صيف العام الثالث و الثمانين من القرن المنصرم
علي خشبة مسرح قصر الشباب و الاطفال كنا نستعد لامتحانات التخرج تمثيل و اخراج و كان وقتها مبني قصر الشباب و الاطفال قد تم منحه للمعهد العالي للموسيقي و المسرح بامر جمهوري من جعفر نميري و كان ذلك كرد فعل لتمرد الحركة الطلابية بالمعهد ضد اشكالات داخلية الامر الذي جعل كل طلاب المعهد يتقدمون باستقالة جماعية و لكي اكون دقيقا هنالك طالبان احدهما في قسم الموسيقي والاخر في قسم المسرح لم يوقعا علي هذه الاستقالة الجماعية وكان اول من وقع علي هذه الورقة الاستثنائية هو مصطفي سيد احمد و لازلت اذكر وقفته الشامخة وهو ببدأ التوقيعات التي تتابعت بعد ذلك المهم كنا نستعد لامتحانات الدبلوم ، دبلوم التخرج علي خشبة مسرح قصر الشباب وكانت هذه الاستعدادات تعزلنا عن العالم لاكثر من ثلاثة شهور وقد تزيد ، الداخلية المعهد ، المعهد الداخلية و كنت اشارك بالتمثيل في كل عروض دفعتي ما عدا المسرحية التي اخرجها (حكاية تحت الشمس السخنة) للكاتب الدرامي المتميز صلاح حسن احمد و مسرحية اخري للزميلة شادية مغازي لذلك كنت لا استطيع التحرك خارج قصر الشباب و الاطفال
في ظهيرة يوم من تلك الايام و انا علي خشبة المسرح جاءتني الاخت ليلي موظفة الكبانية بالقصر تدعوني لمكالمة تلفونية مع مصطفي سيد احمد و قد كان يستحيل علي تماما ان اعطل بروفة زميلي عباس الزبير الذي كان يخرج مسرحية للكاتب نبيل بدران هي (جحا باع حماره ) فطلبت من الاخت ليلي ان تطلب من مصطفي الاتصال بي بعد ربع ساعة هي موعد نهاية البروفة و قد كان
(تقدر تجيني هسه يا يحي ؟)-
(في شنو يا مصطفي؟)
(كدي انت تعال)
(بس لكن يا مصطفي البروفات ما عندي اي زمن فاضي انا عندي ساعة ونص بس)
(خلاص اركب تاكسي و ارجع بي تاكسي)
(في شنو يا مصطفي؟)-
(بقول ليك انت كدي تعال)-
(خلاص هسه الساعة واحدة ونص انا مفروض اكون علي الخشبة الساعة تلاتة)
(بقول ليك اركب تاكسى و بعدين ارجع بي تاكسي)-
(انت ما تخلني اجيك بعد نهاية البروفات و ابيت معاك
(ما بنفع يا يحي لازم هسه)-
(خلاص انا جاي)
(اتحرك طوالي)
كان مصطفي يسكن الديم و حين كان التاكسي يتحرك بي الي هناك عجز خيالي تماما ان يعرف لماذا يريدني الان و بهذا الالحاح ،شارع الغابة ، في كوبري الحرية ازدادت و تكثفت فكرتي المرعبة تجاه ان اتاخر عن موعد البروفةالقادمة وذلك بسبب الزحمة و بطء الحركة
حين وصلت كان مصطفي ينتظرني امام الباب، كان يرتدي جلابية ويضع البشكير كعادته دائما علي كتفه
(في شنو يا طبوز)
هكذا كنا نناديه منتمين الي وضوحه الشديد و المعلن تجاه كل الامور
(انت مالك مستعجل؟ حتعرف في شنو)
ووضع يده علي كتفي و دلفنا الي الداخل ، تركت يده كتفي في الممر بين الغرفتين و انحرف قبلي يسارا حيث تلك البرنده التي امام غرفته و حين دخلت بعده اشار نحوي بطريقة مسرحية وقال :-
( اهو ده يحيي فضل الله)
وجدت نفسي امام فتاتين تبدو عليهما النعمة وذلك الجمال المرتاح ،حين اشار نحوي مصطفي معلنا اسمي بتك الطريقة واحدة من الفتاتين لم تملك الا ان تعلن عن دهشتها تجاهي ككائن قائلة و باستنكار
(اصلو ما بصدق؟؟؟)
-وقذفت الفتاة الاخري نحوى بتساؤل غريب .. بينما مصطفي مستمتع جدا بهذه الشبكة
(ده يحيي فضل الله؛؟)
(ايوه انا يحيي فضل الله عندك شك؟)
(لا بس انا ما كنت قايلاك كده.)
