رواية قصيرة :
فتــــاة رسالية من قريـــــــــة " 10 " ..
" .. يبأه سلي توونا .. منبروي ..
.. قرية أسيلي توونا .. يبأه "
مقطع لآغنية قديمة لنوبي مهاجر
صباح الليل
أرخى الليل سدولة مساء ذاك اليوم على قدر معلوم , وحدث فريد وغير عادي أطلاقا , ففى الوقت أو بينما كان المرسال يجد فى سباق لاهث مع الزمن للحاق بة شخصيا , والوصول الية وباستديو التصويرالوحيد والشهير والذى يديره الان بالقرية "10" , ذات الموقع الفريد الجذاب المتفرده وبتركيبتها السكانية المستنيرة المتسامحة , والتى لا تختلف عن غيرها ومن كل قرى التهجير الآخري القريبة أو البعيدة فى شىء , الا أنها كانت يومها بطبيعة الحال تضم بين حناياها نخب أو لفيف معتبر لايمكن تجاهله أوتجاوزة أو حتى أخفاءة من نقابي عمال وكتبة السكة حديد والبواخر النيلية القدامة الصلبين والمصادمين دوما , والمنسيين عنوة والذين تخطاهم الدور والتكليف الوظيفي للمعاش الباكر والزمان الذى لايرحم أبدا .. , ولكنهم لم يبارحو أو يغادروا تطبعهم ودورهم النقابي التاريخي الصلب الفاعل والسري قيد أنمله , بل حقيقة أندهش وعندما تصادفا مع المرسال على قارعة الطريق ووجها لوجه , وليخبره وفى عجالة من أمره ذاك المساء الباكر بأن رجلين ربما من الاهل أوالمعارف , قد حلا الان وللتو ضيوفا بالديوان الخارجي , وينتظران بلا أدني شك قدومك وعلى أحر من الجمر .
عرج بالطبع كالعادة المتبعة على سوق النص وأشترى كل ما أملته عليه زوجته "ميادا " صباحا من مقاضي وزاد عليها ما يلزم واجب الضيافة المتعارف علية بالقرية , ثم فتح الباب ووضع كل ما طلبته زوجتة من مقاضي وضروريات , على طاولة المطبخ وذهب بعدها وبكل أريحية متعجلا لملاقاة الضيوف والترحيب الحار بهم , والتى أجزمت زوجته وهى بنت عمة بأنهم من الغرباء وليسوا من الاهل لا من قريب أو بعيد , ولكن تبدو علي سيمائهم الكثير من الوجاهة والتواضع الجم ولكن فى كبر ووقار شديدين , وأن أحدهم وللمفارقة وهو المائل للسمرة يتقن الرطانة تماما , أما الآخر والممتلئ بعض الشىء والفاقع السمرة لا يعرفها الا لماما .
عندها دخل عليهم بالطبع فحياهم مباشرة , فلم يعرفهم أطلاقا ولم يعرفوه ولكن وبعد برهة زمن , حسبها دهرا قال لة أكبرهم سنا وهو الممتلئ العود وذو الجلحات العراض الفاقع السمرة:
ـ فى الحقيقة نحن أكثر من أهل .. ثم سكت ليفأجئة قائلا:
ـ لو بتذكركويس .. يا أستاذ حسن صالح .. يا " بربري " سينما الوطنية أمدرمان .. وفلم أنطونى كوين " السير ساعات طوال قبل النوم .. " حول " اا..
بل فجاءة وعلى حين غرة .. وبمزيج مفرط من الدهشة والانبهار والانتبأه ,ردا بهدوء جياش قائلا :
ـ مرحبا بالرجال ..مرحبا بالإبطال .. وبالأحرار .. وفى حصن أمين وحرزا مكين .. أنشاء الله " حول " ... .
بعدها بالطبع مباشرة قام كل وأحد منهم بتعريفة بشخصة الضعيف , وصفتة وأسماءة والقابة كلها ومع أو تحت تأثير الصدمة والدهشة الغير متوقعة , بملاقاة الرموز الكبار ودهاقنة الساسة المعروفين , والذين لا يشق لهم غبار وفجأة وهكذا وجها لوجه وبلا تكلف أوترتيب أوأى أعداد مسبق , يليق حتى بشرف المناسبة أو مكانتهم المعتبرة والمحفوظة دائما , بل ولاشعوريا قام المدعو حسن صالح " الشهير بـ " البربري " , بالسلام والترحيب بهم مرة أخرى وبالمزيد من الانفعال العفوي والفرح والسرورالزائدين , وبالأحضان وبأشد ما يكون وتعريفهم بشخصة الضعيف المتواضع , وذلك لاعزازهم وحفظ كامل الرتب والمقامات , ووضعهم بالتالى فى مكانهم اللائق والصحيح تماما والذى ينبغي أن يكونوا عليه دوما , ومهما كان الظرف النضالي صعبا ودقيقا ومرهقا وحساسا .
كانوا وعلى ما يبدو قد تناولوا جميعا العشاء باكرا , ويتناولون الان ومن باب الضيافة الخبيز البلدي بالشاي والحليب , فوضع لهم بعدها كل لوازم الكيف من سجائر وشيشة مرورا حتى بالطباق " الساعوط " , وأحضرت لهم الطاولة " الضمنة " والكوتشينة والمزيد من ترامس الشاى والقهوة , فالونسة على ما يبدو سوف تطول بهم ليست لليلة واحدة أو شهور , أو حتى سنين كما كان يظن ولكنها أستمرت بعد ذلك , وأمتدت لعقد ونيف تقريبا من الزمان ليلتها تنحنح مضيفهم وقال لهم بجراءته المعهودة :
ـ صراحة أنا بتعاطي .. أنتوا كيف ؟
نظروا لبعضهم البعض وأشار أحدهم للآخر .. وقال بثقة :
ـ الا هذا ... خذه معك ..
قال لة بسرعة بديهة :
ـ مرحبا .. يا هذا ..
ثم وهو يفسح لة المجال بجانبه , .. أردف قائلا له وعلى سبيل المزاح ..:
ـ جميييـــــــل .. " حول " .. يا هذا ..؟اا..
فانفجروا بعدها ضاحكين وبصوت واحد مسموع وليقول لة بعدها ذاك المائل للسمرة :
ـ صدق لم نضحك هكذا ومنذ زمنا طويلا جدا .. بل يبدو لنا الان , بأنك فعلا وفى حد ذاتك .. وكما وصفوك لنا صاحب طرفه وملحه وأبن نكته .., وبانك حقيقة فرصة بجد سعيدة .. ومبهجه ووش خير .., وهدية نادرة من حواء السودانية الولادة دائما .., ونحنا فخورين ونتشرف بمعرفتك وأن نلتقيك فى هذا الظرف الاستثنائى الصعب .., وعندما يعز ويندر صراحة الأصدقاء والرجال .
ليلة الكد
كان هؤلاء الاثنين بالذات على خلاف نظرى ومنهجي وأسعا وعميقا , ولم يجتمعوا مع بعضهم البعض هكذا ومنفردين ولسنوات عديدة , فهم وضعا وقانونا دائما وأبدا محدودي الاقامة والتحرك , وتحديدا منذ تلك الليلة الامدرمانية االشهيرة " ليلة سمسنك الكد " , والتى غضب فيها " أب عاج " غضبا شديدا ومروعا , وأطاح فيها بالكثيرممن حولة وحتى الابعدين وفى غمضة عين , ولو ظفر بأحدهم تلك الليلة لأصبح صراحة الان فى خبر كان , حتى أن كل الأوسمة والأوشحة التى نالوها بشق الانفس , وبشرف وعن جدارة وأستحقاق خارج البلاد , كانت كلها لا تعنى شىء ذا بال عند " أب عاج " نفسة ولم تشفع لهم يومها حتى شفاعة الشافعين الأبعدين والأقربين , وما أكثرهم فى ذاك الحين أمام ثورته وغضبة وجبروته , بل وضعت كل أم ليلتها يدها على قلبها خوفا وفزعا على فلذة كبدها , كما أن الاثنين أنفسهم وبصراحة متناهية , لو أجتمعوا فعليا قبلها وبجدية كاملة , لحلت كافة المشاكل المعلقة بينهم جميعها دون تدخل من كائناأو أحدا كان , ولكن هكذا كانت أقدارهم دائما , ليلتها تحدثوا كثيرا وتناجوا طويلا وكأنهم لم يعرفون قبلها لغة الخلاف أوالانتقاد ونقاط الاختلاف , والذى عصف كثيرا بالحال والأحوال ووضعهم كلهم سواسيا , وفى سلة وأحدة بعد ذلك مع غرمائهم التقليديين الأخريين وليلاقوا مصيرهم المحتوم , وبعدها وجدوا أنفسهم ومع وطأة الاحداث وسوء الطالع , رهينة لاحداث مصيرية قدرية وفجائية ووليدة اللحظة , وبالتالى وجدوا أنفسهم مجبرين وفى قلب أتونها ومنقادين ومجبرين على خوض غمارها , وفى رهان قدري تضامني وحتمي لا رجعة بعدة أبدا , وعلى خطئ الأحذية الثقيلة نفسها , وكان من الجبن أو العار أن يتراجعوا أو حتى أن يتنصلوا أو يفروا عن خطاء متسرع قاتل كهذا , أو سؤ تقدير موقف حتى أحاط بالجميع , ثم الاستحقاقات المكلفة جدا والقاسية بعد ذلك ثم الدروس والعبر والمألات كلها والمسقبل المعتم , ثم أين كوة الأمل المنشود بعد ذلك كلة الان ؟؟ ليلتها لم يعرفوا صراحة طعم لشىء أسمة النوم أو التعب , أو أرهاق السفر الطويل وكأنهم مجبولين على ذلك دائما وحتى لاح الصباح وهم على قناعة فى كل مره بعد ذلك , بأن البلاد برمتها ومهما كانت المبررات بعد تلك الليلة الشهيرة لن تعود كما كانت علية قبلها أبدا .. أبدا .
