عملية يوليو الكبري (5-30)
عرض :محمد علي خوجلي:
Khogali17@yahoo.com
Khogali17@yahoo.com
الصمت أحياناً من انواع الكذب 1/2
تأثر السودان، كجزء من المسرح الاقليمي والدولي بالحرب الباردة في الألفية الثانية، ويتأثر اليوم بهيمنة رأس المال المالي. وتعرض كما الدول النامية الأخرى، من خلال أنشطة الرأسمالية الدولية لإحكام السيطرة على نظم الحكم، وميدانها الأبرز السوح السياسية بأحزابها ومؤسساتها الرسمية وبأدواتها الرئيسية: فنون المخابرات، والقوة الناعمة وأحياناً، القوة العسكرية، و19 يوليو ليست منفصلة عن ذلك، والحزب الشيوعي ضمن مكونات الساحة السياسية.
ونبه المؤتمر الرابع للحزب (1967) الى تجديد دول الرأسمالية الدولية لأساليبها بالتخلي عن (الأحزاب التابعة)، والعمل بين الفئات الاجتماعية المختلفة وهي موجودة في جميع الأحزاب، (نجد من يلتحف ثوب اليسار وهو عميل-التقرير السياسي).
النتائج المتطابقة
النتائج العملية للنهج السوفيتي، في محاولة هيمنته على نظم حاكمة في دول نامية، تتطابق مع أهداف خطط الرأسمالية الدولية بالنسبة للأحزاب الشيوعية الوطنية في تلك الدول. فأدوات الرأسمالية الدولية هي، الإختراقات وصناعة الانقسامات والإغتيالات.. وغيرها لإضعافها وتحولها يميناً.
ومن جهة الشيوعية الدولية:
- تقوية نظم الحكم الوطنية (البرجوازية) المعادية لأميركا، حتى إذا كانت معادية للشيوعيين.
- النصح بحل الأحزاب الشيوعية الوطنية لنفسها.
فتكون من نتائج النهج السوفيتي/الانقسامات وإضعاف الأحزاب وتذويب الأحزاب.
وفي التجربة المصرية، كتب (عبد العظيم رمضان)، في دراسته التاريخية عن "قصة عبد الناصر والشيوعيين":
* حسابات عبد الناصر دعت الى زيادة التنكيل بالشيوعيين كلما وقفوا موقفاً وطنياً يؤيدهم فيه الرأي العام. وعندما تمكن المهندس الدكتور فائق فريد وزملاؤه، فور ضرب قوات العدوان الثلاثي محطة القاهرة بابو زعبل، من تجهيز عربة إذاعة بديلة تحل محل محطة الإذاعة، لم ينقذه هذا العمل الوطني من الاعتقال.
* وعندما تصدى الشيوعيين في بورسعيد للدفاع عن المدينة بعد انهيار القيادة المسؤولة وتبعثر القوات العسكرية أمام قوات الغزو، كان هذا العمل الوطني سبباً لفتح أبواب السجن لاستقبالهم.
وفلسفة عبد الناصر: إن كل من يملك القدرة على تأييده، يملك من الناحية الأخرى القدرة على معارضته بما يستوجب التخلص منه. وهي ذات فلسفة الدولة السوفيتية وحزبها الشيوعي الوحيد الحاكم وكافة الأحزاب الشيوعية الوطنية (المركزية) والتي تكتفي بحملات التطهير.
أحوال الحزب الشيوعي
طال الحزب استهداف ثلاثي، من جهة المخابرات الغربية والأمن الوطني واستخباراته، وكذلك من قبل الشيوعية الدولية، لاستقلاليته، وضاعف المعاناة قدره الذي وضعه في خانة الأب الروحي لليسار السوداني مما رفع درجات الاستهداف.
وأعداء الحزب في 1971: دول الرأسمالية الدولية، دول الشيوعية الدولية، دولة الصين، دول مصر وليبيا وغيرها.. وفي الساحة الداخلية، القوى المعادية للشيوعية والقوميين والشيوعيين الحكوميين.. وفي خضم كل ذلك كانت 19 يوليو.
أنظر:
استقبل نميري في أغسطس 1971 السفير الصيني في الخرطوم وسلمه رسالة الى ماوتسي تونج وشوان لاي. وأعلن وزير الخارجية (منصور خالد)، الذي خلف (فاروق أبوعيسى) في المؤتمر الصحفي الأول بعد اسناد الخارجية له، أن نميري أبلغ السفير الصيني (إمتنانه الشخصي وشكر حكومة السودان لجمهورية الصين الشعبية على موقفها المؤيد لثورة مايو واستنكارها المؤامرة التي استهدفت الثورة ومكاسب الشعب).
