مَتنٌ يُريحُ تنسُّمي
*************
شِعر/ محمد عمر عبد القادر
قُبِلَ الرَّجاءُ..
وليتَ لي في الليلِ مِقودَ ضامرٍ..
إذْ هزَّني شوقُ الفَلاحِ مؤذناً بالحجِّ..
في عمقِ الدُّجى بمُحَمَّدٍ حازَ الفَرادةَ..
والرَّهافةَ في الرُّؤى والسَّمْعَ والوجدانَ حازْ
صَدَقَ الدعاءُ وجاءَني صَوْتُ النداءِ..
وحُقَّ لي شرفُ الوفاءِ ضُحَى نويتُ..
رأيتُ قطنَ الماءِ تحتي عَبْرَ نافذةٍ بطائرةٍ..
مِن الأُردُنِّ يومَ عَبرتُ نحوَكَ يا حِجازْ
وانتابتِ العَبراتُ مُهجَةَ شاعرٍ..
جالتْ بخاطِرهِ المشاعرُ والمنى..
بَثَّ اللواعِجَ في هِيامِ متيَّمٍ،..
مَزَجَ الحقيقةَ بالمَجَازْ
ما بينَ حُسنِ ضِيافَةٍ وسَماحِ تلبيةٍ..
بدا ثَمِلاً بِخَمْرِ الحجِّ والسُّبحاتِ والنُّعْمَى..
بَنى صُوَراً على صَهَواتِ برقِ العِشقِ..
صَاغَ الحمدَ شكراً للزيارةِ، للمَفازْ
وأنا أوثِّقُ بالبيانِ معبراً..
عن حالةًٍ في الرُّوحِ أوحتْ فِكرةً للقلبِ..
خَصَّتني بسرِّ الحَرْفِ،..
فاضَ نَميرُها في الفجرِ بعدَ رغيبةٍ..
مَلأى بِنُبلِ فضيلةٍ قدسيَّةِ الأنسام،..
عَمَرتني تُقىً،..
بمُحمَّدٍ نَسَمَتْ ندىً، بَسَمَتْ هُدىً..
فَرِحَ الجَنانُ بمُشرقاتِ فُتونِها..
مَضمونُها في هدأةٍ روحيَّةٍ بسكونِها..
عَجِزَ اللِّسانُ أمَامَ حُسْنِ مُتونها..
لا لنْ أَغضَّ الطَّرْفَ عن فَنٍّ حَوى..
التسبيحَ والتكبيرَ والتهليلَ في مكنونِها..
ومَعاذَ رَبِّ الكعبةِ الأَعلى وعزَّتِه مَعاذْ
فذكرتُ حسَّانَ بن ثابتَ حيثُ كان مؤيَّداً..
وذكرتُ كَعْباً في التشبُّبِ والجَوَى..
بينَ المَراتِبِ في مفازاتِ النَّوَى..
في تَيْمِهِ والتَّبْلِ والتَّهيامِ،..
مَرتبةِ التبتُّلِ والعلاقةِ والهَوَى..
التَّسهادِ حتَّى نوْمِ شاعرِنا الخَزازْ
لا، لمْ أجدْ مَتناً يُريح تنسُّمي..
تاللهِ لا نَبرٌ يَتيهُ تبختراً بالشعر لا..
مَعنىً يوازي الزهوَ ما بَيْنَ احتشادٍ واكتنازْ
فعَبَرْتُ بالميمونةِ التحليقِ بحراً أَحمراً..
أستشرِفُ المِيقاتَ، أبكي خَشيةً للهِ..
مُتَّصِلَ الصلاةِ على النبيِّ وآلهِ..
والصَّحبِ، مغتبطاً بزورةِ سيديِ..
فهو المُنيبُ هو الحبيبُ، هوَ المَلاذْ
اربطْ حِزامَكَ يا عَشوقُ..
فأنتَ بالأرضِ المقدسةِ الحِمَى..
فَسَرَتْ بجسمي قشعريرةُ مُدنَفٍ..
يا ليتها ظلَّتْ مَعي في القلبِ..
لا تجتازُهُ مَحْضَ اجتيازْ
وتدرجتْ في المهبطِ المأمونِ..
طائرةُ الجديرِ مِلاحةً بلطافةٍ..
