Skip to main content

نظرية التجديد لدي الترابي...مساهمة في سؤال المنهج فتح العليم عبدالحي عبدالله مدخل:

حسن الترابي.jpg
نظرية التجديد لدي الترابي...مساهمة في سؤال المنهج
فتح العليم عبدالحي عبدالله
مدخل:
هذه الورقة  هي محاولة للتعريف بالمساهمة التجديديه للدكتور الترابي ، ولما كان التعريف بهذه المساهمة , لاتتسع له ورقة علميه صغيرة مهما تعمق منهاجها  واتسعت دوائرها، ذلك ان هذا المشروع تتعدد جوانبه وتتسع المباحث حولها بدا من الايمان انتهاء بالسياسه والحكم مرورا بالمراة والفن والاقتصاد والاجتماع وعلاقات الدول واسيعاب الاخر،فان الورقة تتقصد بصورة ادق التعريف بالاساس النظري لهذا المشروع، متناولة التعريف بالنظرية العامة للتجديد عند الترابي ، والاسس التي تقوم عليها، والجوانب التي تتضمنها الفكره،، والدواعي والمحددات للفكره ، والتعريف مجالات الدعوة للتجديد، وتحديد الثابت والمتغير في نظرية التجديد.
وتعطي الورقة اهتمام اكبر وتركيز اكثر للنمؤذج النظري  للترابي او ما اصلحت الورقة علي تسميته بسؤال المنهج، والورقة تري ان اهم مساهمة للترابي، في اطار مشروعه الفكري، هي الاشتغال علي التاسيس المنهجي الناظم لطرائق التفكير وادوات البحث والدرس والتحليل.
اولا: مفهوم التجديد:
تجديد الفكر، هل الفكر الاسلامي ثابت من الثوابت، لانه مؤسس علي وحي  قراني قاطع ام ان الفكر هو ثمرة اعمال العقل  في الكتاب والسنه استجابة لابتلاءات وتحديات الواقع الفكريه والسياسيه و الاجتماعية و الاقتصادية، الي اخره، وهو استجابة مشروطة بمنطق الزمان والمكان ومحكومة بالمعارف المتاحة للعقل المسلم.فالفكر الاسلامي هو قراءه بشريه للوحي ألالهي (إن القران خط مسطور لا يتكلم إنما يتكلم به الرجال)
وهذه القراءة تتأثر بعوامل عدة:-
(ا) المعارف البشريه المتاحه في العلوم الانسانيه والطبيعيه
(ب) التحديات المحيطه والحراك الموجود وحجم الاستجابه
(ج)  البنيه المجتمعيه والواقع الثقافي والسياسي والاقتصادي
يقول الترابي (فالذى يتجدد  ويتقادم  ويبلى  انما هو الفكر الإسلامي .. والفكر الإسلامي  إنما  هو التفاعل  بين  عقل  المسلمين  وأحكام الدين  الأزلية  الخالدة  ..  أما  عقل  الجيل من المسلمين  الذى يضطلع  بالتفكير فى الإسلام  فهو  يتكيّف  بنوع  وكمية  المعارف  العقلية  .... والتجارب التى يحصلها  فى كل  زمان ... إذا  ضاقت  هذه المعارف  ضاق وإذ اتسعت  اتسع ولأنه يتكيّف  وينفعل  بالظروف  الراهنة  التى تحيط  به وبالحاجات  التى يحسّها  الناس وبالوسائل التى تتيحها له ظروف  الحياة)1
لقد كان التجديد بما يمثله من استجابه لتحديات الواقع التي تفرضها تحولات الزمان والمكان،كان رهنا ببعثة الانبياء، ياتي نبيا من بعد نبي ورسولا من بعد رسول برسالة ناسخة لما قبلها من الشرائع، تشكل استجابه لتحديات الواقع الجديد، ثم تنسخ مع تبدل الوقائع والحادثات باخري، وهكذا دواليك،لكن مع ختم الرساله واكتمال وحي السماء،اصبح التجديد ،رهن بالعلماء والدعاة وجماعة المؤمنيين(وأداة التجديد  فى الفكر الدينى قبل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم  كانت مرهونة ببعثة الأنبياء ،  يتعاقب  الأنبياء  نبي بعد نبى ورسول بعد رسول يصدق كل  واحد منهم أخاه الذى سبقه ويطور شريعته  ليناسب تطور الزمان . ولكن  بعد الرسالة  الخاتمة أصبح الأمر  محكماً  وأصبح  التجديد  منوطاً بالعلماء وجماعة المسلمين – بل أن مردّ الأمر فى التجديد إنما هو لجماعة المسلمين  التى يستخلفها الله فى الارض جيلاً بعد جيل  اليهم تسند  أمانة  التكليف  بإقامة  الدين  وبهم تناط  المسؤولية) 2
ثانيا: واقع وعلل الفكر الاسلامي:
الفكر الاسلامي بطول الانقطاع وسيادة التقليد مع الدعوي لاغلاق باب الاجتهاد، تعرض لتحديات عدة، ورمت الحاة المعاصره في مواجهته، بالالاف المسائل والوقائع والحادثات التي تستدعي ثورة فكريه وفقهيه،لم يعد فقهنا القديم واصوله التي قام عليه، مهيأ لمواجهة هذا التحدي، لان حركة الحياة تسير بمتوالية هندسيه، وحركة الفكر تسير بمتوالية عدديه، ضعيفة الايقاع.اضف الي  ذلك ما اعتري هذا الفقه من اشكالات وعلل من ابرزها بحسب د. الترابي:
الانقطاع عن الاصل:
  (العلة  الأولى  فى الفكر الإسلامي  إنقطاعه  عن أصوله الشرعية ... فالسمة  المائزة  فى الأديان  أنها وحي يوحى وأنها ليست  من  صنع  البشر ، وآفة  الأديان  الكبرى  أن يغشاها الوضع البشرى ،  وأن  يحجب  الناس عن أصولها الموحاة .
 يتصدى  علماء  الدين  إلى   هذه  الأصول  الخالدة من الوحى  فيشرحونها  للناس ويكيّفونها للتطبيق فى زمان ومكان معيَّنَيْن  وما تلبث  هذه الشروح   وهذه  التطبيقات  التى تمثّل  الدين  فى ذلك الزمان  والمكان  أن  تمتزج  بالدين  لأنها استنباط  منه ولأنها  تفاعل  مع تلك  الأصول ، فيأتى  زمان ينحدر  فيه المفكّرون  بهذه  الشروح  وهذه التطبيقات  عن الأصول  ويشتغلون  بمعزل  عن النبع الأصيل) 3
وحدث الخلل في مصادر التفكير، فتقدمت اجتهادات العلماء علي مرجعية الوحي، وزاحمت المرويات النص القراني، وتقدمت عليه في تشكيل الراي وبناء الرؤيه والاجتهاد في الاحكام، ونشأت عقليه منكفئة، اسيرة الحواشي وشروح الشروح.
العكوف علي الفروعيه:
يقول الدكتور الترابي عن علة الفكر الاسلامي الثانيه
  (العلة  أو الآفة الثانية هى - الفروعية -  فى الفقه الإسلامي الموروث .. لعلكم  تعلمون أن تعاليم  الإسلام  مبادئ  عامة وقواعد  مجملة  وأحكام  شرعية  ، فلقد  اعتاد  الناس دائماً  حينما  يشرحون  الفقه  أن يوغلوا  فى التفصيل  وأن يذهبوا  فى التفصيل إلى درجات  أكثر  فأكثر  ويأتى جيل  آخر  فيأخذ  هذه التفاصيل  ويفصِّلها  .... وهذه  الظاهرة  واضحة  جداً  فى الفقه الإسلامي - أن  يكتب  الكاتب  المتن فيأتى الشارح فيفصِّل  هذا المتن  ويأتى  المحشي فيفصِّل هذا الشرح وياتى المعلِّق  فيزيد  تفصيلاً  وتفريعاً وهكذا  يتدنى  الفقة الإسلامي  نحو الفروع) 4
الخلل في ترتيب الاولويات:
نتيجة للنظرة الفروعيه غير المتكاملة ولعدم معرفة نسب الاعمال ودرجاتها، واضطراب الميزان، اختلت اولويات النظر الي الاعمال وبالتالي اختلت اولويات الفعل.
يقول د.الترابي(اختلت الأولويات  اختلالاً  كاملاً  واصبح مثلاً إذا نظر الناظر الى  فتاة تكشف شئ من جسمها ظنّ أن الخظر  قد وقع للدين  وندب  حظ المسلمين ، وهذا نفسه  ينظر الى الخطر الكبير  مستعمراً يغزو  بلاد الإسلام  ويعطل  جملة الأحكام  الشرعية  ويقيم  بدلاً  منها الأحكام  الوضعية ، فلايكترث  بذلك  لأن هذا  حرام  وذاك حرام  وقد يظن  ان  هذا الحرام  الحقير  أمره  أخطر ، فتختل  الأولويات  فلا يدرى أي الأحكام أخطر  وأيها يبدأ بها ، فهو  لأنه ينظر الى الفروع  ولايرى  نصيب هذا الفرع فى البناء  الكلِّى هل هو  عنصر أساسي .. ؟  هل هو جانب  يعتمد  عليه ؟ أم  هو من الثانويات أم من المؤيدات ام من المندوبات  ؟
إن  الأمر قد  يكون  مكروهاً وقد يكون مكروهاً كراهة  تحريم ، وقد يكون حراماً  وقد يكون  كبيراً  ، وقد يكون كفراً وقد يكون  مندوباً ، وقد يكون  مستحسناً وقد يكون  واجباً  وقد يكون فرضاً .هذا التدرّج الآن  استبدل  بأمرين  اثنين  بين  حرام  وواجب . أمور  صغيرة  كثيرة .. يطلق  عليها : هذا حرام ، هذا كفر ، وذلك واجب ، وهذا  فرض ... و إذا لم تفعل ذلك  فلست  مسلماً . اختَلتْ  الأولويات  لأننا ننظر  هذه  النظرة الفروعية)5
الشكلية والباطنيه:
والمقصود بالشكليه هي العنايه بالشكل الظاهر للحكم والاداء الحرفي له بعيدا عن المقاصد والعلل(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) وجاء في الحديث عن الخوارج (يقرؤنا القران لايجاوز تراقيهم)
وفي مقابل هذه النزعة ظهرت الاتجاهات الباطنيه التي تزدري صور الاحكام واشكالها وتري الدين روح ووجدان واحكامه متلقاها محض عرفان، بلاقواعد حاكمه ولا معياريه ناظمة حتي انتهي بعضهم الي القول بنسخ الشرائع ورفع التكليف.