وأضاف منصور خالد: ان موقف الصين الشعبية كان مشرفاً بإدانة الانقلاب الفاشل وتظاهرات التأييد للسودان التي خرجت في بكين خلال أيام المحنة.
والنهج السوفيتي لتطويع نظم الحكم عماده: توظيف الأحزاب الشيوعية الوطنية لخدمة السياسة الخارجية السوفيتية، ولذلك يضيق السوفيت بأي نزعات استقلالية لتلك الأحزاب.
وفي خطاب بريجينيف في المؤتمر الرابع والعشرون لحزبه (أبريل 1971)، فإنه: أبدى تفاؤله لمستقبل الدول التي تسير على طريق التطور اللارأسمالي، مشيراً للاصلاحات الجارية في مصر وسوريا والسودان.
وفي ذلك التاريخ تم اعتقال وفصل عشرات الشيوعيين وبالذات في القوات المسلحة.
ومؤشر موقف السوفيت في التعامل مع الأحزاب الشيوعية الوطنية، هو مدى علاقة نظام الحكم من أمريكا. والنظام المعادي لامريكا أو بعيد عنها، هو وطني وثوري ويرفض السوفيت، تبعاً لذلك، وجود أي خلافات بينه والحزب الشيوعي الوطني، لأنها ستفيد الامبريالية.
وعلى ذلك فرض على الأحزاب الشيوعية الوطنية خيار، (الجبهة التقدمية) أو (الحزب الواحد)، وفي السودان (الاتحاد الاشتراكي السوداني).
إن موقف الحزب الشيوعي (جماعة عبد الخالق) هو:
1- عندما تطرح القضية كحزب واحد أو طبقة واحدة لتجسيد إرادة الأمة فإن القضية لم تعد الاختيار بين أشكال تنظيمية، حتى ولو كانت الطبقة الواحدة هي الطبقة العاملة والحزب الواحد هو الحزب الشيوعي.
2- التطور غير الرأسمالي لا يعني تحويل علاقات الانتاج الى علاقات اشتراكية، كما لا يعني أن يكون موجهاً نحو الرأسمالية الوطنية.
3- إن نضال الحزب الشيوعي مع القوى السياسية الأخرى، يستحيل أن يعني التحلل من الأفكار الماركسية.
4- إن أي حديث، أنه لا يوجد تناقض أو خلافات ايديولوجية، بين الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة، خلال مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية، هي دعوة مباشرة أنه لا جدوى من وجود الحزب الشيوعي نفسه، وهذا هو الأساس الفكري لنظرية التصفية.
أما التيار اليميني في اللجنة المركزية والأغلبية، قبل أغسطس 1970، فقد تبنى النهج السوفيتي، ووصف تيار عبد الخالق، بالجمود العقائدي، وارتكز على:
1- الطبقة العاملة، غير مؤهلة لقيادة الثورة السودانية.. (راجع خلافات 1947،1951،1970 وخروج الخاتم الذي يكرر السر بابو، بلا هدى، أنه انقسام، وحملة التطهير 2016).
2- إذا فرضت الظروف شكل الحزب الواحد، كتنظيم لاتحاد الجماهير الثورية، فمن الواجب الاشتراك فيه والنضال للأفكار من الداخل (إعادة لتجربة الشيوعيين المصريين).
إن هؤلاء الشيوعيين الحكوميين (وجدت أن مفردة حكوميين أكثر دقة من المايويين خاصة بعد وجود شيوعيين انقاذيين!!)، قدموا احصائية بأخطاء عبد الخالق وجماعته (المؤتمر التداولي-أغسطس 1970) وهي:
1- رفض الاشتراك في انقلاب مايو.
2- الاعتراض على اعتقال الصادق المهدي.
3- رفض الاشتراك في حكومة مايو.
4- انتقاد أحداث الجزيرة أبا.
5- انتقاد تأميم البنوك وشركات والتأمين ومطالبة عبد الخالق بالاحتكام للقانون والشرعية (وكأن ثورة مايو غير شرعية كما قالوا).