.ابتسامة علي وجه مصطفي جعلتني اتزحزح عن رغبتي في مشاجرة لا معني لها خاصة حين تذكرت انني الان في هيئة لا تحمل مطلقا مواصفات ذلك الشاعر لدي الفتاتين فقد كنت ارتدي بنطالا من الكاكي متسخا جدا اما القميص فيعلن عن اهتراء دعك من اتساخه و علي قدمي انتعل شبشب (تموت تخلي) وشعري كثيف تراكمت عليه فترات طويلة من اهمالي تصفيفه ووجهي معترق الي درجة يمكن ان تلاحظ حبيبات صغيرة من الاملاح علي الحاجبين
هانذا اقف بهيئتي تك امام الفتاتين و مصطفي يستمتع بتهشيمه لصورة الشاعر في ذاكرة و خيال الفتاتين و يتحسس بملاحظاته الدقيقة كيفية تعاملي مع هذا الموقف الذي وضعني فيه
قبل ان اغادر الديم وحين خرج معي مصطفي الي الشارع كي استغل تاكسي الرجوع الي قصر الشباب و الاطفال حكي لي انه دخل في جدل مع احدي الفتاتين عن حالة كوني شاعرا رقيقا ..كانت الفتاة تراهن علي رقة الشاعر الذي هو انا بينما مصطفي يحاول ان ينفي تلك الرقة عني لذلك قرر ان يستدعيني و انا في تلك الحالة حتي تكتمل الصدمة وقد حكي لي عن شاعر جاءه مرة لن اذكر اسمه لانه لا يستحق ذلك ،جاءه ذلك الشاعر في ظهيرة حارقة وقد كان يرتدي بدلة من الشامواه الازرق و يسبقه عطر نفاذ و لزج لايستقيم تماما مع تلك الظهيرة الحارقة، شعره مصفف بعناية يمكنك ان تلاحظ قسوة الفرشاة علي فروة الرأس، جاء هذا الشاعر وقدم لمصطفي قصيدة عن فتاة في معرض الزهور و قبل ان يقرأ الشاعر قصيدته شرحها قائلا
(انا شفت البت دي في معرض الزهور فقلت ليه ما تكون البت الجميل زهرة من زهور المعرض.)
لا زال صوت تلك الفتاة وهي تقول
(ده يحيي فضل الله؛؟)
يحيلني الي تلك الابتسامة المتأملة علي وجه مصطفي سيد احمد
علي خشبة مسرح قصر الشباب و الاطفال كنا نستعد لامتحانات التخرج تمثيل و اخراج و كان وقتها مبني قصر الشباب و الاطفال قد تم منحه للمعهد العالي للموسيقي و المسرح بامر جمهوري من جعفر نميري و كان ذلك كرد فعل لتمرد الحركة الطلابية بالمعهد ضد اشكالات داخلية الامر الذي جعل كل طلاب المعهد يتقدمون باستقالة جماعية و لكي اكون دقيقا هنالك طالبان احدهما في قسم الموسيقي والاخر في قسم المسرح لم يوقعا علي هذه الاستقالة الجماعية وكان اول من وقع علي هذه الورقة الاستثنائية هو مصطفي سيد احمد و لازلت اذكر وقفته الشامخة وهو ببدأ التوقيعات التي تتابعت بعد ذلك المهم كنا نستعد لامتحانات الدبلوم ، دبلوم التخرج علي خشبة مسرح قصر الشباب وكانت هذه الاستعدادات تعزلنا عن العالم لاكثر من ثلاثة شهور وقد تزيد ، الداخلية المعهد ، المعهد الداخلية و كنت اشارك بالتمثيل في كل عروض دفعتي ما عدا المسرحية التي اخرجها (حكاية تحت الشمس السخنة) للكاتب الدرامي المتميز صلاح حسن احمد و مسرحية اخري للزميلة شادية مغازي لذلك كنت لا استطيع التحرك خارج قصر الشباب و الاطفال
في ظهيرة يوم من تلك الايام و انا علي خشبة المسرح جاءتني الاخت ليلي موظفة الكبانية بالقصر تدعوني لمكالمة تلفونية مع مصطفي سيد احمد و قد كان يستحيل علي تماما ان اعطل بروفة زميلي عباس الزبير الذي كان يخرج مسرحية للكاتب نبيل بدران هي (جحا باع حماره ) فطلبت من الاخت ليلي ان تطلب من مصطفي الاتصال بي بعد ربع ساعة هي موعد نهاية البروفة و قد كان
(تقدر تجيني هسه يا يحي ؟)-
(في شنو يا مصطفي؟)
(كدي انت تعال)