وعن هذه الافه من افات الفكر الاسلامي يقول د.الترابي:
ومن الآفات التى أبعدتنا شيئاً ما عن  أصول الدين  هي - الشكليه-  وهذه آفة  كل  قانون وتشريع . . فى بعض القوانين  الأوربية وعندما اشتدت  فيها النظرة السطحية بدأ الناس  يهتمون   بالمبانى وبالألفاظ  اهتماماً  مفرطاً ، وفى  آخر  الأمر  اعماهم  ذلك  على أن الأحكام إنما  هى بمعانيها  وبمقاصدها  واصبح الفقه أشكالاً)6
وفي مقابل الشكلية برزت النزعات الباطنيه المشتطه التي ينسبها الترابي الي غلاة الصوفيه والباطنيه
 يقول:
(غلاة الصوفية – الباطنيين – الذين  يتجاوزون  الأعمال والصلوات والألفاظ  ويظنّون  أن الإنسان  يصل إلى قصد  الدين  بمشاعر  يستشعرها وبمعالم  يصطحبها ، وأصبحوا لايكترثون كثيراً بالأعمال  الدينية وبالنظام  الواقع الذى يترجم  هذه النيات المغمورة)7
والمنهج الاتم عند الترابي هو منهج الجامع بين الظاهر والباطن والعقيده والشريعه:
(وينبغى أن  يتقرر أن الدين لا ينحصر  فى  هذه النزعة  أو تلك ، والشريعة والعقيدة  موجودتان  وكلاهما  نظام  عملى للتعبير  عن واقع الحياة  عن العقيدة....لأن  الدين  شريعة  وعقيدة) 8
ضعف المعارف العقليه
ان ضعف المعارف العقليه ناتج طبيعي لسيادة النزعات الظاهريه في الفكر الاسلامي،وتمدد الفهوم الحرفيه للنصوص بعيدا عن المقاصد والمعاني والعلل، وقد سادة في تراث الفكر الاسلامي كثيرا من المقولات التي تحذر من الراي وتخوف من النظر الحر والاجتهاد الجديد، واصبحت واحده من ثنائيات الجدال في الفكر الاسلامي وفي الفلسفة، جدلية العقل والنقل، فمن الناس عقليون مطلقا، متهمون بضعف الدين، محل ريبة وتشكيك، ومنهم نقليون مطلقا ، يلتزمون حرف معاني النص، ولايخرجون عن رسم اجتهاد السلف بل يحتذونه مستسلمين، ولكن القران يدعو الي تكامل المعقول والمنقول وتوحد علم الطبيعه وعلم الوحي
هذا الاختلال في الرؤيه لدور المعارف العقليه انعكس علي الفكر الاسلامي، يقول د.الترابي
إن  الفكر  الاسلامى  هو تفاعل   بين عقلنا بما عنده  من المعارف  العقلية  وبين  القيم الأزلية  ، فإذا ضاقت  معارفنا  العقلية و ضَعُفَ   الفقه الإسلامى .
*  فى الدين :   العلم كلّه  علم  واحد ،  وقد كان  المفهوم  بالأمس  أن المرء ينبغى  عليه  أن  يلتمس  العلم  بالله  الذى   هو  علم بأفعال الله سبحانه  وتعالى ،  ولكن افعال الله سبحانه  تتجلى  فى مظاهر  شتّى  : آياته  المعروضة  فى صفحة الكون ، فالله يدعونا  إلى أن ننظر  فى صفحات  الكون فنلتمس  الآيات الدالة عليه ... ولا حاجة  لى أن اذكر بأن القران  كله دعوة  للنظر  فى الآيات  كما لا حاجة  لى ان استشهد  بأن   القرآن  كله دعوة للنظر فى   الآيات المكتوبة  فى المصحف .. آيات  الله الشرعية  لم يوجهها إلى الناس  طوعاً واختياراً  .. فإذا تُلِيَتْ  عليهم  آيات الله فى القران زادتهم  ايماناً  ، وإذا نظروا  إلى  آيات الله المعروضة فى الطبيعة  زادتهم ايماناً  كذلك ،  وكل العلم هو علم الله موجه  إلى  معرفته ،  وكل العلم كذلك مسخر لعبادة  الله ... العلم الشرعي ينبغي ألا نحملة كالحمار يحمل أسفاراً بل ينبغي أن نتخذه   دليلاً  وآية  لعبادة  الله وإلا  أصبح  العلم  علماً ظاهرياً  دنيوياً  كالذى وصفت آنفاً ..  والعلم الطبيعى ايضاً ينبغى  أن يسخر  لعبادة الله  وإلا  أصبح   علماً شكلياً  ... ولقد  تحدث القرآن وقرر : أن بعض الناس  يعملون ظاهراً  من الحياة الدنيا  فهم  يعملون قوانين  الطبيعة علماً  ظاهرياً  ولا يستخدمون  تلك العلوم فى  الوصول إلى الله ولايتخذونها آية  لعبادة الله .  وبين  العلم  الطبيعى والعلم الشرعى  فاصل  -  بحكم المصدر -  وهو ان العلم الشرعى يؤخذ  عن الرسول صلى الله عليه وسلم  نقلاً صحيحاَ  بينما يؤخذ  العلم الطبيعى بالعقل الذى ينسب  الى المشاهدة  والتأمل والتجرية . هذا أمر الله  فى القرآن  الذى ينص صراحة ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)...........  كان  ينبغى أن  يتناصر  العلمان  لأنه  لايمكن  عبادة الله  ألا بأن  يتناصر العلمان  فلا يستقيم  الإيمان  إلا  بالنظر  العقلى ولا تتم  العبادة إلا بهما . فالعلم  الطبيعى  يمكّن  الإنسان  من أن يدرك  قوانين الطبيعة وأن  يدرك  وجوه  التفاعل  بينهما وأن  يسخّر  بعضها  على بعض  لستنتجج  منها طيبات الرزق  ... ووسائل  الراحة واليسر   فيحمد الله ويشكره  ويزداد  له حباً  ويقيم  حضارة  تتكشف  فيها العلاقات فيجد   فيهاً مجالاً  لانتصار كريم  فيخاف الله ويتّقيه  ويزداد إيماناً  وعبادة   وديناً  . وكذلك  فى تدبر الآيات  القرآنية  فإذا  قال الله سبحانه وتعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)    فإن القوة تتسع  بإتساع  علمك الطبيعى  وإلا لما اتسعت  ولما طبّقت  أحكام الشرع  كما ينبغى فى العقل الراهن  وفى العلم الراهن وفى فترات الإنفصام فى الحضارة  الإسلامية  ... إنفصل  علم الدين عن علم العقل  كما حصل فى ظهور المعتزلة ..  ولا أريد  أن اتحدث  عن الفلاسفة  العقليين فى الإسلام  لان جُلَّ فكرهم  من خارج الإسلام  ولعله  من المجاز  أن نصف هذا الفكر  الفلسفى  بانه فكر  اسلامى ، فالمفكرون  الإسلاميون إتخذوا  العقل والنقل   فاشتطوا بالعقل ... واوغلوا  فى الشطط .
* ولقد  حدث  هذا  الصراع فى اوربا  فانتصر العلم النقلى فى أول الأمر حين فرض  اصحاب الكنيسة  على اصحاب العلوم  العقلية التجريبية   تعاليم معينة إبتدعوها هم  عن الفلك  ودوران  الارض   وكرويتها ومركزها ولم تكن هذه  فى التوراة وفى النهاية  انتصر العلم والعلماء وهزموا اصحاب النقل وهؤلاءء بدورهم  اغتروا  وطغوا وتجبّروا واستبدّوا  وظّنوا أنه  بالعقل وحده  يمكنك ن  تضع نظاماً  اقتصادياً  وقطاعاً سياسياً  بل يمكنك  أن تنشئ ديناً بالعقل وحده)9
البعد عن الواقع:
ان كثيرا من ادبيات الفكر المعاصر بعيدة عن واقع الناس وحيواتهم،لاتشكل استجابة لتحديات الراهن واشكلاته،بل بعضها انصرف الي قضايا تجاوزها الزمن،وتحديات كانت جزأ من واقع فكري قديم، فاصبحت شواغل الناس في واد وحركة الفقه والفكر في واد اخر، وفي ذلك يقول د.الترابي
(منهج  الفكر الدينى الحق منهج  واقعى فلم يات  القرآن  أبواباً  مبوبة ولا ألواحاً  تنزل  فى وقت  واحد وإنما   نزل منجّماً  على  الأحداث  ...  تقع الواقعة ويتخذ الناس  فيها مواقف  شتى ويتهيأون  إلى حكم  من الله يفصل  بينهم  ، فيأتى  الحكم من الله بالقول  الفصل  وهكذا  كانت السنة .... كان الرسول صلى الله عليه وسلم  قليلاً ما يقف فى الناس  خطيباً   يعرض  عليهم – عرضاً نظرياً  - قائمة  بتعاليم الإسلام  وأنما كان يعلّمهم  فى  كل موقع ... في كل حادثة ... فى كل واقعة .  وبالنسبة  للمنهج  الفقهى كان الفقهاء  يبغضون ( أرأيت ... أرأيت ) ؟؟؟ وكانوا لايحبّون  الاغاليط وهى المسائل التى لم  تقع ... وكانوا    إذا  لم تقع الواقعة أبي  الواحد منهم أن يفتى فيها حتى تقع  بالفعل وتتبدّى معالمها الواقعية  وتتضح وجوه المصلحة فيها وتتضح  وجوه  مخالفة الشريعة أو موافقتها والرجحان لهذا الجانب أو  ذاك  ؟؟  عندئذ  يفتيك الفقيه  .. فى العصور المتخلّفة  أورثنا فقهاً ليس من واقعنا الآن  إذ  هو  من الواقع الذى جابه أباحنيقة أو  مالكاً  أو الشافعى ... وبهذا أمسى الفكر الاسلامى اليوم فكراً تجريدياً  فكراً خرج من التاريخ جملة  واحدة وظل  فى مكان علوى  لايمس  الواقع  فنحن  فى واد والفقه الإسلامى فى واد آخر)10
ثالثا: وجوه التجديد:
العلل التي يعاني منها الفقه والفكر الاسلامي،تستدعي قيام حركة واسعه تحمل راية التجديد وتفتح باب الاجتهاد مره اخري، حركه يسهم كل منا فيها بسهمه، لان الاجتهاد مثل الاجتهاد، لكل فيه نصيب، مع تفاوت الناس في كسوب العلم واقدارهم من المعرفه، فقد كان ائمة الاسلام قديما يقلبون وجوه الرأي وصور الاجتهاد مع تلاميذهم،ويخرجونها رؤي وطروحات معبرين بذلك عن مدرسة من التداول، لكل فيها نصيب.