كرة ثلج
على غير المأمول مضت الايام بعد ذلك سراعا , وكأنها تمضى الى النهاية وبحلوها ومرها , وحبلي فى نفس الوقت بالكثير والمثير والموجع من المتناقضات , حتى أن مركز شباب امدرمان الرمز والمتنفس البديل والوحيد بعد ذلك , ولانصهار كل الطاقات والنشاطات الشبابية والمواهب الواعدة التى تلتمس طريقها وهويتها , كان حقيقة يجمع وبطريقة مستفزة وغريبة وفريدة بين الأصدقاء والأضداد المتشاكسين دوما وفى بوتقة وأحدة , وبالاحري فى كتلة وأحده غير منظورة بتاتا أو متعادلة وفى حجم كرة ثلج متدحرجه , تجمع فى طريقها بين الأعداء المحتملين والمتعايشين وعلى صعيد وأحد , فكان هناك بالطبع غلاة المايويين ومن فى صفهم من أولاد بيت المال والموردة , والحزبيين من أولاد الصور وودنوباوى وشتات متناثر حائر من الذين أممت أملاكهم هنا وهناك , وتفوح وسط كل هذا الركام والتزاحم قصة غرام غريبة وفريدة من نوعها , أرادوا لها أن تكون موضوع جذب ومد بالمعسكر الطلابي الكبير كله , وبين شاب وشابه مجندين بالحرس الوطني الوليد لتتطور الى قصة حب وغرام عارمة تقرب المعسكرين المتنافسين والمتناحرين , المايويين وما فى صفهم والحزبيين وما فى قربهم , ويتسالون متهامسين وهم خالى ذهن تماما ومازالوا :
ـ " هى من " حلفا دغيم " .. وأنت من الموردة .. . شن لما يا ناس .. الشرق .. بالغرب .. " , بل كان الحزبين أنفسهم مازالوا يعانون من ويلات المصادرة وضياع الحقوق بالشبهات , وليس هذا من فقة الضرورة أوالارادة الجماهيرية الغلابة فى شىء , وأنما أجتهادات لبعض المشاكسين ليركب المتفلتين وحدهم وزرالموجه بالباطل , ولدناءات أريد منها هضم الحقوق وتصفية حسابات مبيتة , وثارات شخصية بحته لا ترقى الى أى روح أوقناعة حزبية , أوضرورة حتمية محضة أو حتى لعدالة وطنية ناجزه , بل كان كل الأكلاشيه الان حقيقة مغائر تماما للعادة , ومنصب حول الانشغال بالترتيبات والتحضيرات المفبركة , للاحتفال باعياد مايو والتى تجرى أجزاء كبيرة منها وعلى قدم وساق داخل المركز , وبأستاد المريخ وينتظم حصريا كل شىء تقريبا الان ضمن برنامج إستقبالى متواضع لدوقة " يورك " الاميرة " آن " , بمناسبة زيارتها الاولي وللسودان ضمن جولة لها حول العالم أحتفاءا بزواجها الميمون , وبالتالي كانت هناك سلسة لامتناهيه من البروفات تجرى لاخراج حفل أستعراضى ضخم وكبير, وعرض مسرحى شكسبيري أوبرالي وعلى النمط الفكتورى , مطهم بالطبع بلمسات العهد المايوى التقدمي الجديد الصارخ الشعارات , وبأمكانيات شحيحة تفتقت بها زهنية وعبقرية مبدعى ذالك الزمان الجميل , ثم تلك الحسناء ذات الشعر المرسل الطويل , والتى تطل فجاءة ولا تنشد أوتطوق لشىء سواء الالتقاء والتعرف بك عنوة وتجد فى طلب التسكع معك دونهم كلهم , وأنت بالطبع تتسأل داخلك هل بالصدفة وحدها تفاجئني هكذا لنلتقي سويا وبعيدا من كل رقيب , أم هى تخطط وتدبر بنفسها لكل ذلك وربما على أستيحاء أنثوي صرف , ولا يدرى حتى الان كيف تعرف عليها بعد ذلك وكيف توثقت الصلات بينهم , كانت هى عضوا فأعلة ونشطة ولا يمكن تخطيها باللوحات الخلفية وبأستاذ الخرطوم فيما بعد , وهو فى مقدمة طابورالمتخرجين الاشاوس بالدفعة الاولى لكتائب مايو والحرس الوطني والمنتسبين لجيل العطاء ولأمل وصناع المستقبل , والهتيفة لشعار المليون طوبة لأعمار الدار , ولتتعرف وفى ذخم ذلك كله الان فقط وبعد مشقة وعلى أسمك بالذات والذى كانت تراهن وتبحث عنة تحديدا , وبجد ليلا ونهارا وبالصدفة ومن أحداهن البارحة , أما من جانبه هو بداء الان مستغربا ويشعر فى غرارة نفسة بشقفها الملاحظ , وحرصها الشديد وبمناسبة أو بأخرى بالتعرف والانفراد اللصيق بة هو وحده لا غيره وتجد وتسعى لذلك , ولتحاصره ذات يوما وهو يستعجب لجرأتها الغير عادية هذة المرة بالذات , وعندما فأجأتة هى وصويحباتها بطلات السلة , لتقول أحداهن وهى " الطاف " بنت الدرجة وبحماقاتها ضاربة بكل المحازير عرض الحائط , وبأنفعال وأمام كل أولاد الجزيرة ومدني , الذين كانوا يتسيدون كل الانشطة والمسابقات :
ـ معقول أنت كمان .. وللمرة التانية أيضا " محجوب الجزولي سعيد " ود أم درمان الرجعي .. تطلع لينا كمان تانى فى الكفر ..؟اا , وتفوز لوحدك وبكاس أول الدفعة والانضباط والرماية .. وتنس الطاولة وكمان فريق السلة ..؟؟ اا , وأنتم يا أولاد مدني وحنتوب .. وبحر أبيض والقالوا بتسدوها وتقدوها وينكم ..؟اا واللة أتلومتوا عديل اا.. وصحي فعلا تعبانين شديد .. ؟؟اا , لتقول لها " أوشه " بنت " الحالماب " .. مستنكرة :
ـ أسكتى .. أسكتى .. يا أختى هو كمان قالوا ليك تعب شديد .. ساكت ..؟ أسالي الصول أبو سكيكين .. عشان يمحنك فيهم .. ؟؟اا "
همزة وصل
بعدها كانت هى وصويحباتها لك بالمرصاد فى كل كبيرة وصغيرة , ليتسلل صوتها تلك الظهيرة , والجميع فى أنتظار الترحيل وهى تهتف لاول مره باسمك وتنتحي بك جانبا , وتقول لك بغتة وبجراءة غيرعاديه :
ـ حقيقي أسفه جدا لهذا الاقتحام الفجائي والمباغت , وأنت دائما فى حيرة مشروعه جدا وواجبة وفى متل هذا الزمن الردئ الصعب , كما أن المعسكر نفسه قد شارف على الانتهاء وبعد أيام قلائل , ولم يعد هناك زمن لنضيعه أنا وأنت .. , بعدها كنت تحملق فيها مستعجبا لجرأتها التى تجاوزت حتى الخطوط الحمراء , وأنت آذن صاغية لها لتواصل :
ـ أنا " نسرين خليل " من حلفا الجديدة .. قلت لها :
ـ تشرفنا .. لتقول لك بعدها وبهدوء :
ـ لو بتذكر كويس يا " حجبوا .. " سينما الوطنية أمدرمان وفلم أنطونى كوين " السير ساعات طوال قبل النوم .. حول .. " , هنا أنتبه بكلياتة وكصحؤ الأحلام المنسية , وليقول لها وبذات الهدوء:
ـ مرحبا بالإبطال وبالأحرار .. وتحت الخدمة دائما .. , "حول " .
شرعت بالطبع بعد ذلك تقص علية كل القصص , وبتفأصيلها المملة ومن أستديوا " البربري " والقرية "10" .. نفسها وحتى اللحظة , وتطمأئنة أكثر على صحة عمة " وليد " وأنة ما زال حي يرزق هو وصحبه عكس ما يروجه الآخريين بأشاعة مرضة وموته المختلقة تحت الارض , وأنة ما زال صامدا وصحبه وفى أمنا وأمان , وكل هذة السنوات الطويلة والممتدة والى ما شاء الله ولتضيف قائلة لة :
ـ ولكن وبصراحة شديدة .. كان مسالة الالتقاء بك أنت شخصيا وبالذات .. مشكلة كبرى وعويصة جدا , لعدم وجود شخص ذوثقة كهمزة وصل لطمأنة والدتة بالذات .., وبكل أسف لم يتوفر شخص بهذا المعيار الدقيق .. لدى خالى " البربري " , الا فى شخصي الضعيف ولهذا كان عليهم وعليك .. أن تنتظروني لمدة سبعة سنوات أخرى , .. حتى أشب على الطوق تماما .. ولأكمل السن القانونية لأشارك فى بطولة تنس الطاولة ومعسكر الشباب , والحضور شخصيا .. لمركز شباب أمدرمان حتى التقيك أنت بالذات وأتعرف عليك بالاسم .., وبالطريقة التى لاتعجز بها بنات حواء أطلاقا .. ولتوصيل رسالة عزيزة لامه المكلومه .. " .
بالطبع وبطريقه أو ما سلمته الرسالة المعنية فى شكل شريط طويل , وبشرته بأختيارهم لة للسفر فى منحه للدراسة مستقبليا لـ " برلين " لأغيرها متى ما تهيأت الظروف , وستخطره بها السفارة لاحقا وفى الوقت المناسب , .. ولتقف فجأة مودعه وهى تقول لة بكل أنتباة وجديه وحتى لايسمعها أحد كان:
ـ " حجبوا " تسمعني .. وداعا والسر فى بئر .. لاشفتني ولا.. شفتك.." حول".. رد عليها :
ـ سلاما ووداعا " والبر محشي " تماما .. ولابتعرفينى كمان ولا .. بعرفك .. "حول " ..
أتجاة معاكس
بعدها مضى فى أتجاة أخر مختلف يتلبسه الغرور , وهى تندمج فى دورها المتماهي الجديد والمفتعل ومن باب التمؤيه , وتتجاهله مغاضبه وعنوة وأمامهم وعلى عينك يا تاجر ,
وكلهم تحت غطاء سوء التفاهم وذرائع ومبررات أخرى , مستساغة تماما لطبيعة الظرف والعلاقة التى لاتقوم أساسا على الوضوح والصراحة , وهو بالطبع يتشبث ومازال بحجة سوء التفاهم والتوافق بينهم أصلا , والجميع منشغلين يومها لسماع الاسوء والمزيد يتسالون فى حيره :
ـ ما الذى حدث بينكم ولما هذا التنافر البين ؟؟اا , ماكنتوا كالسمن على العسل ولا خلاص عشان المعسكر أنتهى ؟ واللة فعلا المفارق عينوا قوية .. اا , وآخرين مشاكسين يحشرون أنوفهم , والبص لم يتحرك بعد ولا يتركون صغيرة أوكبيرة والا نبشوها أو قتلوها بحثا , بل وسرعان ما يصبح موضع تندر وتهكم وتشنيعات ممقوتة , مع تحفظه وتزمته والتزامه الصارم المقيت , وخصوصا من أولاد وبنات مدني بالذات , شركاءهم وجيرانهم ومنافسيهم بالمعسكر , ومع تفرق حتى رباط الجميع بين قاب قوسين أو أدنى يتسالون مستعلمين وبأستهجان وبأستغراب :
ـ ماذا قال لك هذا الرجعي المتشكك دائما ؟ , ويعلنوها أولاد مدني جهارا نهارا , حربا بالوكالة ليفاجئهم وسط كل ذلك صوت " أحمد ود العازة " قائلا :
ـ هولكن محظوظ ساكت وبس ؟؟اا .. , لكن أعطونى ياناس .. درهم حظ ولا قنطار شطارة ؟اا.. لينفجروا من كانوا بالبص ضاحكين وبأعلى أصوتهم المزلزلة ليقول أحدهم صائحا :
ـ يا " ودالدباغة "و يا " ألطاف " بنت الدرجة " ولكن هو شنوا كمان الأطرش عامل فيها تقيل .. ولكن هوتقيل ساكت ؟؟ اا , ليواصلوا ضحكهم الممجوج وليجيبوه "ود العزة " المعروف بطول البأع واللسان قائلا :
ـ أنا لكن يا ود" الدباغة " .. التقيل دا ما بتعبنى شديد ؟اا , ليهمس لهم فجاءة ومن آخر الصف " تالتن الفى الحنه والمشاط مشاركن "هجو" ود الفششوية متهكما وبجدية :
ـ المتخلف دا كان بقول ليك شنوا " يا ستهم " , وما مسحتي بة الواطه ..ليه وهو قايل بستأهلك كمان .. لو ما الحب زي ما بقولوا .. ساكت أعمى ؟اا.. , لترتفع وبلا تهيب ضحكاتهم لعنان السماء وهو يواصل :
ـ دا ما كان أصلا لاعب المجد " بانت " أتاقل عليهم واسع حول ولاعب أساسي للمكتبة القبطية .. أو الانجيلية أمدرمان " ,لتلتقط القفاز طيبة الذكر الممثلة الحازقه والمخرجه ألمبتدئيه " أيمان " بنت " كوستى " لتقول متهكمة عليهم وفى شكل أكلاشيه درامي تشنيعي من الدرجة الاولي وبالكامل قائله :
ـ طبعا دا كان بيأخد ويرد معها بمواعظه المتشنجة.. , لما يكون .. وما ينبغي .. , ولية تقريبا نصف ساعة أو يزيد .. وبعد دا كلة أظنه سألها مستفهما بغلظة :
ـ لماذا جئتي من حلفا الجديدة هكذا ولوحدك ؟ وأظنها " الحنكوشه " قالت ليه :
ـ وهو يا أنت .. حلفا الجديدة ما بيجاي .. , قائلها كمان فى ولاية فرجينيا ولا شنو ؟؟اا..
