أقاييب: سياسة الموسيقى وموسيقى السياسة عند الهدندوة، 1986
د.عبد الله علي إبراهيم
(هذا مشروع ورقة لم تكتب. آمل أن تحمس باحثاً شاباً علقاً بالإثنوغرافيا لالتقاط خيطها واستكمالها بعمل ميداني. وأن تحفز هدندوي "جيبه كبير" لتمويله).
تصف الورقة الظروف السياسية التي جعلت اتحاد أبناء الهدندوة (هدوت) يتخذ "وتر" (معزوفة على الزمبارة) أقاييب شعاراً موسيقياً له خلال نشاطه السياسي الانتخابي في عام 1986. فتصف الورقة استخدام هدوت السياسي للوتر في حشد الهدندوة وتأليبهم لانتخاب مرشحيه للجمعية التأسيسية. وتصف الورقة اعتراضات خصومهم على تسيس الوتر. وهي اعتراضات نظروا فيها إلى الأعراف الإثنية المرعية في استخدام ذلك الوتر. كما تذكر الورقة الوجوه التي رد بها هدوت على تلك الاعتراضات.
خرج قطاع مرموق من شعب الهدندوة على مؤتمر البجا بعد انتفاضة ابريل 1985 ليؤسس هدوت، منظمة اتحاد أبناء الهدندوة. وقاد هذا الخروج الهدندوي بيت النظارة من آل ترك، وكادر الاتحاد الاشتراكي المنحل من أبناء الهدندوة. ولمعرفة أسباب هذا الخروج الهدندوي وجب الوقوف على نوع الأداء السياسي لمؤتمر البجا منذ قيامه في 1958. وهو الأداء الذي انطبع بصدام شعوب البجا فيه، وتحالفات جماعة الختمية الغالبة بين البجا وثقلها فيه، وفي سياق جماعة الأنصار المنافسة للختمية لاسترداد ولاء البجا التاريخي لها خلال الثورة المهدية.
فقد انحل مؤتمر البجا كغيره من المنظمات السياسية بعد انقلاب مايو 1969. وكانت نزاعات شعوب البجا فيه قد سبقت إلى إضعافه. وتجددت هذه النزاعات بين هذه الشعوب في أطر الحكم الإقليمي واللامركزي التي ابتدعها نظام الرئيس النميري. وكان الختمية، المستترة والغالبة، في تقدير كثير من قادة العمل المايوي السابقين بين الهدندوة، تستعين بغير الهدندوة من البجا على الهدندوة.
وحين اتيحت حرية التنظيم والتعبير بعد الانتفاضة خرج الهدندوة باتحادهم، هدوت، ضيقاً بالختمية وببقية البجا في ملابسات تستحق مزيد درس. ووقع اختيار هدوت على وتر أقاييب رمزاً له. وهو وتر يرسم بدقة متناهية الحدود بين الإثنية الهدندوية وما عداها. وللوتر وقع لاهب ساخن على الهدندوي ينساق له سوقاً. ويبرج على إيقاعه في حلقة العرضة وعروض السيف. وقد وقع هدوت على الوتر ك"سلام وطني" للهدندوة في مدينة كسلا في ملابسات لم أقف عليها بعد في تحرياتي.
الأصل في هدوت أنه وتر خاص بفرع الشبوديناب من الهدندوة. وينسب تأليفه إلى فارسهم حسين محمدين، الذي ربما عاش خلال العهد التركي 1821-1885، الذي تعزى بعزف الوتر وهو يرى البشاريين البجا يسوقون إبله. وتحمس قومه بالوتر، وفزعوا لاستراد منهوباتهم. وكان هذا الأصل الشبودينابي حجة اتخذها خصوم هدوت من الهدندوة الختمية (وفيهم نفر من الشبوديناب) لشكوى هدوت للحكومة لاستخدام رمز مخصوص لفرع من القبيلة في ما لم يخصص له. وقد بلغ معارضو هدوت بشكواهم أجهزة الأمن في سنكات وبورتسودان التي اضطربت بين الإذن لهدوت بعزف أقاييب، أو حظره، أو تقييد استخدامه بضوابط.