والتجديد المطلوب له وجهان عند الترابي:
الاحياء والتطوير(بعد  تمام الملّة وختام  الرسالة  لم يعد   نسخ الشريعة من خارجها  وجهاً من وجوه  تجدّد الدين بل  انحصر  التجديد الدينى  فى وجهين  اثنين  من داخل الشربعة ، أسمّى  أدناهما  إحياء   وأقصاها تطويراً للدين وأرى التجديد  الأكمل  ما اشتمل الوجهين  جميعاً)11
والمقصود بالاحياء
هو (كسب تاريخى ينهض بأمر الدين  بعد فترة  - بعثاُ لشعاب الإيمان  الميتة فى النفوس بطول  الآماد وقسوة  القلوب  من خلال التذكير  بأصول  الدين  والموعظة  بوازعه ودافعه ،  وإيقاظاً للفكر الخامل والعلم الضائع بنشر  أصول الشريعة  وعلوم التراث وإثارة   لطاقات الحركة لتصحيح  الواقع الدينى  المجانب  لمعايير الدين تأثراً بضعف الإيمان  أو نسيان العلم  أو غلبة الباطل .  ولمّا  كان دين  الله الحق محفوظاً  فى أصوله الباقية فإنما يطرأ  الموت والخمول والفتور  على كسب المؤمنين  وتديّنهم . فحركة الإحياء  بعثاً  للروح  ويقظة للعلم  ونهضة  للعمل تتصوب نحو التديُّن  لترتفع  به نحو كمالات  الدين فتقاربه  بأتم  ما  يوفق إليه  الله تعالى ).12
اما التطوير
(فهو كسب تاريخي أعظم  مما يبلغه مجرد  إحياء الدين   بالبعث والإيقاظ  والإثارة  ، لانه  يكيّف  أحوال التدُّين  التاريخية  لطور  جديد  في  ظروف الحياة  وينهض بالدين  نحو كسب يثرى  معانيه ويؤكد  وقعه  بوجه جديد  . ويستصحب  هذا التجديد   جهداً  نفسياً  وفكرياً  وعملياً  زائداً  ، تتولد  عنه مواقف  إيمان  وفقه  وعمل مصوبة نحو ابتلاءات ظرفية  جديدة  ناشئة  عن انفعال وجدانى واجتهاد  عقلى واقعى . ولايتأتى ذلك  عن خروج من أطر الدين الحق  بل  عن تصريف  للمعانى  والأحكام  والنظم  المركبة فى سياق نصوص الشريعة  ذاتها مما يتيح  إنساء  أو اعمالاً  لمعان علقت  بعلل ظرفية دائرة ورتبت لتدور معها وتحول لحولانها . أو يكون التجديد إتماماً  لما شرعه  الدين  من مقاصد)13
والترابي بهذين الوجهين يطرح نظريه مركبه، تحمل في داخلها عنصر الثبات والحركه وتفرق جيدا بين الثابت والمتغير في معادلة متوازنه، فهي ليست دعوه للتغيير المطلق كما اشيع، وليست دعوه للخروج علي قواطع الدين وثوابت الوحي، فهي دعوة تستصحب عنصري الثبات والمرانة، وتبني علي اصول القران في ان هنالك احكام هي امهات كتاب تمثل العنصر الصلب، واحكام متشاهات تمثل مبدأ الحركه وينفتح الباب حولها للنظر واعادة النظر اعمالا للاجتهاد الذي يمثل مبدا الدينميه  في الفكر الاسلامي ،كما وصفه محمد اقبال في تجديد الفكر الديني.
رابعا: التجديد وسؤال الثابت والمتغير:
اطروحة الترابي للتجديد جاءت تحمل الوجهين، الاحياء بما يمثل من عنصر للثبات والاستعادة والتواصل والاستمراريه،والتطوير بما يمثل من عنصر للحركة ومواجهة الابتلاء الحضاري الراهن باسئلته، ومقابلة تحديات تغير الواقع وتحول الزمن،وبالتالي تبقي معادلة الثابت والمتغير واضحة في نظرية الترابي التجديديه.
تناول الترابي موضوع الثابت والمتغير في كتاباته بمداخل عده من النظر عبر اشتغاله علي ثنائيات عده منها:
1/ الدين ثبات وتطور: يقول الترابي(وما دام  الدين  -  من حيث  خطاب للإنسان  ثم كسب  منه – واقعاً في الإطار  الظرفى ، فلابد   أن يعترية  شئ من أحوال الحركة الكونية . ولكنه – من حيث هو صلة  بالله  وسبب للآخرة  متعلق  بالأزل المطلق الثابت –أنما يؤسس علي اصول وسنن ثابته لاتتحول ولاتتبدل وهو بهذا وذاك قائم علي رد ألشان الظرفي المتحول الي محور الحق الثابت، ورد  الفعل الزمانى  إلى المقصد  اللانهائى) 14
ويفصل الترابي في اوجه الثبات والتطور فيقول
(ومن الدين المشروع مايراعي معنى الثبات  ويحفظ  للحياة الدينية مستقرها : فمن ذلك  ما في الوحى من اخبار وتقريرات لحقائق  وجود  من عالم الغيب  أو وقائع  تاريخ من عالم الشهادة ، ليعلم  الإنسان مصدقاً مؤمناً . ومن ذلك  أيضاً وصايا الوحى بمواقف  العبادة الكلية ليعمل الإنسان متديناً فيلقى ربّه  يوم الدين . ذلك  كله من اصل الدين والملّة الذي لا ينسخ لأنه يتعلق بثوابت الوجود ويتصل  بالله الباقى أزلاً.)15
ويقول في سياق اخر موضحا ومجليا مزيد تفصيل للثبات والتطور
(فمن الشريعة كليات ثابتة هى تراث  الرسالات  الدينية  الباقى أبداً ، ومنها أحكام قطيعة  ثبتها الله فى وجه  صروف  الزمان والمكان لأنها  أم الكتاب ومحاور  الحياة الدينية  التى تضبط  حركتها  على الدوام ، ومنها مبادئ  عامة ومجملات  مرنة وظنيات  واسعة يمكن أن تنزل على الواقع  بوجوه شتى تبعاً  لتطور  ظروف  الحياة وعلاقتها  وعلم الإنسان  وتجاربه ، ومنها شعائر وفرعيات  جعلت  سمات تتمييز وتوحيد للحياة  الدينية  تخلّد  صورة  الأمة الواحدة  بوجوه لا تحدث حرجاً   أو رهقاً  مهما اختلفت  الظروف  ، ومنها أشكال ورسوم وتعبيرات  صيغت من مادة  الواقع الظرفى لعهد التنزيل)16
2/الازلي والزمني:
وتناول الترابي قضية الثابت والمتغير في سياق حديثه عن عنصر الزمن وتاتيراته علي الفقه،فمن المعلوم ان عنصر الزمن وتاثيراته ،هو الحجة الرئيسه االتي بني عليه دعاة التاريخيه والتطور المطلق والنسبيه الي تشمل حتي معارف الوحي، لكن التراب بميزانه الادق ومعياره الاتم وازن هذه المعادلة بدقة وفي ذلك يقول
(ولعل أول الإشكالات التي طرحها  تطاول الفترة التاريخية هو بلورة التصوّر للعنصر التاريخى أو الزمنى فى الدين فقد يتوهَّم  بعض المتديّنين أن الدين من حيث تعلّقه بالله  القديم الباقى لايخضع فى شئ لأحوال الزمن وأطوارة ، ولا تتصور فيه مفارقة بين قديم وجديد مما نعالجه بالتجديد . وقد  توهم الدهريون  ان الدين بل الوجود كله نسبي وكله متقادم بائد ، والحق فى تصور  الدين انه  توحيد بين شأن  الله وشأن الإنسان  في الدنيا ، بين المطلق  الثابت والنسبى المتحوّل . ويكمن البلاء المبين فى المفارقة  الدائبة  التى تطرأ  بين الحق الازلى  والقدر الزمنى ويكمن الموقف الدينى فى التزام  التكليف  الشرعي  بمجاهدة تلك المفارقة حيثما  طرأت  ومحاولة تحقيق التوحيد فى كل حال . ومن ثم يصل الدين ويشمل  ما بين الأزل والزمن أو الثابت والمتحول . ومن تلك الإشكالات  ثانياً – ومن بعد الاعتراف التصوري بالعنصر الدينى المتحول عبر الزمن من قديم  الى جديد – كيفية العدل بين هذا وذاك  بسبيل  توحيدهما فقد  يعكف فرق من المتدينين على صور التديُّن في زمن قديم حتى لايكادون يدركون طرؤ  الجديد فتراهم يتعامون  عنه ويتسلون عن فتنته الماثلة باستحضار القديم بمقولاته وذكرياته  المحفوظة ، ويحصرون دينهم الفعلى فيما  يتيسر تقليده  من الصور  السالفة  ويتركون سائر حياتهم سدى . وتحقيق التوحيد عند هؤلاء قائم  بحكم الماضى ، ولايستدعى منهم كسباً مجدداً وقد ينفعل فريق آخر بالابتلاءات الدنيوية  الجديدة  وبمقضياتها الدينية  الطريفة فلا يدركون قيمة القديم من تاريخ تجارب التديُّن  ولو انتسبوا إسماً إلى ذلك التاريخ . وهؤلاء فى خطر من ان يصبحوا عرضة للتقلب مع الزمن يجتاحهم بحركته الدوامة  بعيداً  عن أصول الدين)17
3/ النمؤذج الشرعي والنمؤذج التاريخي:
في أطار معادلة الثابت والمتغير فرق الترابي بين ما اسماه النمؤذج الشرعي، وهو تنزيل النبي صلي الله عليه وسلم لاحكام الدين، فاعتبره نمؤذجا شرعيا ملزما، وبين ما اعتبره اجتهاد تاريخي من السلف الاول ليس لديه نصيب من الالزام واسماه النمؤذج التاريخي.
