Skip to main content

رواية (حفريات ذاكرة الحوت) للدكتور محمد عثمان الجعلي .. بقلم: عبد الله الشقليني

رواية (حفريات ذاكرة الحوت) للدكتور محمد عثمان الجعلي ..
بقلم: عبد الله الشقليني
حول المكان ( بحري ) في رواية (حفريات ذاكرة الحوت) :
(1)
لم تكُن بحري وشرق النيل أرضاً جرداء لتستحوِذ الخرطوم وأم درمان على النصيب الأوفر من التراث الثقافي . ألم تَسترد الحركة الوطنية عام 1885 عندأوبتها طوابي بحري وشرق النيل وقصمت ظهر غردون باشا؟. أين الشيخان " حمد " و "خوجلي " ؟. أين منا " ود ضيف الله"صاحب الطبقات ؟. كانت الحلفاية من قبل موطناً لملوك سنار. ألم تكن أرضاً لعشيرة الشيخ يعقوب مُجلّي والملك جمّاع صاحب الولاية الأولى في دولة سنار ، وهي وطن الشاعر الفخم ، سليل تلك العِتْرَة :إدريس محمد جماع :
دُنيايا أنتَ وفرحتي ومُنى الفؤاد إذا تمنى . . انت السماءُ بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا
وإذا انحدرتَ قُرب مركز مدينة بحري وجدت شاعرنا الباسق" مصطفى بطران " حين كتب لزوارهفي أيامه الأخيرة بالمستشفى النهري :
صدري مزمــاري والدمـــوع شربي
أنطـــــرِب كل ما ذكره يخطر بي
وقبلها كتب :
أطرد الأحلام يا جميل واصحى
قُوم نقضى الليل في ضفاف النيل ننشُد الفسحة
شوف جمال الليل يا جميل واصحى
واسمع البلبل ولهجته الفُصحى
الغصون مَاخداتْ مع النسيم كسحة
والطبيعة تخيل توبها كاسي النيل من جمال مسحة.
وإسماعيل عبد المعين الذي نبش تراث دولة الفونج وهو يتغنى :
ما شُفتو لينا عمتي حوة - و إيهِ يا مولاي إيهِ- وصه ياكنار وضعْ يمينَك في يدي .
أو الشاعر صالح عبد السيد أبوصلاح الذي لم يشغله عمله بوابورات ببحري عن إبداعه :
الطِّرَيف الشَّايل سيف رمش جرّاح
جَفني مَالَك ساهر وَينْ مَنامك راح
شُوقي يصبح زايد وَجدي مالهُ براح
أو
عَالي صدرِكْ لى خصرِك برى
فيه جوز رمان جلّالبرا
الخطيبة و ردفِك منبرا
( الشُعور البي سطُل عنبرا)
أولاد شمبات وخَضِر بشيرو أحمد محمد الشيخ الجاغريو وأحمد الصطفى وسيد خليفة وخلف الله حمد ومبارك حسن بركاتوابن البادية وعبد العظيم حركة والنور الجيلاني وعابدة الشيخ وغيرهم من الكُتاب والشعراء والرياضيين والمبدعين لا يحصيهم عد . هذه بعض رياحين وسحر بحري وشرق النيل بأيقوناتها المتلألئة في الحاضر وفي التاريخ . وحقيق بباحثنا الدكتور "الجعلي"أن نحتفي بسفره الروائي. فقد انتبه هو في انعطاف العُمر ،حينعثرت عليه الرواية متخفياً في ثيابٍ أكاديمية نضرة. فقالت له كما أشعر على محمود طه المهندس :
مرَّ بي مُستضحكاً في قربِ ساقي
يمْزُجُ الراحَ بأقداحٍ رِقاقِ
قد قصدناهُ على غيرِ اتفاقِ
فنَظرنا وابتسمنا للتَّلاقي
حفّها الدكتور الجعلي ونثر عطره عليها، وغطى جسدها وهي تصرخ " زملوني .. زملوني" .
(2)
