Skip to main content

الحوار الذي أجرته معي صجيفة السياسة الكويتية - سجا العبدلي- روائي سوداني يجنح كثيراً إلى الخيال رغم أنه يستند إلى الواقع عماد البليك: أكتب لأستقوي ضد الأوجاع والترهات وخيبات الأمل


‎‏
الحوار الذي أجرته معي صجيفة السياسة الكويتية - سجا العبدلي
روائي سوداني يجنح كثيراً إلى الخيال رغم أنه يستند إلى الواقع
عماد البليك: أكتب لأستقوي ضد الأوجاع والترهات وخيبات الأمل

حتى الفساد عندنا بدائي وغوغائي ولعبة الانتماء سخيفة ولم نتحرر بعد من القبيلة وجنون التفوق الدائم
بيروت – سجا العبدلي:
يقول الروائي والصحافي عماد البليك: “الكتابة نادرا ما تقدم اجابات خاصة للكاتب نفسه, إنها تسيطر على المشاعر وتخدرها لحيز من الزمن وبعدها يكون علينا أن نواجه أنفسنا وزيف العالم الذي ننتمي له”, ويضيف: الكتابة تمثل لي نوعا من التحدي ومحاولة الاختراق ومقاومة القوالب والظنون”. عماد البليك روائي سوداني صدر له رواية “شاورما” وصدر له سابقا رواية “الانهار العكرة”, و”دنيا عدي”, “دماء في الخرطوم”, “القط المقدس”. وفي الكتب النقدية صدر له كتاب الرواية العريبة – رحلة بحث عن المعني, ودراسة سياسية بعنوان “مجلس التعاون مرئيات التكامل”. معه كان هذا الحوار:
* تطرح قضايا جوهرية كالهوية والطبقية والفساد والانتماء, هل تغريك هذه الموضوعات اكثر للكتابة؟
* أكتب بدوافع مختلفة أحيانا لا أفهم ما هي بالضبط, فعملية الكتابة في حد ذاتها أمر معقد يصعب سبر أغواره, في البدء قد لا تكون ثمة مقولات جاهزة أو قوالب انطلق منها بخصوص المسائل الاجتماعية والقضايا التي ترتبط بالوطن والمحيط الذي خرجت منه, لكن بمجرد أن أشرع في النص أكون قد وجدت نفسي مسؤولا عن التعبير وبشكل غير مبرمج له عن تلك الاشكاليات والتعقيدات التي هي جوهر الوجود الانساني في المجتمعات التي نعيش فيها, على سبيل المثال, فان الهوية لاتزال بالنسبة لنا سؤالاً لم تتم الاجابة عنه, رغم يقيني الذاتي بأنها مسألة شابها الكثير من التوهيم وأصبحت في نهاية المطاف خصما على مشروع المواطنة والمستقبل. لا يمكن لأي كاتب أن ينفصل عن الواقع وأن يكتب في فضاء آخر منبت عن كيمياء القضايا اليومية والمعاصرة, هذا هاجس أي كتابة تنطلق من دافع مقاومة الموت والبيات برغبة أن تكون للحياة ديمومة وتكتسب معنى على الأقل يجعل الناس يشعرون أن لهم ذوات, هذا بات صعبا والواقع صار مريرا جدا, القلق يحاصر الانسانية بشكل عام رغم ما يبدو من مظهر التطور والرقي, ما وراء ذلك اشكِال انساني عام وجوهر غائب أو مطموس, نحن في بلداننا أكثر معاناة وغيابا وابتعادا عن كينونة العالمية والمدنية, حتى الفساد عندنا بدائي وغوغائي, ولعبة الانتماء سخيفة ولا يمكن فهمها بالشكل السليم, لم نتحرر بعد من القبيلة والعرق وجنون التفوق القائم على الفوقية الكاذبة, لهذا فان كل ذلك لا يغريني فحسب بل يقتلعني لكي أكون انسانا على الأقل داخل نص أكتبه.
