Skip to main content

عبد العزيز بركة ساكن:كنا في النيل الأزرق نتوجه في قافلة صغيرة الي جنوب نهر يابوس،

عبد العزيز بركة ساكن:كنا في النيل الأزرق نتوجه في قافلة صغيرة الي جنوب نهر يابوس
،
حكي لي صديقٌ، وكنا في النيل الأزرق نتوجه في قافلة صغيرة الي جنوب نهر يابوس، فيما يُسمي كوما قنزا، وهو الإقليم الذي توجد به الأصول القبلية للرئيس الأثيوبي السابق منقستو هيلي ماريام.
كان المشوار طويلا ولا توجد طرق معبدة الي هنالك. ولكننا نصر علي الوصول الي تلك المنطقة شبه المقفولة مهما كلف ذلك. حيث ان نهر يا بوس الذي لا يوجد به سوي جسر من الحبال للمشاة يظل ممتلئً بالماء المنحدر من الهضبة الاثيوبية لمدى تسعة اشهر في السنة. ولا يمكن ان يُعبر مخاضة بالأرجل أو السيارات إلا في فيما بين اواخر ديسمبر الي نهايات مارس. أي أننا لكي نبني مدارس ووحداتٍ صحية في تلك المنطقة علينا العمل في فترة زمنية قصيرة جداً من السنة.
تبعد المنطقة 186 كيلو مترا عن الدمازين، ولكنها تحتاج لمسيرة يوم كامل بطرق غير معبدة في الظروف الطبيعية. اي اذا كانت الطريق سالكة وليس هنالك بعض العوارض البشرية مثل ان يوقفك جندي في نقطة صغيرة ويطلب منك تصريحا للمرور يبتكره في حينه، وقد كنا نعالج هذه المشكلة بان نأخذ معنا أحد المسؤولين في الرحلة. ولكن ايضا قد تجد عربة متعطلة في ممر واحد ضيق لا بديل له. هذا يقودنا الي البحث عن طريق أخر قد يستغرق الساعات، واذا لم يكن في صحبتنا سائق خبير في متاهات غابات ووديان النيل الأزرق مثل غازي عبد الحي، قد يستغرق الطريق يوما اضافيا. لذا كما يقولون الرفيق قبل الطريق، والمؤانسة هي زادنا.
كان مواطنو الكوما والقنزا جنوب نهر يابوس، فقراء بموازين المدنية، ولكنهم اغنياء بموازين فن الممكن والطبيعة حولهم. حيث يعتمدون في حياتهم اليومية، علي هبات الطبيعة. الماء من بئر سطحية تحت جبل دوقابلي الشاهق المتوحش، يردونه نهارا وترده الوحوش ليلاً، إلا فيما ندر يلتقي الجمعان، وحينها يتراجع المواطنون إلى ان يكتفي الوحش من الماء ويمضي في سبيله ثم يأتي دورهم. اتفاق غير معلن ولكنه مطبق حرفياً، اي تجاوزات قد تؤدي الي كارثة. يتعالجون من جذور وبذور الأشجار وهنالك السحرة الكجوريون للحالات المعقدة. كما يوجد إله الخصوبة تحت شجرة "ابنقوي"، يستعين به من اراد بسطة في ذريته. يزرعون الفول السوداني وهو الوجبة الرئيسية لديهم. اما خضارهم فهو صفق الأشجار. الأعشاب الموسمية. بعض اللحاء وجذور شُجيرات البامبو اليانعات النابتة حديثاً. وغيرها مما تجود به الطبيعة. اما دخلهم الأساسي من بيع وقطع البامبو الذي يشتريه تجار من الدمازين او غيرها ويصدرونه لبقية مُدن السودان واهمها مدينة القضارف التي تعتمد في معمارها عليه. اذ يعتمد الناس هنا علي الطبيعة وحدها.
سياسيا، يعرفون رئيساً للسودان واحداً فقط، وهو الرئيس ابراهيم عبود. يقولون انه زارهم ويتذكره كبار السن منهم، ويسألون عن صحته. اول مسؤول يأتي لهذه المنطقة رسميا بعد عبود، هو شخصي الضعيف. وقد اكون الأخير لسنوات كثيرة قادمة.
فيما قبل اتفاقية السلام، وبينما كانت الحروب الطاحنة دائرة ما بين الحركة الشعبية بقيادة المرحوم جون قرن دي مبيور، والحكومة المركزية في الخرطوم. فكر قادة الحركة الشعبية بالاستفادة من العنصر البشري الكائن بكوما قنزا في الحرب كجنود. حيث يتصفون ببنية جسمانية قوية ومعرفة بالمكان، وقوة علي التحمل نادرة، حكي لي الصديق ما حدث:" جاء قادة ميدانيون علي مستوي رفيع للمنطقة. واجتمعوا ببعض الشيوخ وقادة المجتمع من قرية دُوقا بلي من بينهم الشيخ عُويصا، ولكن قال لهم الشيوخ، خلونا نستشير بقية الشيوخ بالمنطقة ونأتيكم بالرأي السديد بعد يومين. وأعطوهم بعض القطاطي للإقامة. وأرشدوهم لمصدر المياه و"سيوبر ماركت" الغذاء وهو الطبيعة ولم يكن ذلك غريباً لقادة الحركة الميدانيين. حيث انهم يرتادون ذات السوق. بعد يوم جاءوا في الوقت المحدد. ورشحوا اكبرهم لمخاطبة قادة الحركة، فسألهم الشيخ
- لماذا تريدون منا ان نحارب.
فشرح لهم القادة بلغة بسيطة قضايا التنمية غير المتوازنة وإشكاليات المركز ونظرية السودان الجديد، وتعقيدات الهُوية، وغيرها من برامج ومنطلقات الحركة النظرية والميدانية.
فسأل الرجل بعد ان فهم جيدا
-هل ستوقف حكومة الخرطوم المطرة؟
قال له متحدث الحركة
-لا بالطبع.
- هل ستمنع القنا ان ينبت والأشجار والعشب؟
قال متحدث الحركة
- لا.
فقال الزعيم القبلي مبتسما: اذن، لماذا نحارب الحكومة، وهي ما اخذت منا اية حاجة؟
ذكرتني تلك القصة عندما خطرت في بالي مقولة الفيلسوف الماركسي انطونيو غرامشي (1891-1937)" أن جميع الناس مثقفون بطريقة معرفية أو بأخرى ولكنهم لا يملكون الصفة الاجتماعية الرمزية للمثقفين" وفي توصيف آخر: كل الناس فلاسفة، لا نستطيع ان نتصور انسانا لا يكون فيلسوفا، ولا يفكر لأن التفكير هو بالضبط خاصة الإنسان من حيث هو إنسان" او كما قال

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil...

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن...

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m ...