أخذت الخميرة زمانها الطويل ، ومدت العُشرة خيوطاً للوصال بين العشائر . وخرجت إلى التاريخ وجهاً ثقافياً جديداً ، هو وجه المدينة الذي خرج علينا من مِعصرة الزيوت الطبيعية لكيف تجتمِع الأمم ، وتتساكن وتتآلف. وكانت قد بدأت حياتها بالنفور وانتهت إلى وصال اللُحمة حين عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ.هي الطفرة الخلاقة من القبلية إلى الوطنية الناهضة . تأتينا رواية دكتور"الجعلي" لتغوص في حفريات هذا الأرخبيل الاجتماعي. تكتبها أصابع ناعمة زلقة ، خبِرت الحياة. تنحِتْ شخوصها و تصوِّر ألوان الطيف حين يلتقي رزاز المطر بالشمس في البُرهة القليلة .وحين يسكن غُبار المعارك آخر المطاف ، تلتقط الرواية عند غوصها العميق حبات اللؤلؤ من مخابئ القواقع . إنه تأريخٌ روائي للمكان وللزمان بحق.
(3)
للقص الروائي أدواته ، في حفر الشخوص وصناعتها من طين الواقع . البطولات كما في الواقع : المكارم غارقة في بطون الأفعال ، والأخطاء أشواك في طريق الحياة ، والكاتب لا يخرج علينا بالشياطين أو الملائكة ، بل بأناس يعيشون الحياة ، فيها خصال تنهل من الطبيعة الاجتماعية . يكون فيها البطل الاجتماعي حادي ركب . في صورته وفي مسلكه أجزاء من شخوص ذلك الزمان الذي حفر في حجارته الدكتور " الجعلي " ، ونحت شخوصه برقة وادعة . يحيط بالأفعال والمسلك والشطحات ، يرسم أصحابها وصويحباتها بريشة رسام ماهر . تجد أنك في طور من الحياة تعيش المكان والزمان كأنك بين أهلها ، تجلس مع الراوي وتستنطق الأزقة والبيوت والضمائر. ففي بعض أحوال الشخوص ، تجد لنفسك صورة مموهة بين تلك الشعوب و الأجناس والعشائر ، ترغب أن تراها في العلن ، أو تستتر أنتَ بها عن الناس .
وكما تناول مختصون الرواية ، بسلاستها ، وجاذبيتها التي تكشف أن الكاتب قدانتظره القص زماناً ، حتى خرج علينا مكتمل القامة الروائية .تشتمّ بُهار الجاذبية وأنتَ تقرأ، تتذوق طعم ما أخرجتهالخميرة الروائية وتفتح لك بوابات مجتمعية غاب عنها التدوين . تتجمّع كل العناصر مشتبكة و متآلفة في ملامح المدينة القروية ، و تجدُكَ رهين سحر جديدها ، ونداوة كلماتها وتعابير لغتها السلسة النقية ، وهي تأتي لك بالتفاصيل التي توجزها العبارة ، وتنفتح أمامها المعاني ويأتيك النص طروباً بالعواطف والشجن .تجد النصوص تتأرجح بين التأخير والتقديم بخبرة في صناعة الروائية السينمائية .
تميزت الرواية باللغة العربية و استخدامات اللغة العامية الفصيحة ، وهي تُصارع أن تكون مغموسة في البيئة وتتوسل أن تنتشر عند قُراء العربية في كل أوطانهم ، لكن تعدد مصطلحات البيئة ، وكثرتها ، تسوّر القص بخصوصية البيئة الحياتية ، لغتها وأدواتها وعناصرها . ورغم السلاسة والجاذبية ، فإن البيئة تُحيط بِك إحاطة السوار بالمعصم . وهو أيضاً مثار الجدل الدائم بين حميمية اللغة العامية ودقة تعبيرها ، و وعورة التنزه في حدائقها لدى الذين اعتادوا العربية الفصحى وهم من بيئة مُغايرة ،ذات تناول للصراع بين الأفق المَحلي وسماوات الانتشار . أجزل الكاتب علينا ، ورفد الرواية السودانية وأضاء أنواراً في مناطق مظلمة من تاريخ الأمكنة التي غطتها العتمة زماناً ليس بالقصير ، وجاء دكتور " الجعلي " ليكشف تلك الكنوز ، ويزيل الغموض متخذاً الرواية هدفاً وغاية تنسج خيوط الحياة التي لم يدونها التاريخ.
عبد الله الشقليني
16نوفمبر 2014

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil...

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن...

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m ...