* القارئ لروايتك “دماء في الخرطوم” يستشعر الأجواء البوليسية التي أحاطت بها, هل تعمدت ان تخرج الرواية بهذا الشكل ام ان موضوعها الأساسي جعلها تأتي ضمن هذا السياق؟
* لم أتعمد ذلك, غالبا لا أخطط للنص, وانما تكون لدي فكرة عامة أتحرك باتجاهها وأحاول القبض عليها, تتشكل مثل كائن أميبي, الى أن يحتويها النص في قدرها المحدد. في هذه الرواية بالذات كان يحركني دافع الكتابة عن فعل الاجرام, لماذا هناك أناس يسكنهم الشر ويمكن أن يكونوا مجرمين؟ في فترة مبكرة من حياتي كنت أعتقد أن الخير هو الذي يهيمن على الكائن البشري وأن الشر أمر عارض, لا أعرف الحقيقة الى اليوم. برغم أنني حاولت أن أجيب عن هذا السؤال في “دماء في الخرطوم”, فالكتابة نادرا ما تقدم اجابات خاصة للكاتب نفسه, انها تسيطر على المشاعر وتخدرها لحيز من الزمن وبعدها يكون علينا أن نواجه أنفسنا وزيف العالم الذي ننتمي له. كتبت بهاجس بوليسي ربما لاكساب الرواية شيئاً من التشويق, ولكن لم أتعمد ذلك, فطابع الجريمة يفرض عليك أن تنزع للبوليسية, رغم أن كل شيء يبدو واضحا, من القاتل؟ بعكس الصورة الروتينية في الروايات البوليسية أن القارئ يظل يبحث عن الفاعل, لهذا فان الرواية هنا تتجه نحو التشريح الاجتماعي وتتحول ربما لتقاطعات مع الراهن السياسي والتاريخ المجتمعي في فترة معينة, رغم أنني حاولت أن أُجرِّد هذه الأمور. الآن وبعد سنوات عدة هناك من اكتشف أن هذه الرواية قالت ما حدث لاحقا, في الحياة السودانية. لا يرتبط ذلك بمقولة استشرافية وانما هناك ما هو كامن في الأساس وانفجر مثل بركان. أخلص أن الموضوع هو الذي صنع التكنيك العام وأجواء النص رغم أن هناك من رأي أنها بوليسية مستلفة من الأفلام المكسيكية وليست واقعا سودانيا. ربما كان مبكرا وقتذاك رؤية ذلك, لكن اليوم الصورة أبعد من أي نص متخيل.
مقاصد وأبعاد
* قصة الشخصية السياسية التي انشغلت بها روايتك اي مقاصد وأبعاد حملت؟
* اذا كان المعنى البطل المحوري مجازيا “عبدالله العربي” الذي تم اغتياله, رغم أن كل الشخوص كان لها بطولتها الخاصة. فان هذا الرجل تلخيصاً لحالة, وكما أفهم أنني أتكلم الآن عن نصي خارجه, وليس عن مقاصد فعل الكتابة نفسها, لأن ذلك مضى في حينه وربما يصعب التفكير فيه الآن. بهذه الطريقة فان “العربي” يمكن أن يكون نموذجا مطروحا في الواقع السياسي والاجتماعي السوداني, وربما هو نموذج عام لرجل السياسة الذي يوظف الدين لما يخالف مقاصده السمحة, أو هي صورة الهرمية الاجتماعية البغيضة التي تقسم الناس وتصنع الشروخ بينهم, وطبعا التناقض البشري العنيف, أن تكون بداخلك كل الصور الممكنة واللاممكنة. الكائن البشري أي كان هو مشروع مفتوح لاحتواء التناقضات, والتي بمجرد أن تخرج للعلن في شخصية مشهورة أو معروفة على المستوى العام فان ذلك يعقد الوضع. لكن أبعد من ذلك ف¯ “العربي” يحمل مجازات عدة لصورة الشخصية النمطية في السياسة السودانية لأكثر من نصف قرن, لهذا تأخرنا كثيرا للوراء. مع التذكير بمقولة معروفة أن الواقع ليس هو النص.