ـ بس ما فيها يا أنت .. أبطال تنس طاولة زيك ..؟اا , وطبعا جئت منها هكذا لالتقيك .. ولأحبك أنت وبس .. دى فيها حاجه ؟اا.. يا بطل .. كل القارات ؟؟ اا , عندها فقط تواصل " بنت كوستي " مسلسل الضحك والتهكم التشنيعي الطويل , لتقول بصفاقة مزرية هذة المره والكل آذان صاغية :
ـ دا البتقندل علينا كلنا .. دا ؟اا , الظاهر يكون من شذاذ أفاق الراسمالية المؤممة .. ولكن المصيبة محظوظ دائما وحجة فى السلة وتنس الطاولة ولتصيح بعدها قائلة لة :
ـ أنت بالفعل أسطورة يا ود الانجيلية , حينها فقط قلت لهم ولم تتردد لحظة واحدة :
ـ أنا ..دائما هكذا أفوز عليكم دائما وأبدا وبالصف .. وكالأسطورة .. , " وليم أندريا " .. بطلا منتطرا على طول الخط .. " , بعدها قالوا مستفهمين وبصوت واحد :
ـ أذن أنت من تكون وفى كل ذلك.. بالضبط ؟اا؟.. ومع كل تلك التخبطات والاسفاف الموجع , لتنبرئ لهم هى نفسها فجاءة وفى تزامن غريب ولاول مره قائله والكل أذنا صاغية :
ـ يا ناس ياهوا .. أنتوا عايزين الحقيقة ولأبنت عمها ؟اا , قالوا بصوت وأحد وهو ينظر لها هى بالذات ومستعجبا ..
ـ عايزين الحقيقة طبعا .. " , قالت لهم بعدها ولم يرمش لها طرف :
ـ فى الحقيقة هو لا هذا ولا ذاك .. هو " فواز الميزر " .. وبس ..اا " .
نيفاشا الاخرى
ثم أنقضت الاجازة وأحتفاليات مايو والتى لاتكاد تعد أوتحصى , وبطولات كرة القدم والسلة والطاولة , والعروض الغنائية والمسرحيات ومعسكرات الشباب الصيفي ذاك العام , وأنفضت تلك الايام ولياليها وأضحت مجرد ذكرى عابر ودروس وعبر , وتفرقت بنا بالطبع السبل ورغما عنا هى بالطبع وكما يقول , معترفا رتبت نفسها من لحظتها منقولة مع أسرتها ومن " حلفا الجديدة " لـ " بورسودان " , للحاق بوالدها وكيل متعهدي تموين البواخر وقاطرات سكك حديد السودان هناك , وأنا من أمدرمان أتجه للدويم لالتحاق بمعهد المعلمين ببخت الرضا , ولأجد نفسي أن شئت أو أبيت أتصدر المطالب والنشاطات الطلابية , وأنخرط بكلياتي فى دروب السياسة الشائكة ذاك الوقت ومن أوسع أبوابها , فأنا وبالفعل الان المتمكن وأبن عرصاتها , والذى لا يشق لى غبار وأنخرط فى صياغة وتدبيج البيانات والخطب الطنانة , وأتصدي بدون كبيرعناء للمهاترات والكم الهائل والمحير حتى من الصحف الحائطيه الماجوره وأنا يومها حديث عهد بالسياسة وبكل شىء أثبت بقوة لباقتي وأستعراض ملكاتي كخطيب مفوه ضليع , بالركن الجنوبي وأنا قاب قوسين أنافح حتى مجلس أدارة المعهد وأحاول مع بعض الزملاء الذين تعجبهم أطروحاتى وحتى أنافس لرئاسة الاتحاد , بل وأمسك العصا من منتصفها , ولكننى وفى كل ذلك أبدوا صدي لجبهة عريضة متنامية من المستقلين , تنافح فى جميع المطالب وقضايا الطلاب بالبوفيه والسفره والترفية بالداخليات وقضاياه الوطن الكبري المشروعه والملحه , والكل يدعونى بأريحيه للانضمام تحت لواءه , وأنا المستقل كثيرا ما أحيد من كل هذا ولم أجد نفسى حقيقة الاعندما فصلوني , لمواقفي المتعنتة والمصادمة فى آحايين كثيرة للادارة , ولأعانى بعدها الأمرين ولأعوام عدة لأجد أخيرا مجرد منفذا أو أمل لبعثة ومبعدا خارج البلاد , ولاكمال دراستي بجامعة "برلين " , وكما توقعوا أو أرادوا هم مبعوثا ولمدة ثمانية سنوات بعيدا عن الوطن وأحداثة الجثام وتغير الخرطة السياسية بالكامل ولمشروع كبير فضفاض يحوى أدعا كل الحادبين على مصلحة البلاد والعباد وبلا تمييز , لأعود دكتورمشارك ولاتبؤا بعدها رئاسة شعبة الترجمة والفلسفة بجامعة الخرطوم , وأعبر بالسياسة فجأة لبحر الدبلوماسية ودهاليزها الواسعة والشائكة , بل وأنا الان ذاك الشاعر الرصين والناقد الأديب الأريب , والذى يقفز مباشره ويتخلي بالترقيب تأرة وبالترهيب عن دورة المشاكس القديم , ليعودوا بذات المكر وهكذا ليبرجزوني عنوة أن شئت أو أبيت رئيسا للهيئة العليا للنفير القومي للآداب والفنون والمسرح , ورئيس لجنة الصداقة الشعبية وحوار الحضارات , ويفوضوني :
ـ وأنت ولطالما تريد تمثيل السودان والتحدث بأسمه فى المحافل الدولية ؟ , أذن فلتذهب ومنذ اليوم مفاوضا ومترجما أصيلا فى أتفاق السلام , وينبرئ فجأة من حيث لا أدرى أحداهم ويقول لى :
ـ أن شيئت سمي نفسك يا دكتور ما تشاء .. , وكل الوظائف الاكاديمية مشرعة لك خبير وطني بدرجة وزير ومستشار , وعضو مؤسس ورئيس لاتحاد نقاد أفريقيا واسيا وهلمجر وستحاضر كمشارك بالجامعات , وستدير جائزة الطيب صالح للرواية والقصة والشعر , أو حيث شئت بل ومدير لمنظمة الإغاثة وأيواء المتضررين من الكوارث بغينيا الاستوائية وبنين وجزر القمر ,أو محافظ للحصاحيصا ومدير مؤسس لجامعة البطانة ..
ـ ولكن لن تكون أبدا .. وفى أى يوم من الايام مدير لجامعة الخرطوم نفسها , ولن يتحقق لك هذا المطلب والحلم ألتشريفي , وأنا وزير دولة برئاسة الوزراء وحى أرزق , وأدير بطريقة أو ما العملية التعليمية برمتها وهذا المجلس الأعلى للثقافة من هذا الجهاز الحساس , هكذا صارحني يومها المهندس لؤى مدير عمليات الظل وكأنة يسكن داخل أفكاري تماما , وهو يقول لهم داخل مضابطهم السرية منافحا رؤساءه الكبار الذين ينحازون لجانبي تماما ويصرفوه دائما عنى بعيدا " وهو ينافحهم قائلا :
ـ وحتى ولو .. ومهما كان التزامه ونزاهته ومؤهلاته وعبقرياته الفذة والغير محدودة .. ؟اا..
ـ كيف نغض الطرف عنة وهو بالذات وتاريخه ألأسود القاني اا , وهو ينافحنا بغلظة وخشونه وداخل كل الاتحادات وأنتخابات الثمانينات كلها ومستقلا وفى "برلين " نفسها , وحتى أيام معسكر ومؤتمر الطلاب العالمي فى "صوفيا " قولوا لى رغم التزامه البين والظاهر , ونزاهته لما وقف أيضا محايدا ؟ وهذا كان فى حد ذاته خيانة .. وضد المصالحه التكتيكيه مع مايو ؟ كما رصد لعمة " وليد الجزولي " أخر المنظرين المعروفين نشاط جبار معادي , لنا بعد ذلك والذى عاش جل حياته مختفيا تحت الأرض " بحلفا الجديدة " ومات هناك ولم يجد حتى من ينعية غيرنا نحن أبناء السودان البرره , قولوا لى ماذا قدموا فعليلا للبلاد ؟؟ , ولكل ذلك فأنت رغم توبتك ورجوعك للطريق القويم الان الا انك لاتعدوا فى نظره سواء شبهه بالمولد والقربة والفطرة حتى , ولن تصلح بعد اليوم الا أن تكون واجهة لعلاقات عامة ومزايدات وحفظ توازنات جهوية لا أكثر ولا أقل , لتقزف بك الاقدار لرئاسة المجلس القومي للبحوث والتعليم العالي ونقل التكنولوجيا ومديرا متفرغا بدرجة وزير لقطاع الإعلام والتلفزيون والمسرح والبث الفضائي المباشر , وعضو دائم بلجان الثقافة والتأصيل والفكر وكتنقراط وشخصية قومية متفق عليها ولا يشق لك غبار , ومع ذلك تخرج الان مغاضبا والوساطات تطاردك بالعواصم المختلفة للعودة مجدد للبلاد وبلا طائل أوجدوي .
مسارات
أما هو فبلسانه يكمل بعد ذلك ليقول ومتحررا وبعيدا من أى ضغوط الان فقط أستقربى المطاف أخيرا لقضاء أجازة طويله وربما نهائية , مستجما من سيل الضغوطات والهموم اليومية التى صرت أرزح تحتها , والمشاكسات الصحفية والمعارك التى باتت فى غير معترك , والتى أخذت ولشىء فى نفس يعقوب تصورنى بأننى لم أخرج هكذا عن الاجماع الحزبي الاخير بتصعيد الشباب , الا لتأليب الرأى العالمي للطريقة العقيمة والموسمية الممجوجة , والبعيدة كليا عن أسترتيجيات ومطلوبات العولمة والتى تدار بها حاليا وللأسف العملية التعليمية ككل والأندية والمنتديات والقصور الثقافية .