يقول د.الترابي(( ومن اشكال التمييز في تراث الإسلام  بين ما هو  شرعى ينتسب إلى سنّة الله وسنّة رسوله والمؤمنين لعهد  تنزيل القرآن وما هو تاريخ ينتسب إلى ما بعد ذلك سنّة  السلف . فالأول نموذج قياسى لازم لأن  توجيهه كان بالوحى المباشر من الله تعالى وتنفيذه بقيادة النبى المعصوم صلى الله عليه وسلم .  وكل  ما تلا ذلك من تاريخ إنما هو محاولات اجتهادية وعلمية للاتحاد  مع ذلك النموذج  الأول)18
التطوير بعد خاتم الشريعه:
الحديث عن شعبتي الاحياء والتطوير عند الترابي يستدعي التسآل عن مديات التطوير عنده، وهل يمكنها ان تنتهي الي تجاوز النص القراني علي مستوي الاحكام المتعلقة بالشان الاجتماعي كما دعا علامة لبنان عبدالله العلايلي،او يمكن للتطوير ان ينتهي الي القول بان خاتمية الرساله تعني بروز العقل الاستدلالي واستقلاليتها واكتمال وعي البشريه ،مما يمهد للقول بامكانيةامكانية تجاوز العقل للوحي كما بدأت بزور ذلك في بعض كتابات محمد اقبال، او لربما ينتهي التطوير الي الحديث عن نسخ الشرائع والاحكام برسالة جديدة ثانيه كما دعا محمود محمد طه في السودان.
في اطار دعوة التجديدوالتطوير وبعد ختم الرساله واكتمال التشريع لامجال للحديث عن تصريف لصور الاحكام ونسخها وفي ذلك يقول الترابي ((أما بعد ختام الرسالة وتمام التنزيل فلم يعد  لنسخ الشريعة مجال،لأن ذلك لايكون إلا بسلطان من الله وقد كفّت  الرسالات ولم يبق الا احياء  وتطور  فى إطار  تعاليم  الشريعة  حيناً بعد حين باجتهاد  من الدعاة  والعلماء وسائر المؤمنين.)
ويقول(فبعد  تمام الملّة وختام  الرسالة لم يعدنسخ الشريعة من خارجها  وجهاً من وجوه  تجدّد الدين بل  انحصر  التجديد الدينى  فى وجهين  اثنين  من داخل الشربعة ، أسمّى  أدناهما  إحياء   وأقصاها تطويراً للدين وأرى التجديد  الأكمل  ما اشتمل الوجهين  جميعاً.......... ولايتأتى ذلك  عن خروج من أطر الدين الحق  بل  عن تصريف  للمعانى  والأحكام  والنظم  المركبة فى سياق نصوص الشريعة  ذاتها مما يتيح  إنساء  أو اعمالاً  لمعان علقت  بعلل ظرفية دائرة ورتبت لتدور معها وتحول لحولانها . أو يكون التجديد إتماماً  لما شرعه  الدين  من مقاصد).19
خامسا:مجالات التجديد:
أن فترة ركود الفكر الاسلامي ،بفعل ركود حركة الاجتهاد والنظر ،كانت كبيره مما  جعل مطلوبات ومجالات الحوجة الي التجديد تتسع وتغطي مساحات واسعه من الحياة وجوانب عده، نحتاج معها الي ثورة في كل المجالات ،فالفكر الاسلامي الحديث ، عقيدة أو شريعة،حدثت فىه ثغرة  واسعة  من جراء انحساره عن الحياة العامة والحياة السياسية  بالذات.
والترابي يقسم هذه المجالات التي تمثل تحدي حركة التجديد الي مجالين:
احدهما متعلق بفقه التدين الخاص او الحياة الخاصه وهذا يشمل الشعائر التعبديه والاحوال الشخصيه،وهذا المجال بحسب الترابي امره يسير، لان هذه المنطقة تتكثف فيها النصوص وتتفصل الاحكام تفصيلا،فالدعوة للتجديد، بربط هذه المجالات بالمقاصد والمعني، وبعرض العبادات عرضا يركز علي الروح في اداءها والخروج بها من الاليه والشكليه الي رحابة المقاصد الكبري للدين(أما  قضايا  الفقه التى تعنى الفرد المسلم  فى شعائره وأسرته  ونحو ذلك فهى مما كان  فقهنا التقليدى  قد عكف  عليها وأسعها بحثاً وتنقيباً فما تحتاج  منا إلا إلى جهد  محدود  جداً فى  التحديد استكمالاً  لما حدث  من مشكلات  وطرافة فى وسائل الشرح والعرض  . وإنا لمحتاجون  إلى   ذلك  القدر  من التجديد حتى فقه  الصلاة  الذى يبدو مكتملاً فى كتب التراث  سوى  أنه  يجدينا فيها  صدور  كتب فقهية  جديدة  تقدم  الصلاة  وتشرحها  بوجه يناسب اوضاع الحياة  ويخاطب  العقل  السليم  المعاصر . ولكن حاجتنا  تلك   محصورة ، ولو لم نحظ  بمثل  ذلك  العرض الجديد لا نستشعِر  أزمة كبيرة . ونحن أشد حاجة  لنظرة  جديدة  فى أحكام الطلاق والزواج  نستفيد  فيها من العلوم  الاجتماعية المعاصرة ونبنى  على فقهنا الموروث وننظر فى الكتاب  والسنّة الفقهية  الإسلامية والمقارنة لعلنا تجد هدياً جديداً لما يقتضى  شرع الله فى سياق  واقعنا المعينّ . ولكن حاجتنا إلى ذلك   ليست ذات خطر ولو قنعنا بما هو موجود فى كتب الفقه   الموروثة تظل حياتنا الأسرية قريباً  جداً لمقتضى  الدين ، وإن  لم تبلغ التحقيق  الأمثل  فهى بفضل  النصوص الكثيرة الهادية فى القرآن  والسنّة  لن تضل  ضلالاً  بعيداً  والمجالات التى نحتاج  فيها إلى اجتهاد جديد  يضبط اعتصامنا بهدى الدين جد محدودة .)20
 اما مجال فقه التدين العام او فقه الحياة العامه فهو المجال الذي يحتاج الي مجهود اكبر في التجديد،فطبيعة نصوص التدين العام نصوص مقاصد وعلل لم تفصلها الشريعة بل جاءت بها في شكل من التعميم،مع طبيعة نصية احتماليه، لان هذه منطقة تتحول وتتير بتحول وتبدل اسباب المصالح والمفاسد وتحتف بها عشرات التقديرات، وتتغير فيها الصور والاشكال المعبره عن المقاصد، فلرب شكل من الاشكال او صوره من الصور تستوفي تمام المقصد في زمان وتجافي نفس الصورة ذات المقصد في زمن تال،لذلك لاثبات لحكم في فقه الحياة العام الابقدر تحقيقه للمقاصد وقديما قال الجويني عن فقه السياسه(مسالك السياسه عرية عن القطع)
وفي هذا يقول الترابي طارحا رؤيته لتجديد فقه الحياة العامه
(أما جوانب الحياة العامة ، فالحاجة فيها للإجتهاد  واسعة جداً ونتحتاج فى نشاطها  الفقهى لأن  نركز تركيزاً  واسعاً  على تلك الجوانب  وعلى تطوير القواعد  الأصولية التى تناسبها . فالأصول التى تناسب هنا  ليست هى الأصول  التفسيرية وحدها -  وأعني  بها قواعد  تفسير النصوص . ذلك  نظراً لقلة النصوص التى تتعلق  بنظام  الحياة العامة ولئن  كانت كل آية فى القرآن  وكل سنّة  فرعية  تؤثر على تلك الحياة تأثيراً ما ،  فإن  النصوص المباشرة ليست  كثيفة للطبيعة   المرنة  فى وظائف  الحياة العامة وما تقتضية من سعة  وقد أدى  انحسار الطبيعة  الدينية  للحياة العامة  فى تاريخ المسلمين  إلى أن   يكون الموروث  الفقهي الذى يعالجها بمثل ذلك . ومن هنا تنشأ الحاجة الملحة للتواضع  على منهج  أصولى ونظام  يضبط  تفكيرنا الإسلامى  حتى لاتختلط  علينا الأمور  وترتبك  المذاهب  ويكثر  سوء التفاهم  والاختلاف فى مسائل تتصل  بالحياة العامة السياسية والاجتماعية  والاقتصادية والإدارية  والدولية  وغيرها مما يؤثر على وحدة المجتمع المسلم ونهضته)21
لذلك دعا الترابي الي ثورة تجديديه تشمل قضايا وموضوعات الفقه العام والفقه الخاص،وذلك عبر تجديد المنهج الذي نتوسله الي التجديد ومن ثم تجديد النر في القضايا والموضوعات،شملت دعوته تجديد مناهج النظر في القران وتجديد علم اصول الفقه،كمدخل لوضع سؤال المنهج في منصة الاهتمامان العلميه.
