لمحات في مسيرة ترجمة الأدب العربي
أعتقد أن النقطة الجوهرية في الأدب العربي الحديث هي أنه يقدم صورة للعرب من منظورهم الشخصي، بمعنى أن المرء بمقدوره أن يقرأ ما يكتبه العرب للقراء من أبناء جلدتهم، هكذا فإن المرء يبدو كما لو كان يصيخ السمع لحوار يجري عن العرب، وفي السابق كان المرء يتعين عليه أن يعتمد على ما يكتبه الأوروبيون عن العرب، ومن المحتم أن الصورة التي كانوا يقدمونها لم تكن دقيقة.
وقد ساورني الشعور طويلًا بأننا مدينون للكثير من المترجمين الذين أعطي لهم القليل للغاية مقابل ما قدموه للعالم، وما على المرء إلا أن يتذكر المزيج العجيب من الكتاب الذي يشكل الخلفية الثقافية لأي شخص يعتبر نفسه مثقفاً.
فهذا المزيج يحتوي كتباً بالفرنسية، الروسية، الألمانية، الإيطالية، اللاتينية، اليونانية القديمة، السنسكريتية، العربية والبرتغالية.. الخ. ومن الذي يستطيع أن يحقق القدرة على قراءة الكتب فيما يزيد على ثلاث أو أربع من هذه اللغات؟
والباقون يتعين عليهم الاعتماد على أولئك الذين تعلموا اللغات الأجنبية وامتلكوا ناصية القدرة على ترجمتها إلى لغتهم، حيث إنه يتعين أن يقال إن الترجمة ليست فقط مسألة معرفة لغتين بشكل جيد ووضع كلمة مكان الأخرى.
والجانب المحزن بهذا الموضوع هو أن المترجم في معظم بلاد العالم يكافأ بشكل بالغ التواضع على الخدمات التي يقدمها، سواء من حيث الجانب المالي، أو من حيث الاعتراف بالعمل القيم الذي ينجزه، فمن الذي يستطيع مثلاً أن يتذكر مترجم روايات تولستوي أو رائعة سيرفانتس أو كتاب المسرحيات العظام الذين برزوا تحت آفاق الحضارة الإغريقة؟
دعني في هذا الصدد أتذكر ما حدث لي منذ أمد ليس بالبعيد، فقد كنت أتحدث مع جمع من الناس في المغرب عن الأدب، وعلى وجه الخصوص عن الأدب العربي الحديث، عندما بادر أحدهم إلى مقاطعتي وقال: «أنت يا من تبدي اهتماماً بالأدب العربي الحديث ينبغي عليك حقاً أن تقرأ رواية موسم الهجرة إلى الشمال»، التي كتبها المبدع السوداني الطيب صالح.
وكل ما استطعت القيام به هو أن أؤكد للرجل أنني قرأت الرواية المذكورة، ولم أكترث بإبلاغه بأنني كنت في حقيقة الأمر من قام بترجمتها إلى الإنجليزية.
قاومت لبعض الوقت فكرة التعاون مع الآخرين في ترجمة كتاب ما، ففي نهاية المطاف إذا كان بمقدور شخص واحد أن يؤلف كتاباً، فمن المؤكد أن بمقدوره أن يترجمه.
ولكن أواصر الصداقة ربطت بيني وبين مثقف مصري تقدم لي باقتراح أن نقوم أنا وهو معاً بترجمة بعض كتب الحديث النبوي الشريف، وساورني الشعور بأنه حيثما يتعلق الأمر بهذا النوع من النصوص، فإنه من المعقول أن يشترك اثنان في إنجازه أحدهما مثل صديقي، حيث اللغة العربية هي لغته الأولى.
بالإضافة إلى معرفته الجيدة بالإنجليزية، فضلاً عن التمكن من ناصية المعرفة بالأحاديث النبوية الشريفة، يعمل مع شخص مثلي الإنجليزية هي لغته الأولى، فضلاً عن معرفتي الجيدة باللغة العربية.
وعلى امتداد سنوات عدة، قدمنا ثلاث ترجمات لمجموعات معروفة من الأحاديث الشريفة، وآمل أن ننشر في المستقبل القريب قراءات للقرآن الكريم في ترجمة إنجليزية.
وبالإضافة إلى ما سبق، فقد قمت شخصياً بنشر ترجمة إلى الإنجليزية لكتاب الفقيه للإمام الغزالي عن آداب المائدة في الحضارة العربية. ولابد من الإشارة إلى أن الأدب العربي يترجم إلى العديد من اللغات، وقد أطلقت مصر جائزة نجيب محفوظ التي تقدم في كل عام لكاتب عربي، يعد جزءاً من الجائزة ترجمة كتاب له إلى الإنجليزية ونشره.
Comments
Post a Comment