طافتْ بذاكرتي تصاويرُ المناسكِ ثَرَّةً..
بيديَّ هيأتُ المقابضَ بالحقائبِ، والجَوازْ
ونزلتُ أرضَ الطهرِ مبتهلاً بفيضِ البِشْرِ..
وافتني البشاشةُ تَستحثُّ مباعثَ العِرفانَ..
مِلءَ الصَّدرِ خالجني دعاءٌ خالصُ التمجيدِ،..
سَرَّ تبسُّمي في جَدة الإحرامِ،..
عندَ مدينة الحُجَّاجِ جازَ..
الحمدُ بدءاً بالسلامِ عليكمُ، والشكرُ جازْ
قد لوَّحتْ بَعدَ السلام عليكمُ..
كفُّ الأصيلِ:عليكمُ منَّا السلامُ..
ورحمةُ اللهِ التي وَسِعتْ، وأهلاً يا..
وسهلاً أيُّها الحجَّاجُ مَرحَى في الحِجازْ
فالحمدُ للهِ الذي..
أجرى البيانَ على لساني نعمةً..
كيما أصوغُ قصيدتي..
في صاحب الخُلقِ العظيم، المجتبى..
وبها أزيد محبةً وبهِ تُجازْ
صلَّى الرَّحيمُ على الذي..
أروتْ نداوةُ كفِّهِ جيشاً برأفتِهِ ورَحمتِهِ،..
وحَنَّ المنبرُ الشجريُّ من شوقٍ للمستِهِ..
وجادَ الضَّرعُ شخَّاباً ببركتِهِ،..
وزالَ عمىً، وأهدى بردةَ الإعزازِ تكريماً..
وجاهَدَ نفسَهُ في اللهِ حَقَّ جهادهِ..
فَكَّ الأسيرةَ للرضيعِ بحكمةٍ..
ومحبةٍ للهِ، ألِفَتهُ العِنازْ
فعَمَرتُ نفسي بالوَقارِ،..
لبسْتُ هُندامَ السكينةِ والرِّضا،..
أحرمتُ مُتَّجِهاً لبيتِ اللهِ..
أختزنُ المُرامَ الجزلَ في..
لبيكَ حجَّةُ يا إلهي..
((لبيكَ اللهمَّ لبيكْ،..
لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكْ،..
إنَّ الحَمدَ والنعمةَ لكَ والملكْ،..
لا شريكَ لكْ))
عِندَها أَيقنتُ أنْ للحجِّ..
ما بينَ العباداتِ امتيازْ
وبفرحةٍ سرنا نمني بالقبولِ نفوسَنا..
رَشَحَ السَّنا في مَدخلِ الحَرَم الشريفِ..
فعذت باللهِ العظيمِ، ولذتُ بالوجهِ الكريمِ،..
بحق سلطانِ قديمٍ من حبائلِ كلِّ شيطانٍ رجيمٍ..
سِرْتُ والخطَوَاتُ عَجلى،..
عندما خَلُصَ الدُّعاءُ رَدفتهُ..
بدعاءِ مَشهَدِ كعبةٍ..
نهضَ الفؤادُ لها وقوفاً في تمامِ تودُّدٍ..
وبحائطِ الصَّدرِ ابتهاجٌ، والنُّهى متأمِّلٌ..
في رَهبةٍ لجمالِها وجلالِها وكمالِها..
انبهرتْ بها عينايَ فاستوتا،..
فأدمعتا خُشوعاً في خضوعٍ..
فاحتماءً، فانتماءً، فانحِيازْ
((زدْ يا إلهي البيتَ تعظيماً وتشريفاً،..
وزدْ مَنْ زارَهُ حباً وزدْهُ مهابةً))
يا قادماً للبيتِ من فجٍّ عميقٍ في الدُّنا..
بشراكَ، سَمِّ اللهَ، كَبِّرْ وابتهلْ..
اعلنْ قدومكَ بالطَّوافِ..
وثَمَّ صلِّ ركعتينِ لدى مقامِ أبيكَ إبراهيمَ..
ذاكَ البابُ للساعينَ، يا بشراكَ بالمَسعى..
تراءى لي مقامُ العشقِ في نَوْلٍ،..