سادسا:تجديد المنهج:
المنهج هو الوسائل والادوات المفاهيميه التي تعين الدارس علي الوصول الي الحقيقه المعرفيه.
ظل العقل الاسلامي يعاني من ظاهرة تشظي العلوم والمعارف المكونه له،بمعني أن معارفه الاساسيه قامت علي التناول التجزئي للاحكام في غياب النظر  الكلي لها داخل النسق  الفكري ككل، الامر الذي جعل هاجس البحث عن اعادة تاسيس  وبناء وتدوين هذه العلوم علي اساس من النظر الكلي، شاغل اغلب المصلحين من مفكري الثقافه الاسلاميه العربيه. كانت هذه العله التي اصابت العقل الاسلامي  بفعل تاثره بالمنطق الهيليني والفكر الاغريقي، الذي ينزع للنظر في الاشياء وملاحظة الوقائع الجزئيه.
جاءت مساهمات  علماء النهضه والاصلاح في تاريخ الفكر الاسلامي من لدن الشاطبي  من خلال مشروع (بناء علم الاصول علي النظر المقاصدي) وابن رشد عبر محاولته (تاسيس نظريه كليه للمعرفه كما في فصل المقال)وابن خلدون (عبر  دعوته لبناء التاريخ علي النظر الكلي للوقائع التاريخيه وتحليلها في اطار قوانيين الاجتماع وسنن التاريخ)وابن حزم(عبر محاولاته لتاسيس احكام الفقه علي النظر في المصادر التاسيسيه من كتاب وسنه بعيدا عن الثقافه الفقهيه المحيطه التي حجبت النصوص) ،كل هذه المشاريع كانت محاوله لجمع ما تبعثر وتشظي من المعارف الاسلاميه و العمل علي تاسيس الكلي ودرك اليقين.لذلك كان العمل علي تجلية المنهج وبناءه، ظاهره محايثه لكل المشاريع الفكرية الكبرى و ملازمه لها.
1/تجديد منهج التفسير:
قدمنا بالحديث عن رؤية الترابي للتفسير علي رؤيته لتجديد اصول الفقه،رغم ان الدعوة لتجديد الاصول سابقة لدعوته الي تجديد منهج التفسير،لانه في الاطار المنهجي والموضوعي القران مقدم علي مباحث الاصول ، ومقدم عند الترابي.في النظر المعرفي والتطبيق
منهج التفسير التوحيدي:
القران هو المرجع الاعلي والمصدر الحاكم، الذي يشكل الاصل الكلي في نظرية الترابي المعرفيه، ويشكل حضورا في كل الخطاب الفكري للترابي، وتكاد اجتهاداته كلها تتوطأ في كنف القران، لذلك اهتم الترابي بالدعوة لتجديد النظر في النص القراني، تفسيرا وتاويلا، والنظر في منهج تفسيره، والقراءة الناقده لتفاسير الاقدمين.
وساهم هو بكتابة تفسيره المسمي بالتفسير التوحيدي،قدم من خلال مقدمته رؤية منهجية تشكل المدخل الاهم في افي مساهمة الترابي ودعوته لتجديد المنهج.
نقد التفاسير القديمه:
بداا الترابي بتوجيه نقده للتفاسير القديمه، فعاب علي المفسرين النزعة التبعيضيه والتجزيئيه في درس القران وتفسيره(كثير من المفسرين القدامى كانوا يقفون لدى معنى الكلمة والجملة فضلاً عن تفسيرمعناها في سياق الآية ولكنهم قليلاً ما يمضون وراء ذلك فيصلون الآية بالآيات قبلها وبعدها، ولكن السورة في القرآن موصولة آياتها ترتيباً وتعاقباً وإيقاعاً وجرساً موحدة كلها من المفتتح إلى المختتم)22
وتناول عدد من المباحث،من خلال هذه النقد، تستبين بها ملامح نظرية الترابي التي يتوخاها مدخلا لدرس القران.
 التفاسير واسباب النزول
فهو يري ان تفاسير الاقدمين تناولت النص القران تناول تجزئي وحصرته في سياقات النزول واسبابها، يقول
(فاتخذ أولئك المفسرون أسباب نزول الآي وأقوال السلف من الصحابة والتابعين والسابقين مدخلهم الأساس إلى فهم القرآن المروي المأثور ولذلك ربطوا معاني القرآن بحيثيات الواقع قبل النزول مما ترويه قصص التأريخ الجاهلي أو تحكيه آثار الديانة الكتابية السائدة عندئذ لاسيما تدين بني إسرائيل والنصارى المتـنفذ حول جزيرة العرب، وبذلك حوصر كثير من معنى القرآن إلى فهم تأريخي لا يناسب توحيد القرآن هدياً أبداً وحفظه كتاباً خالداً إلى كل زمان ومكان، بل ينقطع عما يتجاوز ذلك بالأسباب الموضوعية لتطور الحياة).23
التفسير والجدل الكلامي:
(ومن المفسرين ـ كذلك ـ من انشغل بالثغور الثقافية للأُمةِ وانفعل باتساعها المضطرد حيث سادت قضايا علم الكلام والمنطق والفلسفة، التي غزت مع غزو الإسلام للمجتمعات التي تحمل الثقافات الهيلينية، فعكف لمعالجة ما أثاره الوافد من قضايا ومشكلات فكرية، مكرساً خطابه لآي القرآن لتلك الزاوية، منقطعاً بها عن سائر العلوم)24
التفسير العلمي:
(وفي عهد متأخر نشطت وراجت علوم الطبيعة والمجتمع، فتحرك مفسرون يكادون ينحصرون في آيات الطبيعة، وكأن القرآن رسالة لأحكام الله وأقداره في طبيعة الأشياء عبر السموات والأرض وعوالم الإنسان والحيوان، فقصر إسهامهم عن الرعاية الحق لرسالة القرآن في سوق الآيات من المطبوع المسير من أشياء الكون إلى الإنسان ـ محل خطاب الرسالة ـ ولتسوقه للإيمان بحقائق القدر المغيب وليسلم طاعة لأحكام الله في المشروع له وحياً المخير فيه أمانة)
لم يكتفي بالترابي بنقد مساهمات المفسرين الاقدمين، بل اجتهد في تقديم طروحات حول بعض القضايا المنهجية المتصله بالقران عبر دعوته الي توحيد النظر الي النص القراءني ، ايات وموضوعات وسور ومعاني، لتكون مدخل لرؤية كليه اشمل واتم نظرا. وقدم هذه الرؤيه التوحيديه من خلال مناقشته لعدد من المباحث.
نستعرض بعض الاصول والادوات المنهجيه التي تشكل اطار لمنهج التفسير التوحيدي.
المدخل التوحيدي لتفسير القرآن
(إن خير اتصال بالقرآن هو التفسير التوحيدي الذي يتم عبر أصول هذه الوحدة الشاملة، وحدة الله المطلقة التي لا تتعرض لشبهة، ووحدة كلامها التامة التي لا يعتريها اختلاف، ووحدة القرآن محفوظاً لا يُحر ف ولا يُضَيع كسالف الكتب. ثم وحدة الإنسان في فطرته وحواسه بالخلق الموحد في الكون والبشر، ووحدة حياة الإنسان عبر ظروف و صروف المكان والزمان ووحدة الغيب والشهادة، ووحدة الرسل و الرسالات والكتب ووحدة هدى الدين مهما تقلب الإنسان بين فتنة النسيان والذكرى أو الهوى والهدى ووحدة المصير والرجعى إلى الله).25
لغة القران:
يقول الترابي عن القران ولغته وتركيبها
.(القراءن لغة اصلاحه واحده .فالكلمه في كل مواقعها فيه بتصريفاتها المختلفه، ترجع الي ألي معني واحد أصله قد يكون مدي واسعا يتحرك فيه الواقع المعين حيثما اندرج في السياق، فالقراءن جملة قول منظوم) (ينبغي ان يرد القراءن بعضه الي بعض.ان تراجع كل كلمه الي مواردها لينضبط معناها او مداها، وتوصل كل كلمه بما يجاورهالتبين في السياق وتتألف جمل الكلم في الاي، وتوصل الاي في السوره ليبدو نظمها وتتوافق معانيها متعاقبه عبر الاي ويبين نغمهاووقعها بفواصل الاي ويخرج جمع معانيها من دون اختلاف، ثم تتام السور من بدأة القراءن الي ختمته مفصوله باسوار مؤصوله بالمعاني)
ويقول  عن المعاني في لغة القران(القراءن كتاب عربي مبين يقرأ صوته بلسان عربي ويبين معناه باللغه العربيه) ولغة القران تتكامل في اداء المعني فهي(تؤدي المعني بالنظم والصوت والحرف والكلم)
الكلمات والدلاله:
يقول المفسر التوحيدي عن  الدلالة في لغة واصطلاح القران:
(فلابد لكي نوحد الجهد ونصل الى معاني القرآن ونفسره من تصريف الجذر في كلمات العربية ليتسق المعنى مع تركيب الحروف وحركتها في الكلمة والكلمات وتصريفها نطقاً وتقدير مكانها نحواً ودلالتها وعلاقاتها بياناً وبلاغة وجمالاً، ولفصل الآيات حرفاً وكلمة وجملة ونصل معانيها ودلالاتها بل ويصل كل آية لما يليها من آيات مبنى ومعنى ونصل أول السورة إلى آخرها ونوحد كل القرآن في نسق متسق.والقرآن لغته واحدة ثم اصطلاحه واحد. فالكلمة في مختلف المواقع من القرآن بتصريفاتها المختلفة ـ ترجع إلى معنىً أصيل واحد، قد يكون واسعاً يتحرك في مدى المعنى حيثما درج السياق)26
الكلمات وتطور الدلاله:
الالفاظ مثل البشر المستعمليها فهي تكبر وتشيخ وتهرم وتضيق وتتسع بسياقات الاستعمال وباحوال الامم الثقافيه الاجتماعيه وبحسب موقعها في سلم الحضاره ارتفاعا وهبوطا.فالبيئه الاجتماعيه والطبيعيه  تلقي ظلالها علي مدلولات الكلم في كل زمان ومكان.فبعض المعاني الوارده في القراءن قد جري ويجري تطور دلالاتها في سياق الزمان المتعاقب فتتسع المعاني او تضيق اوتتبدل (الدين، العباده، الايمان ،الشريعه، الفقه، العلم)
