عبد العزيز العميري
ما كنت حاريالك رحيل
كنت تقول لي دائما : بتنومي بدري ليه؟يابت الشيخ راجايك نومه طويله طول...لكني مازلت انام باكرا .... تعرف اني محاصرة دوما بمواقيت العمل .... كنت تجئ احيانا في وقت اكون فيه أتاهب للنوم لكنك تلح : حفلة ما حتنسيها لمن تموتي ، يالا ياخي ..... لم يكن مشي معك بغرض ان اشجعك ، لكني كنت اود ان اظل في رفقتك .... لذلك ما كنت اتردد في الذهاب معك كل مرة ، لانني ادركت الآن كم زودتني تلك اللحظات بذكري ليست للنسيان ، ان اكون صحبتكم كان ذلك امرا يجلب الي السعادة لا اعرف كيف افسرها لان بي هاجس غريب انني سافتقدك لاي سبب الا الموت ، كنت احيانا تحدثني عن رغبتك في السفر والعمل في الابيض ، لذلك لم اكن لاتاخر في قبول طلب حضور حفل ، لكني ما كنت حاريالك رحيل ....
ما كنت حاريالك رحيل .... كنت انسي احيانا ما يمكن ان يطال امراة حين تكون في مجتمع كمجتمعنا جراء ما كنت افعل ،لكنني كنت عادية التعامل معه ، ببساطة الاشياء كنت اتعامل ، لامر خفي لم اكن اخشي الظهور معك رغم انني اعرف كم حبيبة كانت حولك ... كنت دائما تحدثني عنهن فارجوك ان( تحفظ سرك )لكنك لا تفعل .... دائما كنت تقدمني لاصدقائك وصديقاتك : اخونا سلمي ..... او( تقول سلمي دا صاحبي )كانك تنفي عني انوثتي لكني كنت سعيدة بتلك الصفة .اذكر اول مرة تعرفني فيها الي الصديقة تماضر شيخ الدين , كنا في طريقنا الي بغداد العام(88)
في صالة المطار في الخرطوم ... قلت لها : حتنزلي مع منو ؟فاجابتك والله ماعارفة . ناديتني لحظتها وقلت لها: انزلي مع سلمي , دا صاحبي .... ومنذ تلك اللحظة زرعت ذلك الاخضرار بيننا ، كانك كنت توصينا احدانا بالاخري ......لن اغير التاريخ يا صديقي ولا مجري الاحداث , لكني احادثك كانك دم مازال يجري في عروق الحياة ، بل انت يا صديقي ...حضورك منعقد كأن لم يحدث حضور في حياتي ، لم تهزمه الأيام ، لم تحد من فاعليته الأحداث ... يشملك لدي حضور لا يداني ، فانت حالا بروحك دوما .... لعل سره يكمن في الضحكة التي طالما تقاسمناها ... في الذكريات التي كانت شراكة بلا رصيد سوي الحب الذي ظل اهلنا معا جزءا منه ... في الابيض او ابروف .. ومابينهما المشاوير التي مشيناهااو في السفر الذي ازعم انه كان الرابط الاصيل في لحظة ما ... كم تصادف ان سافرنا معا من الابيض الي الخرطوم ا والعكس , علي متن الخطوط الجوية السودانية التي كانت (راقية) كما كنت تصفها ... كنت اذا ما حللت بالابيض تفتح لي ابواب بيتكم وقبل ذلك قلوب اهله... عم عبد الرحمن , خالتي فاطمة , سعدية , منيرة , اسماء , احمد , الشريف , هيبة , التجاني , ام بلة زوجة احمد , وكنت تزورنا في بيتنا في السكة حديد ... تدخل كالنسيم الي (راكوبتنا ) التي كانت تعجبك لانها (باردة) تدخل بيتنا وكانك احد ساكنيه ... دونما اذن ....