على أُفقٍ من الأشواق بينَ تلألُؤِ الأضواءِ
فانتفضتْ رياشُ الرُّوحِ والقلبُ انتشى،..
والنبضُ هينمةُ انقباضٍ واهتزازْ..
فدلفتُ وَفقَ إشارة خضراءَ، يَمَّمْتُ الصَّفا..
باشرتُ سعيَ السبعةِ الأشواطِ..
مُنتَهِياً بطودِ المروةِ المخضلِّ بالدعواتِ..
مصطحباً طوالَ طوافِ بيتِ الله والمسعَى..
وصايا الأهلِ والأحبابِ..
والأصحابِ في وطني..
سألتُ اللهَ للمرضى وللفقراءِ والأسرَى..
رجوتُ اللهَ آمالاً محملةً من النيلينِ..
والأبنوسِ والسيَّالِ والهجليجِ، من نخلٍ..
ومن قطنٍ ومن سَرحِ ومن مَرخٍ،..
ومن نيمٍ، تبلديٍّ، هشابِ الصمغِ،..
من سُنطٍ ومن سِدرٍ ومن شجرِ الحَرازْ
قد طِبتُ نَفْساً بارتواءِ تعطُّشي..
من زمزمِ البرَكاتِ بعدَ الجُهدِ،..
فالماءُ المُباركُ كانَ أحلى،..
بلْ وأغلى من مناجمِ تِبرِنا،..
من لؤلؤٍ من خامِ بترَوْلٍ وغازْ
في يوم ترْويَةٍ رجالاً ونساءً..
قد تيمَّمْنا منىً لِخيامنا..
بتنا، وبعد الفجرِ والإشراقِ..
سِرنا نحوَ عرفاتِ الوقوفِ..
مُلبِّيَيْنِ وذاكرَيْنِ اللهَ جمعاً،..
عندَ خِيفٍ جامِعينَ صَلاةَ عَصرٍ..
عندَ وقتِ الظهرِ قصراً..
سائلينَ العَفوَ مِن رَبٍّ..
يُحِبُّ العفوَ والغفرانَ..
نرغَبُ في قبولِ مَناسِكٍ..
ومشاعرٍ حفلتْ بنا..
بتعدُّدِ السَّحناتِ والأصواتِ..
من تُركٍ ومن فرْسٍ ومن رومٍ..
ومن عُربٍ ومن زَنجٍ ومن أهوازْ
فدموعُنا تترى..
بذكرى صاحبِ المِعراجِ والمَسرَى..
بمولِدهِ، بشهرِ ربيعِ عامِ الفيلِ،..
بالأنوارِ والبشرى،..
نُزولِ الوَحي والإعجازْ
كأنَّ الحَشرَ شابَه جَمعَنا..
في يومِ صَيفٍ قائظٍ..
زَهَدَ الضيوفُ تذللاً..
فيهِ الظلالَ ونسمَها..
والمَروحياتِ الهَطولةَ بالرَّذاذْ
هيَّا إلى مزدلفةَ البسطاءِ..
بعدَ مَغيبِ شمس اليومِ..
صلَّيْتُ العشاءَ ومغرباً..
بأذانِ وقتٍ واحدٍ وإقامتين..
جَمَعتُ مِن رَهَقِ المسيرِ وِسادةً..
ووضعتها تحتَ الذراعِ على الثرى..
أدركتُ بعضَ الليلِ نوماً بعد أنْ..
أعددتُ قُربي سبعَ حصَياتٍ..
لِرَجْمِ العَقبَةِ الكبرَى صباحَ العيدِ..
مشتاقٌ أنا للرَّمي، فالتقصيرِ،..
تطوَافِ الإفاضةِ، والرجوعِ إلى منى،..
للخيرِ في خيماتها، للوعظِ والترتيل..
والأجر الجزيلِ، مَذاقِ طعمِ العيد فيها،..
فالرسولُ يحبُّها، صلواتنا دَوْماً عليهِ وآلِهِ..
مَوْصولَةُ التسليمِ من دونِ انقطاعٍ..
سرمداً، ووصولةٌ دونَ احتجازْ
أحبتي، لا للتعجُّلِ، فالمبيتُ بها ثلاثاً..
والحصى في أرضها متناثرٌ..
خذْ منهُ وارمِ ثلاثَ عقباتٍ ثلاثاً..
