواجهه في هذا الصدد، بما فيها عضوية "البوليساريو في الاتحاد".
وتابع لكريني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "مشاركة الملك باعتباره رئيس الدولة في هذه المناسبة هي تأكيد على سعي المغرب لتجاوز تبعات سياسة المقعد الشاغر، والمرافعة بشأن قضاياه الاستراتيجية في أبعادها الاقتصادية والمتصلة بقضية الوحدة الترابية من داخل هذا الإطار الإقليمي، الذي استغله خصوم المملكة لسنوات في الترويج لمواقف أحادية لا تخلو من مغالطات وافتراء" وفق تعبيره.
وثاني الملاحظات الرئيسية، يضيف لكريني، كون هذه المشاركة تعبيراً عن جدية المغرب في بناء علاقات مغربية أفريقية متينة مبنية على تشابك المصالح المتبادلة، والرغبة في المساهمة في تعزيز مكانة القارة على المستوى الدولي، وترسيخ تعاون جنوب – شمال يدعم خدمة قضايا القارة في مختلف أبعادها وتجلياتها.
ويردف الخبير ذاته ملاحظة ثالثة بشأن حرص المغرب على المشاركة بأعلى مستوى في القمة الأفريقية الأوروبية، تتجسد في أنها تؤشر إلى "تحولات هامة تطاول توجهات السياسة الخارجية للمملكة على مستوى توخي المبادرة والبراغماتية في هذا الصدد"، على حد قول لكريني.
Comments
Post a Comment