مزاعم يوسف زيدان، بشأن الجزيرة العربية التي قال فيها «إن أرض الجزيرة العربية لم تنجب علماء في اللغة العربية» أثارت حالة من الاستهجان والغضب لدى الكثير من الأدباء والنقاد والمفكرين والعلماء؛ حيث اعتبروها تصريحات «مرتجلة وغير مسؤولة»، وتنم عن جهل وفقر شديد في المعلومات.
وأشار الأدباء والنقاد في تصريحات متفرقة لـ«البيان» إلى أن ما صرح به زيدان لا يمت إلى الحقيقة العلمية بصلة، متهمين الروائي المصري بأنه يتعمد قول مثل هذه التصريحات الصادمة لإثارة الجدل؛ ليبقى ضمن نطاق الدائرة الضوئية الإعلامية.
فرقعة إعلامية
وإزاء تصريحاته، شن أستاذ النقد الأدبي د. محمد أبو الفضل بدران هجوماً شديداً على يوسف زيدان، مؤكداً أن ما أدلى به من مزاعم وافتراءات ما هو إلا «فرقعة إعلامية» لا تمت إلى الحقيقة العلمية بصلة؛ إذ إن منطقة الجزيرة العربية عجّت بالعديد من العلوم التي أثْرت اللغة. ونصح زيدان بالتفكر في ما يقول والتزود من العلوم العربية، داعياً إياه أيضاً إلى زيارة معهد العلوم العربية بفرانكفورت بألمانيا، للتعرف على جوانب العلوم العربية التي ينفي وجودها، على حد تعبيره. ويضيف بدران أن مثل هذه القضايا لا ينبغي لزيدان بهذا الشكل، لا سيما أنه يعتمد على أساس علمي خاطئ، ولا يقدم جديداً سواء للعلم أو الأدب.
فيما اعتبر بدران أن زيدان لديه فقر كبير في العلم والمعرفة، موضحاً أنه اهتم بالرواية وتبحر فيها، ولكنه لم يعط اهتماماً مماثلًا للاطلاع على العلوم اللغوية، ولم يقرأ في الشعر العربي الجاهلي، الذي أرسى العلوم اللغوية في ما بعد، وهو ما يعكس التقدم العلمي اللغوي آنذاك.
افتعال الجدل
من جانبه، قال الروائي طارق إمام، إن «يوسف زيدان يثير الجدل من حين إلى آخر، ولا أعرف لماذا هذا الإصرار على إنكار الحضارة العربية؟! ولمصلحة من قول مثل هذه التصريحات كل فترة؟!».
وفسر إمام ذلك بأن زيدان يتعمد طرح مثل هذه التصريحات الصادمة المثيرة للجدل ليبقى ضمن نطاق الدائرة الضوئية الإعلامية، حيث إنها ليست المرة الأولى التي تخرج عنه تصريحات صادمة مثل هذه، والتي تشكك في تاريخ الحضارة العربية.
وتابع الروائي المصري قائلاً: «لا يمكن أن تخلو منطقة ما من العلماء، ويغيب عنها العقل الثقافي، فكل منطقة في العالم لديها تاريخها العلمي ولا يمكن إنكار هذا».
وعلى صعيد آخر، أشار إمام إلى ضرورة التصدي لمثل هذه التصريحات الصادمة؛ سواء عن طريق المواجهة والمناظرات أو طرح وجهات النظر والمناقشة؛ إذ إنها قضايا قومية وتمس الهوية، ولا يمكن العبث بها من خلال تصريحات كهذه، مؤكداً ضرورة القراءة في التاريخ العربي لمعرفة أبعاد الحضارة العربية والاحتفاء بها بدلاً من النظر إلى الغرب فحسب.
عباءة بلا ملكات
فيما قال الناقد الأدبي الدكتور حسام عقل، إن زيدان بدأ يتلبس عباءة الفيلسوف والتنويري دون أن تمكنه ملكاته من هذا، مشيراً إلى أن «زيدان يصر على الدخول في مغامرات أيديولوجية؛ بداية من أزمة تصريحات المسجد الأقصى السابقة، وصولاً إلى تصريحاته بشأن علوم اللغة العربية، وهي علوم لسانية تحتاج إلى متخصصين..».
ويفسر عقل رأيه قائلاً: «زيدان، الذي تخرج عنه أخطاء لغوية، غير مؤهل للدخول في مجال الاجتهاد الفكري، بشأن علوم اللغة العربية؛ فهل قرأ كل ما كتب من علوم، واطلع على المخطوطات ما قبل الإسلام؟ هل اطلع على ما خرج به سوق عكاظ من بلاغة لغوية فصيحة؟ بل الأهم، هل قام بدراسة متعمقة واستبيانات حول علوم اللغة والصرف والمعاجم المختلفة؟».
واعتبر عقل أن زيدان يسعد بميادين الإعلام والإثارة للجدل، مؤكداً أن علماء اللغة عليهم رده على ما يقول بالأدلة، على أن يسنح لهم الإعلام الفرصة كما هي متاحة لزيدان.
تفسيرات متعددة
أستاذ علوم اللغوية بكلية الآداب جامعة المنوفية والخبير بمجمع اللغة العربية د. خالد فهمي حول تصريحات زيدان قال: «هناك فرق بين العلوم النظرية (المدونة والمكتوبة) وبين العلم الشفهي المتداول، إذ إن العرب قبل الإسلام كانوا يملكون العلم بالعقول الأدبية، ويعرفون بواطن اللغة ومكامنها وصحيحها؛ إلا أنهم لم يدونوا هذه العلوم بصورة مكتوبة إلا بعد دخول الإسلام، حيث إن نزول القرآن الكريم دفع العلماء والمفسرين إلى خوض السلك المنهجي، الذي يبدأ بالجمع والتصنيف، ومن ثم التحليل والتفسير وصولاً إلى استخراج القواعد العامة».
وأضاف أنه لا يمكن حصر العلوم اللغوية العربية في مجرد المجامع التي قدمت بعد الإسلام، إذ إن اللغة العربية رصينة وحاضرة من قبل الإسلام ولا خلاف على هذا؛ والدليل وجود مناهج كاملة في الجامعات المصرية المتخصصة بدراسة اللغة العربية تحت عنوان «الثقافة العربية قبل الإسلام».
ادعاءات
تصريحات زيدان الأخيرة لم تكن الوحيدة، التي أثارت الجدل حولها، إذ صرح خلال العام الماضي بأن المسجد الأقصى المذكور في القرآن لا يوجد في القدس؛ بل هو موجود في الطائف بالسعودية، وقد أثار وقتها الكثير من الجدل.
Comments
Post a Comment