* ما الثيمة الاساسية التي حاكتها “دماء في الخرطوم”؟
* هي رواية الأسئلة, نحن نسأل أكثر مما نجيب, ذلك لأننا نعيش مرحلة انتقالية في المجتمع يكون علينا اثبات قدرتنا على الصمود والاستمرار لأكبر مدى زمني ممكن, كل الشخوص في “دماء في الخرطوم” – تقريبا – كانوا يحاولون المقاومة, وعانوا من الشروخ النفسية ومن القسوة, حتى لو أنهم كانوا في مواقع السلطة والتسلط, لنكتشف في النهاية أننا واهنون تماما. ربما عاجزون عن التخارج من طاقة الأسي الكبير التي تسكننا برغم لغة الدم والعنف. ومن ضمن الملاحظات النقدية التي قيلت حول هذا, أن ذلك ربما هو انعكاس لمركب الشخصية السودانية, ذات البعد الصوفي, وأنها في الخلاصات تقرر التوبة بعد أن ترتكب فعل الاجرام وتكون قد وظفت كل أساليب الشر. قد يكون ذلك صحيحا من وجهة نظر تحليلية تنظر الى المسألة من هذه الزاوية. لكنني اعتقد أن الانسان السوداني في الظرف الآني بات أكثر تعقيدا من حيث البناء الذهني, ليس هو ذلك المركب البسيط الذي يستند على هياكل مسبقة التصنيع درج الاستناد عليها في وعي المجتمع منذ قرن تقريبا. افتراضات التداخل الأفروعربي, البعد الصوفي وما وراء ذلك من كاريزما الصبر والتأمل العميق وغيرها, لن أقول هي أكاذيب غير أنها ليست ما يفسر كل شيء, المسألة أعقد من ذلك بكثير. لهذا فان البحث عن ثيمة عامة في الرواية يبدو لي مرهقا, لا شيء اذن سوى الأسئلة.
* تطرقت في هذه الرواية الى الصراع الذي يمكن أن يقال عنه “الخفي” بين أجهزة الأمن والشرطة في السودان والفساد الذي يطال كل منهما, هل كان من السهل التطرق الى موضوع كهذا حتى لو كانت شخصيات الرواية من محض الخيال؟
* لا شيء سوى الخيال, لن أردد ما يقال “لا علاقة لهذه الشخوص بالواقع”, لكن أؤكد أنني كتبت خارج الواقع تماما رغم أنني استند عليه, إنني اكتب عن المحتمل والممكن وليس عن المرئي والكائن, لهذا فان هذه الرواية كما أوضحت ظلت لسنوات في تقدير البعض خارج سياق الحقيقة, أعني أولئك الذين يبحثون عن مرايا للواقع في النص, أن يكون “أكس” في الرواية هو “واي” في الواقع” وهكذا, هذا ليس منصفا ولا يمثل لو جاز استخدام كلمة الحقيقة التي انتزعت عن موضعها, “حقيقة الفن”, فالرواية بوصفها فنا وكسائر الفنون الانسانية لا تقلد الواقع ولا الوقائع ولا الشخوص, هي تصنع عالمها المختلف والموازي, ما وراء ذلك فان شكل الصراع الذي ترسمه رواية “دماء في الخرطوم” بين الأجهزة المختلفة في الدولة, هو حقيقية خارج النص وفي النص له بعده الآخر, حيث يكتسب جماليته لأن الفن يجعل القبح يبدو جميلا. وهو الجمال الذي يرغب في مقاومة القبح مجددا ولكن خارج النص. هي لعبة روائية ليست لها علاقة بالتمثلات الخارجية, بالسهولة والصعوبة, غير أنه في نصوص أخرى كنت قد وظفت شخصيات مباشرة في أعمالي, مثل شخصية معمر القذافي في رواية “رسام الآلهة” التي كتبتها قبل التغيير في ليبيا ولم تنشر بعد, كذلك شخصية عدي صدام حسين في رواية “دنيا عدي”. وهنا أيضا الشخوص في النصوص خيال بحت قد تتقاطع مع العالم الخارجي لكنها لا تمثله. الخلاصات أن عملية التخيل هي المحك, فهم السياقات العامة للأشياء كفيل بأن تفهم ما وراء ذلك, حتى لو أنك بعيدا عن الاحتكاك المباشر, وهذا هي فكرة الأدب وروحه, ليس مطلوبا أن تدخل في الحيز لكي تراه.