يقول المفسر التوحيدي(الكلمات القرآنية تتطور في سياق الزمن المتعاقب وتتقدم لغتها كما تتطور كل اللغات الحية فلا تجمد أو تتخلف، فالكلمات قد تتبدل إيحاءاتها ومعانيها فتخبث الكلمة الطيبة وتطيب الكلمة الخبيثة. وقد يكون معنى الكلمة واسعاً ولكنه يتخصص باصطلاح الناس عليها واستعمالهم المحدد لها وقد تنقلب من خصوص إلى عموم وكذلك حال المخاطبين بالقرآن، حيث وحين تختلف بيئتهم وتتطور، لا بيئة اللغة ولكن بيئة الثقافة كلها، وما يعهدون من عرفهم ومصطلحهم اللغوي عندما يتنزل عليهم الحكم، او ما يقع في نفوس الناس بأثر البيئة من حولهم، وذلك كله لابد من استحضاره لبيان عامل تأريخ الكلمة العربية الواردة في القرآن والتفسير وفق مصطلح كلماته وجمله وآياته وحسب وقعها مفهوماً على المخاطبين عند التنزيل)27
القرآن والنظم العربي
(وإذا كان ينبغي توحيد أصوات القرآن بالمعاني فإن للقرآن وقعا ونظماً ونغماً خاصاً في لغته وفي أصل بناء اللغة العربية، وقد نشأ الشعر العربي وأصبح كله موزوناً بالنظم والنغم، ولكن القرآن ما هو بالشعر رغم ما نسمعه في آياته وفواصله من نغم، فالآيات لا تلتزم ميزان الشعر ببحر منظوم، وفاصلة لا يخرج عنها إذ لا يغلب النغم والإيقاع في آي القرآن على المعاني، كما نعهد عند بعض الشعراء، فيهيمون بقولهم في كل واد، لكن لغة القرآن لا تقتصر على المعنى باستعمال اللفظ المنثور، والصوت المختلط بل تحرك طاقة اللغة كلها في وقع المعنى المفهوم وإيقاع الصوت المنغوم.)28
خطاب القرآن للإنسان
((الإنسان كل واحد، إن ولد عقله فكراً وفلسفة أو منطقاً وتدبراً أو انفعل قلبه انطباعاًعاطفياً بالحب او الكره أو الخوف أو الرجاء فالقرآن يخاطبه ـ كذلك ـ عقله جدلاً بالحجج، وقلبه يحركه بالعظات، وباطناً تذكراً وتوكلاً وتقوى، وظاهراً طعاماً وكلاماً وسعياً واستغلالاً واستعمالاً لما خلق الله، فالقرآن يوحد حياة الإنسان عبادة لله، والتفسير التوحيدي للقرآن ينبغي أن يجمع كل ذلك الخطاب موصولاً لا يقف عند الجدليات أو الوعظيات أو الظاهريات من معاني الآي.والإنسان قد يكون عالماً مثقفاً بصيراً أو أمياً قل كسبه من العلم لكن القرآن يخاطبهم جميعاً)29
القرآن خطاب لكل مكان وزمان
(لقد نزل القرآن على العرب خاصة وما حولهم، ولكنه خطاب لكل مكان على ذات منهج التوحيد الذي يوحد الزمان ويوحد السورة إلى ما يليها من سور، ويوحد الكون والحياة ظاهراً وباطناً عقلاً وعاطفةً زماناً ومكاناً قريباً وبعيداً. لقد تنزل القرآن، ولم ينهض أو يبعث معه مفسرون مختصون من حوله يبينونه للناس، وقد بين الرسول صلى الله عليه وا له وسلم بعض معانيه، وقد بين بعضها منها بعض الصحابة العلماء أو من بعض عامتهم متـفاوتين في حسنالبيان. لكن القرآن كان يخاطب حتى الكتابيين والجاهليين مباشرة ويخاطب الناس كافة يومئذ وإلى يوم القيامة. فالتفسير التوحيدي يخاطب المعاصرين بالقرآن وفق ثقافتهم التي يقومون عليها الآن ويخاطب زمانهم ومكانهم ولغتهم حسب نصيبهم من اللغة)30
هذه مباحث من منهج المفسر التوحيدي  للترابي رحمه الله بسطها في مقدمة كتابه التفسير التوحيدي تشكل بضميمتها الي  اجتهاداته في تجديد علم اصول الفقه، اطار منهجيا ناظما لاطروحات الرجل واجتهاداته
سابعا:تجديد اصول الفقه:
كان الترابي عندما صدع بدعوته للتجديد، قد دعا الي تجديد علم اصول الفقه، لانه كان يدري ان دعوته للتجديد، لاتستوي علي ساق معرفي قويم، ما لم يستقيم عندها منهاج التفكير ونظامه الكلي، وكان واعيا ومنتبها الي ان كثير من الحركات الاصلاحية والتجديديه الي سبقت في مجال الفقه والتشريع او في مجالات اخري قامت بمجهودات ضخمه في الاصول والفقه والمقاصد وفقه المعاملات ونظم السياسه والحكم وكان يشير الي مجهودات الشوكاني وولي الله الدهلوي وابن الوزير، الذين قادو الدعوة للاجتهاد، وقدمو اطروحات واجتهادات مستنيره، فيها جراءة في النظر واستقلاليه في الراي،كما نري ذلك في مجهودات معاصرة للامام ابوزهرة والامام الزرقاء واخرين،جهدهم مشكور وحقهم محفوظ.
لكنه كان واعيا الي انها كانت اجتهادات في الموضوعات والقضايا، لم يساوقها جهد في تاسيس المنهج،فقدمت بنيه علمية توفيقيه،تحتاج الي بنيه مفهومية مؤسسة ومدعمة،لذلك كانت الدعوة لتجديد المنهج هي الاكثر الحاحا والاهم والاكثر ديمومة في مشروع الترابي التجديدي.
1/نقد منهج الاصول القديم:
يتاسس المنهج عموما متاثرا بعوامل عدة منها الموضوع الذي يشتغل عليه، واللغة التي يشتغل عبرها،وتطورات المناهج المتداولة في السياق العلمي في زمنه.
وقد انتبه الترابي الي تاثر العلوم الاسلاميه بالعديد من المؤثرات،التي منها منطق ارسطو طاليس الذي اخترق كل العلوم ومن اهمها علم اصول الفقه(جنوح  الحياة الدينية  عامة نحو  الانحطاط  وفتور الدوافع التى تولد  الفقه والعمل  فى واقع المسلمين  أدّيا  إلى أن يؤول  علم اصول الفقه – الذى شأنه ان يكون هادياً  للتفكير –– إلى معلومات لا تهدي إلى فقه  ولا تولد فكراً وإنما أصبح  نظراً مجرداً يتطّور  كما  تطور الفقه كله  مبالغة فى التشعيب والتعقيد  بغير طائل . وقد استفاد ذلك العلم  فائدة  جليلة  من العلوم  النظرية التى كانت متاحة  حتى غلب عليه طابع التجريد  والجدل النظري العقيم  وتأثر بكل مسائل المنطق الهيلينى وبعيوبه كذلك)31
ويقول عن علم الاصول وسياقات نشأته
(    فعلم الاصول القديم منسوب الي البيئة الثقافية التي نشأ فيها أو التي تكاملت فيها ابنيته وصياغاته الاخيرة ولذلك تلبس بمفهومات المنطق الصوري التقليدي وبأشكاله ومصطلحاته – أدوات الوضوح والاستقامة . ومن ذلك غدا علماً نظرياً مجرداً يصلح للتأمل ، ولكنه جاء عقيماً منبتاً عن الواقع الخصب بالحياة ولا يكاد يؤهل الماهر فيه لأن يولد فقها أو يمارس اجتهاداً . هكذا كان مصيره في التاريخ لم يؤذن تمام صياغته بنهضة للفقه ، بل يبس الفقه وتحجر من بعده الا في أحوال أفلت المجتهدون فيها من المعهود الاصولي . ولا يمكن أن تغشانا الغارة الفكرية الغربية بخيرها وشرها ومناهجها المنطقية الوضعية والنسبية والتجريبية دون أن تبدل المعطيات الفكرية الأساسية التي اثمرت الفقه الاصولي القديم . فكما سخر سلفنا الثقافة اليونانية لشرح الدين وفهمه يمكن أن نسخر الثقافة العلمية الحديثة راجين أن نجتنب زللها ونوافي الحكمة فيها .والاصول القديمة كذلك انما خاطبت – ولو دون تصريح – الواقع المادي والحضري والاطار الاجتماعي والسياسي الراهن ، وتأثرت به بغير ريب ، فبروز المصالح العامة مثلا أشبه بالمجتمعات الحضرية الكثيفة التي تشترك علي المرافق وتلتحم بعلاقات صحية وعلمية وسلوكية ، كلما تطور المجتمع في ذلك الاتجاه ظهر ما كان ضئيل الطروء والاعتبار من المصلحة . ودور الشوري العامة والسلطان في نظام الاحكام أشبه بمجتمع محدود وثيق أو بمجتمع واسع الارجاء لكنه موصول بأسباب النقل والاتصال العام ولذلك قد يتطور النظر في الشوري والسلطان من الاعتبار الي الاهمال ثم الي الاعتبار وهكذا كان الامر في عهد الصحابة ثم في عهد نضوج فقه الاصول ثم في العهد الحاضر .) 32
علم اصول الفقه يتكون من عدة  مباحث علميه،لكن اهمها في ظني ثثلاثة مباحث، مصادر الاحكام،دلالات الالفاظ(الاصول التفسيريه،فقه التدين الفردي)،ثالثها مبحث المصالح ومقاصد الشريعه(اصول فقه الحياة العامه)،كان الترابي يري انه بمثلما ان حاجتنا للاجتهاد في فقه التدين العام اكبر من حاجتنا للاجهاد في فقه التدين الخاص،فان حاجتنا للاجتهاد في اصول فقه الحياة العامة(اصول المصالح والمقاصد) اكثر من حاجتنا لاجتهاد في اصول فقه التدين الخاص(اصول تفسيريه لكثافة النصوص).