الشيوعيون الحكوميون وتوسيع دائرة المشاركة
وأضاف الشيوعيين الحكوميين داخل مؤتمر 1970:
* أخطر عبد الخالق، الصادق المهدي بعدم تأييد الحزب للمغامرة العسكرية وأرسل له بيان الحزب يوم 25 مايو، قبل أن يوزعه على أعضاء الحزب.
* كشف وزير الداخلية (فاروق حمد الله)، في اجتماعه مع الكادر القيادي للحزب 15 سبتمبر 1969، (أشرف محمد أحمد سليمان، على استدعاء الكادر) عن طلب عبد الخالق لوضع اعتبار خاص للصادق المهدي في التكوين الحكومي الجديد (وسكت عبد الخالق).
* كشف فاروق أبو عيسى (عضو اللجنة المركزية 2016-ويشغل مهمة الاستشارات العامة!!)، أن عبد الخالق اعترض على اعتقال الصادق بعد ثورة مايو بل طلب أن يعمل الحزب على تمثيل الصادق في الحكومة ورشح أحمد إبراهيم دريج للحكومة.
قالوا: فبماذا.. رد عبد الخالق
قالوا: قال وماذا لو دعوت لتمثيل الصادق ودريج؟ ألم يدخل الحكومة منصور خالد ومحمود حسيب وآخرون؟
أفكار (جماعة عبد الخالق) هي من قرارات ونتائج المؤتمر الرابع التي تنكر لها الشيوعيين الحكوميين: استقلالية الحزب، حرية التنظيمات السياسية.
أنظر:
كتب د. عبد الله علي ابراهيم، أن عبد الخالق منذ 25 مايو سعى لتوسيع دائرة المشاركة في الحكم وحاول الخروج بمايو من الوجه الشيوعي السافر، بإدخال جماعات ذات انتماءات مختلفة، وحين زار عبد الخالق الصادق، قال له، (نحن ما دايرين الوش الشيوعي دا..) كان عبد الخالق يسعى لفتح النظام على الجماهير وعلى الأحزاب الأخرى.
الديموقراطيون
عند تكوين حكومة اكتوبر الأولى 1964، احتج عبد الخالق لموقف الوزراء الشيوعيين (فاروق أبو عيسى وآخرون) واستئثارهم بالوزارات دون اشراك الديموقراطيين. مثلما انتقد ضم الوزارة لأكثر من عشر شيوعيين على الرغم من أن توازن القوى السياسية لا يسمح بذلك. وأكد لهم أن حكومتهم لن تعيش طويلاً.
وسقطت حكومة أكتوبر الأولى، وجاءت نتائج الانتخابات العامة لصالح حزب الأمة، ذات الحزب الذي سلم السلطة للعساكر.
(وفي 2016 تعادي قيادة الحزب، القوى الديموقراطية وتستنكر على الشباب النشاط المستقل لملء الفراغ في الساحة السياسية.. وأبوعيسى والكنين وشركاه، يأملون في الهبوط الناعم والوزراء الانتقاليين وعضوية المجالس التشريعية الانتقالية المجانية!!)
التحريض والاستدراج
وهيمن الشيوعيين الحكوميين، على جهاز الأمن وتواصل نشاطهم المعادي للحزب كما الأخوان المسلمين والأمريكان والسوفيت والمصريين والصينيين وغيرهم وكل بطريقته.. وذلك لا ينفصل عن عملية 19 يوليو.
تقرير الأمن
جاء في تقرير الأمن بتاريخ 29 أكتوبر 1970:
وفي معرض تقييم عناصر الثورة المضادة (القوى المناوئة لانقلاب مايو-الكاتب) للوضع في السودان، طرحت الآتي:
1- سوء الوضع الاقتصادي في السودان، نتيجة الضرائب المتزايدة وانعدام السلع في الأسواق مع تفشي البطالة ومشكلة اختفاء الذرة في البلاد، نتيجة أعمال فردية من بعض أعضاء الجبهة الخارجية.
2- حدوث انقسامات حادة وسط أعضاء مجلس قيادة الثورة.
3- اشاعات تردد حول سلوك بعض الشخصيات القيادية.
4- تفشي الفساد والمحسوبية.
5- التبعية للقاهرة في السياسة الخارجية.
6- تلاعب وفضائح في بعض الشركات.
7- انقسامات وتكتلات داخل القوات المسلحة.