توليفات مختلفة
* تم نقد هذه الرواية من زاوية عدم اكتراثها بالجانب النفسي لبعض الشخصيات الاساسية فيها, ما قولك؟
* قلت سابقا إن السوداني, والانسان عموما في عصرنا هذا, بات أكثر تعقيدا من محاولة الوعي المباشر. كذلك فان كيمياء الرواية الجديدة تقوم على توليفات مختلفة نوعا ما عن الشروط الكلاسيكية. باستحضار ذلك, فان الحديث عن البناء النفسي للشخصية أو وصف المكان مثلا ومتضمناته أو حتى الوصف البراني للشخوص, كل ذلك صار أمورا استفزازية للقارئ الجديد الذي هو أكثر ذكاء من توقعاتنا. فمع عصر الصورة والوسائط الذكية والتشتت الذهني وتوزع الانسان بين أمور كثيرة, فان النظر الى هذه المسائل لم يعد يكترث بالقيم التقليدية في الكتابة أو الشروط الفنية القديمة. وأعتقد أن محاولة الكاتب تعمد التوضيح والشرح وصناعة السياق للشخصية المعينة أو ايجاد المقدمات للحدث المعين, كل ذلك ضد الشرط الفني للنص المتحرر عن التوجيه أو الرسالة, فالكاتب ليس عالمَ اجتماع أو محللا نفسانيا أو مؤرخا أو محاميا للقيم الجميلة ضد القبح, هو كاتب فحسب, لهذا فمن العبث أن يحاسب على أي من واجبات هؤلاء أو مهامهم, واذا حدث العكس ووقع في الفخ فان ذلك يكون ضد مفهوم الرواية, الشخصية في أي نص هي نفسها لا يمكن أن تكون الا ما كانت, والنصوص حمالة أوجه, يمكن لي أن أنزع من أي شخصية ما شئت أو أفسرها بما أري, والبحث عن تاريخ الذات داخل النص, بأي بعد كان هو عمل يستدعي أكثر من قراءة وبمناهج أكثر حداثة في التفسير والتأمل, فالأدوات التقليدية لم تعد كافية للتحليل والادراك.
* ما بين “دماء في الخرطوم” و”شاورما” روايتك التي صدرت حديثاً, ألا تعتقد ان هناك مسافة بعيدة تفصل بين الروايتين من حيث ثقل كل منهما؟
* هذا صحيح نوعا ما, هاجس الكتابة عندي واحد, لكن النتيجة قد تكون مختلفة. القضايا والأسئلة هي نفسها تقريبا, لكن التخريج شيء آخر. والمحك الأساسي في ذلك أنني أعمل في مشروعي على التجريب بألا أكرر القالب نفسه, حيث اعتبر كل رواية جديدة مغامرة استثنائية يجب أن أفكر فيها بشكل مختلف, حتى لا أشعر بالملل وأنا أكتب أو يشعر القارئ بذلك. أنا ضد النص المتصل, أن يظل الكاتب يكتب عن فضاء واحد أو المدينة نفسها أو الشخوص نفسها. لا يعجبني ذلك ولا يغويني, أرغب في الفضاءات الجديدة, وأعني مفهوم الفضاء المتعلق بمناخ النص العام, لهذا فان “دماء في الخرطوم” و”شاورما” برغم أنهما جاءتا في المدينة نفسها, الا أن الشعور بالمكان مختلف كما أتصور, كذلك المجتمع, الا أن ثمة سياقاً آخر تفرضه طبيعة الرواية وحبكتها وثيمتها العامة. ف¯ “شاورما” تنطلق من سؤال الكفاح الانساني ومصير الكائن في هذا العالم: ماذا يريد أن يفعل بالضبط؟ وعن النجاح والذات التي ترغب في التحرر من أثقال وحصارات المجتمع التقليدي كالأسرة والقيم المتوارثة في العمل والنظر للذات, في حين أن “دماء في الخرطوم” كانت تفكر في فلسفة الشر والخير. وعموما فان زاوية النظر للاختلاف والتشابه تخضع لطريقة القراءة والتأويل, أيضا.