الأصول التفسيرية وفقه التديُّن الفردي:
قدمنا ان اصول فقه التدين الخاص اصول تفسيريه، لان حقل التدين الخاص تتكثف فيه النصوص، فلامجال لحركة العقل الا في اطار دراسة وتحليل الالفاظ وملاحظة العلاقات بين الدلالة ودرجة العموم والخصوص ودرجة الخفاء والظهور والاطلاق والتقييد وما الي ذلك من مباحث الالفاظ، وهي اصول الاشكال فيها اقل لان منطقتها كثيفة النصوص، كثيفة التراث الفقهي يقول الترابي(فمن الأحكام الفقهية  ما يتصلل  بالشعائر مثلاً وهي العبادات المسنونة التى تشعر من حيث أشكّالها بعبادة  الله لأن هذه الأشكال لا تكاد  ترد إلا في  سياق وسيلة العبادة لله كالصلاة  والصوم والحج ، والمعروف  من استقراء  الشريعة أن هذه العبادات قد فصلت في أحكامها تفصيلاً  دقيقاً وتتكثف فيها النصوص بدرجة تجعل مجال  التقدير  والاجتهاد  محدود  جداً ولا يتعدى فقه الفقيه أن يجمع النصوص وأن يملأ  الثغرات المحدودة  حتى يصل  ما بين نص ونص وليؤلف الصورة الكلّية  للعبادة  وبذلك  تصبح القضية الأصولية كلها قضية  تفسير  للنصوص استعمالاً  بمفهومات الأصول  التفسيرية ونظراً  فى معاني العام والخاص والتعارض والترجيح  ووجوه الدلالة  للنصوص وضوحاً  أو خفاء ودلالة النص المباشرة ودلالة الإشارة  ومفهوم المخالفة ونحو ذلك . وكان  فقهنا التقليدي قد عكف على هذه المسائل عكوفاً شديداً).33
اصول فقه التدين العام:
ان الحياة العامه قد انحرفت عن مثال الدين، وانحسر معها الفقه العام، فاصبح قاصرا علي الشعائر واحكام الاسرة والطلاف والزواج وغيرها،اما مسائل الحكم والدولة ونظام السلطان وعلاقاته، ونمؤذج المال والثروة ومنهاجها، ونظام علاقات الدول ومنظوماتها وكل مساحات الواقع الحضاري،فلم تجد جهدا علميا مؤسسا علي هديات الوحي، فسادت فيها مناهج الغرب الوضعيه وانتشرت اتجاهاته بخلفياتها العقديه وتحيزاتها العلميه، وشكلت مؤسساتنا البحثيه، وعقلية اكاديمييننا وباحثينا، حتي نشات اجيال من المسلمين، تعتقد ان الاسلام مجرد دين بالمعني الغربي،هو محض شعائر ومناسك واخلاق، لاعلاقة له بمساحات الحياة العامه.لذلك يلزمنا مجهود اكبر في تجديد فقه الحياة العامه وفي بناء اصول فقهها وهذا مانبه اليه الترابي قائلا
(أما قضايا السياسة الشرعية الكلّية – كيف تدار حياة المجتمع بأسره إنتاجاً  وتوزيعاً واستيراداً وتصديراً وعلاجاً لغلاء معيشة أو خفضاً  لتكاليفها – هذه مسائل لم يعن بها أولياء  الامور ولم يسائلوا عنها الفقهاء ليبسطوا  فيها الفقه اللازم . ومثل قضايا الاقتصاد  العام التى اهملت قضايا الاوضاع السياسية  وتدابيرها  العملية وكيف تدور الشورى فى المجتمع وكيف يتبلور الإجماع وكيف يكون الأمر  والطاعة والولاية العامة على وجه الإجمال لم يسأل عن ذلك كثيراً  لان  الحكومة بكل أمورها العامة قد انحرفت عن  مقتضى العقيدة والشريعة الإسلامية  منذ زمن  بعيد وحينما انحرف الواقع ومرق من الدين ، فالفقه  بالضرورة  منحسر ايضاً عن هذا الواقع ومن ثَمَّ قَلَّ كسب الفقه  فى هذا الجانب : جانب الحياة الإسلامية  العامة)34
وقال عن اصول فقه الحياة العامه:
(أما جوانب الحياة العامة ، فالحاجة فيها للإجتهاد  واسعة جداً ونتحتاج فى نشاطها  الفقهى لأن  نركز تركيزاً  واسعاً  على تلك الجوانب  وعلى تطوير القواعد  الأصولية التى تناسبها . فالأصول التى تناسب هنا  ليست هى الأصول  التفسيرية وحدها -  وأعني  بها قواعد  تفسير النصوص . ذلك  نظراً لقلة النصوص التى تتعلق  بنظام  الحياة العامة ولئن  كانت كل آية فى القرآن  وكل سنّة  فرعية  تؤثر على تلك الحياة تأثيراً ما ،  فإن  النصوص المباشرة ليست  كثيفة للطبيعة   المرنة  فى وظائف  الحياة العامة وما تقتضية من سعة  وقد أدى  انحسار الطبيعة  الدينية  للحياة العامة  فى تاريخ المسلمين  إلى أن   يكون الموروث  الفقهي الذى يعالجها بمثل ذلك . ومن هنا تنشأ الحاجة الملحة للتواضع  على منهج  أصولى ونظام  يضبط  تفكيرنا الإسلامى  حتى لاتختلط  علينا الأمور  وترتبك  المذاهب  ويكثر  سوء التفاهم  والاختلاف فى مسائل تتصل  بالحياة العامة السياسية والاجتماعية  والاقتصادية والإدارية  والدولية  وغيرها مما يؤثر على وحدة المجتمع المسلم ونهضته)35
لهذا وغيره ركز د.الترابي علي اصول فقه الحياة العامه ووجه نقده للاصول القديمة، وقدم اطروحته في بناء اصول تتسع لتحديات الحياة العامه وتستجيب لاسئلتها.
مصادر الاحكام:
اول المباحث التي ابتداها الترابي بالنظر مبحث المصادر،وتحديد تراتيبية المصادر، لان كثير من المسلمين اختلت عنده تراتيبية المصادر، فقدم اجتهادات العلماء علي السنه وقدم السنه علي القرأن، فاختلت صورة النظر الي الاحكام، فيمكن لاحدهم ان ينسخ عشرات النصوص القرانيه برواية سنية منسوبة للرسول صلي الله عليه وسلم
يقول د.الترابي(أن عقيدة التوحيد  تفرض على المسلمين  حسن ترتيب  هيكل حجية الأحكام  وعلاقاتها ، ولاسيما  مع مرور  الزمن وطرؤ الحاجة  لفهم ادق  لمنهج الأولوية  والتناسخ  المنطقى  الذى  يلزم لتعدية  الشرع إلى كل  واقع جديد .فالقرآن  حاكم  على السنّة وإن كانت  هي ملزمة  وحاكمة على المسلمين  والسنّة  اللاحقة  للصحابة  والتابعين  مبينة  وأن  لم تكن  حاكمة .  وإجماع  المسلمين  من بعد بيان   ملزم  لمقتضى  الدين ولكنه  لايرقى لدرجة الحاكمية  ولا الخلود  التى يختص  بها نص الوحي أو بيانه بالسنّة المعصومة )36
علوية القرأن:
فالنص القراني هو النص المرجع المؤسس، نص الوحي الذي لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، المرجع الاعلي، لايعلو عليه في تراتيبية المصادر ايما مصدر، فالمصادر من حيث القبول والرد تبع للقران، فما خالف المقررات القرانيه فهورد
يقول الترابي(:  إذا كانت أصول الشرع هي أساس الأحكام تعلو ولا يعلى عليها فالقرآن هو الأساس الأول وأوليته من بدائة فقه الدين وبنياته الناتجة من أول نظرة ماسحة لأصول الإسلام ومصادر الشريعة سوي أن أصولية القرآن وعلويته لم تكن موضع ريب في عهد الرسول (ص) والتي عرف حقها الأئمة .)37
ويقول مؤكدا لهذا الاصل(ثم إن القرآن مصدر كل الدين  فكل حسم الخلاف إليه . وهو الهدى والنور والضياء والبشير والنذير وأثبت له الكمال والشمول المطلق " تمام إحكام لكل شئ)38
السنه في مقام البيان:
اما السنه، فهي لاتشكل مصدرا مستقلا للتشريع، بل تبع للنص القراني، فما موافق النص منها وجري علي اصوله فهو معتبر، وما خالف القران، فلا اعتبار له في مقام التشريع.
يقول د.الترابي(إن وظيفة الرسول (ص) مع القرآن مضبوط حدها بمجرد البلاغ والبيان والتطبيق ومقرونة بالتحذير من التجاوز وتأخره عنه ذكراً ثم أن القرآن في قطعية ثبوته لا يضارعه ثبوت السنة لا حكماً ولا تاريخاً والقرآن حق قاطع لا يخالطه الباطل والرسول بشر يسهو " القي الشيطان " ويخطئ فيصححه القرآن ويعاتبه والقرآن هو الضابط والشاهد للرسول ليس لسلطانه أصل أو آية) 39
فالعلاقة بين القران والسنه هي علاقة التكامل لاعلاقة التعارض، والخلل في الانتباه لهذا الشكل الناظم للعلاقة هو الذي ادي الي كثير من التشوهات والشروخات في حركة الفكر الاسلامي.