يعترف هدوت في مرافعته بأصل أقاييب بين الشبوديناب إلا أنهم يزعمون أنهم ليسوا أول من عممه على الهدندوة. فيقولون إن الشيخ موسى إبراهيم، ناظر الهدندوة في حوالي العقد السادس من القرن التاسع عشر، وظف الوتر في صراعه ضد الأتراك والبجا الآخرين. وقيل إن الأمير عثمان دقنة استخدمه أيضاً ليلهب حماس الهدندوة الأنصار وغيرهم في ساحات الوغى ضد الإنجليز والأتراك. ومهما كان صدق هذه الإشارات الباكرة في توظيف الوتر لعموم الهدندوة إلا أن الوتر، في واقع الحال، له وقعه الخطر على الهدندوة قاطبة.
نعلق على هذا البحث أملاً في دراسة الإشارات التي تواترت من شرق السودان عن دور الموسيقى في رسم الحدود الإثنية وتبويبها. فقد ورد أن شعب الحمران يعدون من الخصوم من عزف وتراً مخصوصاً لهم وجبت رشوته للكف عن العزف به، أو الحرب. ويأمل البحث أن ينتقل من واقع الدراسة المخصوصة إلى أفق نظري حول الهوية والرموز الثقافية حسب رأي معاصر يقول إن الهوية ليست ثبتاُ معلوماً من الرموز المشتركة. بل هي الطريقة المميزة التي تناور بها الجماعة برمز ثقافي للتدقيق في رسم حدودها الإثنية، ولدفع صورتها الحسنة ومصالحها عندها قدماً. وهذا بعض ما فعله هدوت بوتر اقاييب في ملابسات انتخابات 1986.
(وفر لي برنامج أبحاث البحر الأحمر التضامني بين جامعة الخرطوم وجامعة بيرقن عملي الميداني بين الهدندوة في عام 1988. له الشكر المتأخر)
د.عبد الله علي إبراهيم
(هذا مشروع ورقة لم تكتب. آمل أن تحمس باحثاً شاباً علقاً بالإثنوغرافيا لالتقاط خيطها واستكمالها بعمل ميداني. وأن تحفز هدندوي "جيبه كبير" لتمويله).
تصف الورقة الظروف السياسية التي جعلت اتحاد أبناء الهدندوة (هدوت) يتخذ "وتر" (معزوفة على الزمبارة) أقاييب شعاراً موسيقياً له خلال نشاطه السياسي الانتخابي في عام 1986. فتصف الورقة استخدام هدوت السياسي للوتر في حشد الهدندوة وتأليبهم لانتخاب مرشحيه للجمعية التأسيسية. وتصف الورقة اعتراضات خصومهم على تسيس الوتر. وهي اعتراضات نظروا فيها إلى الأعراف الإثنية المرعية في استخدام ذلك الوتر. كما تذكر الورقة الوجوه التي رد بها هدوت على تلك الاعتراضات.
خرج قطاع مرموق من شعب الهدندوة على مؤتمر البجا بعد انتفاضة ابريل 1985 ليؤسس هدوت، منظمة اتحاد أبناء الهدندوة. وقاد هذا الخروج الهدندوي بيت النظارة من آل ترك، وكادر الاتحاد الاشتراكي المنحل من أبناء الهدندوة. ولمعرفة أسباب هذا الخروج الهدندوي وجب الوقوف على نوع الأداء السياسي لمؤتمر البجا منذ قيامه في 1958. وهو الأداء الذي انطبع بصدام شعوب البجا فيه، وتحالفات جماعة الختمية الغالبة بين البجا وثقلها فيه، وفي سياق جماعة الأنصار المنافسة للختمية لاسترداد ولاء البجا التاريخي لها خلال الثورة المهدية.
