في أول تقرير سنوي من نوعه عن الإتجار بالبشر تحت الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب، صنّفت الخارجية الأمريكية دولًا عربية عدّة في المستويين الثاني والثالث لتمنح معظمها بذلك صفة تحت المراقبة، مما يضعها مجددًا تحت عيون المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية، في وقت وصل فيه ضحايا الإتجار بالبشر حول العالم إلى 20 مليون شخص.
سوريا والسودان في "المستوى الثالث"
كما كان متوقعًا، صنّفت الخارجية الأمريكي سوريا في "المستوى الثالث"، في تقريرها الأخير عن الإتجار بالبشر، والذي شمل هذا العام 187 دولة ومنطقة بما فيها الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن سوريا لم تفعل شيئًا ملموسًا تجاه الحد من هذه الظاهرة التي ما فتئت تتفاقم هناك، وبلغ عدد الدول التي أدرجت ضمن المرتبة الثالثة 23 دولة، بما فيها الصين وكوريا الشمالية وروسيا وإيران والكونغو وغينيا.
وقال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، خلال مراسم إطلاق الوزارة تقرير الإتجار بالبشر لعام 2017، حضرها الرئيس دونالد ترمب وابنته إيفانكا: "الآلاف من النساء والأطفال في أنحاء مختلفة من العالم، يتم الإتجار بهم وهو ما يعتبر شكلًا من أشكال العبودية الحديثة"، على حد قوله.
واتهمت الخارجية الأمريكية في تقريرها، نظام الأسد ومليشيات كردية بتجنيد الأطفال قسريًّا في عمليات القتال بصفوفهما في سوريا والعراق، وأوضحت في التقرير أن نظام بشار الأسد ما زال مستمرًّا في التجنيد الإجباري للأطفال واستغلالهم كمقاتلين، ووفرت الحرب الدائرة في سوريا أرضًا خصبة لتجار البشر بمباركة النظام السوري.
كشف التقرير الأمريكي أن الخرطوم لا تقوم بأي جهود من أجل وقف ظاهرة الإتجار بالبشر باعتبارها لا تملك الوسائل الكفيلة بذلك
وأكّد التقرير أن النظام "لم يحم الأطفال أو يمنع تجنيدهم أو استغلالهم من قبل الحكومة والمليشيات الموالية له ومنظمات إرهابية مثل تنظيم الدولة"، وتكررت عمليات نشر صور الأطفال وهم يحملون السلاح ويقاتلون إلى جانب قوات الأسد، حيث قتل العديد منهم بالمعارك الدائرة في سوريا.
وسبق لعديد من التقارير الحقوقية، أن أكّدت ارتفاع عدد حالات الإتجار بالأشخاص التي تعمل معظمها لشبكات خارج سوريا، وتتواصل مع سوريين في الداخل، وترجع التقارير زيادة جرائم الإتجار بالأشخاص في سوريا، إلى أن هذا البلد العربي أصبح من دول المنشأ بجرائم الإتجار بالأشخاص بعدما كان من دول العبور.
تجنيد الأطفال ضمن المليشيات المسلحة في سوريا
من ضمن الدول العربية التي صنفت في هذا المستوى الثالث إلى جانب سوريا، نجد السودان، إذ كشف التقرير الأمريكي أن الخرطوم لا تقوم بأي جهود من أجل وقف ظاهرة الإتجار بالبشر باعتبارها لا تملك الوسائل الكفيلة بذلك، ودعا التقرير الخرطوم إلى العمل على وقف ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل مختلف المجموعات المسلحة.
ويقسم التقرير الأمريكي مستويات مراقبة الإتجار بالبشر إلى ثلاث درجات، وتشير الدرجة الثالثة إلى عدم بذل جهود لمنع أعمال الإتجار بالبشر، بينما تشير الدرجة الثانية إلى وجود مراقبة، وإذا أدرجت دولة ضمن الدرجة الثالثة فقد يتم وقف تقديم مساعدات إنسانية ومعونات مالية إليها من قبل صندوق النقد والبنك العالميين.
ليبيا واليمن.. حالات خاصة
لا تزال اليمن وليبيا حالات خاصة، فقد تعمقت الأزمة الأهلية والأزمة الإنسانية في كلا البلدين خلال الفترة المشمولة بالتقرير وأصبحت المعلومات المتعلقة بالإتجار بالبشر صعبة على نحو متزايد، واتهمت وزارة الخارجية الأمريكية الحكومة اليمنية بالضعف والتهاون في مكافحة عملية الإتجار بالبشر داخل اليمن، معتبرة أن خروجها من اليمن ساهم في زيادة هذه الظاهرة.
أوضح التقرير أن الحكومة اليمنية لم تبذل أي جهود ملموسة في مجال مكافحة الإتجار بالبشر
وتطرق التقرير إلى وضع المهاجرين الأفارقة في اليمن، وعملية الهجرة من اليمن إلى المملكة العربية السعودية عبر الحدود، والاستعباد المنزلي للأطفال والنساء من النساء، وتجنيد واستخدام الجنود الأطفال، والعمل الجبري للعمال المهاجرين، مؤكدًا أن الوضع تفاقم منذ العام 2015م عندما اضطرت حكومة الجمهورية اليمنية إلى المغادرة والتخلي عن السيطرة على أجزاء كبيرة من المنطقة.
وأوضح التقرير أن الحكومة اليمينة لم تبذل أي جهود ملموسة في مجال مكافحة الإتجار بالبشر، والتحقيق مع مرتكبي جرائم الإتجار ومقاضاة مرتكبيها، حيث إنها لم تتمكن من الوصول إلى المحاكم أو الإشراف عليها، كما أنها لم تشجع الضحايا على المساعدة في التحقيقات أو الملاحقات القضائية على المتاجرين بهم أو تقديم المساعدة إلى رعاياها الذين أعيدوا إلى الوطن بعد استمرار الإتجار في الخارج.