في وثوقٍ، في ثباتٍ وارتكازْ..
أحبتي، ودعتُ مكةَ بالطوافِ،..
حَسَمْتُ أمْرَ تَيمُّمي..
لمدينةِ الكُرَماءِ طيبَةَ..
دائمَ التفكيرِ في خضراءِ قبَّتِها،..
وفي حَرمٍ بها،..
وتضاعفِ الصلواتِ ألفاً..
أينَ بابُ الرُّوضةِ الفيحاءِ حيثُ المصطفى؟..
فأشارتِ الهالاتُ لي بمنارةٍ..
يا سيدي،......
مُتوشِّحٌ بالحُسنِ..
من أدبِ السلامِ عليكمُ..
رغمَ امتثالي والخضوعِ وهدأتي،..
جَهراً أُقاوِمُ عَبرَةً في بابكمْ..
فالقلبُ مُهتاجٌ بكم، وبآلِكمْ..
يا ليتني أفنيتُ عُمُري..
في سَماحِ رِحابِكم..
رُغم التذللِ سيدي..
بمحبتي للآلِ والأصحابِ آنستُ اعتزازْ
وبكيتُ من فرطِ النَّوى إذْ قيلَ لي..
زرْ في البقيعِ أعزَّةً، رحماءَ بينهمو تفزْ..
زرْ مسجداً بقبا، وصلِّ الرَّكعتينِ بهِ..
وزرْ أُحُداً وقفْ بمقابرَ الشهداءِ..
نلْ أجراً، ترحَّمْ واعتبرْ..
صلِّ بمسجدِ سادةٍ كرماءَ واغتنمِ المَفازْ
قد كان منشودي وديعاً، كانَ رَهنَ إشارةٍ،..
وترَقُّبي التواقُ يَلهَجُ بالزيارةِ..
طرتُ مبتهجاً وتمتْ فرحتي..
بك سيدي مذْ صارَ مأمولي مُجازْ.
صلى عليكَ اللهُ ما دامَ الزمانُ..
بكل خطرة برهةٍ أو لمحةٍ..
والآلِ ما تاقت نفوسٌ ظامئاتٌ للحجازْ.
*************
شِعر/ محمد عمر عبد القادر
قُبِلَ الرَّجاءُ..
وليتَ لي في الليلِ مِقودَ ضامرٍ..
إذْ هزَّني شوقُ الفَلاحِ مؤذناً بالحجِّ..
في عمقِ الدُّجى بمُحَمَّدٍ حازَ الفَرادةَ..
والرَّهافةَ في الرُّؤى والسَّمْعَ والوجدانَ حازْ
صَدَقَ الدعاءُ وجاءَني صَوْتُ النداءِ..
وحُقَّ لي شرفُ الوفاءِ ضُحَى نويتُ..
رأيتُ قطنَ الماءِ تحتي عَبْرَ نافذةٍ بطائرةٍ..
مِن الأُردُنِّ يومَ عَبرتُ نحوَكَ يا حِجازْ
وانتابتِ العَبراتُ مُهجَةَ شاعرٍ..
جالتْ بخاطِرهِ المشاعرُ والمنى..
بَثَّ اللواعِجَ في هِيامِ متيَّمٍ،..
مَزَجَ الحقيقةَ بالمَجَازْ
ما بينَ حُسنِ ضِيافَةٍ وسَماحِ تلبيةٍ..
بدا ثَمِلاً بِخَمْرِ الحجِّ والسُّبحاتِ والنُّعْمَى..
بَنى صُوَراً على صَهَواتِ برقِ العِشقِ..
صَاغَ الحمدَ شكراً للزيارةِ، للمَفازْ
وأنا أوثِّقُ بالبيانِ معبراً..
عن حالةًٍ في الرُّوحِ أوحتْ فِكرةً للقلبِ..
خَصَّتني بسرِّ الحَرْفِ،..
فاضَ نَميرُها في الفجرِ بعدَ رغيبةٍ..
مَلأى بِنُبلِ فضيلةٍ قدسيَّةِ الأنسام،..
عَمَرتني تُقىً،..
بمُحمَّدٍ نَسَمَتْ ندىً، بَسَمَتْ هُدىً..
فَرِحَ الجَنانُ بمُشرقاتِ فُتونِها..