المكتب الخاص للإخوان المسلمين
التقارير، والمنشورات والتسريبات والتمويهات، قد تكون من أشكال التحريض والاستدراج. وفي 28 مايو 1971 أصدر المكتب الخاص للأخوان المسلمين منشوراً باسم (جبهة المقاومة الشعبية) ومما ورد فيه:
"يدور هذه الأيام صراع رهيب على السلطة في السودان، وينحصر هذا الصراع في هذه المرحلة فقط داخل الحزب الشيوعي من ناحية وصراع في أوساط العسكريين من ناحية أخرة. فهل يا ترى من انتصار آخر للنميري؟ هل ينجحح في عزل المجموعة الصغيرة من الضباط التي تساند الشيوعيين؟
إن الأسابيع التي بين أيدينا، كفيلة بالاجابة على السؤال، فالأزمة قد بلغت حداً لا يمكن تجاوزه دون انتصار نهائي لفريق على آخر.."
الصمت الطويل
لزمت قيادة الحزب الشيوعي، الصمت التام عن مسائل أساسية، لا يستقيم دون معرفتها، تقييم التجربة وتحديد المسؤوليات أو كتابة صحيح وقائع التاريخ، وتهربت من بيان مسؤولية الهيئات الحزبية والعضوية وعرفت القيادة أن تقييمها الذي نشرته على الكافة، أقام جداراً جديداً وكان قاصراً، فوعدت في المؤتمر الخامس 2009 بالعمل على استكمال التقرير (!) وفي نفس الوقت أحالت أمره للباحثين والمحققين، ولذلك لم يتوقف الناس عن البحث حتى الوصول للحقيقة كاملة.
وأبرز المسائل التي صمت الحزب عنها:
1- التقييم الجماعي للعسكريين مع بيان أسباب ضياعه واعدامه.
2- مسؤولية القيادات/الكادر الحزبي الذي شارك في العملية باسم الحزب (زوراً).
3- حماية عبد الخالق واعتقاله، وما كتبه خلال خمسة أيام قبل الاعتقال واغتياله والقيادات المدنية والعسكرية.
4- أثر المخابرات الدولية والاقليمية في العملية.
5- مذبحة بيت الضيافة وابقاء المعتقلين في مسرح العمليات.
6- القضايا السياسية: البيان الأول، التنسيق مع العراق، تأييد العملية، دور الشيوعيين الحكوميين في العملية.
دورة اللجنة المركزية (سبتمبر 1971)
ناقش اجتماع اللجنة المركزية سبتمبر 1971 العوامل الخارجية التي قادت (لهزيمة 19 يوليو)، وقام بناء المناقشة على افتراضين:
1- 19 يوليو انقلاب ثوري.
2- لم يكن داخل البلاد خلال تلك الأيام الثلاثة، اي قوة لها القدرة على التحرك بمفردها، لولا التآمر الخارجي من جانب الاتحاد الثلاثي، وتعاون المخابرات البريطانية معهما.
والافتراضين خاطئين بالوقائع، ويبدو أنه لذلك حذفت مناقشات سبتمبر من تقييم الحزب اللاحق. ويثير الحيرة والدهشة أن هذا الاجتماع أورد وقائع عديدة خاطئة وكان الواجب الاشارة إليها وتصحيحها بدل شطبها مثل دور الملحق العسكري المصري في اختطاف الطائرة وتدخل قاعدة الطيران المصري في وادي سيدنا.
أما الأشد غرابة فقط كان تحليل العملية بالآتي:
(كانت 19 يوليو في مجرى الثورة السودانية تغييراً ثورياً للسلطة قامت به قوى الجبهة الوطنية الديموقراطية وبالتحديد قوى الديموقراطيين الثوريين داخل القوات المسلحة).
وهو ذات تحليل الشيوعيين الحكوميين لانقلاب مايو 1969 والذي عارضه تحليل التيار الثوري (إن ما حدث، انقلاب عسكري وليس عملاً شعبياً قامت به قوى الجبهة الوطنية الديموقراطية عن طريق قسمها المسلح) وتراجع القيادة عن التحليل في 1988 و1998 لا يكفي.
مؤتمر الأحزاب الشيوعية العربية
عملية 19 يوليو امتدت آثارها لكافة الأحزاب الشيوعية واليسارية في المنطقة وكثير من دول العالم. وفي 1972 انعقد مؤتمر الأحزاب الشيوعية والجبهات التقدمية في منطقة الشرق الأوسط وتبعته اجتماعات أخرى للأحزاب الشيوعية. وتمت مواجهة النهج السوفيتي والمطالبة بإعادة النظر في شكل علاقات الشيوعية الدولية مع الأحزاب الشيوعية الوطنية. والاضطهاد الذي تعانيه وأهمية استقلالية تلك الأحزاب. وقاد، نقولا الشاوي (الحزب الشيوعي اللبناني)، رفض الأفكار السوفيتية الخاصة بحل التنظيمات والأحزاب الشيوعية لنفسها وتذويبها في (الحزب الواحد) و(الجبهة التقدمية).. وانتصرت أفكار التيار الثوري في السودان..!!