فقد انحل مؤتمر البجا كغيره من المنظمات السياسية بعد انقلاب مايو 1969. وكانت نزاعات شعوب البجا فيه قد سبقت إلى إضعافه. وتجددت هذه النزاعات بين هذه الشعوب في أطر الحكم الإقليمي واللامركزي التي ابتدعها نظام الرئيس النميري. وكان الختمية، المستترة والغالبة، في تقدير كثير من قادة العمل المايوي السابقين بين الهدندوة، تستعين بغير الهدندوة من البجا على الهدندوة.
وحين اتيحت حرية التنظيم والتعبير بعد الانتفاضة خرج الهدندوة باتحادهم، هدوت، ضيقاً بالختمية وببقية البجا في ملابسات تستحق مزيد درس. ووقع اختيار هدوت على وتر أقاييب رمزاً له. وهو وتر يرسم بدقة متناهية الحدود بين الإثنية الهدندوية وما عداها. وللوتر وقع لاهب ساخن على الهدندوي ينساق له سوقاً. ويبرج على إيقاعه في حلقة العرضة وعروض السيف. وقد وقع هدوت على الوتر ك"سلام وطني" للهدندوة في مدينة كسلا في ملابسات لم أقف عليها بعد في تحرياتي.
الأصل في هدوت أنه وتر خاص بفرع الشبوديناب من الهدندوة. وينسب تأليفه إلى فارسهم حسين محمدين، الذي ربما عاش خلال العهد التركي 1821-1885، الذي تعزى بعزف الوتر وهو يرى البشاريين البجا يسوقون إبله. وتحمس قومه بالوتر، وفزعوا لاستراد منهوباتهم. وكان هذا الأصل الشبودينابي حجة اتخذها خصوم هدوت من الهدندوة الختمية (وفيهم نفر من الشبوديناب) لشكوى هدوت للحكومة لاستخدام رمز مخصوص لفرع من القبيلة في ما لم يخصص له. وقد بلغ معارضو هدوت بشكواهم أجهزة الأمن في سنكات وبورتسودان التي اضطربت بين الإذن لهدوت بعزف أقاييب، أو حظره، أو تقييد استخدامه بضوابط.
يعترف هدوت في مرافعته بأصل أقاييب بين الشبوديناب إلا أنهم يزعمون أنهم ليسوا أول من عممه على الهدندوة. فيقولون إن الشيخ موسى إبراهيم، ناظر الهدندوة في حوالي العقد السادس من القرن التاسع عشر، وظف الوتر في صراعه ضد الأتراك والبجا الآخرين. وقيل إن الأمير عثمان دقنة استخدمه أيضاً ليلهب حماس الهدندوة الأنصار وغيرهم في ساحات الوغى ضد الإنجليز والأتراك. ومهما كان صدق هذه الإشارات الباكرة في توظيف الوتر لعموم الهدندوة إلا أن الوتر، في واقع الحال، له وقعه الخطر على الهدندوة قاطبة.
نعلق على هذا البحث أملاً في دراسة الإشارات التي تواترت من شرق السودان عن دور الموسيقى في رسم الحدود الإثنية وتبويبها. فقد ورد أن شعب الحمران يعدون من الخصوم من عزف وتراً مخصوصاً لهم وجبت رشوته للكف عن العزف به، أو الحرب. ويأمل البحث أن ينتقل من واقع الدراسة المخصوصة إلى أفق نظري حول الهوية والرموز الثقافية حسب رأي معاصر يقول إن الهوية ليست ثبتاُ معلوماً من الرموز المشتركة. بل هي الطريقة المميزة التي تناور بها الجماعة برمز ثقافي للتدقيق في رسم حدودها الإثنية، ولدفع صورتها الحسنة ومصالحها عندها قدماً. وهذا بعض ما فعله هدوت بوتر اقاييب في ملابسات انتخابات 1986.
(وفر لي برنامج أبحاث البحر الأحمر التضامني بين جامعة الخرطوم وجامعة بيرقن عملي الميداني بين الهدندوة في عام 1988. له الشكر المتأخر)
Comments
Post a Comment