مَضمونُها في هدأةٍ روحيَّةٍ بسكونِها..
عَجِزَ اللِّسانُ أمَامَ حُسْنِ مُتونها..
لا لنْ أَغضَّ الطَّرْفَ عن فَنٍّ حَوى..
التسبيحَ والتكبيرَ والتهليلَ في مكنونِها..
ومَعاذَ رَبِّ الكعبةِ الأَعلى وعزَّتِه مَعاذْ
فذكرتُ حسَّانَ بن ثابتَ حيثُ كان مؤيَّداً..
وذكرتُ كَعْباً في التشبُّبِ والجَوَى..
بينَ المَراتِبِ في مفازاتِ النَّوَى..
في تَيْمِهِ والتَّبْلِ والتَّهيامِ،..
مَرتبةِ التبتُّلِ والعلاقةِ والهَوَى..
التَّسهادِ حتَّى نوْمِ شاعرِنا الخَزازْ
لا، لمْ أجدْ مَتناً يُريح تنسُّمي..
تاللهِ لا نَبرٌ يَتيهُ تبختراً بالشعر لا..
مَعنىً يوازي الزهوَ ما بَيْنَ احتشادٍ واكتنازْ
فعَبَرْتُ بالميمونةِ التحليقِ بحراً أَحمراً..
أستشرِفُ المِيقاتَ، أبكي خَشيةً للهِ..
مُتَّصِلَ الصلاةِ على النبيِّ وآلهِ..
والصَّحبِ، مغتبطاً بزورةِ سيديِ..
فهو المُنيبُ هو الحبيبُ، هوَ المَلاذْ
اربطْ حِزامَكَ يا عَشوقُ..
فأنتَ بالأرضِ المقدسةِ الحِمَى..
فَسَرَتْ بجسمي قشعريرةُ مُدنَفٍ..
يا ليتها ظلَّتْ مَعي في القلبِ..
لا تجتازُهُ مَحْضَ اجتيازْ
وتدرجتْ في المهبطِ المأمونِ..
طائرةُ الجديرِ مِلاحةً بلطافةٍ..
طافتْ بذاكرتي تصاويرُ المناسكِ ثَرَّةً..
بيديَّ هيأتُ المقابضَ بالحقائبِ، والجَوازْ
ونزلتُ أرضَ الطهرِ مبتهلاً بفيضِ البِشْرِ..
وافتني البشاشةُ تَستحثُّ مباعثَ العِرفانَ..
مِلءَ الصَّدرِ خالجني دعاءٌ خالصُ التمجيدِ،..
سَرَّ تبسُّمي في جَدة الإحرامِ،..
عندَ مدينة الحُجَّاجِ جازَ..
الحمدُ بدءاً بالسلامِ عليكمُ، والشكرُ جازْ
قد لوَّحتْ بَعدَ السلام عليكمُ..
كفُّ الأصيلِ:عليكمُ منَّا السلامُ..
ورحمةُ اللهِ التي وَسِعتْ، وأهلاً يا..
وسهلاً أيُّها الحجَّاجُ مَرحَى في الحِجازْ
فالحمدُ للهِ الذي..
أجرى البيانَ على لساني نعمةً..
كيما أصوغُ قصيدتي..
في صاحب الخُلقِ العظيم، المجتبى..
وبها أزيد محبةً وبهِ تُجازْ
صلَّى الرَّحيمُ على الذي..
أروتْ نداوةُ كفِّهِ جيشاً برأفتِهِ ورَحمتِهِ،..
وحَنَّ المنبرُ الشجريُّ من شوقٍ للمستِهِ..
وجادَ الضَّرعُ شخَّاباً ببركتِهِ،..
وزالَ عمىً، وأهدى بردةَ الإعزازِ تكريماً..
وجاهَدَ نفسَهُ في اللهِ حَقَّ جهادهِ..
فَكَّ الأسيرةَ للرضيعِ بحكمةٍ..
ومحبةٍ للهِ، ألِفَتهُ العِنازْ
فعَمَرتُ نفسي بالوَقارِ،..
لبسْتُ هُندامَ السكينةِ والرِّضا،..
أحرمتُ مُتَّجِهاً لبيتِ اللهِ..
أختزنُ المُرامَ الجزلَ في..
لبيكَ حجَّةُ يا إلهي..
((لبيكَ اللهمَّ لبيكْ،..
لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكْ،..
إنَّ الحَمدَ والنعمةَ لكَ والملكْ،..
لا شريكَ لكْ))
عِندَها أَيقنتُ أنْ للحجِّ..
ما بينَ العباداتِ امتيازْ
وبفرحةٍ سرنا نمني بالقبولِ نفوسَنا..
رَشَحَ السَّنا في مَدخلِ الحَرَم الشريفِ..
فعذت باللهِ العظيمِ، ولذتُ بالوجهِ الكريمِ،..
بحق سلطانِ قديمٍ من حبائلِ كلِّ شيطانٍ رجيمٍ..
سِرْتُ والخطَوَاتُ عَجلى،..
عندما خَلُصَ الدُّعاءُ رَدفتهُ..
بدعاءِ مَشهَدِ كعبةٍ..
نهضَ الفؤادُ لها وقوفاً في تمامِ تودُّدٍ..
وبحائطِ الصَّدرِ ابتهاجٌ، والنُّهى متأمِّلٌ..
في رَهبةٍ لجمالِها وجلالِها وكمالِها..
انبهرتْ بها عينايَ فاستوتا،..
فأدمعتا خُشوعاً في خضوعٍ..
فاحتماءً، فانتماءً، فانحِيازْ
((زدْ يا إلهي البيتَ تعظيماً وتشريفاً،..
وزدْ مَنْ زارَهُ حباً وزدْهُ مهابةً))
يا قادماً للبيتِ من فجٍّ عميقٍ في الدُّنا..
بشراكَ، سَمِّ اللهَ، كَبِّرْ وابتهلْ..
اعلنْ قدومكَ بالطَّوافِ..
وثَمَّ صلِّ ركعتينِ لدى مقامِ أبيكَ إبراهيمَ..
ذاكَ البابُ للساعينَ، يا بشراكَ بالمَسعى..
تراءى لي مقامُ العشقِ في نَوْلٍ،..
على أُفقٍ من الأشواق بينَ تلألُؤِ الأضواءِ
فانتفضتْ رياشُ الرُّوحِ والقلبُ انتشى،..
والنبضُ هينمةُ انقباضٍ واهتزازْ..
فدلفتُ وَفقَ إشارة خضراءَ، يَمَّمْتُ الصَّفا..
باشرتُ سعيَ السبعةِ الأشواطِ..
مُنتَهِياً بطودِ المروةِ المخضلِّ بالدعواتِ..
مصطحباً طوالَ طوافِ بيتِ الله والمسعَى..
وصايا الأهلِ والأحبابِ..
والأصحابِ في وطني..
سألتُ اللهَ للمرضى وللفقراءِ والأسرَى..
رجوتُ اللهَ آمالاً محملةً من النيلينِ..
والأبنوسِ والسيَّالِ والهجليجِ، من نخلٍ..
ومن قطنٍ ومن سَرحِ ومن مَرخٍ،..
ومن نيمٍ، تبلديٍّ، هشابِ الصمغِ،..
من سُنطٍ ومن سِدرٍ ومن شجرِ الحَرازْ
قد طِبتُ نَفْساً بارتواءِ تعطُّشي..
من زمزمِ البرَكاتِ بعدَ الجُهدِ،..
فالماءُ المُباركُ كانَ أحلى،..
بلْ وأغلى من مناجمِ تِبرِنا،..
من لؤلؤٍ من خامِ بترَوْلٍ وغازْ
في يوم ترْويَةٍ رجالاً ونساءً..
قد تيمَّمْنا منىً لِخيامنا..
بتنا، وبعد الفجرِ والإشراقِ..
سِرنا نحوَ عرفاتِ الوقوفِ..
مُلبِّيَيْنِ وذاكرَيْنِ اللهَ جمعاً،..
عندَ خِيفٍ جامِعينَ صَلاةَ عَصرٍ..
عندَ وقتِ الظهرِ قصراً..
سائلينَ العَفوَ مِن رَبٍّ..
يُحِبُّ العفوَ والغفرانَ..
نرغَبُ في قبولِ مَناسِكٍ..
ومشاعرٍ حفلتْ بنا..
بتعدُّدِ السَّحناتِ والأصواتِ..
من تُركٍ ومن فرْسٍ ومن رومٍ..
ومن عُربٍ ومن زَنجٍ ومن أهوازْ
فدموعُنا تترى..
بذكرى صاحبِ المِعراجِ والمَسرَى..
بمولِدهِ، بشهرِ ربيعِ عامِ الفيلِ،..
بالأنوارِ والبشرى،..
نُزولِ الوَحي والإعجازْ
كأنَّ الحَشرَ شابَه جَمعَنا..
في يومِ صَيفٍ قائظٍ..
زَهَدَ الضيوفُ تذللاً..
فيهِ الظلالَ ونسمَها..
والمَروحياتِ الهَطولةَ بالرَّذاذْ
هيَّا إلى مزدلفةَ البسطاءِ..
بعدَ مَغيبِ شمس اليومِ..
صلَّيْتُ العشاءَ ومغرباً..
بأذانِ وقتٍ واحدٍ وإقامتين..
جَمَعتُ مِن رَهَقِ المسيرِ وِسادةً..
ووضعتها تحتَ الذراعِ على الثرى..
أدركتُ بعضَ الليلِ نوماً بعد أنْ..
أعددتُ قُربي سبعَ حصَياتٍ..
لِرَجْمِ العَقبَةِ الكبرَى صباحَ العيدِ..
مشتاقٌ أنا للرَّمي، فالتقصيرِ،..
تطوَافِ الإفاضةِ، والرجوعِ إلى منى،..
للخيرِ في خيماتها، للوعظِ والترتيل..
والأجر الجزيلِ، مَذاقِ طعمِ العيد فيها،..
فالرسولُ يحبُّها، صلواتنا دَوْماً عليهِ وآلِهِ..
مَوْصولَةُ التسليمِ من دونِ انقطاعٍ..
سرمداً، ووصولةٌ دونَ احتجازْ
أحبتي، لا للتعجُّلِ، فالمبيتُ بها ثلاثاً..
والحصى في أرضها متناثرٌ..
خذْ منهُ وارمِ ثلاثَ عقباتٍ ثلاثاً..
في وثوقٍ، في ثباتٍ وارتكازْ..
أحبتي، ودعتُ مكةَ بالطوافِ،..
حَسَمْتُ أمْرَ تَيمُّمي..
لمدينةِ الكُرَماءِ طيبَةَ..
دائمَ التفكيرِ في خضراءِ قبَّتِها،..
وفي حَرمٍ بها،..
وتضاعفِ الصلواتِ ألفاً..
أينَ بابُ الرُّوضةِ الفيحاءِ حيثُ المصطفى؟..
فأشارتِ الهالاتُ لي بمنارةٍ..
يا سيدي،......
مُتوشِّحٌ بالحُسنِ..
من أدبِ السلامِ عليكمُ..
رغمَ امتثالي والخضوعِ وهدأتي،..
جَهراً أُقاوِمُ عَبرَةً في بابكمْ..
فالقلبُ مُهتاجٌ بكم، وبآلِكمْ..
يا ليتني أفنيتُ عُمُري..
في سَماحِ رِحابِكم..
رُغم التذللِ سيدي..
بمحبتي للآلِ والأصحابِ آنستُ اعتزازْ
وبكيتُ من فرطِ النَّوى إذْ قيلَ لي..
زرْ في البقيعِ أعزَّةً، رحماءَ بينهمو تفزْ..
زرْ مسجداً بقبا، وصلِّ الرَّكعتينِ بهِ..
وزرْ أُحُداً وقفْ بمقابرَ الشهداءِ..
نلْ أجراً، ترحَّمْ واعتبرْ..
صلِّ بمسجدِ سادةٍ كرماءَ واغتنمِ المَفازْ
قد كان منشودي وديعاً، كانَ رَهنَ إشارةٍ،..
وترَقُّبي التواقُ يَلهَجُ بالزيارةِ..
طرتُ مبتهجاً وتمتْ فرحتي..
بك سيدي مذْ صارَ مأمولي مُجازْ.
صلى عليكَ اللهُ ما دامَ الزمانُ..
بكل خطرة برهةٍ أو لمحةٍ..
والآلِ ما تاقت نفوسٌ ظامئاتٌ للحجازْ.
Comments
Post a Comment