تصنيف الدول العربية في التقرير الأمريكي
وفي ليبيا، أيضا، يتكرّر نفس المشهد، حسب التقرير، حيث تنامت عمليات المتاجرة بالبشر بشدّة في هذا البلد الذي يعاني من الانقسام من طرف المليشيات في الفترة الأخيرة، وهو ما يهدّد الأمن القومي الليبي وينعش الإرهاب في كامل المنطقة، وترجع أسباب ذلك، إلى عدم وجود حكومة قادرة على وقف عمل تلك المليشيات وإخضاعها لسلطة الدولة، فهي تقوم بهذه الأعمال في وضح النهار، والكل يعلم ذلك، دون أي تتبع ولا مساءلة.
استغلت شبكات تهريب البشر الفوضى السياسية والأمنية التي تعيش على وقعها ليبيا للتوسيع من نطاق عملها
وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد كشفت في تقرير لها في أبريل الماضي، عن وجود "أسواق عبيد" حقيقية في ليبيا، حيث يباع المهاجرون الأفارقة فيها بما بين 200 و500 دولار قبل أن يُحتجَزوا مقابل فدية ويُكرَهوا على العمل من دون أجر أو يتم استغلالهم جنسيًا.
واستغلت شبكات تهريب البشر الفوضى السياسية والأمنية التي تعيش على وقعها ليبيا للتوسيع من نطاق عملها، واحتجاز المهاجرين القادمين في الغالب من نيجيريا والسنغال والغابون في أثناء توجههم إلى الساحل الشرقي لليبيا بحثًا عن قوارب تقلهم إلى أوروبا، وتعتبر مدينة سبها في جنوب ليبيا، أحد المراكز الرئيسة لتهريب المهاجرين في البلاد.
السعودية، الكويت، العراق، الجزائر.. إخفاق في تطبيق أدنى المعايير
أخفقت كل من السعودية والكويت وعمان والعراق والجزائر، في تطبيق أدنى المعايير بشكل كامل، رغم بذلها جهود مهمة من أجل القضاء على الإتجار بالبشر، وفق ما جاء في التقرير الأمريكي.
وجاء في التقرير أن المملكة العربية السعودية اعتمدت خطة عمل وطنية للقضاء على الإتجار بالبشر ما بين 2017 و2020، إلى جانب زيادة تمويل لجنة دائمة تعمل على مكافحة الظاهرة، ومن أبرز الانتهاكات في المملكة في هذا الشأن ما يتعرّض له العمال هناك، حيث يعمل أرباب العمل على انتهاك حقوقهم دون أن يتعرضوا للمحاسبة.
العمالة الآسيوية من أكبر ضحابا الإتجار بالبشر في السعودية
وفي الكويت نفس الأمر، حيث فشلت هي الأخرى في تطبيق أدنى المعايير بشكل كامل للقضاء على الإتجار بالبشر، لكنها تقوم وفق التقرير بجهود مهمة لتحقيق ذلك، ودعت واشنطن الحكومة إلى بذل المزيد من الجهود من أجل التحقيق، ومحاكمة المهربين بما فيهم المواطنين الكويتيين، وملاحقة وإدانة أي كفيل يجبر عاملي المنازل على العمل القسري.
وأكّد نفس التقرير أن الحكومة العراقية لا تلتزم بشكل كامل بأدنى المعايير من أجل القضاء على الإتجار بالبشر، وجاء في التقرير أن الحكومة لم توفر خدمات لحماية الأطفال الذين جندتهم جماعات مسلحة بما فيها داعش، مما جعل هؤلاء عرضة للانتهاك والاعتقال من قبل قوات الأمن، ودعا التقرير السلطات إلى مواصلة جهودها لوضع حد لتجنيد الأطفال وتوفير خدمات لمساعدة الضحايا منهم.
كانت تقارير إعلامية تحدّثت عن تسجيل الجزائر لبعض من التجاوزات في حق اللاجئين الأفارقة المنحدرين من دول الجنوب الصحرواي
أما الجزائر، فقد أثبت التقرير أنها تشهد تزايدًا في عدد حالات الإتجار بالبشر، إضافة إلى فشلها في إثبات أنها تقوم بجهود حقيقية لوقف هذه الظاهرة، ودعت الخارجية الأمريكية السلطات الجزائرية إلى التحقيق وملاحقة وإدانة المتورطين في الإتجار الجنسي بالبشر والعمل القسري، إلى جانب اعتماد إجراءات رسمية لتحديد الضحايا وتوفير الرعاية لهم وتدريب السلطات بما فيها الأمنية والقضائية والجهات الصحية للتعامل مع تلك الحالات.
معاناة كبيرة يواجهها اللاجئون الأفارقة في الجزائر
وتعكف الحكومة الجزائرية على إعداد مشروع قانون جديد لتنظيم وضبط حركة اللجوء والنزوح إلى ترابها، خاصة بعد الإشكالات التي سجلتها مع لاجئين قادمين من مناطق الحروب والفقر، على غرار سوريا ومالي والنيجر.
وكانت تقارير إعلامية تحدّثت عن تسجيل الجزائر لبعض التجاوزات في حق اللاجئين الأفارقة المنحدرين من دول الجنوب الصحرواي، خاصة من مالي والنيجر، كحرق وتخريب أحياء إفريقية في العاصمة وعين البيضاء بشرق البلاد.
Comments
Post a Comment