في الدورة المدرسية التي شهدتها الابيض ( 1981 ) توطدت معرفتنا اكثر .... كنا نمشي من بيتنا الي مسرح الابيض الثانوية بنات , احيانا يقلنا (الترحيل )واحيانا ( ندقها كداري )غير ابهين بالخوض في متون الرمال فالمشي كان قدرنا الذي اخترناه .... لاننا موعودين اثناءه بالضحك منذ بدء المشوار حتي نهاينه .... نوبات من الضحك تعترينا ... لا نعرف من اين تبدأ ولا اين تنتهي ؟ كأن غازا منه ينتشر في فضائنا ... لا نحس برتابة او ملل ... ووسط كل ذلك كانت الكتب تشكل حضورا بيننا ... نتبادلها نناقشها. احيانا كنت تنسي لدي كتبا وكنت افعل دونما عمد لكنك كنت حين يعجبك كتاب فانت لا محالة دافعا به لاحد الاصدقاء .... فيتوه الكتاب .... اذكر انك اهديتني رواية ( مالك الحزين ) لكاتبها ابراهيم اصلان عام (88 ).... لكنني لم اقرؤها الا في القاهرة بعد ان شهدت الفيلم المأخوذ عنها عامـا ـ 1991ـ في القاهرة .... في القاهرة التقيت بعبد الرحمن الابنودي لاول مرة في آخر جلسات( مؤتمر الرواية العربية ) لمحني مع بعض قوم آخرين ... ناداني محييا الاخت سودانية ؟ قلت نعم ..., قال بتعرفي واحد جميل اسمه عبد العزيز العميرى ؟ قلت : ايوه ...قال :كان صحبي ... لكنه فات ... تعرفي انه مستعجل( أوي )حزنت لما عرفت انه فات .... تعرفي ليه؟ لانه كان بيجيني في المطار لما اجي .... ومابنتفارق لغاية لما اسافر ... الله يرحمه كان شاعر جميل ... واجمل بني آدم عرفته .. مش لانه مات ... هو ما ماتش ... تعرفي ليه ؟ لانكم صحابو.....( تمشيت في تلك الليلة علي كورنيش النيل محاولة استعادة شارع النيل في السودان ... حيث اب روف وتلك الاضاءة الخافتة (العود المتكي )لشجرة ماتت لسبب ما .... اعتدنا الجلوس عليها صحبة خالي محمود بعد احد المشاوير من الاذاعة باتجاه بيتكم ....رفرفت تلك اللحظة كلمات الابنودي كاغنية طازجة برائحة النيل في اب روف... مثلما كنت نديا دوما ما تزال نفس الزول في الذاكرة ابدا) كلما فتحت صفحتك في ذاكرتي رايتك تضحك ,( احيانا منك) احيانا تغني , او تكتب شعرا علي ظهر ورقة ( علبةالبرنجي ), او في ورقة مجترحة من علي الارض ... او علي ( بطن علبة كبريت ).... لم يكن ما يهم الناس يهمك كثيرا.... كانت لديك هموم خاصة بك ... يهمك ان تقرأ .... ان تحكي نكتة او تؤلفها , تمثل , او تغني .... كنت مهموما بمسرح الاطفال .... كم مرة تحدثنا عن مشاريعك لافلام ومسرحيات الاطفال , العرائس علي نحو خاص كان يستهويك .... كل مرة كنا نمشي فيها الي الفنون الشعبية ندخل الي مكتب العرائس .... لطا لما تحدثنا الي السر حسن او الصلحي ... كم كنت تحلم بمسرح لا نهاية لعروضه للاطفال متدفقا بتلك الفكرة ..... لكنك( مشيت ) دون ان تحدثنا عن( مشيك ) لم يحدث قط ان انسل شخص كما فعلت .... فلماذا يا طائرنا الذي ما توقفت اجنحته عن الخفقان ؟ عبثا احاول النسيان ....
تجئ كالسحا بة تظللنا باجمعنا , مطر يتنزل فيغسل الاحزان , يعيننا علي متابعة مشوار الحياة .... فلماذا صرت قمرا لا نطاله؟ هل نطولك؟ وانت الشاهق السامق ؟
كيف وانت في ذؤوابات الروح تعدو كخيل جامحة لا يروضها مروض , لعلي قلت لك ذات مرة انك تظل تلك الضحكة التي تجلجل كلما اشتد حصار الحياة علينا ,تنفض عنا تلك الضحكة غبارات الوجع التي نثرتها الحياة .... تدخل مسارات الروح
ومسامها تنكت كل العوالق بجاروفها ... الا ما اطيب ذلك ... أيها الوهج الذي اجترحته الايام ليضئ مساحات الظلام في داخلنا ... كيف لنا بوهج في غيابك ؟ ايتها الشمس التي وهبتنا اشعتهاالبنفسجية ما فوقها وما تحتها بالتسامح والجمال المرهون للضحك والحب .... نعم الحب ... فلقد كنت تؤاخي الورود تزدري زهرة عباد شمس لأنها مرهونةللشمس كنت عبادشمس مغاير لا يرعوي للشمس ... فلقد كنت شمسنا علي نحو خاص ... افما يزال دفئك بيننا نتقاسمه؟ افتقدك علي نحو خاص ... اود لو تحل الآن لتقيني رطوبة الوحشة من حولي ..... اعلم ان روحك قريبة مني ترقبني مثلما تفعل دوما ... تكلمني تضحكني .....يسرنا ان ( نتقاود) في الطرقات ماشين أو علي متن (البيجو البيضا) من الأذاعة الي ابراهيم الحلبي في اقصي امدرمان ... الي شارع اب روف ...أو من الربع الأول الي خور طقت صحبة عبد المنعم , مرورا باسواق اب جهل , ود عكيفة الي
( العمود )حيث ( سيد الأقاشي ) الذي كنا ( نتتفن ) له ارضا لا علينا من غبار العابرين أو العربات , الي مستوصف التجاني هلال علي مشارف امبدة ( لنشم ) زهرة (دقن الباشا ....
كنت ترنو كثيرا الينا بسؤال كنا نراه غريبا , آخر مرة قلت لنا قبل رحيلك بعدة ايام
: انتو خمسة وتلاتين سنة مش كفاية؟ كنا ننبهم من السؤال ... ونرده لك : علي شنو ؟
فتجينا : لا .... ساكت سؤال بس ــــــ غموض يلف السؤال ويلفنا .... تري هل كنت تدرك الماوراء ؟ لا اجد اجابة .... فلقد مضيت وانت الذي لا أعرف له سوي إسم الصديق والرديف لروحي , ......وما كنت حاريالك رحيل.
واشنطن 4/7/2004
Comments
Post a Comment