(ففيما يتصل بحجيه السنة إزاء القرآن تلوح لنا اليوم ضرورة تقرير العلاقة بينهما فما دام القرآن أصلاً وضابطاً للسنة ومنها بياناً له بالقول المفصل والقدوة  النموذجية العملية فلا بد من حفظ تصور العلاقة نظراً مع مراعاة الوحدة الوثيقة بينهما في تركيب الحياة الإسلامية الأولي . ولعل اعتبار هذه الوحدة هو الذي أغني الأسلاف عن تأكيد الوجه النظري الفاصل وإن كان مذكوراً عندهم لكنهم في واقع الاجتهاد كثيراً ما عولوا على السنة لشدة بيانها حتى انتهي القول إلى أنها ناسخة للقرآن ولما كانت موصولة موحدة إلى آثار الصحابة فقد قدر لرأي هؤلاء أحياناً اعتبار ينسخ القرآن أيضاً ثم تدارك الأمر حتى قدمت آراء الأئمة العالمين بالسنن على ظاهر القرآن بحق تأويل شبهة النسخ .
وإذا قررنا الأولويات الأصولية التي تلزم من حقائق الدين البديهة وعرفنا القرآن ناسخاً للسنة عند التعارض فلا بد أن ننبه إلى أن الأولوية لا تحجب السنة ولا تغنى  عنها البتة ولا مجال لأخذ القرآن بمعزل عن السنة مها بدأ غنياً عن البيان وأن كنا ننظر فيه أولاً ونقدم الاستشهاد به مها تباعد عمومه عن تفصيل الموضوع المطروح للنظر فـإن تثنية النظر إلى السنة لازم لفقه القرآن لأنها القول الصادر عن نبي يوحي إليه بيان حكمة القرآن كما يوحي إليه نصه ولأنها العمل الذي يمثل مغزى النص القرآني في كيان حي نرى فيه ما لا يلاحظ العقل المتأمل نظراً في ألفاظ لغوية ولحكمة ما نزله إليه موقعاً على ثنايا حياة السنة لا لوحاً مجموعاً)40
القياس الواسع:
وجه الترابي نقده لصيغة القياس القديم واسماه القياس المحدود، لانه رأها بشكلها وشروطها التي وضعها الاصوليين، تقتل روح الطلاقة في الاجتهاد، وتضيق من نطاق القياس الفطري الحر الذي عرفه الصحابة، ذلك ان السائد عند الاصوليين الان هي صورة قياس العله، التي تتوخي المشابهة بين بعض صور الاحكام وتعمل علي تعدية الحكم بينهما بجامع العلة المشتركه، علي شروط وضعوها للعلة والحكم،ضيقت هذا القياس،وافقدته جدواه في اثراء الاجتهاد وتنمية الفقه، لذلك دعا الترابي الي ما اسماه بالقياس الواسع.
وعن هذا القياس الواسع يقول
(أن نتسع  فى القياس  على الجزئيات  لنعتبر الطائفة من النصوص ونستنبط  من جملتها  مقصداً  معيناً من مقاصد  الدين أو  مصلحة معينة  من مصالحه ،  ثم  نتوخى  ذلك  المقصد  حينما كان  فى الظروف  والحادثات  الجديدة  وهذا  فقه  يقربنا  جداً من فقه  عمر  بن الخطاب رضى الله  عنه  لأنه  فقه مصالح  عامة واسعة  لا يلتمس تكييف الواقعات  الجزئية  تفصيلاً فيحكم على الواقعة قياساً على ما يشابهها  من  واقعة سالفة  ، بل  يركب  مغزى اتجاهات  سيرة الشريعة الأولى ويحاول في ضوء  ذلك توجيه  الحياة الحاضرة) 41
ويقول عن قياس المصلحة المرسلة
(أما القياس  الإجمالى الأوسع أو قياس  المصالح المرسلة فهو  درجة  أرقي فى البحث عن  جوهر مناطات الحكام إذ  نأخذ جملة من أحكام الدين منسوبة إلى جملة الواقع  التى تنزل فيه ونستنبط  من ذلك  مصالح  عامة ونرتب علاقاتها)42
الاستصحاب الواسع:
اما الاستصحاب في علم الاصول، فهو بقاء ما كان علما كان حتي ياتي مايغيره،يعني استمرار الاحكام والاعتبار بما استقر عند الناس في عوائدهم وانظمتهم  واستصحاب البراة الاصليه جوازا وحلا في الاحكام، وصحة في العقود و الصيغ والنماذج التي تنشأ في الحياة البشريه.
وهو بهذه الصورة يعبر عن السعة والمرانه في الاصول الاسلاميه،ولكن الترابي يذهب مدي ابعد من ذلك، اذ ان الاستصحاب بصورته تلك لازال يدور في فلك ملاحظة الوقائع الجزئيه ومعالجة بعض صور الاحكام، لكنه لاينزع منزع التاسيس الكلي لمواقف اصولية جذريه، مما دعا الترابي للحديث عن صورة استصحاب واسع، يبني علي الصورة القديمة ويتجاوزها الي مناط اصولي اعلي وصورته عند الترابي هي(ومغزى  الاستصحاب هو ان الدين لم ينزل  بتأسيس حياة  كلها  جديد وإلغاء الحياة القائمة  قبل الدين  بأسرها  فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  مثلاً  يعتبر  أن كل  الذى كان  سارياً من القيم من قبله لغو باطل ينبغى  هدمه  لتأسيس  الدين  على قاعدة جديدة مطلقاً  . بل كان المبدأ  المعتمد  أن  ما تعارف عليه الناس مقبول  وإنما ينزل الشرع ويتدخّل  ليصلح  ما اعوج من أمرهم . فحينما يطلق الكلام  في القرآن  عن الأمر بالعرف فهو ما كان سائداً معروفاً إلا حيث يصححه الدين ، وحينما  يدعو القرآن  للحكم  بالعدل والقسط  فهو مراعاة  القيم  العدلية  التى عرفها الإنسان واستشعرها الوجدان  المخلص مقرونة مع التصويبات والتقويمات التى ترد  عليها من تلقاء الشريعة  المنزلة .  وهكذا يقال  فى القسط  والخير والظلم  والإحسان والإساءة بل  فى نظم  الأسرة وفى الشعائر  والخير والظلم والإحسان والإساءة بل فى نظم الأسرة  وفي الشعائر  . فقد كانت الحياة تقوم على كثير من إثارات الحق الذي  أورثته الديانات أو اهتدت  إليه  الفطرة البشرية ، وجاءت الشريعة  الخاتمة تحيي ما درس  وتقوِّم  ما اعوج  وتكمل ما نقص فما جاءت  فيه  بنص  يعتمد  المعمول به أو يصوبه فالشريعة حاكمة ، وما تركته عفواً فهو متروك  لما يقدر فيه البشر فيعرفون  وينكرون وفقاً لما تهدى  إليه  الفطرة المنفعلة  بمعانى الدين المُنزل . وفى الكتاب  والسنة  نصوص  مباشرة تدل على قبول قاعدة  الاستصحاب تأكيداً  للدليل  العام الذي  تلقيه  كما تقدم  فى استقراء وقع التنزيل  مع الحياة السابقة . وحسب  قاعدة الاستصحاب الفقهية : الأصل  فى الأشياء الحل وفي الافعال  الإباحة وفي الذمم البراءة من التكليف ، وكل ما تطوقه  المؤمن  يقصد به  وجه الله عبادة  مقبولة ، وكل  ما اخذ  لمتاع الحياة  الدنيا  عفو متروك لا له ولا عليه إلا ان يرد النص فينقى صفة العفاء  أو الإباحة  عن  فعل معيَّن  ، وإذا جمعنا أصل الاستصحاب  مع أصل المصالح  المرسلة تتهيأ لنا أصول واسعة لفقه  الحياة العامة في الإسلام)45
الخاتمه:
هذه الادوات المنهجية التي قدمها الترابي رحمه الله، في تفسير القران و في تجديد اصول  الفقه ،تشكل مدخل منهجي مهم واسهام مميز،كتبها بلغته المعياريه،وبصياغة عامة اقرب الي المقولات التاسيسيه، تحتاج الي جهد الباحثين لتفصيلها وتاسيس محاججاتها، والانتفاع بتطورات علم اللغه واللسانيات الحديثة للمضي بها الي نهاياتها.وهي ادوات منهجية يمكننا ان نسمها بالسمات التاليه:
1/ منهجية تقوم علي القران كمنصة للتاسيس المعرفي، وكمعادل معياري،مستوعب للوضعي والزمني ومتجاوز لخبرات البشر وتجاربهم المنهجيه.
2/ منهجية مركبه، مستوعبه لمصادر المعرفه، الوحي، العقل، التجربه، الحس،في تناغم وتناسق،في اطار معيارية القران في التصديق والاستيعاب والهيمنة.
3/ منهجية تكامليه مقاصديه، تتجاوز بنا اشكالات النظر الحرفي، وتيارات الظاهريه الجدد، الي عالم المقاصد والمعاني والعلل.
4/ منهجية واقعية قادره علي استيعاب الواقع المعاصر وتحدياته وتقديم المعالجات لها،مع القدره علي التجاوز وعدم الارتهان.لانها مبنيه علي القران الذي استوعب الواقع وتجاوزه.
احالات مرجعيه:
1/ الفكر الاسلامي هل يتجدد ص2
2/ الدين والتجديد ص27
3/ الفكر الاسلامي هل يتجدد الصفحات الصفحات  4،9،3،4،11،5،20
11/ الدين والتجديد  ص الصفحات 94،86،89،93،82،92
20/ تجديد اصول الفقه ص67و68
22/ مقدمة التفسير التوحيدي ج1 الصفحات 22،23،24،25،26،27،28،29،30
31/ تجديد اصول الفقه ص 100
/ تجديد اصول الفقه ص57
34/ اصول فقه الاحكام ص 58(مخطوط)
35/ اصول فقه الاحكام ص 61
36/ الدين والتجديد ص 112
37/ اصول فقه الاحكام ص25
38/ اصول فقه الاحكام ص 25
39/ اصول فقه الاحكام ص 26
40/ اصول فقه الاحكام ص 32
41/42/43/ تجديد اصول الفقه ص63،64

الخرطوم في 12/ 4/ 2018

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe