شاعرات لبنانيات حاولن الاحتفاء بالمرأة في عيدها فكرّسن ثقافة الصورة النمطيّة
يارا بدر
March 20, 2015
بيروت ـ «القدس العربي»: بمناسبة «عيد المرأة» الذي يُصادف في الثامن من آذار/مارس من كل عام، خصّص منتدى «شهرياد» جلسته للاحتفاء بالمرأة الشاعرة، ففتح المجال لمجموعة من الشاعرات اللبنانيات اللواتي قرأن قصائد حاولت بدورها الاحتفاء بالأنثى، كذلك بمرافقة موسيقية من طارق بشاشة على «الكلارنيت» والفلسطيني أشرف الشولي على العود في مقهى «ويست آفي» في بيروت- الحمرا.
إلاّ أن النوايا وحدها لا تكفي، إذ أتت المُحصلة حزينة كحصاد قمح يابس في أرض محروقة. ففي تنويعات القصائد التي قرأت منها الشاعرات وجدنا ذاك التكرار الذي يُثبّت الصورة النمطية للرجل كما للمرأة، وجدنا المقاربات الكلاسيكية والتشبيهات المعروفة التي سرقتنا حتى من ملاحقة إيقاع القصيدة ووزنها. ووصل الأمر بتكرار المفردات (السفينة- إلهي- شهرزاد) وكأننا أمام قاموسٍ معرفيٍّ واحد تنهل منه الكاتبات.
الأمر الذي وضعنا مباشرة أمام سؤال عن اختلاف التجارب الحياتيّة وعن غياب حضورها في القصيدة، نتساءل عن الغاية والموقف الذي تبنيه هذه القصيدة من العالم وقيمه وأفكاره، في الوقت الذي تثبّت فيه صورة الأب النمطيّة (تكرّرت على الأقل مرتين)، بل وصل الأمر مع الشاعرة باسكال صويا إلى استخدام مفردة «جندرة»، وهي تشويه يُستخدم غالباً بهدف السخرية والانتقاص من مفهوم «الجندر». علماً بأن صويا مُجازة في الصحافة والإعلام وتحمل إجازة أخرى في الآداب وتعمل في صحيفة «السفير» اللبنانية، لكن هذا لم يُسعفها في إنقاذ قصيدتها من الإيقاع المُتهدّل، تقول «صويا»: «يجوز أن تنقلب قهوتك عليك.. وتتحوّل إلى تفلٍ وتعلق في حلقك.. وتدعوك إلى الانتحار».
في حين امتازت قصيدة الشاعرة سناء البنّا بالفكرة الواضحة، والبناء المتماسك الذي عكس موسيقى متناغمة، ولكن النهاية كانت كذلك مُخيّبةً للآمال، حيث وقفت البنّا على حافة القضيّة النسويّة ولم تتجاوزها إلى العمق، وممّا ذكرت مثالاً من ديوانها الذي سيصدر قريباً بعنوان «رسائل إلى المولى»: «أنا امرأة غيور.. أتدّلل ولا أتذلّل».
ليلى الداهوق مديرة تحرير مجلة «الهديل» وصاحبة ثلاثة دواوين منشورة هي «فراشة النور»، «محبرة النور» و»كتابة الموج» تقول في قصيدتها التي تخاطب المرأة: «هكذا أنتِ مرهونة، لإبداعِ الأمومة»، على الرغم من أن المرأة ليست مرهونة لإبداعِ الأمومة فدورها في الحياة أعم وأشمل، لكن المطب الحقيقي الذي وقعت فيه الشاعرة هو سعيها إلى شرح القصيدة، وعلى القصيدة أن تشرح ذاتها بذاتها، أن تكون مجالاً مفتوحاً لتعدّد القراءات بتعدّد ذوات القرّاء، فهي تقول على سبيل المثال: «حين لا تكون معي لا أكون أنا، أخسر ذاتي، أضيع.. تغادرني أفكاري.. تكفُّ أجنحتي عن التحليق»، ثمّ تضيف: «أيّها الرب». لكن سياق القصائد التي قرأتها الداهوق لا يفتح مجالاً واسعاً للسعي وراء هذا التصوير الشعرّي ونبقى مُقيدين لذاك المُخاطب الذكر مُتنوّع الأسماء وأشكال الحضور.
الألعاب اللغوية الذكية هي ميّزة قصائد الداهوق، التي أضافت إلى نصوصها سمة خاصة، هي الانفتاح في بُنية النص وكأنّها تسعى إلى كسر جمود قالب القصيدة من داخلها، لا من حيث شكلها، وهي مُحاولة تُحتسبُ لها، إذ وعلى سبيل المثال تستعير الشاعرة من «إنجيل متّى» قول النبي «يسوع»: «دع الموتى يدفنون موتاهم» فتغني قصيدتها، وتحيلها أكثر إثارة للاهتمام. نادين طرابي حشّاش الحاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن والنقد كانت قصائدها وللأسف الأكثر ترسيخاً للثقافة البطركيّة الذكورية، فتعدّد في قصيدتها حضور مفردات (إلهي- سيدي- أبي).
في المقابل أثقلت الشاعرة نسرين أشقر برباري على الحضور بمحاولتها خلق أجواء دراميّة مُبالغ بها، فردانيّة لا يحتملها جو الأمسيّة العام، وهي رسامة وكاتبة مسرحية في الوقت ذاته. قرأت على ضوء الشمعة كما طلبت، وبلهجة مسرحية عالية النبرة من ديوانها المعنون «آخر رسائلي لك كتبتها على جبيني» ما بدا أنّه موضوع مختلف عن القراءات السابقة للشاعرات، موضوع أكثر سوداويّة ربما، إلاّ أنّه يتجاوز صور الأمومة والعشق الإلهي وصورة الأب الغائب، لكنها تظهر ككتابة مُفككة غير مُكتملة البحث، كنصٍ مُنجّزٍ من دون نضجٍ كافٍ في تركيبه وبُنيته الدرامية. تقول برباري: (صاح الديك: ألم يَمُتْ بعد؟/ منذ الإغريق/هو… هو/ أسودت العرائش/لا وقت للخوابي «…» الأسى امرأة.. امرأةٌ مُختبئةٌ وراء وجهها الشاحب».
في المقابل كان إلقاء الشاعرة نسرين كمال كفيلاً وحده بسحب الأنظار إليها، بخلق أجواء مختلفة لقصيدتها، وإيقاعات متنوعة، بهدوء يُناسب مسك الختام قرأت كمال من قصائدها التي تبحث في ذاتها كامرأة، وشاعرة، فنجحت حيناً ولم توفق في أحيانٍ أخرى، ففي قصائدها تبني تلك الصور المثيرة للاهتمام، التي تقارب حواف التجديد لغويّاً، لكنها للأسف فكرياً تعود بالمرأة إلى الثقافة التي تفيد بأنّ المرأة «هشّة»، «ضعيفة» وبحاجة إلى «قوة الرجل»، تقول كمال: «أشعر أني قصبٌ، والريح تعبرني كما تشاء/ قصبٌ سريع العُطبْ، حين يُغويه الغناء».
تجارب الشاعرات في جمعها مثيرةٌ للاهتمام، خاصة في ظل النضال النسوي الذي يدور في لبنان منذ سنوات للخروج بالمرأة من تلك الأدوار النمطيّة التي تقيدها وتهمّش فاعليّتها، نضال يحاول كسر الثقافة البطركيّة التي تؤكد على استخدام اللغة الإنشائية، على العادات والتقاليد، وعلى اللامساواة بين المرأة والرجل. للأسف كانت قراءات الشاعرات على تميّزهنّ تسبح في هذا البحر، وكأن الشاعرات يخشين الإلقاء بأنفسهنّ في مساحة المجهول للعمل على تأسيس ثقافةٍ بديلة عن تلك التي ترسخها قصائدهنّ. تقول كمال: «أعلم أني منزلك الذي تدخله دون عناء»، وعلى الرغم من كل ما يُمثّله المنزل من دفءٍ وأمان، يبقى تركيب الجملة آسراً بشكلٍ قسري حيث يُحيلنا فعل «الدخول الذكوري» إلى «الوطء» المُكرّس في ثقافتنا الشرقية باعتباره الفعل المركزي الذي يقوم به الرجل تجاه المرأة.
تمر المرأة كما الأوطان العربية بربيع عربي وثورة على الأدوار النمطية التي حصرتها بها الثقافة المجتمعية والموروث الثقافي من عادات وتقاليد وقوانين. فكيف لها أن تنتصر بثورتها دون المرأة الأخرى المثقفة والشاعرة وربما المسيسة، البعيدة عنها وعن قضيتها؟ أن ما تحتاجه المرأة الثائرة شاعرة تستطيع بقصيدتها أن تحرك مئات العقول.
يارا بدر
يارا بدر
March 20, 2015
بيروت ـ «القدس العربي»: بمناسبة «عيد المرأة» الذي يُصادف في الثامن من آذار/مارس من كل عام، خصّص منتدى «شهرياد» جلسته للاحتفاء بالمرأة الشاعرة، ففتح المجال لمجموعة من الشاعرات اللبنانيات اللواتي قرأن قصائد حاولت بدورها الاحتفاء بالأنثى، كذلك بمرافقة موسيقية من طارق بشاشة على «الكلارنيت» والفلسطيني أشرف الشولي على العود في مقهى «ويست آفي» في بيروت- الحمرا.
إلاّ أن النوايا وحدها لا تكفي، إذ أتت المُحصلة حزينة كحصاد قمح يابس في أرض محروقة. ففي تنويعات القصائد التي قرأت منها الشاعرات وجدنا ذاك التكرار الذي يُثبّت الصورة النمطية للرجل كما للمرأة، وجدنا المقاربات الكلاسيكية والتشبيهات المعروفة التي سرقتنا حتى من ملاحقة إيقاع القصيدة ووزنها. ووصل الأمر بتكرار المفردات (السفينة- إلهي- شهرزاد) وكأننا أمام قاموسٍ معرفيٍّ واحد تنهل منه الكاتبات.
الأمر الذي وضعنا مباشرة أمام سؤال عن اختلاف التجارب الحياتيّة وعن غياب حضورها في القصيدة، نتساءل عن الغاية والموقف الذي تبنيه هذه القصيدة من العالم وقيمه وأفكاره، في الوقت الذي تثبّت فيه صورة الأب النمطيّة (تكرّرت على الأقل مرتين)، بل وصل الأمر مع الشاعرة باسكال صويا إلى استخدام مفردة «جندرة»، وهي تشويه يُستخدم غالباً بهدف السخرية والانتقاص من مفهوم «الجندر». علماً بأن صويا مُجازة في الصحافة والإعلام وتحمل إجازة أخرى في الآداب وتعمل في صحيفة «السفير» اللبنانية، لكن هذا لم يُسعفها في إنقاذ قصيدتها من الإيقاع المُتهدّل، تقول «صويا»: «يجوز أن تنقلب قهوتك عليك.. وتتحوّل إلى تفلٍ وتعلق في حلقك.. وتدعوك إلى الانتحار».
في حين امتازت قصيدة الشاعرة سناء البنّا بالفكرة الواضحة، والبناء المتماسك الذي عكس موسيقى متناغمة، ولكن النهاية كانت كذلك مُخيّبةً للآمال، حيث وقفت البنّا على حافة القضيّة النسويّة ولم تتجاوزها إلى العمق، وممّا ذكرت مثالاً من ديوانها الذي سيصدر قريباً بعنوان «رسائل إلى المولى»: «أنا امرأة غيور.. أتدّلل ولا أتذلّل».
ليلى الداهوق مديرة تحرير مجلة «الهديل» وصاحبة ثلاثة دواوين منشورة هي «فراشة النور»، «محبرة النور» و»كتابة الموج» تقول في قصيدتها التي تخاطب المرأة: «هكذا أنتِ مرهونة، لإبداعِ الأمومة»، على الرغم من أن المرأة ليست مرهونة لإبداعِ الأمومة فدورها في الحياة أعم وأشمل، لكن المطب الحقيقي الذي وقعت فيه الشاعرة هو سعيها إلى شرح القصيدة، وعلى القصيدة أن تشرح ذاتها بذاتها، أن تكون مجالاً مفتوحاً لتعدّد القراءات بتعدّد ذوات القرّاء، فهي تقول على سبيل المثال: «حين لا تكون معي لا أكون أنا، أخسر ذاتي، أضيع.. تغادرني أفكاري.. تكفُّ أجنحتي عن التحليق»، ثمّ تضيف: «أيّها الرب». لكن سياق القصائد التي قرأتها الداهوق لا يفتح مجالاً واسعاً للسعي وراء هذا التصوير الشعرّي ونبقى مُقيدين لذاك المُخاطب الذكر مُتنوّع الأسماء وأشكال الحضور.
الألعاب اللغوية الذكية هي ميّزة قصائد الداهوق، التي أضافت إلى نصوصها سمة خاصة، هي الانفتاح في بُنية النص وكأنّها تسعى إلى كسر جمود قالب القصيدة من داخلها، لا من حيث شكلها، وهي مُحاولة تُحتسبُ لها، إذ وعلى سبيل المثال تستعير الشاعرة من «إنجيل متّى» قول النبي «يسوع»: «دع الموتى يدفنون موتاهم» فتغني قصيدتها، وتحيلها أكثر إثارة للاهتمام. نادين طرابي حشّاش الحاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن والنقد كانت قصائدها وللأسف الأكثر ترسيخاً للثقافة البطركيّة الذكورية، فتعدّد في قصيدتها حضور مفردات (إلهي- سيدي- أبي).
في المقابل أثقلت الشاعرة نسرين أشقر برباري على الحضور بمحاولتها خلق أجواء دراميّة مُبالغ بها، فردانيّة لا يحتملها جو الأمسيّة العام، وهي رسامة وكاتبة مسرحية في الوقت ذاته. قرأت على ضوء الشمعة كما طلبت، وبلهجة مسرحية عالية النبرة من ديوانها المعنون «آخر رسائلي لك كتبتها على جبيني» ما بدا أنّه موضوع مختلف عن القراءات السابقة للشاعرات، موضوع أكثر سوداويّة ربما، إلاّ أنّه يتجاوز صور الأمومة والعشق الإلهي وصورة الأب الغائب، لكنها تظهر ككتابة مُفككة غير مُكتملة البحث، كنصٍ مُنجّزٍ من دون نضجٍ كافٍ في تركيبه وبُنيته الدرامية. تقول برباري: (صاح الديك: ألم يَمُتْ بعد؟/ منذ الإغريق/هو… هو/ أسودت العرائش/لا وقت للخوابي «…» الأسى امرأة.. امرأةٌ مُختبئةٌ وراء وجهها الشاحب».
في المقابل كان إلقاء الشاعرة نسرين كمال كفيلاً وحده بسحب الأنظار إليها، بخلق أجواء مختلفة لقصيدتها، وإيقاعات متنوعة، بهدوء يُناسب مسك الختام قرأت كمال من قصائدها التي تبحث في ذاتها كامرأة، وشاعرة، فنجحت حيناً ولم توفق في أحيانٍ أخرى، ففي قصائدها تبني تلك الصور المثيرة للاهتمام، التي تقارب حواف التجديد لغويّاً، لكنها للأسف فكرياً تعود بالمرأة إلى الثقافة التي تفيد بأنّ المرأة «هشّة»، «ضعيفة» وبحاجة إلى «قوة الرجل»، تقول كمال: «أشعر أني قصبٌ، والريح تعبرني كما تشاء/ قصبٌ سريع العُطبْ، حين يُغويه الغناء».
تجارب الشاعرات في جمعها مثيرةٌ للاهتمام، خاصة في ظل النضال النسوي الذي يدور في لبنان منذ سنوات للخروج بالمرأة من تلك الأدوار النمطيّة التي تقيدها وتهمّش فاعليّتها، نضال يحاول كسر الثقافة البطركيّة التي تؤكد على استخدام اللغة الإنشائية، على العادات والتقاليد، وعلى اللامساواة بين المرأة والرجل. للأسف كانت قراءات الشاعرات على تميّزهنّ تسبح في هذا البحر، وكأن الشاعرات يخشين الإلقاء بأنفسهنّ في مساحة المجهول للعمل على تأسيس ثقافةٍ بديلة عن تلك التي ترسخها قصائدهنّ. تقول كمال: «أعلم أني منزلك الذي تدخله دون عناء»، وعلى الرغم من كل ما يُمثّله المنزل من دفءٍ وأمان، يبقى تركيب الجملة آسراً بشكلٍ قسري حيث يُحيلنا فعل «الدخول الذكوري» إلى «الوطء» المُكرّس في ثقافتنا الشرقية باعتباره الفعل المركزي الذي يقوم به الرجل تجاه المرأة.
تمر المرأة كما الأوطان العربية بربيع عربي وثورة على الأدوار النمطية التي حصرتها بها الثقافة المجتمعية والموروث الثقافي من عادات وتقاليد وقوانين. فكيف لها أن تنتصر بثورتها دون المرأة الأخرى المثقفة والشاعرة وربما المسيسة، البعيدة عنها وعن قضيتها؟ أن ما تحتاجه المرأة الثائرة شاعرة تستطيع بقصيدتها أن تحرك مئات العقول.
يارا بدر
Comments
Post a Comment