* رغم دراستك للهندسة الا انك تغربت عنها كثيرا لتنخرط في عالم الادب والكتابة والصحافة, هل وجدت ذاتك في هذا العالم؟
* هذا من الأسئلة الصعبة, لسبب بسيط أنني أحيانا كثيرة أجهل الاجابة, ثمة لحظات جميلة وممتعة تشعر معها بأن الاختيارات المعينة في الحياة سليمة وفي أحيان أخرى تشعر بالأسى. الأمر عندي لا يتعلق بشروط المعاش, ولكن بمدى الاحساس والعلاقة الصادقة بالعالم, هذا ما يهمني. الأدب والكتابة وفرا لي اتساقا مع ذاتي التي أرغبها ومع دوري – ان وجد – في هذه الحياة, لو حدث العكس وكنت مهندسا ربما لن أكون متسامحا مع نفسي, وربما يحدث العكس, لست أدري.
البحث عن معنى
* ألفت كتابا بعنوان “الرواية العربية رحلة بحث عن المعنى”, ما الذي جعلك تكتب في هذا الموضوع تحديداً؟
* هو محاولة خاصة لفهم تاريخ الرواية العربية وتشكلاتها عبر صوت مسموع, حيث لم أهتم بالمرئي والمباشر والمقول عن الرواية في متونها المعلنة, وفي كل الأحوال التي أكتب فيها فان الكتابة تمثل لي نوعا من التحدي ومحاولة الاختراق ومقاومة القوالب والظنون. ومع هذا الكتاب كنت أحاول أن أفهم ما حركة السرد العربي, هي نوع من القراءة التي كتبت بشكل حر نوعا ما ولم تتخذ المنهج الأكاديمي الصارم.
* ما الخلاصة التي خرجت بها من خلال هذا الكتاب؟
* الخلاصات كثيرة, هي مجموعة الأفكار التي استلفتها وأنا أكتب وتلك التي يمكن أن أفهمها اليوم وأنا أعيد قراءة الكتاب. وربما تختلف عن سياقات ما يمكن أن يصل اليه آخرون. بالنسبة لي فان ما يسترجعه ذهني الآن, أن الرواية العربية تعاني التباسات عدة في الوعي بها من الأساس. كذلك فانها سعت ولفترات طويلة ولم تتخلص من ذلك بعد أن تصبح مدونة اجتماعية أكثر من كونها فنا وابداعا. وبشكل عام فان الرواية العربية ربما ما زالت تعاني اشكالات عدة في البناء والتجريب وانتاج سياق فني عميق, هي حالة يصعب توصيفها بكلمات محددة. لكنها, كما اسميتها “رحلة بحث عن المعنى” وهي مستمرة لم تنته بعد, فربما الوصول الى الأشكال والمستويات المُرضية يعني الموات, نهاية الفن المعين.
* هل من السهل الاحاطة بالرواية العربية وتناولها بالبحث والنقد؟
* لا اعتقد ذلك, خصوصاً اليوم مع الكم الهائل من المنتج الروائي, وهذا يخضع للمعنى بمفهوم الاحاطة. يمكن أن نفهم التصورات العامة والرؤى الكلية التي تشكل مسار الرواية اليوم, كذلك الأساليب والأشكال الأكثر شيوعا, فيما يصعب أن نصل لفهم كل ثنايا المشهد, علماً بأن حركة النقد في البلدان العربية ما زالت متواضعة, كما أن مدارس النقد هي الأخرى تعاني في تحديد هويتها بتنازعها بين التراثيات والحداثة الغربية, وعدم التخصصية, فالنقد بات عملا منظما لا يكتف بالموهبة والرغبة ولا ينتهي بالتخمينات واطلاق الأحكام.