ونبه المؤتمر الرابع للحزب (1967) الى تجديد دول الرأسمالية الدولية لأساليبها بالتخلي عن (الأحزاب التابعة)، والعمل بين الفئات الاجتماعية المختلفة وهي موجودة في جميع الأحزاب، (نجد من يلتحف ثوب اليسار وهو عميل-التقرير السياسي).
النتائج المتطابقة
النتائج العملية للنهج السوفيتي، في محاولة هيمنته على نظم حاكمة في دول نامية، تتطابق مع أهداف خطط الرأسمالية الدولية بالنسبة للأحزاب الشيوعية الوطنية في تلك الدول. فأدوات الرأسمالية الدولية هي، الإختراقات وصناعة الانقسامات والإغتيالات.. وغيرها لإضعافها وتحولها يميناً.
ومن جهة الشيوعية الدولية:
- تقوية نظم الحكم الوطنية (البرجوازية) المعادية لأميركا، حتى إذا كانت معادية للشيوعيين.
- النصح بحل الأحزاب الشيوعية الوطنية لنفسها.
فتكون من نتائج النهج السوفيتي/الانقسامات وإضعاف الأحزاب وتذويب الأحزاب.
وفي التجربة المصرية، كتب (عبد العظيم رمضان)، في دراسته التاريخية عن "قصة عبد الناصر والشيوعيين":
* حسابات عبد الناصر دعت الى زيادة التنكيل بالشيوعيين كلما وقفوا موقفاً وطنياً يؤيدهم فيه الرأي العام. وعندما تمكن المهندس الدكتور فائق فريد وزملاؤه، فور ضرب قوات العدوان الثلاثي محطة القاهرة بابو زعبل، من تجهيز عربة إذاعة بديلة تحل محل محطة الإذاعة، لم ينقذه هذا العمل الوطني من الاعتقال.
* وعندما تصدى الشيوعيين في بورسعيد للدفاع عن المدينة بعد انهيار القيادة المسؤولة وتبعثر القوات العسكرية أمام قوات الغزو، كان هذا العمل الوطني سبباً لفتح أبواب السجن لاستقبالهم.
وفلسفة عبد الناصر: إن كل من يملك القدرة على تأييده، يملك من الناحية الأخرى القدرة على معارضته بما يستوجب التخلص منه. وهي ذات فلسفة الدولة السوفيتية وحزبها الشيوعي الوحيد الحاكم وكافة الأحزاب الشيوعية الوطنية (المركزية) والتي تكتفي بحملات التطهير.
أحوال الحزب الشيوعي
طال الحزب استهداف ثلاثي، من جهة المخابرات الغربية والأمن الوطني واستخباراته، وكذلك من قبل الشيوعية الدولية، لاستقلاليته، وضاعف المعاناة قدره الذي وضعه في خانة الأب الروحي لليسار السوداني مما رفع درجات الاستهداف.
وأعداء الحزب في 1971: دول الرأسمالية الدولية، دول الشيوعية الدولية، دولة الصين، دول مصر وليبيا وغيرها.. وفي الساحة الداخلية، القوى المعادية للشيوعية والقوميين والشيوعيين الحكوميين.. وفي خضم كل ذلك كانت 19 يوليو.
أنظر:
استقبل نميري في أغسطس 1971 السفير الصيني في الخرطوم وسلمه رسالة الى ماوتسي تونج وشوان لاي. وأعلن وزير الخارجية (منصور خالد)، الذي خلف (فاروق أبوعيسى) في المؤتمر الصحفي الأول بعد اسناد الخارجية له، أن نميري أبلغ السفير الصيني (إمتنانه الشخصي وشكر حكومة السودان لجمهورية الصين الشعبية على موقفها المؤيد لثورة مايو واستنكارها المؤامرة التي استهدفت الثورة ومكاسب الشعب).
وأضاف منصور خالد: ان موقف الصين الشعبية كان مشرفاً بإدانة الانقلاب الفاشل وتظاهرات التأييد للسودان التي خرجت في بكين خلال أيام المحنة.
والنهج السوفيتي لتطويع نظم الحكم عماده: توظيف الأحزاب الشيوعية الوطنية لخدمة السياسة الخارجية السوفيتية، ولذلك يضيق السوفيت بأي نزعات استقلالية لتلك الأحزاب.
وفي خطاب بريجينيف في المؤتمر الرابع والعشرون لحزبه (أبريل 1971)، فإنه: أبدى تفاؤله لمستقبل الدول التي تسير على طريق التطور اللارأسمالي، مشيراً للاصلاحات الجارية في مصر وسوريا والسودان.
وفي ذلك التاريخ تم اعتقال وفصل عشرات الشيوعيين وبالذات في القوات المسلحة.
ومؤشر موقف السوفيت في التعامل مع الأحزاب الشيوعية الوطنية، هو مدى علاقة نظام الحكم من أمريكا. والنظام المعادي لامريكا أو بعيد عنها، هو وطني وثوري ويرفض السوفيت، تبعاً لذلك، وجود أي خلافات بينه والحزب الشيوعي الوطني، لأنها ستفيد الامبريالية.
وعلى ذلك فرض على الأحزاب الشيوعية الوطنية خيار، (الجبهة التقدمية) أو (الحزب الواحد)، وفي السودان (الاتحاد الاشتراكي السوداني).
إن موقف الحزب الشيوعي (جماعة عبد الخالق) هو:
1- عندما تطرح القضية كحزب واحد أو طبقة واحدة لتجسيد إرادة الأمة فإن القضية لم تعد الاختيار بين أشكال تنظيمية، حتى ولو كانت الطبقة الواحدة هي الطبقة العاملة والحزب الواحد هو الحزب الشيوعي.
2- التطور غير الرأسمالي لا يعني تحويل علاقات الانتاج الى علاقات اشتراكية، كما لا يعني أن يكون موجهاً نحو الرأسمالية الوطنية.
3- إن نضال الحزب الشيوعي مع القوى السياسية الأخرى، يستحيل أن يعني التحلل من الأفكار الماركسية.
4- إن أي حديث، أنه لا يوجد تناقض أو خلافات ايديولوجية، بين الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة، خلال مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية، هي دعوة مباشرة أنه لا جدوى من وجود الحزب الشيوعي نفسه، وهذا هو الأساس الفكري لنظرية التصفية.
أما التيار اليميني في اللجنة المركزية والأغلبية، قبل أغسطس 1970، فقد تبنى النهج السوفيتي، ووصف تيار عبد الخالق، بالجمود العقائدي، وارتكز على:
1- الطبقة العاملة، غير مؤهلة لقيادة الثورة السودانية.. (راجع خلافات 1947،1951،1970 وخروج الخاتم الذي يكرر السر بابو، بلا هدى، أنه انقسام، وحملة التطهير 2016).
2- إذا فرضت الظروف شكل الحزب الواحد، كتنظيم لاتحاد الجماهير الثورية، فمن الواجب الاشتراك فيه والنضال للأفكار من الداخل (إعادة لتجربة الشيوعيين المصريين).
إن هؤلاء الشيوعيين الحكوميين (وجدت أن مفردة حكوميين أكثر دقة من المايويين خاصة بعد وجود شيوعيين انقاذيين!!)، قدموا احصائية بأخطاء عبد الخالق وجماعته (المؤتمر التداولي-أغسطس 1970) وهي:
1- رفض الاشتراك في انقلاب مايو.
2- الاعتراض على اعتقال الصادق المهدي.
3- رفض الاشتراك في حكومة مايو.
4- انتقاد أحداث الجزيرة أبا.
5- انتقاد تأميم البنوك وشركات والتأمين ومطالبة عبد الخالق بالاحتكام للقانون والشرعية (وكأن ثورة مايو غير شرعية كما قالوا).
الشيوعيون الحكوميون وتوسيع دائرة المشاركة
وأضاف الشيوعيين الحكوميين داخل مؤتمر 1970:
* أخطر عبد الخالق، الصادق المهدي بعدم تأييد الحزب للمغامرة العسكرية وأرسل له بيان الحزب يوم 25 مايو، قبل أن يوزعه على أعضاء الحزب.
* كشف وزير الداخلية (فاروق حمد الله)، في اجتماعه مع الكادر القيادي للحزب 15 سبتمبر 1969، (أشرف محمد أحمد سليمان، على استدعاء الكادر) عن طلب عبد الخالق لوضع اعتبار خاص للصادق المهدي في التكوين الحكومي الجديد (وسكت عبد الخالق).
* كشف فاروق أبو عيسى (عضو اللجنة المركزية 2016-ويشغل مهمة الاستشارات العامة!!)، أن عبد الخالق اعترض على اعتقال الصادق بعد ثورة مايو بل طلب أن يعمل الحزب على تمثيل الصادق في الحكومة ورشح أحمد إبراهيم دريج للحكومة.
قالوا: فبماذا.. رد عبد الخالق
قالوا: قال وماذا لو دعوت لتمثيل الصادق ودريج؟ ألم يدخل الحكومة منصور خالد ومحمود حسيب وآخرون؟
أفكار (جماعة عبد الخالق) هي من قرارات ونتائج المؤتمر الرابع التي تنكر لها الشيوعيين الحكوميين: استقلالية الحزب، حرية التنظيمات السياسية.
أنظر:
كتب د. عبد الله علي ابراهيم، أن عبد الخالق منذ 25 مايو سعى لتوسيع دائرة المشاركة في الحكم وحاول الخروج بمايو من الوجه الشيوعي السافر، بإدخال جماعات ذات انتماءات مختلفة، وحين زار عبد الخالق الصادق، قال له، (نحن ما دايرين الوش الشيوعي دا..) كان عبد الخالق يسعى لفتح النظام على الجماهير وعلى الأحزاب الأخرى.
الديموقراطيون
عند تكوين حكومة اكتوبر الأولى 1964، احتج عبد الخالق لموقف الوزراء الشيوعيين (فاروق أبو عيسى وآخرون) واستئثارهم بالوزارات دون اشراك الديموقراطيين. مثلما انتقد ضم الوزارة لأكثر من عشر شيوعيين على الرغم من أن توازن القوى السياسية لا يسمح بذلك. وأكد لهم أن حكومتهم لن تعيش طويلاً.
وسقطت حكومة أكتوبر الأولى، وجاءت نتائج الانتخابات العامة لصالح حزب الأمة، ذات الحزب الذي سلم السلطة للعساكر.
(وفي 2016 تعادي قيادة الحزب، القوى الديموقراطية وتستنكر على الشباب النشاط المستقل لملء الفراغ في الساحة السياسية.. وأبوعيسى والكنين وشركاه، يأملون في الهبوط الناعم والوزراء الانتقاليين وعضوية المجالس التشريعية الانتقالية المجانية!!)
التحريض والاستدراج
وهيمن الشيوعيين الحكوميين، على جهاز الأمن وتواصل نشاطهم المعادي للحزب كما الأخوان المسلمين والأمريكان والسوفيت والمصريين والصينيين وغيرهم وكل بطريقته.. وذلك لا ينفصل عن عملية 19 يوليو.
تقرير الأمن
جاء في تقرير الأمن بتاريخ 29 أكتوبر 1970:
وفي معرض تقييم عناصر الثورة المضادة (القوى المناوئة لانقلاب مايو-الكاتب) للوضع في السودان، طرحت الآتي:
1- سوء الوضع الاقتصادي في السودان، نتيجة الضرائب المتزايدة وانعدام السلع في الأسواق مع تفشي البطالة ومشكلة اختفاء الذرة في البلاد، نتيجة أعمال فردية من بعض أعضاء الجبهة الخارجية.
2- حدوث انقسامات حادة وسط أعضاء مجلس قيادة الثورة.
3- اشاعات تردد حول سلوك بعض الشخصيات القيادية.
4- تفشي الفساد والمحسوبية.
5- التبعية للقاهرة في السياسة الخارجية.
6- تلاعب وفضائح في بعض الشركات.
7- انقسامات وتكتلات داخل القوات المسلحة.
المكتب الخاص للإخوان المسلمين
التقارير، والمنشورات والتسريبات والتمويهات، قد تكون من أشكال التحريض والاستدراج. وفي 28 مايو 1971 أصدر المكتب الخاص للأخوان المسلمين منشوراً باسم (جبهة المقاومة الشعبية) ومما ورد فيه:
"يدور هذه الأيام صراع رهيب على السلطة في السودان، وينحصر هذا الصراع في هذه المرحلة فقط داخل الحزب الشيوعي من ناحية وصراع في أوساط العسكريين من ناحية أخرة. فهل يا ترى من انتصار آخر للنميري؟ هل ينجحح في عزل المجموعة الصغيرة من الضباط التي تساند الشيوعيين؟
إن الأسابيع التي بين أيدينا، كفيلة بالاجابة على السؤال، فالأزمة قد بلغت حداً لا يمكن تجاوزه دون انتصار نهائي لفريق على آخر.."