وليفضفض قائلا بجدية وثقة وكاعتراف أخير وضروري , يومها كنت أسير وحيدا ومهموما بالقرب أو من تحت برج أيفل وسط مدينة العلم والنور باريس , وأنا أزوب نفسى فى زحامها الهادي وساحاتها الخضراء النضرة , وطرقها الفسيحة الواسعة كنت بالفعل غريبا وسط غرباء , لياتينى فجأة صوت كالهمس ينادي :
ـ " فواز" , أحسبة بالطبع أسما شائعا للشوام الذين تزدحم بهم شوارع ومقاهي الشانزليزية , والمحازية للشارع الرئيسى العريض ليتبين لى لحظتها شبح لفتاة سمراء فاقعة الون تماما , حسبتها تشابهت على فـ " باريس " تعج بالحسان السمروات من سواحل الذهب والعاج الافريقي البديع وما أكثر السمر الأفارقة واللاتينيين هاهنا , لكنها كانت وحدها هى التى تشير على بيدها مباشرة وتحديدا ولا مجال أبدا حتى لآى تأويل آخر بعيدا عنى ودوني , وأنا مستعجب ومستغرب فوصولي كان ومنذ عدة أيام قلائل فقط , ولا يعلم بوصولي الا السفير والذى لم أسعد أو أتشرف بمقابلته حتى الان , ولا أعرف هنا أحدا أوكائنا من كان من رفقاء أو زملاء دراسة أو عمل , ولا أنتظر من أحد كان حتى أن يعرفنى , ولا أحبذ حتى أن يعرفنى أو ينتظرنى أحد بصراحة " أى ونت تو بريك فرى " أريد أن أروح فى أجازة بلا حدود وأنزعاج كما تقول الفرنجة , بل أريد أن أعيش بعض من الوقت أو الزمن نكرة كبرى وكم مهمل , أحن الى أيام الفرار والعيش وحيدا فى " برلين " , وعندما كررت النظر رأيتها تلهث خلفي وتجد فى طلبي ولم أتبينها حقيقة , الا عندما يئست ثم رفعت عقيرتها لتقول لى وبلكنة سودانية قح :
ـ تتجازى يا أنتا .. القومت لى نفسى .. الشىء ما بتسمع طرشت خلاص ولا شنوا يعني ؟اا ولا منتظرنى أقول ليك :
ـ لو بتذكر كويس يا " حجبوا ." سينما الوطنية أمدرمان وفلم أنطونى كوين ... " حول " .. هنا فقط تدخلت على عجل مقاطعا حديثها برمته وأنا أضع أبتسأمة حزرة واسعة :
ـ بس .. بس أرجوك أخرجينى من هذة الشفرة نهائيا .. وقصة "حول " ومرحبا ووو.. الذى منة , بعدها أخذنا نضحك للنخاع ونحن نترحم حقيقة على أولئك النفر الانقياء الذين لو تنادوا فى جنات الفردوس , لم يتغيب منهم أحدا سوانا الاثنين ولله درك .
بالطبع تجازبنا أطراف الحديث والمجاملة المعتادة , ونحن فى عجلة من أمرنا , كما أن ألمقاه كانت مزدحمة تلك الظهيرة الباردة عن أخرها والضباب بداء باكرا يلف بعباءته المدينة عن أخرها , ندور هنا وهناك وفشلنا فشلا زريعا فى أن نجد ولومقعدا شاغرا وأحدا نأهيك عن أثنين , وأخيرا أشرت لها على كافي كلاسيكي هادى القسمات مثير للجدل ساقتني الية قدماي ذات ظهير عن طريق الصدفة , كان يجلس علية فى السابق وللمفارقة الكبري المفكر أوالفيلسوف ديكارت والكاتب الفرنسي الجرئي جان جيني والمغربي أبراهيم شكرى صاحب " الخبز الحافي " والروساء بمبيدوا وفرنسوا مترا وبوكاسا امبراطور أفريقيا الوسطي , وكما تتوزع صورهم الموحية , وبالتمام على يمين الشوارع الداخلية المطلة على حوافي نهر السين أوالساؤون ولم أتبين ذلك بعد , كنت ألوز بة دائما ومنذ وصولي وعندما أشعر حقيقة بؤطأة الوحدة والملل من غرف الفندق وهدير الفضائيات المحملة والمضمخة عن أخرها بتلك الاخبار الملتهبة كالعدوان على غزة وظهور الايبولا وفشل قمة المناخ ورضوخ الصين لتخفيض اليوان والتهاب الأسعار , وتصاعد أسهم مكروسفت وذهاب ساركوزى باكرا والذى منة .... أعتذرت لى بلباقة وقالت أنها تسابق الزمن للحاق بالمترو والذى سينطلق بها لجامعة " ليون " فهى أستاذة زائرة هناك وتجد فى الحصول على دكتوراة دولة أو لقب بروف ولكنها باغتتني فجأة ومستدركة لتنفض يدها عنى وأنا أعزرها فى ذلك لأنها غير ملمة الا ببعض ظروفي , وتواجدي المفأجى لمدينة النور باريس كناقد سأتناول موضوع الترجمة والتناص بين الاتجاه الفكري الحداثى ومدرسة الواحد فى أعمال الكاتب " خلف اللة " .
لتقول :
ـ أعرف بالطبع ومهما كانت المدة التى ستقضيها هنا بأنك حديث الوصول .. وبالطبع تحيط بك بعض المشاكل العويصة وأنصحك .. بان تتركها للزمن ولتحل نفسها ولوحدها وإياك والعجلة .. وألزم دائما الصبر والجلد فطول الأمل معهم حقيقى هنا يبلغك فعلا الأجل .. كما أننى لن أكذب عليك وأوعدك بلقاء أخر قريب أو ترتيب لقاءات .. مع أخريين أو أى أحد كان .. فهذا شىء حقيقي ليس بيدي فالكذبة البيضاء هنا تكلفك الكثير والموجع .. ومعارفي قليلة هنا ثم أنا شخصيا لن أستطيع أن أقدم لك أى خدمة منتظرة وانت كما أعلم .. ستحل بعد أيام قلائل ضيفا على متحف اللوفر فى أحتفاليتة السنوية .. وأنت بالصدق فى حلا عن كل ذلك .. صحيح أن زوجي قنصل عام ولكنة يملك ولا يحكم أبعد من أرنبة أنفة.. لأنة ليس من ذات الشوكة .. ولولا باعة الدبلوماسي الواسع وعلاقته الشائكة بمستوردى الصمغ العربي من الشوام والأقباط السودانيين والذين يحملون الجنسيات الغربية لتخلصوا منة بالتنحي وهو الوحيد الذى يملك خيوط وخفاية مسارات الإفلات حتى من العقوبات والحصار الدولى , ورغما عن ذلك فنحن نعيش فعلا على أعصابنا ونفكر فى الذهاب بعيدا " قالت لى :
ـ أتذكر تلك الايام واللة فعلا عمر الشقي بقى , لم يكن هناك جديد كما تأمل أو أى أمل قالت :
ـ بالطبع أممت ممتلكات أبى وصودرت بالكامل وتفرقنا أنا وأخواتي أيدى سبأ وكنت فى قسمة الأسلاب من نصيب أحد ضابط الاتصال , ولكنة أبن بلد أصيل وغيور وأنا فخور بة وهو كذلك تزوجنا وكان قد وعدني أن يقدمني بصوتي الملائكي للجمهور كمطربة أولى .. , ولكنة أضني على وعليهم ولم يفعلها وقدمني فقط لنفسه كزوجة غريبة.. لا تعجب أمة فى كل شىء بعد ذلك .. ولكن ماذا نفعل وهولاء الحكام القادمين الجدد يخيرونه بين الاستيداع أو ينقلونة تعسفيا الى سقف العالم الهملايا , ولكننا نتجه الان حتما غربا أننى أشتاق كثيرا للوطن الغالي .. ولكن ليس باليد حيلة فقد أذهب بعد كل هذة السنوات ولا أعود أبدا ولكن أبنائى بمراحل تعليمية حساسة ولن أتخلى عنهم .. بل وهذة السنة العاشرة منذ أن تكحلت عينى بأخر مدينة عربية حقيقة .. وهى " طنجة " لا أريد ان أقضى شتوية أخرى هنا فالبرد والصقيع يحيل الحياة الى شىء آخر مختلف لا معنى لة .. من الوحدة والتعاسة ولكن لا مناص .. .
نهاية بلاحدود
كما كنت متوقعا وهى تري الشيب يزحف على فودي , التفتت بكليلتها ولتسالنى بذات السؤال اللغز والذى كم أطاح بى كثيرا , ولم أجد لة حقيقة حتى الان أجابة شافية , أوتركيبة ناجعة ووأضحه , لتضيف وهى ربما لا تنتظر أجابه :
ـ معقول حتى الان .. لم تجدها كما تقول كل أعمالك وكتاباتك , التى ليست لها صراحة نهايات معينة .. بل مفتوحة على أى تأويل .., كأنك أطلقت العنان للبنيويين الجدد لكي يتحزلقوا حول سيرتك الذاتية كيفما يشاءون , ولكنك على وجه آخر تمارس المكر الحميد فى الكتابة نفسها , ومهووس للنخاع بكتابة الحياة السرية للأشياء الحائرة والمنسية لبعضهم ولاتستثنى أحد .. , وهذا ما يبهرني ويشدني لقرأتك دائما , ثم أيعقل رغما عن كل هذة السنين الطويلة , أن لا تجد حتى ولو شبيه لها أم تخطيت كل هذا الان .., ثم تلك الم تكن مقنعة بما فيه الكفاية لقد كنت قاسيا .. وخدعتها كما يبدوا , ولم تتزوجها كما كان الجميع يأملون .. , ولكنها كانت جسوره أكثر منك وعبرت بالجرح وتزوجت من أشهم وأنبل رجل فى العالم خالى " البربري" .., أما أنت فلن تتزوج ستظل هكذا عازب ولأجل غير مسمى لأنك لوشيت لفعلت .., ولكنك أحببت وتزوجت دائما المناصب والسفر والنجومية السياسية البراقة والأنيقة , لتنحوا بعدها بالحديث الى منحى أخر , قالت لى :
ـ العام الفائت كنت أنتظر قدومك من القاهرة لباريس انت والمبدع صاحب " الجنقو " ولكن فوجئت الأوساط الفرنسية بسفرك عائدا للخرطوم مرة أخرى , وسفرة وهو بعيدا " سلفادن " على ما أظن بـ " النمسا " , على عكس ما كنت أتوقع أن يذهب لألمانيا نفسها للاستزاده بالألمانية فى عقردارها وليستمتع بترجماته وبالأخص لرواية " مسيح دارفور" تحديدا , والتى تدرس بالجامعات والمعاهد هناك كما أحسب لك وقوفك بجانب رواية " الجنقو " ,المثيرة للجدل والتى أوصيت أنت شخصيا بفك حظرها ولكن اليد الواحدة لا تصفق .. " .
حقيقي كنت أنظر لتشفيها وحدتها وأنا أعزرها .. , فأنا دائما جبلت أو وطنت نفسي على أن أسمع كلام الذى يبكيني من الذى حقيقة يفرحني أو يضحكني كما يقول المثل ولا قضاضه ومنها هى بالذات , ولا أسباب ذاتية وشخصية بحتة أعرفها واحملهما أنا لوحدى وللأسف الشديد داخلي , ودعتني بلا ترتيب هكذا وبطريقتها الفوضوئية الخاصة وانا مزهول وهى تقول :
ـ حبابك الف يا "فواز " .. ووداعك الف ..
ـ وأسفي الشديد البرنامج هنا .. مزدحم والوقت يمضى كما ترى كالسيف " , ودعتها وعينى مازالت متشبثه بها وكما رايتها فى ماضي الايام ولاول مره , وأنا أعزر نفسى وأواسيها .. وأقول لها داخلي :
ـ أما زلتم تراهنون على " فواز الميزر " ..
ـ بل هذا حقيقي ما سيكون فعلا أسم على مسمي .. , لو فزت بمدير لجامعة الخرطوم أو بك أنت على الاقل .. ؟اا..
ـ ولكن هيهات .. ثم هيأت فقد فرزت الكيمان .. ,
ـ .. وحقيقي بعد الفتح .. ما فى طريق برجعي .. .
تمت ,,,
فتحي عبد العزيز محمد
ـ سوداني
نيروبي ـ مقهى القط الأسود
31 /12/2010م
فتــــاة رسالية من قريـــــــــة " 10 " ..
