متلقي الضربات في الأردن
ما الذي يدفع مواطناً أردنياً للاعتراض من على شرفات مجلس النواب على قرار تحويل مشروع قانون الموازنة العامة وموازنة الوحدات المستقلة إلى اللجنة المالية من دون قراءة أولية؟ ما الذي يجعل عبارة "مش شغلك يا مواطن" التي اعترض فيها رئيس المجلس عاطف الطراونة على المواطن الغاضب، تحتلّ مساحة واسعة من النقاش؟
تقود الإجابة على السؤالين إلى تفسير طبيعة العلاقة المشوّهة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الأردن، والتي تتنازل فيها الأولى عن دورها الدستوري في الرقابة والتشريع للعب دور التابع أو المتواطئ على تمرير سياسات السلطة التنفيذية. وكذلك تفسر الإجابة على السؤالين درجة انعدام الثقة التي وصلت إليها العلاقة بين المواطنين وممثليهم في البرلمان.
استنفد وزير المالية عمر ملحس، اللغة، وهو يشرح في خطاب الموازنة الموقف المالي للمملكة، ويفسّر أسباب العجز وسبل معالجته، ويشرح خطة إعادة توجيه الدعم للمواطنين بعد أن تقرّر إنهاء عصر دعم السلع، ويبيّن المعايير الغامضة لاستحقاق الدعم.
في كل ذلك، تجنّب ملحس اللغة المباشرة، فتفادى ذكر الخبز صراحة بعد أن شطبت من الموازنة مخصصات دعمه، وغايته من ذلك عدم إثارة نواب يعارضون المساس بالخبز، وكذلك حتى لا يؤلّب على الحكومة شارعاً يرقب مستقبل قوته بكثير من القلق.
يُصنّف ما ذهب إليه الوزير في خانة الذكاء أو التذاكي، لكن ما ذهبت إليه رئاسة مجلس النواب عندما انتزعت تصويتاً عاجلاً على تحويل الموازنة للجنة المالية من دون قراءة أولية، لا يصنّف إلاّ في خانة التواطؤ، خصوصاً أن نواباً تحضروا للهجوم بلغة مباشرة على قرار رفع الدعم عن الخبز.
حرمت رئاسة مجلس النواب، متسلّحة بالأغلبية، حقّ الأقلية في النقاش، بل أدارت نقاشاً عصبياً مع من حاولوا انتقاد قرار الأغلبية المثير للجدل. كذلك حرمت الرئاسة المواطن الغاضب من "حق الكلام"، التزاماً منها بقواعد حضور للجلسات المنصوص عليها في النظام الداخلي. وفي الحالتين، لم تخالف رئاسة مجلس النواب القانون، لكنها قدّمت نموذجاً فجاً في قوننة تكميم الأفواه، مفتونة بلعب دور متلقّي الضربات عن الحكومة التي لن تتأخّر في تحميل النواب مسؤولية قراراتها.
Comments
Post a Comment