الصمت الطويل
لزمت قيادة الحزب الشيوعي، الصمت التام عن مسائل أساسية، لا يستقيم دون معرفتها، تقييم التجربة وتحديد المسؤوليات أو كتابة صحيح وقائع التاريخ، وتهربت من بيان مسؤولية الهيئات الحزبية والعضوية وعرفت القيادة أن تقييمها الذي نشرته على الكافة، أقام جداراً جديداً وكان قاصراً، فوعدت في المؤتمر الخامس 2009 بالعمل على استكمال التقرير (!) وفي نفس الوقت أحالت أمره للباحثين والمحققين، ولذلك لم يتوقف الناس عن البحث حتى الوصول للحقيقة كاملة.
وأبرز المسائل التي صمت الحزب عنها:
1- التقييم الجماعي للعسكريين مع بيان أسباب ضياعه واعدامه.
2- مسؤولية القيادات/الكادر الحزبي الذي شارك في العملية باسم الحزب (زوراً).
3- حماية عبد الخالق واعتقاله، وما كتبه خلال خمسة أيام قبل الاعتقال واغتياله والقيادات المدنية والعسكرية.
4- أثر المخابرات الدولية والاقليمية في العملية.
5- مذبحة بيت الضيافة وابقاء المعتقلين في مسرح العمليات.
6- القضايا السياسية: البيان الأول، التنسيق مع العراق، تأييد العملية، دور الشيوعيين الحكوميين في العملية.
دورة اللجنة المركزية (سبتمبر 1971)
ناقش اجتماع اللجنة المركزية سبتمبر 1971 العوامل الخارجية التي قادت (لهزيمة 19 يوليو)، وقام بناء المناقشة على افتراضين:
1- 19 يوليو انقلاب ثوري.
2- لم يكن داخل البلاد خلال تلك الأيام الثلاثة، اي قوة لها القدرة على التحرك بمفردها، لولا التآمر الخارجي من جانب الاتحاد الثلاثي، وتعاون المخابرات البريطانية معهما.
والافتراضين خاطئين بالوقائع، ويبدو أنه لذلك حذفت مناقشات سبتمبر من تقييم الحزب اللاحق. ويثير الحيرة والدهشة أن هذا الاجتماع أورد وقائع عديدة خاطئة وكان الواجب الاشارة إليها وتصحيحها بدل شطبها مثل دور الملحق العسكري المصري في اختطاف الطائرة وتدخل قاعدة الطيران المصري في وادي سيدنا.
أما الأشد غرابة فقط كان تحليل العملية بالآتي:
(كانت 19 يوليو في مجرى الثورة السودانية تغييراً ثورياً للسلطة قامت به قوى الجبهة الوطنية الديموقراطية وبالتحديد قوى الديموقراطيين الثوريين داخل القوات المسلحة).
وهو ذات تحليل الشيوعيين الحكوميين لانقلاب مايو 1969 والذي عارضه تحليل التيار الثوري (إن ما حدث، انقلاب عسكري وليس عملاً شعبياً قامت به قوى الجبهة الوطنية الديموقراطية عن طريق قسمها المسلح) وتراجع القيادة عن التحليل في 1988 و1998 لا يكفي.
مؤتمر الأحزاب الشيوعية العربية
عملية 19 يوليو امتدت آثارها لكافة الأحزاب الشيوعية واليسارية في المنطقة وكثير من دول العالم. وفي 1972 انعقد مؤتمر الأحزاب الشيوعية والجبهات التقدمية في منطقة الشرق الأوسط وتبعته اجتماعات أخرى للأحزاب الشيوعية. وتمت مواجهة النهج السوفيتي والمطالبة بإعادة النظر في شكل علاقات الشيوعية الدولية مع الأحزاب الشيوعية الوطنية. والاضطهاد الذي تعانيه وأهمية استقلالية تلك الأحزاب. وقاد، نقولا الشاوي (الحزب الشيوعي اللبناني)، رفض الأفكار السوفيتية الخاصة بحل التنظيمات والأحزاب الشيوعية لنفسها وتذويبها في (الحزب الواحد) و(الجبهة التقدمية).. وانتصرت أفكار التيار الثوري في السودان..!!
Comments
Post a Comment