" .. يبأه سلي توونا .. منبروي ..
.. قرية أسيلي توونا .. يبأه "
مقطع لآغنية قديمة لنوبي مهاجر
صباح الليل
أرخى الليل سدولة مساء ذاك اليوم على قدر معلوم , وحدث فريد وغير عادي أطلاقا , ففى الوقت أو بينما كان المرسال يجد فى سباق لاهث مع الزمن للحاق بة شخصيا , والوصول الية وباستديو التصويرالوحيد والشهير والذى يديره الان بالقرية "10" , ذات الموقع الفريد الجذاب المتفرده وبتركيبتها السكانية المستنيرة المتسامحة , والتى لا تختلف عن غيرها ومن كل قرى التهجير الآخري القريبة أو البعيدة فى شىء , الا أنها كانت يومها بطبيعة الحال تضم بين حناياها نخب أو لفيف معتبر لايمكن تجاهله أوتجاوزة أو حتى أخفاءة من نقابي عمال وكتبة السكة حديد والبواخر النيلية القدامة الصلبين والمصادمين دوما , والمنسيين عنوة والذين تخطاهم الدور والتكليف الوظيفي للمعاش الباكر والزمان الذى لايرحم أبدا .. , ولكنهم لم يبارحو أو يغادروا تطبعهم ودورهم النقابي التاريخي الصلب الفاعل والسري قيد أنمله , بل حقيقة أندهش وعندما تصادفا مع المرسال على قارعة الطريق ووجها لوجه , وليخبره وفى عجالة من أمره ذاك المساء الباكر بأن رجلين ربما من الاهل أوالمعارف , قد حلا الان وللتو ضيوفا بالديوان الخارجي , وينتظران بلا أدني شك قدومك وعلى أحر من الجمر .
عرج بالطبع كالعادة المتبعة على سوق النص وأشترى كل ما أملته عليه زوجته "ميادا " صباحا من مقاضي وزاد عليها ما يلزم واجب الضيافة المتعارف علية بالقرية , ثم فتح الباب ووضع كل ما طلبته زوجتة من مقاضي وضروريات , على طاولة المطبخ وذهب بعدها وبكل أريحية متعجلا لملاقاة الضيوف والترحيب الحار بهم , والتى أجزمت زوجته وهى بنت عمة بأنهم من الغرباء وليسوا من الاهل لا من قريب أو بعيد , ولكن تبدو علي سيمائهم الكثير من الوجاهة والتواضع الجم ولكن فى كبر ووقار شديدين , وأن أحدهم وللمفارقة وهو المائل للسمرة يتقن الرطانة تماما , أما الآخر والممتلئ بعض الشىء والفاقع السمرة لا يعرفها الا لماما .
عندها دخل عليهم بالطبع فحياهم مباشرة , فلم يعرفهم أطلاقا ولم يعرفوه ولكن وبعد برهة زمن , حسبها دهرا قال لة أكبرهم سنا وهو الممتلئ العود وذو الجلحات العراض الفاقع السمرة:
ـ فى الحقيقة نحن أكثر من أهل .. ثم سكت ليفأجئة قائلا:
ـ لو بتذكركويس .. يا أستاذ حسن صالح .. يا " بربري " سينما الوطنية أمدرمان .. وفلم أنطونى كوين " السير ساعات طوال قبل النوم .. " حول " اا..
بل فجاءة وعلى حين غرة .. وبمزيج مفرط من الدهشة والانبهار والانتبأه ,ردا بهدوء جياش قائلا :
ـ مرحبا بالرجال ..مرحبا بالإبطال .. وبالأحرار .. وفى حصن أمين وحرزا مكين .. أنشاء الله " حول " ... .
بعدها بالطبع مباشرة قام كل وأحد منهم بتعريفة بشخصة الضعيف , وصفتة وأسماءة والقابة كلها ومع أو تحت تأثير الصدمة والدهشة الغير متوقعة , بملاقاة الرموز الكبار ودهاقنة الساسة المعروفين , والذين لا يشق لهم غبار وفجأة وهكذا وجها لوجه وبلا تكلف أوترتيب أوأى أعداد مسبق , يليق حتى بشرف المناسبة أو مكانتهم المعتبرة والمحفوظة دائما , بل ولاشعوريا قام المدعو حسن صالح " الشهير بـ " البربري " , بالسلام والترحيب بهم مرة أخرى وبالمزيد من الانفعال العفوي والفرح والسرورالزائدين , وبالأحضان وبأشد ما يكون وتعريفهم بشخصة الضعيف المتواضع , وذلك لاعزازهم وحفظ كامل الرتب والمقامات , ووضعهم بالتالى فى مكانهم اللائق والصحيح تماما والذى ينبغي أن يكونوا عليه دوما , ومهما كان الظرف النضالي صعبا ودقيقا ومرهقا وحساسا .
كانوا وعلى ما يبدو قد تناولوا جميعا العشاء باكرا , ويتناولون الان ومن باب الضيافة الخبيز البلدي بالشاي والحليب , فوضع لهم بعدها كل لوازم الكيف من سجائر وشيشة مرورا حتى بالطباق " الساعوط " , وأحضرت لهم الطاولة " الضمنة " والكوتشينة والمزيد من ترامس الشاى والقهوة , فالونسة على ما يبدو سوف تطول بهم ليست لليلة واحدة أو شهور , أو حتى سنين كما كان يظن ولكنها أستمرت بعد ذلك , وأمتدت لعقد ونيف تقريبا من الزمان ليلتها تنحنح مضيفهم وقال لهم بجراءته المعهودة :
ـ صراحة أنا بتعاطي .. أنتوا كيف ؟
نظروا لبعضهم البعض وأشار أحدهم للآخر .. وقال بثقة :
ـ الا هذا ... خذه معك ..
قال لة بسرعة بديهة :
ـ مرحبا .. يا هذا ..
ثم وهو يفسح لة المجال بجانبه , .. أردف قائلا له وعلى سبيل المزاح ..:
ـ جميييـــــــل .. " حول " .. يا هذا ..؟اا..
فانفجروا بعدها ضاحكين وبصوت واحد مسموع وليقول لة بعدها ذاك المائل للسمرة :
ـ صدق لم نضحك هكذا ومنذ زمنا طويلا جدا .. بل يبدو لنا الان , بأنك فعلا وفى حد ذاتك .. وكما وصفوك لنا صاحب طرفه وملحه وأبن نكته .., وبانك حقيقة فرصة بجد سعيدة .. ومبهجه ووش خير .., وهدية نادرة من حواء السودانية الولادة دائما .., ونحنا فخورين ونتشرف بمعرفتك وأن نلتقيك فى هذا الظرف الاستثنائى الصعب .., وعندما يعز ويندر صراحة الأصدقاء والرجال .
ليلة الكد
كان هؤلاء الاثنين بالذات على خلاف نظرى ومنهجي وأسعا وعميقا , ولم يجتمعوا مع بعضهم البعض هكذا ومنفردين ولسنوات عديدة , فهم وضعا وقانونا دائما وأبدا محدودي الاقامة والتحرك , وتحديدا منذ تلك الليلة الامدرمانية االشهيرة " ليلة سمسنك الكد " , والتى غضب فيها " أب عاج " غضبا شديدا ومروعا , وأطاح فيها بالكثيرممن حولة وحتى الابعدين وفى غمضة عين , ولو ظفر بأحدهم تلك الليلة لأصبح صراحة الان فى خبر كان , حتى أن كل الأوسمة والأوشحة التى نالوها بشق الانفس , وبشرف وعن جدارة وأستحقاق خارج البلاد , كانت كلها لا تعنى شىء ذا بال عند " أب عاج " نفسة ولم تشفع لهم يومها حتى شفاعة الشافعين الأبعدين والأقربين , وما أكثرهم فى ذاك الحين أمام ثورته وغضبة وجبروته , بل وضعت كل أم ليلتها يدها على قلبها خوفا وفزعا على فلذة كبدها , كما أن الاثنين أنفسهم وبصراحة متناهية , لو أجتمعوا فعليا قبلها وبجدية كاملة , لحلت كافة المشاكل المعلقة بينهم جميعها دون تدخل من كائناأو أحدا كان , ولكن هكذا كانت أقدارهم دائما , ليلتها تحدثوا كثيرا وتناجوا طويلا وكأنهم لم يعرفون قبلها لغة الخلاف أوالانتقاد ونقاط الاختلاف , والذى عصف كثيرا بالحال والأحوال ووضعهم كلهم سواسيا , وفى سلة وأحدة بعد ذلك مع غرمائهم التقليديين الأخريين وليلاقوا مصيرهم المحتوم , وبعدها وجدوا أنفسهم ومع وطأة الاحداث وسوء الطالع , رهينة لاحداث مصيرية قدرية وفجائية ووليدة اللحظة , وبالتالى وجدوا أنفسهم مجبرين وفى قلب أتونها ومنقادين ومجبرين على خوض غمارها , وفى رهان قدري تضامني وحتمي لا رجعة بعدة أبدا , وعلى خطئ الأحذية الثقيلة نفسها , وكان من الجبن أو العار أن يتراجعوا أو حتى أن يتنصلوا أو يفروا عن خطاء متسرع قاتل كهذا , أو سؤ تقدير موقف حتى أحاط بالجميع , ثم الاستحقاقات المكلفة جدا والقاسية بعد ذلك ثم الدروس والعبر والمألات كلها والمسقبل المعتم , ثم أين كوة الأمل المنشود بعد ذلك كلة الان ؟؟ ليلتها لم يعرفوا صراحة طعم لشىء أسمة النوم أو التعب , أو أرهاق السفر الطويل وكأنهم مجبولين على ذلك دائما وحتى لاح الصباح وهم على قناعة فى كل مره بعد ذلك , بأن البلاد برمتها ومهما كانت المبررات بعد تلك الليلة الشهيرة لن تعود كما كانت علية قبلها أبدا .. أبدا .