(بس لكن يا مصطفي البروفات ما عندي اي زمن فاضي انا عندي ساعة ونص بس)
(خلاص اركب تاكسي و ارجع بي تاكسي)
(في شنو يا مصطفي؟)-
(بقول ليك انت كدي تعال)-
(خلاص هسه الساعة واحدة ونص انا مفروض اكون علي الخشبة الساعة تلاتة)
(بقول ليك اركب تاكسى و بعدين ارجع بي تاكسي)-
(انت ما تخلني اجيك بعد نهاية البروفات و ابيت معاك
(ما بنفع يا يحي لازم هسه)-
(خلاص انا جاي)
(اتحرك طوالي)
كان مصطفي يسكن الديم و حين كان التاكسي يتحرك بي الي هناك عجز خيالي تماما ان يعرف لماذا يريدني الان و بهذا الالحاح ،شارع الغابة ، في كوبري الحرية ازدادت و تكثفت فكرتي المرعبة تجاه ان اتاخر عن موعد البروفةالقادمة وذلك بسبب الزحمة و بطء الحركة
حين وصلت كان مصطفي ينتظرني امام الباب، كان يرتدي جلابية ويضع البشكير كعادته دائما علي كتفه
(في شنو يا طبوز)
هكذا كنا نناديه منتمين الي وضوحه الشديد و المعلن تجاه كل الامور
(انت مالك مستعجل؟ حتعرف في شنو)
ووضع يده علي كتفي و دلفنا الي الداخل ، تركت يده كتفي في الممر بين الغرفتين و انحرف قبلي يسارا حيث تلك البرنده التي امام غرفته و حين دخلت بعده اشار نحوي بطريقة مسرحية وقال :-
( اهو ده يحيي فضل الله)
وجدت نفسي امام فتاتين تبدو عليهما النعمة وذلك الجمال المرتاح ،حين اشار نحوي مصطفي معلنا اسمي بتك الطريقة واحدة من الفتاتين لم تملك الا ان تعلن عن دهشتها تجاهي ككائن قائلة و باستنكار
(اصلو ما بصدق؟؟؟)
-وقذفت الفتاة الاخري نحوى بتساؤل غريب .. بينما مصطفي مستمتع جدا بهذه الشبكة
(ده يحيي فضل الله؛؟)
(ايوه انا يحيي فضل الله عندك شك؟)
(لا بس انا ما كنت قايلاك كده.)
.ابتسامة علي وجه مصطفي جعلتني اتزحزح عن رغبتي في مشاجرة لا معني لها خاصة حين تذكرت انني الان في هيئة لا تحمل مطلقا مواصفات ذلك الشاعر لدي الفتاتين فقد كنت ارتدي بنطالا من الكاكي متسخا جدا اما القميص فيعلن عن اهتراء دعك من اتساخه و علي قدمي انتعل شبشب (تموت تخلي) وشعري كثيف تراكمت عليه فترات طويلة من اهمالي تصفيفه ووجهي معترق الي درجة يمكن ان تلاحظ حبيبات صغيرة من الاملاح علي الحاجبين
هانذا اقف بهيئتي تك امام الفتاتين و مصطفي يستمتع بتهشيمه لصورة الشاعر في ذاكرة و خيال الفتاتين و يتحسس بملاحظاته الدقيقة كيفية تعاملي مع هذا الموقف الذي وضعني فيه
قبل ان اغادر الديم وحين خرج معي مصطفي الي الشارع كي استغل تاكسي الرجوع الي قصر الشباب و الاطفال حكي لي انه دخل في جدل مع احدي الفتاتين عن حالة كوني شاعرا رقيقا ..كانت الفتاة تراهن علي رقة الشاعر الذي هو انا بينما مصطفي يحاول ان ينفي تلك الرقة عني لذلك قرر ان يستدعيني و انا في تلك الحالة حتي تكتمل الصدمة وقد حكي لي عن شاعر جاءه مرة لن اذكر اسمه لانه لا يستحق ذلك ،جاءه ذلك الشاعر في ظهيرة حارقة وقد كان يرتدي بدلة من الشامواه الازرق و يسبقه عطر نفاذ و لزج لايستقيم تماما مع تلك الظهيرة الحارقة، شعره مصفف بعناية يمكنك ان تلاحظ قسوة الفرشاة علي فروة الرأس، جاء هذا الشاعر وقدم لمصطفي قصيدة عن فتاة في معرض الزهور و قبل ان يقرأ الشاعر قصيدته شرحها قائلا
(انا شفت البت دي في معرض الزهور فقلت ليه ما تكون البت الجميل زهرة من زهور المعرض.)
لا زال صوت تلك الفتاة وهي تقول
(ده يحيي فضل الله؛؟)
يحيلني الي تلك الابتسامة المتأملة علي وجه مصطفي سيد احمد
Comments
Post a Comment