Skip to main content

محجوب شريف.. الوقوف على تخوم السرد شعرًا------ محمد علي العوض

محجوب شريف.. الوقوف على تخوم السرد شعرًا
محمد علي العوض 
ما إن تلتقط حواسك أغنية صباح الخير مساء النور لشاعر الشعب محجوب شريف حتى تعانق روحك سماوات روعة الصور الشعريّة، والحكي المنساب عن مكوّنات النفس البشرية وواقعيتها المتمظهرة بين أضابير النص بسلاسة غير متكلفة.. فتجزم تماما أنّ نظرية الأجناس الأدبية لم تعد كما السابق، فقد تماهت الحدود، وصار كل من السرد والشعر يتجاوز حدود الفاصلة ليلقي مرساته بمحاذاة تخوم الآخر.
وعلى الرغم من أنّ الشعر والقص جنسان أدبيان ينفرد كل منهما بخصائصه وتقنياته، إلا أنّ مضامين الشعر العربي الجديدة دفعته لكسر الحواجز الأسلوبيّة والتعبيريّة، وخلق حوار وأنماط سرديّة داخل العمل الأدبي الواحد، والذي أصبح كثيرا ما يتكئ على السردية وتقنياتها اللازمة من مونولوج وعناصر السرد كالمكان والزمان والشخوص والعقدة، وبرؤى سردية متنوعة ما بين رؤية من الخلف أو رؤية مشاركة، أو خارجية تلجأ إلى توظيف تقنيات الإرهاص والتناص. 
كما أنّ دخول الرمز والأسطورة والاستعارة على الرواية "الجديدة" أسهم في اقتراب السرد من الشعر والعكس، وبالتالي أصبح النسق التعبيري للبناء الشعري متجاوزا النمط التقليدي القائم على الانفعالية والتقريرية والمباشرة.. 
وحقيقة الأمر أنّ النزوع للبنية السردية في الشعر العربي لم تكن وليدة الحداثة أو العصر الحالي فلقد حفل الشعر العربي القديم بمظاهر متنوعة من السرد، وإن كانت في مجملها إشارات عابرة بذاتها بلا قصد ينحو نحو السردية؛ بل فرضها غرض القصيدة وذائقة الشاعر في تجريده للصور الشعرية الكامنة في عقله وتجربته المكتسبة كما في معلقة امرئ القيس حين ذكر "دارة جلجل"، فقد كان يحب ابنة عمه -عنيزة- وكان يريد أن يراها، فراقبها يوما مع بعض الفتيات إلى نزلن إلى غدير الماء ليغتسلن؛ فكمن في مكانه حتى خلعن ملابسهنّ ودخلن الماء ليسبحن؛ فتلصص حتى وصل إلى ملابسهنّ وجمعها ثم جلس عليها، وقال لهن: "هذه ثيابكنّ إن أردتن أخذها فلتأتي كل واحدة تأخذ ثوبها فاضطررن إلى ذلك واحدة تلو الأخرى رغم محاولات الشتم والذعر؛ وقلن له لقد جوعتنا فقال لهنّ لو عقرت دابتي أتاكلن؟ فقلن نعم؛ فعقر راحلته ونحرها وجعلنّ يشوين اللحم إلى أن شبعن: 
(ويوم عقرت للعذارى مطيّتي فياعجبا من رحلها المتحمل
يظل العذارى يرتمين بلحمها وشحم كهداب الدمقس المفتل)..
فلمّا ارتحلن قسمنّ أمتعته وبقي هو فقال لعنيزة يا ابنة الكرام لابد لك من أن تحمليني وألحت عليها صويحباتها أن تحمله على مقدم هودجها فحملته فجعل يدخل رأسه في الهودج ويقبلها ويشمها وفي ذلك يقول:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة فقالت لك الويلات إنّـك مرجلي
تقول وقد مال الغبيـط بنا معا عقرت بعيري يا امرئ القيس فانزلِ
فقلت لها سيري وأرخي زمامه ولا تبعدينا مـن جناك المعلّل
وهنا ارتكزت الأبيات على شخصيتين محوريتين: (الشاعر/الراوي) والشخصية المتحاور معها (محبوته/ عنيزة) والمكان وهو (الخدر) أي الهودج، ليبدأ بينهما حوار شيّق تحركه الأحداث..
محجوب شريف في رائعته "ست البيت" استطاع تجلية الجوانب التعبيرية، واستخدام أدواته الفنيّة ورموزه الخاصة بأسلوب يكشف عن مدى خصوبة مخيلته وقدرته على توصيل أفكاره إلى المتلقي دون أدنى إبهام أو غموض، فتبدت عناصر بنائه السّردي بكل وضوح فهناك الراوي (السارد/ الشاعر) ثم تشكيلات الزمكان.. فالزمان قبل شروق الشمس (دغشا بدري قبل الشمس) والمكان منزل بكامل مرافقه، (الشخوص/ الأبناء والزوج. أما الحدث (الفعل) فتدل عليه حركة ست البيت وإعدادها شاي الصباح وساندويتشات إفطار الطلاب (تحرسيها الليبنة تفور، تسوى الشاي يالله يالله، كم من سانتدويتش فطور للممتحنة والبهاتي جاري يحصل الطابور) ويستمر الشاعر في تصوير الحدث بنسق تراتبي بديع؛ فبعد خروج الزوج إلى حال سبيله (لفحنا العمة وخليناك)، تراوح ست البيت حركتها بين المطبخ ومراجعة دروسهم اليومية من تحفيظ وتلقين، ثم تجمع بعد خروجهم ألعابهم (ديك الحجلة وداك البلي) ثم الغسيل ( يا ما تشري ويا ما تبلي) قبل أن تتحرك الى عملها (وبرضو وراك مستنيك هم دفتر غياب وحضور)..
ويصور في رائعته "باب السنط" فضاءات المكان بدلالاته الحقليّة التي نتوصل من خلالها إلى أنّ المكان ينزع إلى البداوة وحياة الريف (باب السنط والدكة والنفاج والحوش الوسيع)، وتمثل (نار الدغش) أي الصباح فضاءات الزمان، وتذكرنا بنار القرى (الكرم) عند العرب والتي تُشعل ليهتدي ضيوف الليل والتائهين إلى مضارب القبيلة وتتبدى هذه الثيمة (الكرم) عند محجوب من خلال(الحوش الوسيع
للساكنين أفواج واللمة التي ربت جنا المحتاج) ويصف بنمط ترتبي مدروس حركة الشخوص(الفنجرية/ الحجاج) حين تقوم (الفنجرية) لـ (تقهوج الحجاج) ليعدلوا مزاجهم ومن ثم يتحرّكون لـ(يحصلوا الترماج).
وفي كلا القصيدتين يحتفي شريف بالأنثى كثيمة تمثل المرتكز الأساسي الذي تدور حوله عناصر السرد ففي "باب السنط" هي لاعب أساسي يساهم في تحريك الحدث وفي "ست البيت" هي ماكينزم الأحداث والمعادل الموضوعي الذي يمثل العطاء والفناء من أجل الآخرين.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏2‏ شخصان‏

Comments

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil...

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن...

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m ...