كرة ثلج
على غير المأمول مضت الايام بعد ذلك سراعا , وكأنها تمضى الى النهاية وبحلوها ومرها , وحبلي فى نفس الوقت بالكثير والمثير والموجع من المتناقضات , حتى أن مركز شباب امدرمان الرمز والمتنفس البديل والوحيد بعد ذلك , ولانصهار كل الطاقات والنشاطات الشبابية والمواهب الواعدة التى تلتمس طريقها وهويتها , كان حقيقة يجمع وبطريقة مستفزة وغريبة وفريدة بين الأصدقاء والأضداد المتشاكسين دوما وفى بوتقة وأحدة , وبالاحري فى كتلة وأحده غير منظورة بتاتا أو متعادلة وفى حجم كرة ثلج متدحرجه , تجمع فى طريقها بين الأعداء المحتملين والمتعايشين وعلى صعيد وأحد , فكان هناك بالطبع غلاة المايويين ومن فى صفهم من أولاد بيت المال والموردة , والحزبيين من أولاد الصور وودنوباوى وشتات متناثر حائر من الذين أممت أملاكهم هنا وهناك , وتفوح وسط كل هذا الركام والتزاحم قصة غرام غريبة وفريدة من نوعها , أرادوا لها أن تكون موضوع جذب ومد بالمعسكر الطلابي الكبير كله , وبين شاب وشابه مجندين بالحرس الوطني الوليد لتتطور الى قصة حب وغرام عارمة تقرب المعسكرين المتنافسين والمتناحرين , المايويين وما فى صفهم والحزبيين وما فى قربهم , ويتسالون متهامسين وهم خالى ذهن تماما ومازالوا :
ـ " هى من " حلفا دغيم " .. وأنت من الموردة .. . شن لما يا ناس .. الشرق .. بالغرب .. " , بل كان الحزبين أنفسهم مازالوا يعانون من ويلات المصادرة وضياع الحقوق بالشبهات , وليس هذا من فقة الضرورة أوالارادة الجماهيرية الغلابة فى شىء , وأنما أجتهادات لبعض المشاكسين ليركب المتفلتين وحدهم وزرالموجه بالباطل , ولدناءات أريد منها هضم الحقوق وتصفية حسابات مبيتة , وثارات شخصية بحته لا ترقى الى أى روح أوقناعة حزبية , أوضرورة حتمية محضة أو حتى لعدالة وطنية ناجزه , بل كان كل الأكلاشيه الان حقيقة مغائر تماما للعادة , ومنصب حول الانشغال بالترتيبات والتحضيرات المفبركة , للاحتفال باعياد مايو والتى تجرى أجزاء كبيرة منها وعلى قدم وساق داخل المركز , وبأستاد المريخ وينتظم حصريا كل شىء تقريبا الان ضمن برنامج إستقبالى متواضع لدوقة " يورك " الاميرة " آن " , بمناسبة زيارتها الاولي وللسودان ضمن جولة لها حول العالم أحتفاءا بزواجها الميمون , وبالتالي كانت هناك سلسة لامتناهيه من البروفات تجرى لاخراج حفل أستعراضى ضخم وكبير, وعرض مسرحى شكسبيري أوبرالي وعلى النمط الفكتورى , مطهم بالطبع بلمسات العهد المايوى التقدمي الجديد الصارخ الشعارات , وبأمكانيات شحيحة تفتقت بها زهنية وعبقرية مبدعى ذالك الزمان الجميل , ثم تلك الحسناء ذات الشعر المرسل الطويل , والتى تطل فجاءة ولا تنشد أوتطوق لشىء سواء الالتقاء والتعرف بك عنوة وتجد فى طلب التسكع معك دونهم كلهم , وأنت بالطبع تتسأل داخلك هل بالصدفة وحدها تفاجئني هكذا لنلتقي سويا وبعيدا من كل رقيب , أم هى تخطط وتدبر بنفسها لكل ذلك وربما على أستيحاء أنثوي صرف , ولا يدرى حتى الان كيف تعرف عليها بعد ذلك وكيف توثقت الصلات بينهم , كانت هى عضوا فأعلة ونشطة ولا يمكن تخطيها باللوحات الخلفية وبأستاذ الخرطوم فيما بعد , وهو فى مقدمة طابورالمتخرجين الاشاوس بالدفعة الاولى لكتائب مايو والحرس الوطني والمنتسبين لجيل العطاء ولأمل وصناع المستقبل , والهتيفة لشعار المليون طوبة لأعمار الدار , ولتتعرف وفى ذخم ذلك كله الان فقط وبعد مشقة وعلى أسمك بالذات والذى كانت تراهن وتبحث عنة تحديدا , وبجد ليلا ونهارا وبالصدفة ومن أحداهن البارحة , أما من جانبه هو بداء الان مستغربا ويشعر فى غرارة نفسة بشقفها الملاحظ , وحرصها الشديد وبمناسبة أو بأخرى بالتعرف والانفراد اللصيق بة هو وحده لا غيره وتجد وتسعى لذلك , ولتحاصره ذات يوما وهو يستعجب لجرأتها الغير عادية هذة المرة بالذات , وعندما فأجأتة هى وصويحباتها بطلات السلة , لتقول أحداهن وهى " الطاف " بنت الدرجة وبحماقاتها ضاربة بكل المحازير عرض الحائط , وبأنفعال وأمام كل أولاد الجزيرة ومدني , الذين كانوا يتسيدون كل الانشطة والمسابقات :
ـ معقول أنت كمان .. وللمرة التانية أيضا " محجوب الجزولي سعيد " ود أم درمان الرجعي .. تطلع لينا كمان تانى فى الكفر ..؟اا , وتفوز لوحدك وبكاس أول الدفعة والانضباط والرماية .. وتنس الطاولة وكمان فريق السلة ..؟؟ اا , وأنتم يا أولاد مدني وحنتوب .. وبحر أبيض والقالوا بتسدوها وتقدوها وينكم ..؟اا واللة أتلومتوا عديل اا.. وصحي فعلا تعبانين شديد .. ؟؟اا , لتقول لها " أوشه " بنت " الحالماب " .. مستنكرة :
ـ أسكتى .. أسكتى .. يا أختى هو كمان قالوا ليك تعب شديد .. ساكت ..؟ أسالي الصول أبو سكيكين .. عشان يمحنك فيهم .. ؟؟اا "
همزة وصل
بعدها كانت هى وصويحباتها لك بالمرصاد فى كل كبيرة وصغيرة , ليتسلل صوتها تلك الظهيرة , والجميع فى أنتظار الترحيل وهى تهتف لاول مره باسمك وتنتحي بك جانبا , وتقول لك بغتة وبجراءة غيرعاديه :
ـ حقيقي أسفه جدا لهذا الاقتحام الفجائي والمباغت , وأنت دائما فى حيرة مشروعه جدا وواجبة وفى متل هذا الزمن الردئ الصعب , كما أن المعسكر نفسه قد شارف على الانتهاء وبعد أيام قلائل , ولم يعد هناك زمن لنضيعه أنا وأنت .. , بعدها كنت تحملق فيها مستعجبا لجرأتها التى تجاوزت حتى الخطوط الحمراء , وأنت آذن صاغية لها لتواصل :
ـ أنا " نسرين خليل " من حلفا الجديدة .. قلت لها :
ـ تشرفنا .. لتقول لك بعدها وبهدوء :
ـ لو بتذكر كويس يا " حجبوا .. " سينما الوطنية أمدرمان وفلم أنطونى كوين " السير ساعات طوال قبل النوم .. حول .. " , هنا أنتبه بكلياتة وكصحؤ الأحلام المنسية , وليقول لها وبذات الهدوء:
ـ مرحبا بالإبطال وبالأحرار .. وتحت الخدمة دائما .. , "حول " .
شرعت بالطبع بعد ذلك تقص علية كل القصص , وبتفأصيلها المملة ومن أستديوا " البربري " والقرية "10" .. نفسها وحتى اللحظة , وتطمأئنة أكثر على صحة عمة " وليد " وأنة ما زال حي يرزق هو وصحبه عكس ما يروجه الآخريين بأشاعة مرضة وموته المختلقة تحت الارض , وأنة ما زال صامدا وصحبه وفى أمنا وأمان , وكل هذة السنوات الطويلة والممتدة والى ما شاء الله ولتضيف قائلة لة :
ـ ولكن وبصراحة شديدة .. كان مسالة الالتقاء بك أنت شخصيا وبالذات .. مشكلة كبرى وعويصة جدا , لعدم وجود شخص ذوثقة كهمزة وصل لطمأنة والدتة بالذات .., وبكل أسف لم يتوفر شخص بهذا المعيار الدقيق .. لدى خالى " البربري " , الا فى شخصي الضعيف ولهذا كان عليهم وعليك .. أن تنتظروني لمدة سبعة سنوات أخرى , .. حتى أشب على الطوق تماما .. ولأكمل السن القانونية لأشارك فى بطولة تنس الطاولة ومعسكر الشباب , والحضور شخصيا .. لمركز شباب أمدرمان حتى التقيك أنت بالذات وأتعرف عليك بالاسم .., وبالطريقة التى لاتعجز بها بنات حواء أطلاقا .. ولتوصيل رسالة عزيزة لامه المكلومه .. " .
بالطبع وبطريقه أو ما سلمته الرسالة المعنية فى شكل شريط طويل , وبشرته بأختيارهم لة للسفر فى منحه للدراسة مستقبليا لـ " برلين " لأغيرها متى ما تهيأت الظروف , وستخطره بها السفارة لاحقا وفى الوقت المناسب , .. ولتقف فجأة مودعه وهى تقول لة بكل أنتباة وجديه وحتى لايسمعها أحد كان:
ـ " حجبوا " تسمعني .. وداعا والسر فى بئر .. لاشفتني ولا.. شفتك.." حول".. رد عليها :
ـ سلاما ووداعا " والبر محشي " تماما .. ولابتعرفينى كمان ولا .. بعرفك .. "حول " ..
أتجاة معاكس
بعدها مضى فى أتجاة أخر مختلف يتلبسه الغرور , وهى تندمج فى دورها المتماهي الجديد والمفتعل ومن باب التمؤيه , وتتجاهله مغاضبه وعنوة وأمامهم وعلى عينك يا تاجر ,
وكلهم تحت غطاء سوء التفاهم وذرائع ومبررات أخرى , مستساغة تماما لطبيعة الظرف والعلاقة التى لاتقوم أساسا على الوضوح والصراحة , وهو بالطبع يتشبث ومازال بحجة سوء التفاهم والتوافق بينهم أصلا , والجميع منشغلين يومها لسماع الاسوء والمزيد يتسالون فى حيره :
ـ ما الذى حدث بينكم ولما هذا التنافر البين ؟؟اا , ماكنتوا كالسمن على العسل ولا خلاص عشان المعسكر أنتهى ؟ واللة فعلا المفارق عينوا قوية .. اا , وآخرين مشاكسين يحشرون أنوفهم , والبص لم يتحرك بعد ولا يتركون صغيرة أوكبيرة والا نبشوها أو قتلوها بحثا , بل وسرعان ما يصبح موضع تندر وتهكم وتشنيعات ممقوتة , مع تحفظه وتزمته والتزامه الصارم المقيت , وخصوصا من أولاد وبنات مدني بالذات , شركاءهم وجيرانهم ومنافسيهم بالمعسكر , ومع تفرق حتى رباط الجميع بين قاب قوسين أو أدنى يتسالون مستعلمين وبأستهجان وبأستغراب :
ـ ماذا قال لك هذا الرجعي المتشكك دائما ؟ , ويعلنوها أولاد مدني جهارا نهارا , حربا بالوكالة ليفاجئهم وسط كل ذلك صوت " أحمد ود العازة " قائلا :
ـ هولكن محظوظ ساكت وبس ؟؟اا .. , لكن أعطونى ياناس .. درهم حظ ولا قنطار شطارة ؟اا.. لينفجروا من كانوا بالبص ضاحكين وبأعلى أصوتهم المزلزلة ليقول أحدهم صائحا :
ـ يا " ودالدباغة "و يا " ألطاف " بنت الدرجة " ولكن هو شنوا كمان الأطرش عامل فيها تقيل .. ولكن هوتقيل ساكت ؟؟ اا , ليواصلوا ضحكهم الممجوج وليجيبوه "ود العزة " المعروف بطول البأع واللسان قائلا :
ـ أنا لكن يا ود" الدباغة " .. التقيل دا ما بتعبنى شديد ؟اا , ليهمس لهم فجاءة ومن آخر الصف " تالتن الفى الحنه والمشاط مشاركن "هجو" ود الفششوية متهكما وبجدية :
ـ المتخلف دا كان بقول ليك شنوا " يا ستهم " , وما مسحتي بة الواطه ..ليه وهو قايل بستأهلك كمان .. لو ما الحب زي ما بقولوا .. ساكت أعمى ؟اا.. , لترتفع وبلا تهيب ضحكاتهم لعنان السماء وهو يواصل :
ـ دا ما كان أصلا لاعب المجد " بانت " أتاقل عليهم واسع حول ولاعب أساسي للمكتبة القبطية .. أو الانجيلية أمدرمان " ,لتلتقط القفاز طيبة الذكر الممثلة الحازقه والمخرجه ألمبتدئيه " أيمان " بنت " كوستى " لتقول متهكمة عليهم وفى شكل أكلاشيه درامي تشنيعي من الدرجة الاولي وبالكامل قائله :
ـ طبعا دا كان بيأخد ويرد معها بمواعظه المتشنجة.. , لما يكون .. وما ينبغي .. , ولية تقريبا نصف ساعة أو يزيد .. وبعد دا كلة أظنه سألها مستفهما بغلظة :
ـ لماذا جئتي من حلفا الجديدة هكذا ولوحدك ؟ وأظنها " الحنكوشه " قالت ليه :
ـ وهو يا أنت .. حلفا الجديدة ما بيجاي .. , قائلها كمان فى ولاية فرجينيا ولا شنو ؟؟اا..
ـ بس ما فيها يا أنت .. أبطال تنس طاولة زيك ..؟اا , وطبعا جئت منها هكذا لالتقيك .. ولأحبك أنت وبس .. دى فيها حاجه ؟اا.. يا بطل .. كل القارات ؟؟ اا , عندها فقط تواصل " بنت كوستي " مسلسل الضحك والتهكم التشنيعي الطويل , لتقول بصفاقة مزرية هذة المره والكل آذان صاغية :
ـ دا البتقندل علينا كلنا .. دا ؟اا , الظاهر يكون من شذاذ أفاق الراسمالية المؤممة .. ولكن المصيبة محظوظ دائما وحجة فى السلة وتنس الطاولة ولتصيح بعدها قائلة لة :
ـ أنت بالفعل أسطورة يا ود الانجيلية , حينها فقط قلت لهم ولم تتردد لحظة واحدة :
ـ أنا ..دائما هكذا أفوز عليكم دائما وأبدا وبالصف .. وكالأسطورة .. , " وليم أندريا " .. بطلا منتطرا على طول الخط .. " , بعدها قالوا مستفهمين وبصوت واحد :
ـ أذن أنت من تكون وفى كل ذلك.. بالضبط ؟اا؟.. ومع كل تلك التخبطات والاسفاف الموجع , لتنبرئ لهم هى نفسها فجاءة وفى تزامن غريب ولاول مره قائله والكل أذنا صاغية :
ـ يا ناس ياهوا .. أنتوا عايزين الحقيقة ولأبنت عمها ؟اا , قالوا بصوت وأحد وهو ينظر لها هى بالذات ومستعجبا ..
ـ عايزين الحقيقة طبعا .. " , قالت لهم بعدها ولم يرمش لها طرف :
ـ فى الحقيقة هو لا هذا ولا ذاك .. هو " فواز الميزر " .. وبس ..اا " .
نيفاشا الاخرى
ثم أنقضت الاجازة وأحتفاليات مايو والتى لاتكاد تعد أوتحصى , وبطولات كرة القدم والسلة والطاولة , والعروض الغنائية والمسرحيات ومعسكرات الشباب الصيفي ذاك العام , وأنفضت تلك الايام ولياليها وأضحت مجرد ذكرى عابر ودروس وعبر , وتفرقت بنا بالطبع السبل ورغما عنا هى بالطبع وكما يقول , معترفا رتبت نفسها من لحظتها منقولة مع أسرتها ومن " حلفا الجديدة " لـ " بورسودان " , للحاق بوالدها وكيل متعهدي تموين البواخر وقاطرات سكك حديد السودان هناك , وأنا من أمدرمان أتجه للدويم لالتحاق بمعهد المعلمين ببخت الرضا , ولأجد نفسي أن شئت أو أبيت أتصدر المطالب والنشاطات الطلابية , وأنخرط بكلياتي فى دروب السياسة الشائكة ذاك الوقت ومن أوسع أبوابها , فأنا وبالفعل الان المتمكن وأبن عرصاتها , والذى لا يشق لى غبار وأنخرط فى صياغة وتدبيج البيانات والخطب الطنانة , وأتصدي بدون كبيرعناء للمهاترات والكم الهائل والمحير حتى من الصحف الحائطيه الماجوره وأنا يومها حديث عهد بالسياسة وبكل شىء أثبت بقوة لباقتي وأستعراض ملكاتي كخطيب مفوه ضليع , بالركن الجنوبي وأنا قاب قوسين أنافح حتى مجلس أدارة المعهد وأحاول مع بعض الزملاء الذين تعجبهم أطروحاتى وحتى أنافس لرئاسة الاتحاد , بل وأمسك العصا من منتصفها , ولكننى وفى كل ذلك أبدوا صدي لجبهة عريضة متنامية من المستقلين , تنافح فى جميع المطالب وقضايا الطلاب بالبوفيه والسفره والترفية بالداخليات وقضاياه الوطن الكبري المشروعه والملحه , والكل يدعونى بأريحيه للانضمام تحت لواءه , وأنا المستقل كثيرا ما أحيد من كل هذا ولم أجد نفسى حقيقة الاعندما فصلوني , لمواقفي المتعنتة والمصادمة فى آحايين كثيرة للادارة , ولأعانى بعدها الأمرين ولأعوام عدة لأجد أخيرا مجرد منفذا أو أمل لبعثة ومبعدا خارج البلاد , ولاكمال دراستي بجامعة "برلين " , وكما توقعوا أو أرادوا هم مبعوثا ولمدة ثمانية سنوات بعيدا عن الوطن وأحداثة الجثام وتغير الخرطة السياسية بالكامل ولمشروع كبير فضفاض يحوى أدعا كل الحادبين على مصلحة البلاد والعباد وبلا تمييز , لأعود دكتورمشارك ولاتبؤا بعدها رئاسة شعبة الترجمة والفلسفة بجامعة الخرطوم , وأعبر بالسياسة فجأة لبحر الدبلوماسية ودهاليزها الواسعة والشائكة , بل وأنا الان ذاك الشاعر الرصين والناقد الأديب الأريب , والذى يقفز مباشره ويتخلي بالترقيب تأرة وبالترهيب عن دورة المشاكس القديم , ليعودوا بذات المكر وهكذا ليبرجزوني عنوة أن شئت أو أبيت رئيسا للهيئة العليا للنفير القومي للآداب والفنون والمسرح , ورئيس لجنة الصداقة الشعبية وحوار الحضارات , ويفوضوني :
ـ وأنت ولطالما تريد تمثيل السودان والتحدث بأسمه فى المحافل الدولية ؟ , أذن فلتذهب ومنذ اليوم مفاوضا ومترجما أصيلا فى أتفاق السلام , وينبرئ فجأة من حيث لا أدرى أحداهم ويقول لى :
ـ أن شيئت سمي نفسك يا دكتور ما تشاء .. , وكل الوظائف الاكاديمية مشرعة لك خبير وطني بدرجة وزير ومستشار , وعضو مؤسس ورئيس لاتحاد نقاد أفريقيا واسيا وهلمجر وستحاضر كمشارك بالجامعات , وستدير جائزة الطيب صالح للرواية والقصة والشعر , أو حيث شئت بل ومدير لمنظمة الإغاثة وأيواء المتضررين من الكوارث بغينيا الاستوائية وبنين وجزر القمر ,أو محافظ للحصاحيصا ومدير مؤسس لجامعة البطانة ..
ـ ولكن لن تكون أبدا .. وفى أى يوم من الايام مدير لجامعة الخرطوم نفسها , ولن يتحقق لك هذا المطلب والحلم ألتشريفي , وأنا وزير دولة برئاسة الوزراء وحى أرزق , وأدير بطريقة أو ما العملية التعليمية برمتها وهذا المجلس الأعلى للثقافة من هذا الجهاز الحساس , هكذا صارحني يومها المهندس لؤى مدير عمليات الظل وكأنة يسكن داخل أفكاري تماما , وهو يقول لهم داخل مضابطهم السرية منافحا رؤساءه الكبار الذين ينحازون لجانبي تماما ويصرفوه دائما عنى بعيدا " وهو ينافحهم قائلا :
ـ وحتى ولو .. ومهما كان التزامه ونزاهته ومؤهلاته وعبقرياته الفذة والغير محدودة .. ؟اا..
ـ كيف نغض الطرف عنة وهو بالذات وتاريخه ألأسود القاني اا , وهو ينافحنا بغلظة وخشونه وداخل كل الاتحادات وأنتخابات الثمانينات كلها ومستقلا وفى "برلين " نفسها , وحتى أيام معسكر ومؤتمر الطلاب العالمي فى "صوفيا " قولوا لى رغم التزامه البين والظاهر , ونزاهته لما وقف أيضا محايدا ؟ وهذا كان فى حد ذاته خيانة .. وضد المصالحه التكتيكيه مع مايو ؟ كما رصد لعمة " وليد الجزولي " أخر المنظرين المعروفين نشاط جبار معادي , لنا بعد ذلك والذى عاش جل حياته مختفيا تحت الأرض " بحلفا الجديدة " ومات هناك ولم يجد حتى من ينعية غيرنا نحن أبناء السودان البرره , قولوا لى ماذا قدموا فعليلا للبلاد ؟؟ , ولكل ذلك فأنت رغم توبتك ورجوعك للطريق القويم الان الا انك لاتعدوا فى نظره سواء شبهه بالمولد والقربة والفطرة حتى , ولن تصلح بعد اليوم الا أن تكون واجهة لعلاقات عامة ومزايدات وحفظ توازنات جهوية لا أكثر ولا أقل , لتقزف بك الاقدار لرئاسة المجلس القومي للبحوث والتعليم العالي ونقل التكنولوجيا ومديرا متفرغا بدرجة وزير لقطاع الإعلام والتلفزيون والمسرح والبث الفضائي المباشر , وعضو دائم بلجان الثقافة والتأصيل والفكر وكتنقراط وشخصية قومية متفق عليها ولا يشق لك غبار , ومع ذلك تخرج الان مغاضبا والوساطات تطاردك بالعواصم المختلفة للعودة مجدد للبلاد وبلا طائل أوجدوي .
مسارات
أما هو فبلسانه يكمل بعد ذلك ليقول ومتحررا وبعيدا من أى ضغوط الان فقط أستقربى المطاف أخيرا لقضاء أجازة طويله وربما نهائية , مستجما من سيل الضغوطات والهموم اليومية التى صرت أرزح تحتها , والمشاكسات الصحفية والمعارك التى باتت فى غير معترك , والتى أخذت ولشىء فى نفس يعقوب تصورنى بأننى لم أخرج هكذا عن الاجماع الحزبي الاخير بتصعيد الشباب , الا لتأليب الرأى العالمي للطريقة العقيمة والموسمية الممجوجة , والبعيدة كليا عن أسترتيجيات ومطلوبات العولمة والتى تدار بها حاليا وللأسف العملية التعليمية ككل والأندية والمنتديات والقصور الثقافية .
وليفضفض قائلا بجدية وثقة وكاعتراف أخير وضروري , يومها كنت أسير وحيدا ومهموما بالقرب أو من تحت برج أيفل وسط مدينة العلم والنور باريس , وأنا أزوب نفسى فى زحامها الهادي وساحاتها الخضراء النضرة , وطرقها الفسيحة الواسعة كنت بالفعل غريبا وسط غرباء , لياتينى فجأة صوت كالهمس ينادي :
ـ " فواز" , أحسبة بالطبع أسما شائعا للشوام الذين تزدحم بهم شوارع ومقاهي الشانزليزية , والمحازية للشارع الرئيسى العريض ليتبين لى لحظتها شبح لفتاة سمراء فاقعة الون تماما , حسبتها تشابهت على فـ " باريس " تعج بالحسان السمروات من سواحل الذهب والعاج الافريقي البديع وما أكثر السمر الأفارقة واللاتينيين هاهنا , لكنها كانت وحدها هى التى تشير على بيدها مباشرة وتحديدا ولا مجال أبدا حتى لآى تأويل آخر بعيدا عنى ودوني , وأنا مستعجب ومستغرب فوصولي كان ومنذ عدة أيام قلائل فقط , ولا يعلم بوصولي الا السفير والذى لم أسعد أو أتشرف بمقابلته حتى الان , ولا أعرف هنا أحدا أوكائنا من كان من رفقاء أو زملاء دراسة أو عمل , ولا أنتظر من أحد كان حتى أن يعرفنى , ولا أحبذ حتى أن يعرفنى أو ينتظرنى أحد بصراحة " أى ونت تو بريك فرى " أريد أن أروح فى أجازة بلا حدود وأنزعاج كما تقول الفرنجة , بل أريد أن أعيش بعض من الوقت أو الزمن نكرة كبرى وكم مهمل , أحن الى أيام الفرار والعيش وحيدا فى " برلين " , وعندما كررت النظر رأيتها تلهث خلفي وتجد فى طلبي ولم أتبينها حقيقة , الا عندما يئست ثم رفعت عقيرتها لتقول لى وبلكنة سودانية قح :
ـ تتجازى يا أنتا .. القومت لى نفسى .. الشىء ما بتسمع طرشت خلاص ولا شنوا يعني ؟اا ولا منتظرنى أقول ليك :
ـ لو بتذكر كويس يا " حجبوا ." سينما الوطنية أمدرمان وفلم أنطونى كوين ... " حول " .. هنا فقط تدخلت على عجل مقاطعا حديثها برمته وأنا أضع أبتسأمة حزرة واسعة :
ـ بس .. بس أرجوك أخرجينى من هذة الشفرة نهائيا .. وقصة "حول " ومرحبا ووو.. الذى منة , بعدها أخذنا نضحك للنخاع ونحن نترحم حقيقة على أولئك النفر الانقياء الذين لو تنادوا فى جنات الفردوس , لم يتغيب منهم أحدا سوانا الاثنين ولله درك .
بالطبع تجازبنا أطراف الحديث والمجاملة المعتادة , ونحن فى عجلة من أمرنا , كما أن ألمقاه كانت مزدحمة تلك الظهيرة الباردة عن أخرها والضباب بداء باكرا يلف بعباءته المدينة عن أخرها , ندور هنا وهناك وفشلنا فشلا زريعا فى أن نجد ولومقعدا شاغرا وأحدا نأهيك عن أثنين , وأخيرا أشرت لها على كافي كلاسيكي هادى القسمات مثير للجدل ساقتني الية قدماي ذات ظهير عن طريق الصدفة , كان يجلس علية فى السابق وللمفارقة الكبري المفكر أوالفيلسوف ديكارت والكاتب الفرنسي الجرئي جان جيني والمغربي أبراهيم شكرى صاحب " الخبز الحافي " والروساء بمبيدوا وفرنسوا مترا وبوكاسا امبراطور أفريقيا الوسطي , وكما تتوزع صورهم الموحية , وبالتمام على يمين الشوارع الداخلية المطلة على حوافي نهر السين أوالساؤون ولم أتبين ذلك بعد , كنت ألوز بة دائما ومنذ وصولي وعندما أشعر حقيقة بؤطأة الوحدة والملل من غرف الفندق وهدير الفضائيات المحملة والمضمخة عن أخرها بتلك الاخبار الملتهبة كالعدوان على غزة وظهور الايبولا وفشل قمة المناخ ورضوخ الصين لتخفيض اليوان والتهاب الأسعار , وتصاعد أسهم مكروسفت وذهاب ساركوزى باكرا والذى منة .... أعتذرت لى بلباقة وقالت أنها تسابق الزمن للحاق بالمترو والذى سينطلق بها لجامعة " ليون " فهى أستاذة زائرة هناك وتجد فى الحصول على دكتوراة دولة أو لقب بروف ولكنها باغتتني فجأة ومستدركة لتنفض يدها عنى وأنا أعزرها فى ذلك لأنها غير ملمة الا ببعض ظروفي , وتواجدي المفأجى لمدينة النور باريس كناقد سأتناول موضوع الترجمة والتناص بين الاتجاه الفكري الحداثى ومدرسة الواحد فى أعمال الكاتب " خلف اللة " .
لتقول :
ـ أعرف بالطبع ومهما كانت المدة التى ستقضيها هنا بأنك حديث الوصول .. وبالطبع تحيط بك بعض المشاكل العويصة وأنصحك .. بان تتركها للزمن ولتحل نفسها ولوحدها وإياك والعجلة .. وألزم دائما الصبر والجلد فطول الأمل معهم حقيقى هنا يبلغك فعلا الأجل .. كما أننى لن أكذب عليك وأوعدك بلقاء أخر قريب أو ترتيب لقاءات .. مع أخريين أو أى أحد كان .. فهذا شىء حقيقي ليس بيدي فالكذبة البيضاء هنا تكلفك الكثير والموجع .. ومعارفي قليلة هنا ثم أنا شخصيا لن أستطيع أن أقدم لك أى خدمة منتظرة وانت كما أعلم .. ستحل بعد أيام قلائل ضيفا على متحف اللوفر فى أحتفاليتة السنوية .. وأنت بالصدق فى حلا عن كل ذلك .. صحيح أن زوجي قنصل عام ولكنة يملك ولا يحكم أبعد من أرنبة أنفة.. لأنة ليس من ذات الشوكة .. ولولا باعة الدبلوماسي الواسع وعلاقته الشائكة بمستوردى الصمغ العربي من الشوام والأقباط السودانيين والذين يحملون الجنسيات الغربية لتخلصوا منة بالتنحي وهو الوحيد الذى يملك خيوط وخفاية مسارات الإفلات حتى من العقوبات والحصار الدولى , ورغما عن ذلك فنحن نعيش فعلا على أعصابنا ونفكر فى الذهاب بعيدا " قالت لى :
ـ أتذكر تلك الايام واللة فعلا عمر الشقي بقى , لم يكن هناك جديد كما تأمل أو أى أمل قالت :
ـ بالطبع أممت ممتلكات أبى وصودرت بالكامل وتفرقنا أنا وأخواتي أيدى سبأ وكنت فى قسمة الأسلاب من نصيب أحد ضابط الاتصال , ولكنة أبن بلد أصيل وغيور وأنا فخور بة وهو كذلك تزوجنا وكان قد وعدني أن يقدمني بصوتي الملائكي للجمهور كمطربة أولى .. , ولكنة أضني على وعليهم ولم يفعلها وقدمني فقط لنفسه كزوجة غريبة.. لا تعجب أمة فى كل شىء بعد ذلك .. ولكن ماذا نفعل وهولاء الحكام القادمين الجدد يخيرونه بين الاستيداع أو ينقلونة تعسفيا الى سقف العالم الهملايا , ولكننا نتجه الان حتما غربا أننى أشتاق كثيرا للوطن الغالي .. ولكن ليس باليد حيلة فقد أذهب بعد كل هذة السنوات ولا أعود أبدا ولكن أبنائى بمراحل تعليمية حساسة ولن أتخلى عنهم .. بل وهذة السنة العاشرة منذ أن تكحلت عينى بأخر مدينة عربية حقيقة .. وهى " طنجة " لا أريد ان أقضى شتوية أخرى هنا فالبرد والصقيع يحيل الحياة الى شىء آخر مختلف لا معنى لة .. من الوحدة والتعاسة ولكن لا مناص .. .
نهاية بلاحدود
كما كنت متوقعا وهى تري الشيب يزحف على فودي , التفتت بكليلتها ولتسالنى بذات السؤال اللغز والذى كم أطاح بى كثيرا , ولم أجد لة حقيقة حتى الان أجابة شافية , أوتركيبة ناجعة ووأضحه , لتضيف وهى ربما لا تنتظر أجابه :
ـ معقول حتى الان .. لم تجدها كما تقول كل أعمالك وكتاباتك , التى ليست لها صراحة نهايات معينة .. بل مفتوحة على أى تأويل .., كأنك أطلقت العنان للبنيويين الجدد لكي يتحزلقوا حول سيرتك الذاتية كيفما يشاءون , ولكنك على وجه آخر تمارس المكر الحميد فى الكتابة نفسها , ومهووس للنخاع بكتابة الحياة السرية للأشياء الحائرة والمنسية لبعضهم ولاتستثنى أحد .. , وهذا ما يبهرني ويشدني لقرأتك دائما , ثم أيعقل رغما عن كل هذة السنين الطويلة , أن لا تجد حتى ولو شبيه لها أم تخطيت كل هذا الان .., ثم تلك الم تكن مقنعة بما فيه الكفاية لقد كنت قاسيا .. وخدعتها كما يبدوا , ولم تتزوجها كما كان الجميع يأملون .. , ولكنها كانت جسوره أكثر منك وعبرت بالجرح وتزوجت من أشهم وأنبل رجل فى العالم خالى " البربري" .., أما أنت فلن تتزوج ستظل هكذا عازب ولأجل غير مسمى لأنك لوشيت لفعلت .., ولكنك أحببت وتزوجت دائما المناصب والسفر والنجومية السياسية البراقة والأنيقة , لتنحوا بعدها بالحديث الى منحى أخر , قالت لى :
ـ العام الفائت كنت أنتظر قدومك من القاهرة لباريس انت والمبدع صاحب " الجنقو " ولكن فوجئت الأوساط الفرنسية بسفرك عائدا للخرطوم مرة أخرى , وسفرة وهو بعيدا " سلفادن " على ما أظن بـ " النمسا " , على عكس ما كنت أتوقع أن يذهب لألمانيا نفسها للاستزاده بالألمانية فى عقردارها وليستمتع بترجماته وبالأخص لرواية " مسيح دارفور" تحديدا , والتى تدرس بالجامعات والمعاهد هناك كما أحسب لك وقوفك بجانب رواية " الجنقو " ,المثيرة للجدل والتى أوصيت أنت شخصيا بفك حظرها ولكن اليد الواحدة لا تصفق .. " .
حقيقي كنت أنظر لتشفيها وحدتها وأنا أعزرها .. , فأنا دائما جبلت أو وطنت نفسي على أن أسمع كلام الذى يبكيني من الذى حقيقة يفرحني أو يضحكني كما يقول المثل ولا قضاضه ومنها هى بالذات , ولا أسباب ذاتية وشخصية بحتة أعرفها واحملهما أنا لوحدى وللأسف الشديد داخلي , ودعتني بلا ترتيب هكذا وبطريقتها الفوضوئية الخاصة وانا مزهول وهى تقول :
ـ حبابك الف يا "فواز " .. ووداعك الف ..
ـ وأسفي الشديد البرنامج هنا .. مزدحم والوقت يمضى كما ترى كالسيف " , ودعتها وعينى مازالت متشبثه بها وكما رايتها فى ماضي الايام ولاول مره , وأنا أعزر نفسى وأواسيها .. وأقول لها داخلي :
ـ أما زلتم تراهنون على " فواز الميزر " ..
ـ بل هذا حقيقي ما سيكون فعلا أسم على مسمي .. , لو فزت بمدير لجامعة الخرطوم أو بك أنت على الاقل .. ؟اا..
ـ ولكن هيهات .. ثم هيأت فقد فرزت الكيمان .. ,
ـ .. وحقيقي بعد الفتح .. ما فى طريق برجعي .. .
تمت ,,,
فتحي عبد العزيز محمد
ـ سوداني
نيروبي ـ مقهى القط الأسود
31 /12/2010م
Comments
Post a Comment