أوباما يعتمد الاتفاق النووي كحجر زاوية لنظام شرق أوسطي جديد
واشنطن مطالبة بحسر مد النفوذ الإيراني
«العالم تغير»، هكذا صدرت صحيفة «الاعتماد» الإيرانية أولى صفحاتها بعد يوم واحد من توقيع إيران على الاتفاق النووي مع ست من قوى العالم الكبرى. لكن فيما يحاول الرئيس الأميركي باراك أوباما البناء على هذا الاتفاق، سيجد أن تغيير الآليات الهدامة للشرق الأوسط أكثر صعوبة بكثير من كل المفاوضات التي جرت في فيينا.
لقد علق زعماء أميركا لسنوات عدة الآمال على أن تسوية العلاقات مع إيران، التي تعتبر مصدر إزعاج لأميركا وحلفائها، لوضع حدّ لعقود من الحروب الطائفية وحالات التوتر والتمرد في الشرق الأوسط. إلا أن أي أمل فعلي في تغيير تلك الآليات، يقضي بضرورة غوص أميركا السريع في نزاعات المنطقة.
لقد خرجت الحروب عن السيطرة في أربع من الدول العربية، حيث يقع جانب من المسؤولية على إيران، حيث إن تعاون طهران الذي قد يصبح ناجزاً أو لا بعد إقرار الاتفاق النووي، قد يتيح وقف حمام الدم في سوريا، التي تشكل إيران فيها لاعباً بارزاً. غير أن جذور حربي العراق واليمن تغوصان في أعماق أبعد من مكائد طهران، كما أنه بالكاد لإيران دور تؤديه في الصراع الليبي.
وتواجه المصالح الأميركية، بعد الاتفاق كما قبله، تحديات يفرضها أعداء شرسون دهاة، وحلفاء عديمو الرحمة. إذا أرادت أميركا تعديل تلك الآليات، فلابد لها من التخلي عن نهجها الضيق في مقاربة الأمور، سيما أنها تصر حتى الآن على معالجة كل أزمة على حدة، بمعنى أن مجموعة من الكوارث قد تراكمت أثناء انهماك البيت الأبيض في العمل على الاتفاق النووي مع إيران.
لن تجدي تلك العقلية نفعاً، حيث إن إنهاء الحرب الأهلية في سوريا، كما اليمن، يتطلب أكثر من مجرد إحداث تغيير في إيران. فما الذي ينفع إذن؟
ثلاث آليات
أولاً، يتعين على واشنطن أن تدخل إيران واللاعبين الإقليميين الآخرين على خط المناطق الساخنة في المنطقة. وقد سبق لأوباما أن أعرب عن نيته تلك، خلال مؤتمر صحافي تحدث فيه عن «عملية لحل الحرب الأهلية في سوريا، حيث من الأهمية بمكان أن تشكل إيران جزءاً من المحادثات».
ثانياً، في الوقت الذي تحاول واشنطن التواصل دبلوماسياً مع طهران، عليها أن ترفع من تكلفة استمرار إيران في التسبب بإراقة الدماء في المنطقة، سيما أن عودة تدفق الأموال بعد رفع العقوبات يهدد بمضاعفة النهج التوسعي والدخول في حروب بالوكالة.
ثالثاً، ستواجه أميركا مهمة صعبة في التوافق مع حلفائها المتعنتين، وهي تحتاج لإقناع شركائها باختيار تحالف ثوري واحد ومدّه بالدعم الفعلي المستدام، بما قد يرجح كفة التوازن في سوريا، ويضاعف احتمال التوصل لحل سياسي يعزز موقع المسلحين المحليين ويضعف جبهة الرئيس السوري بشار الأسد والتنظيمات المتطرفة.
جردة ضرورية
بعد سنوات من التركيز المحكم على البرنامج النووي الإيراني، سيتعين على أميركا إجراء جردة عقلانية واضحة بقائمة الحلفاء غير الفاعلين.
ستضطر الإدارة الأميركية للتعامل مع الحلفاء الغاضبين من الاتفاق، وإقناع الأطراف الواقفة على الحياد، مثل تركيا، بلعب دور بناء أكبر في كسر حال الجمود الدموي الإقليمي. وسيكون عليها أيضاً مجابهة التاريخ الحديث وحسر مدّ النفوذ الإيراني، في الوقت الذي ستسعى طهران لتوسيع نطاق سيطرتها.
روجت أوساط إدارة أوباما لسنوات أنه غير غافل عن قضايا الشرق الأوسط، وأنه يتبع نهجاً استراتيجياً لتنفيذ العمليات، حيث قضت الخطوة الأولى بتوقيع اتفاق نووي مع إيران، لتستكمل بالتعامل المنهجي مع اضطرابات المنطقة والحروب بالوكالة والاقتتال الطائفي.
وستثبت الشهور القليلة المقبلة صدق تلك المزاعم، وإن كان أوباما يملك بالفعل مخططاً لاستخدام الاتفاق مع إيران كحجر زاوية لبناء النظام الإقليمي الجديد، فالعمل الفعلي قد بدأ الآن، وسيكون عامراً بالفوضى. وسيتبعه تنفيذ سياسة الأمر الواقع للقوة العظمى، التي تجمع بين قوة العضلات والذكاء الدبلوماسي، حيث يشكل الاتفاق مع إيران فرصة لإعادة الانطلاق بالشكل الصحيح.
لا للمغالاة
إنه لخطأ جسيم اعتبار الاتفاق الموقع أخيراً مع إيران نقطة انقلاب مشابهة لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، التي غيرت المعادلة كلياً في صراع الشرق الأوسط. فهي، على غرار اتفاق أوسلو، قد تفشل كلياً في تحقيق أهدافها المعلنة.
لذا دعونا لا نغالي بحجم تأثير الاتفاق بعد، سيما أنه لم يمنح العالم إنجازات ملموسة تتجلى بإخماد التطرف، أو حلّ الميليشيات.
إذا كان أوباما يأمل في أن يبدل الواقع المفروض، فسيحتاج ضغط كل الجهات الفاعلة، من حلفاء وخصوم، لتغيير المسار. كما أن واشنطن تحتاج لتغيير حسابات الفرقاء من الطرفين، في مهمة غير عادية.
Comments
Post a Comment