* ماذا عن روايتك “القط المقدس” ولماذا استعنت بالقط تحديدا لتشير الى المرأة في العنوان؟
* “القط المقدس” رواية لها تقدير خاص عندي, كتبتها بدافع تجريبي بحت, في سعي لتفكيك ثيمة القط ودوره في التاريخ البشري, وكان لابد أن اقرأ وأجمع الكثير من المعلومات, وقد ظلت الفكرة عندي ربما خمس سنوات قبل أن أكتب السطر الأول, ولسبب ما هيمنت المرأة لا لتزيح القط ولكن لتشكل معه جزءا من ألغاز هذا الوجود, ثمة تشابه أو تنافر ليس هو موضوع الرواية. لأن النص النهائي خرج الى تشكيل بانوراما حول القط منذ العهود الفرعونية القديمة الى فرنسا الحديثة, وهنا كانت الحكاية, حكايتنا نحن البشر, رجالا ونساء حول دورنا في الحياة وموضعنا في العالم, وقداستنا الزائفة.
* في هذه الرواية رحلت ببساطك الى فرنسا, لماذا فرنسا وتلك الفترة الحساسة من عمر هذا البلد؟
* فرنسا مثلت تجليات الحداثة الغربية في بعدها الثقافي والسياسي, وهي تبتكر ثورتها التاريخية التي نادت بقيم الحرية والاخاء والمساواة, وبالتالي عندما كانت فترة الستينات من القرن العشرين وفي عصر ديغول كان الاختبار الحقيقي أثناء الجمهورية الخامسة لتلك القيم, وكانت ثورة الشباب الفرنسي, كان الصراع قويا بين الفلسفة والحقائق والآمال, وكان للقطط موقعها ليس هذا ترفا أو خيالا لأن الرواية تحاول أن تثبت ذلك, حيث يطل أناس مثل الفنان بالتوس الذي تخصص في رسم القطط ليضيء تاريخا مغفلا وقبله شاعر مثل بودلير في قصيدته “القطط”. لقد أصبحت فرنسا في الستينات وفي عصر بالتوس عاصمة للجمال والفتنة التي طابعها الهوس بالقطط, وبشكل تخميني فان الثورة الشبابية حركَّتها تلك النزعة, ربما لا يمثل هذا ما جري في التاريخ وأدي لنهاية عهد ديغول, غير أنه يصور مكانة فرنسا وجدلها الانساني حتى وهي تقترف الآثام باتجاه الانسانية هذا الانحدار الذي بدأ في الستينات لتبدأ النزعات العنصرية والبشاعة, الوجه الآخر لفرنسا الجديدة.
* ما الحكمة التي خرجت بها من خلال رحلتك في عالم الكتابة, وفيما يخص كتابة الرواية تحديداً؟
* هل أكتب؟ نكتب بحثا عن حكمة معينة؟ ربما, هي رحلة اتفق معك, وفي كل لحظة ومع كل تجربة جديد ونص آخر, يكون لنا أن نرى قيمة مختلفة, نشعر بأحاسيس لا تشبه ما مضى. فالكتابة تجربة حياة, هي الاحساس بالأنا وسط التيه الذي يشعر به الكائن في هذا العالم, هي محاولة لتنظيم الفوضى وانتاج الفوضوية أيضا. وسأكون أكثر تحديدا فالرواية منحتني القدرة على الاستقواء ضد الأوجاع والترهات وخيبات الأمل المتتالية في الوجود, فأن تسرد يعني أن تبتكر عوالمك أنت وتعيش فيها وساعتها لا أحد يقيدك وأنت تتجول في مدينتك ووسط أناس تعرفهم ويعرفونك, ربما, انه شيء غامض ومثير, أن تجد نفسك سعيدا وحزينا بالدرجة ذاتها.

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe