تعويضات اليهود العرب ابتزاز إسرائيلي
تتكرّر بين فترة وأخرى، خصوصا منذ بداية الألفية الثالثة، مطالبات
بدفع تعويضات لنحو 850 ألف من المهجرين والمهاجرين اليهود من البلدان
العربية إلى فلسطين المحتلة، حيث يتساوى تقريباً مع عدد المهجرين
الفلسطينيين الذين أجبروا على التشرد ومغادرة قراهم وبلداتهم ومدنهم، بفعل
قوة الاحتلال الإسرائيلية الغاشمة. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين
نتنياهو، قد ذكر أن "أموال اليهود في البلدان العربية تقدر بمئات مليارات
الدولارات التي يجب أن يعلم العالم بها، ويجب إعادتها إلى أصحابها". ودعت
وزيرة الرفاه الاجتماعي، جيلا جملئيل، دعت الأمم المتحدة "إلى إخراج قصة
اللاجئين اليهود إلى النور، وقد آن الأوان كي تنتصر العدالة"، بحسب زعمها،.
وأشارت إلى أن "الأمم المتحدة صرفت طوال 65 عاما عشرات مليارات الدولارات
على اللاجئين الفلسطينيين، ولم تستثمر قرشاً واحداً في موضوع اللاجئين
اليهود".
لامتحان هذه المطالبات بالوقائع والأرقام، وبالعودة إلى بعض
تفاصيل الهجرات والتهجيرات من البلدان العربية، تحسن العودة إلى سجلات
ووثائق وتصريحات، وكتب لم يمحها الزمن.
تفجيرات في بغداد
في عنوان لافت "يهود العراق واجهوا الصهيونية في بغداد ثم
حاصرتهم في إسرائيل"، ذكرت الباحثة والمؤرخة السويسرية، ألين شلابفير، في
محاضرة لها، بدعوة من قسم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، في
27/11/2015، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أن يهود
العراق كانوا يعيشون في وئام مع غيرهم، منذ أوائل القرن العشرين، حتى
أربعينات القرن الماضي وخمسينياته، وأنهم كانوا ضحايا الصراع الألماني
البريطاني في العراق، وتم تدبير مجزرة لليهود في العام 1941، أطلق عليها
"مجزرة الفرهود"، واستمروا في العيش مواطنين عراقيين لا يميزهم عن غيرهم
إلا اتباعهم الديانة اليهودية، حيث ذكر كبير حاخامي العراق، ساسون خضوري،
يومذاك "أن اليهود والمسلمين في العراق اعتبروا اليهودية ديانة وليس
قومية"، ولم يسكن اليهود في أحياء خاصة بهم، بل انتشروا في جميع الأحياء،
إلى أن أخذت الحركة الصهيونية تضغط عليهم للهجرة إلى فلسطين. وبحسب
الباحثة، لجأت الحركة الصهيونية إلى تفجير بعض كنسهم ومقاهيهم ومتاجرهم في
عامي 1950 – 1951. ونتيجة ظروف معينة، تم تسهيل هجرة بعض يهود العراق، مع
أنها ذكرت أيضاً أن بعضهم كان يناوئ الصهيونية، بسبب انتمائه للحزب الشيوعي
العراقي. وأفادت بأن نحو 123 ألف يهودي عراقي وصلوا إلى فلسطين، خصوصا في
عامي 1950 و1951، وعوملوا معاملة غير لائقة في المعسكرات – المعابر التي
نقلوا إليها.
إذا ما كانت المعلومات السابقة لا تتضمن الكثير من خفايا تلك
المرحلة، إلا أن الفيلم الوثائقي الذي عرض عن يهود العراق مع المحاضرة،
تضمن مواقف وانتقادات لممارسات صهيونية كثيرة، وخصوصا تعاملات الحكومات
الإسرائيلية المتعاقبة مع يهود العراق ومع غيرهم، ومن أبرز ما سجله الفيلم
قول الأديب سمير نقاش "كتبي المكتوبة بالعربية لم تترجم إلى العبرية، مع
إنني نلت جوائز أدبية كبيرة، ربما لأنها تظهر حنيني الحضاري إلى أمي
العراق. ... إسرائيل أجرمت بحقنا وهذه البلاد ليست بلادي". ويذكر الأديب
البارز سامي ميخائيل في الفيلم إنه لم يتقن العبرية في البداية. ويقول
"شعرت سنوات طويلة بالازدواجية في هويتي، فلا العبرية لغتي، ولا الثقافة
الإسرائيلية ثقافتي، لكني اضطررت للكتابة باللغتين بعد ذلك، على الرغم من
شعوري بالاختناق الثقافي".
وفي ما يتعلق بأملاك وأموال بعض اليهود وقضايا أخرى، تتعلق
بمعاملتهم عندما هجروا إلى فلسطين، وعاشوا تحت الحكم الصهيوني في إسرائيل،
فإن رواية "فيكتوريا" لسامي ميخائيل نفسه، (دار الجمل، 2005 ترجمة سمير
نقاش)، فقد جاء في الصفحة 339 "باعت الأملاك وتركت لابنها نصيبه في
الدكان". وفي الصفحة 364 "سافرت نعيمة كـأي مسافر عادي إلى فلسطين من
العراق، وحمل ثلاثة من الحمالين أمتعتها".
وفي الرد على مطالبات مسؤولين إسرائيليين للتعويض على مهجري
اليهود من البلدان العربية، ذكر الكاتب اليهودي كوخافي شيمش "من يبحث عن حل
منصف للاجئين، أفضل حل هو إعادتهم إلى أوطانهم، فيعود اللاجئون اليهود إلى
الدول العربية، ويعود الفلسطينيون إلى فلسطين".
يهود اليمن
وفي اليمن، ذكرت مصادر أن عدد اليهود فيها، وقبل قيام إسرائيل
في 1948، كان قد بلغ نحو 50 ألف نسمة، كانوا لا يختلفون عن السكان
الآخرين، اقتصاديا واجتماعيا، ولم يكن هناك أي تمييز يلحق بهم، إلى أن أخذت
المنظمات الصهيونية تنتشر، وتنشر أفكارها بينهم، وتدعوهم للهجرة إلى
فلسطين، خصوصاً بعد احتلال البريطانيين عدن في 1937، فيما شجع الاستعمار
البريطاني هجرات اليهود من صنعاء، ومن محميات يمنية جنوبية أخرى. وكان إمام
اليمن، يحيى حميد الدين، ضد هجرة اليهود من بلاده، إلا أن الضغوط
البريطانية وانتشار العملاء الصهاينة بين اليهود وتحريضهم على الهجرة، أوجد
ظروفاً دفعت الإمام إلى الموافقة على هجرتهم إلى عدن، ومن ثم يقوم
المستعمر البريطاني بالتنسيق مع المنظمات الصهيونية لتهجيرهم إلى فلسطين.
وقد انتبه الإمام حميد الدين إلى نقطة مهمة، فيها بعد
مستقبلي "إذ طلب، آنذاك، من اليهود الذين أرادوا مغادرة البلاد بيع
ممتلكاتهم، كي يحول دون مطالبة هؤلاء اليهود بحقوق لهم في المستقبل في
اليمن"، بحسب ما جاء في كتاب إلياس سعد "الهجرة اليهودية إلى فلسطين
المحتلة" الصادر في 1969. ولم يبق من يهود اليمن في بلادهم إلا أقلية
قليلة، علما أن معاملتهم في إسرائيل كانت في أسوأ حالاتها، معيشة وعملا
وسكنا وتعاملا.
يهود الخليج والهجرة الطوعية
وعن الوجود اليهودي في منطقتي الخليج والجزيرة العربية، فقد
ذكر كتاب يوسف علي المطيري "اليهود في الخليج" الصادر في 2011 أنه يعود،
بحسب مصادر عدة، إلى وجود تاريخي قديم، بعد أن تهوّد بعض الأفراد من
القبائل العربية، كما أن الهجرات المتعلقة بالتجارة والتبادل التجاري من
العراق وإيران ساهمت في الوجود اليهودي في المنطقة. وهنا، يوضح الباحث أن
العام 1860 يمكن أن يكون تاريخا لورود بعض اليهود للتجارة في المنطقة،
خصوصاً في الكويت والبحرين وساحل عُمان ومنطقة الإحساء في الجزيرة. ومن
الأعمال التي زاولها اليهود في المنطقة، بيع الملابس والذهب واللؤلؤ
والاستيراد والتصدير والصرافة وغيرها، بتشجيع من السلطات البريطانية التي
كانت في المنطقة.
ومما يجدر ذكره أن حالة الاندماج التي كانت سائدة بين اليهود
وغيرهم من السكان جعلتهم يصدرون بياناً في العام 1947 يدينون فيه قرار
تقسيم فلسطين، ولم يكن للأقليات اليهودية في المنطقة أي علاقة واضحة مع
الحركة الصهيونية، كما لم يكن ليهود المنطقة أي تأثير يذكر في الحياة
السياسية.
ويذكر الباحث المطيري إن الأقلية اليهودية في منطقتي الخليج
والجزيرة لم تتعرض للطرد، بل هاجرت طواعية لأسباب اقتصادية واجتماعية
وأمنية، وكانت وصلت بعض هجراتهم إلى أوروبا والولايات المتحدة وغيرها قبل
قيام دولة إسرائيل. وأفاد بأن أفراداً من الطبقة الفقيرة اليهودية هاجروا
إلى إسرائيل، بعد إعلانها في العام 1948، وكان للحروب التي شنتها إسرائيل
على البلدان العربية، وطردها أغلبية الفلسطينيين من ديارهم، تأثيرها في
توتير العلاقات بين بقايا اليهود مع السكان المحليين، ما زاد في وتيرة هجرة
اليهود، وكان من الطبيعي أن يترافق ذلك كله ببيع اليهود أملاكهم، وقبض
أثمانها وحملها معهم إلى البلدان التي هاجروا إليها، خصوصاً وأن هجراتهم
تمت في فترات متباعدة، أتاحت لهم التصرف بأملاكهم وبيوتهم وقبض مترتبات
إنهاء خدماتهم، إن كان في القطاع العام أو الخاص، أو من خلال تصفية أعمالهم
وشركاتهم الخاصة، علماً أن عددهم لم يتجاوز المئات في كل بلد في الخليج،
إذ وصل عددهم في الكويت، في ثلاثينات القرن الماضي، إلى نحو 800 نسمة بحسب
الباحث.
سبع نساء في مصر
جاء في كتاب "الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة"، لإلياس
سعد، أن عدد اليهود في مصر قبل إنشاء الكيان الصهيوني، كان نحو 75 ألف
نسمة. وفي آخر التقارير عن الوجود اليهودي في مصر، في الأسبوع الأول من
ديسمبر/ كانون أول الجاري، لم يتبق من ذلك العدد إلا سبع نساء، جاءت إحداهن
إلى بيروت، هي المحامية ماجدة هارون، لجمع التبرعات لترميم كنس يهودية في
القاهرة، فما الذي حدث لذلك العدد الكبير من يهود مصر، وإلى أين هاجروا،
وهل باعوا ممتلكاتهم فيها وقبضوا أثمانها؟.
من بين نحو 75 ألف نسمة من يهود مصر، كان نحو 30 ألفاً من
بينهم يحملون جنسيات إيطالية ويونانية وفرنسية وبريطانية وغيرها، وكانوا
يعيشون في وئام مع أبناء الشعب المصري، ويملك بعضهم مؤسسات وتجارات مهمة في
البلد، وكان لهم أهم المحلات في المناطق المهمة في القاهرة والإسكندرية،
وكانت حياتهم المعيشية جيدة، وبينهم من كان ينتمي إلى الطبقة الوسطى أو
الغنية. وعندما بدأت الصهيونية تحاول نشر أفكارها بين يهود مصر، رفضها
كثيرون ووقفوا ضد أهدافها، وهناك وقائع تفيد بأن يهوداً مصريين تبرعوا ببعض
أموالهم لمساندة الجيش المصري الذاهب للقتال في فلسطين، وشارك بعضهم في
إصدار بيانات تستنكر ما ارتكبه الصهاينة ضد الفلسطينيين وتهجيرهم، وتعرّضت
محلات بعضهم للتفجير، وأعلن حاييم ناحوم أفندي كبير حاخامي مصر آنذاك "على
اليهود المصريين الدفاع عن بلادهم ضد الصهيونية".
هكذا اتبع الصهاينة الأسلوب نفسه الذي اتبعوه في العراق
(التفجيرات) كي يجبروا يهود مصر للهجرة منها، وبالفعل، مثّل العدوان
الثلاثي من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل على مصر في 1956، توجها لدى بعض
اليهود المصريين، وخصوصاً الذين يملكون جوازات سفر أجنبية للهجرة من مصر.
ويتابع الكتاب أنه لم يبق في مصر إلا نحو ألفي يهودي في
1968، وبعد ذلك وفي 2015، لم يتبق سوى سبع نساء فقط بحسب ما جاء في صحيفة
يديعوت أحرونوت في 6/12/2015، وكان من الطبيعي أن يبيع يهود مصر ممتلكاتهم،
ويقبضوا أثمانها، ويحولوها إلى بلدان هجرتهم، ومن بينها الكيان الصهيوني
في فلسطين المحتلة.
يهود لبنان سيّلوا أموالهم
يتضمن كتاب ندى عبد الصمد "وادي أبو جميل قصص عن يهود بيروت"
الصادر في العام 2009 ، (حي أبو جميل في بيروت كانت تقطنه أغلبية يهودية)
تفاصيل عن حياة اليهود وكيفية التعامل معهم طائفة لا تختلف عن بقية الطوائف
في لبنان، وتخضع للتعاملات المطبقة نفسها على بقية الطوائف اللبنانية،
وكان من بين اليهود في لبنان موظفون في الدولة، وبعضهم كان يحتل مراكز مهمة
فيها، على الرغم من اكتشاف عدة جواسيس لإسرائيل، واكتشاف السلطات
اللبنانية، كما تذكر الكاتبة، أن شباناً من يهود لبنان كانوا يذهبون إلى
إسرائيل سراً لتأدية الخدمة العسكرية الإلزامية فيها، ثم يعودون إلى لبنان.
وتذكر، أيضاً، أن عدد اليهود ازداد في لبنان، وراوح بين 12 و 15 ألفاً،
بسبب هجرات بعض يهود سورية والعراق إلى لبنان، واعتباره معبراً ومحطة إلى
ما عداه من البلدان. كما أن وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان لم يؤثر
كثيراً على وجود يهود لبنان، واستمر اليهود في العيش والتعايش مع غيرهم من
الطوائف اللبنانية إلى أن وصلت نيران الحرب الأهلية في 1975 وما تلاه إلى
أطراف حيهم في وادي أبو جميل (بين ما كانتا تسميان المنطقتين الشرقية
والغربية من بيروت). وتذكر الكاتبة أن الغالبية الساحقة من يهود لبنان باعت
أملاكها، وقبضت أثمانها وسيّلتها، وأرسلتها إلى بنوك عدة، ومنها "بنك
صفرا" في فرنسا، وأصحابه من يهود لبنان.
وتذكر الكاتبة أن عدد اليهود تراجع في لبنان إلى نحو ثلاثة
آلاف ومائتي شخص، بعد حرب 1967، بينهم ألفان من حاملي الجنسية اللبنانية،
واستمر التراجع في العدد، خصوصا بعد نشوب الحرب الأهلية في العام 1975، وما
بعد ذلك ولم يبق في لبنان إلا أعداد نادرة غيرت أسماءها وأماكن سكنها.
يهود المغرب وتونس
كان عدد السكان اليهود في المملكة المغربية، عند مطلع
الخمسينات من القرن الماضي، يبلغ حوالي 225 ألف نسمة، بحسب كتاب إلياس سعد،
وكانوا يعملون في التجارة والصناعة والمهن الحرة والخدمات العامة،
وغالبيتهم سكنت المدن، مثل الدار البيضاء ومراكش، وكان مستوى معيشتهم
مرتفعا وشغل بعضهم وظائف مهمة في الدولة. وعندما بدأت الحركة الصهيونية
تعمل داخل البلاد، لم يتجاوب معها إلا قلة قليلة قبل 1948، وسكن كثيرون من
يهود المغرب في المملكة المغربية منذ مئات السنين، وطالهم الاضطهاد بعد
سقوط مدن الأندلس في إسبانيا، كما طال المسلمين في القرن الخامس عشر وما
تلاه، وعاشوا وتعايشوا في المغرب، بعد هجرتهم إليه زمناً طويلاً، امتد حتى
زمن الانتداب الفرنسي على المغرب من 1920 إلى 1947، ولم يهاجر في تلك
الفترة إلى فلسطين إلا قلة قليلة، على الرغم من نشاط المنظمات الصهيونية
بينهم. وعندما اشتدت التحركات الصهيونية في المغرب في أثناء قيام الكيان
وبعده، ازداد عدد المهاجرين اليهود المغاربة، خصوصاً وأن عدداً من بينهم
كان يحمل الجنسية الفرنسية، كما أن المستعمر الفرنسي كان قد جلا من المغرب.
وتشير التقديرات إلى أن عدد اليهود المغاربة الذين هاجروا من
المغرب في الفترة 1950 – 1954 وصل إلى نحو 28 ألف، بعد أن خرج المستعمر
الفرنسي من المغرب في 1947. كما أن قسما كبيرا من يهود المغرب، خصوصا من
أبناء الطبقتين، الوسطى والغنية، الذين يحملون الجنسية الفرنسية، توجهوا
للتوطن في فرنسا، وكان من الطبيعي أن يبيعوا أملاكهم ودورهم ويقبضوا
تعويضاتهم ومترتبات أعمالهم، في القطاعين العام والخاص. وبقي في المغرب
آلاف اليهود الذين آثروا عدم الهجرة.
وبلغ عدد اليهود في تونس في 1951 حوالي 105 آلاف نسمة، وكان
نحو 35 ألف نسمة من بينهم يحملون الجنسية الفرنسية، بحسب كتاب الياس سعد.
وكان يهود تونس يعيشون تماماً كما كان يعيش يهود المغرب بوئام مع باقي
مواطنيهم، وتفيد مصادر صهيونية بأن بين 40 و 45 ألف نسمة من اليهود غادروا
تونس بين 1948 و 1958، خصوصاً وأن الجمهورية التونسية استقلت عن فرنسا في
1956، وبقي مئات من اليهود في تونس، خصوصاً في جزيرة جربة التي يوجد فيها
أماكن دينية يهودية.
وكان نحو 20 ألف يهودي تونسي غادروا البلاد، بعد المعركة التي
خاضها الشعب التونسي مع القوات الفرنسية في قاعدة بنزرت الساحلية في 1961.
وهكذا، فإن الوقت الطويل الذي توفر ليهود تونس جعلهم يغادرون على مهل، بعد
أن صفوا أملاكهم، وباعوها وقبضوا أثمانها وغادروا البلاد، خصوصاً وأن
عدداً كبيراً منهم كان يحمل الجنسية الفرنسية.
يهود الجزائر وليبيا
صدر في العام 1865 قانون فرنسي، يسمح للجزائريين بالحصول على
الجنسية الفرنسية، وبادر عدد من يهود الجزائر، وكان عددهم نحو 100 ألف
نسمة، إلى الحصول عليها. وكان قد بلغ عدد اليهود في الجزائر في مطلع
خمسينات القرن الماضي نحو 135 ألف نسمة. ويمكن الإشارة إلى أن أغلبية من
بين يهود الجزائر كانت تفضل بقاء المستعمر الفرنسي، على الرغم من بذل
قيادات وطنية جزائرية جهوداً متكررة لإقناع قيادات يهودية بتأييد الحركة
الاستقلالية، وهذا ما حصل في تونس والمغرب. لذا، فإن ربط مصالح مجموعة
كبيرة من اليهود الجزائريين بالمصالح الفرنسية دفعها إلى الخروج من البلاد،
بعد استقلالها في ستينات القرن الماضي. وقد هاجرت أغلبية من يهود الجزائر
إلى فرنسا، خصوصاً ممن كانت تسكن في المدن الساحلية وتجيد الفرنسية، ولها
مصالح وشركات وتعاملات مع المستعمر الفرنسي. أما بقية أعداد اليهود
القليلة، والتي كانت تسكن في الوسط والجنوب الجزائري، فإن المنظمات
الصهيونية أقنعت بعضهم، ونقلتهم إلى فلسطين، كما ورد في كتاب إلياس سعد.
وذكرت مصادر صهيونية أن 90% من يهود الجزائر هاجروا إلى فرنسا، في حين أن
10% فقط من بين 135 ألف يهودي جزائري هجّرتهم المنظمات الصهيونية إلى
فلسطين المحتلة.
وذكرت مصادر أن عدد اليهود في ليبيا كان 32 ألف نسمة، وأن
الهجرة اليهودية من ليبيا لم تبدأ إلا بعد قيام الكيان الصهيوني، ولم يبق
في ليبيا في أوائل خمسينيات القرن الماضي إلا حوالي ألفي يهودي، ثم هاجرت
أغلبيتهم إلى إيطاليا، وقبل ذلك وبعده، هاجر إلى فلسطين أو إلى بلدان أخرى.
خلاصة
إذن، يفيد استعراض تفاصيل الهجرات اليهودية من البلدان
العربية، بأن الوكالات والمنظمات الصهيونية ساهمت في افتعال الأسباب
والمشكلات وزرع المتفجرات في الأماكن الحيوية لليهود، كالكنس والمتاجر
والمقاهي، وافتعال مشكلات بين اليهود والسكان الآخرين، لتوتير الأجواء
وإيجاد الظروف غير المستقرة والتواطؤ مع المستعمر البريطاني والفرنسي
والإيطالي، والسماح للحركات الصهيونية والوكالات اليهودية كي تمارس
التحريض، لإجبار اليهود على الهجرة. وقد مرت هذه التحريضات بظروف مختلفة
متعددة، وأخذت مداها الزمني الكفيل بأن يبيع اليهود ممتلكاتهم، ويصفوا
أوضاعهم، ويقبضوا أثمان ما كانوا يملكون. كما أنهم قبضوا التعويضات
المناسبة من ترك وظائفهم، في القطاعين العام والخاص. أخرجتها لهم المنظمات
الصهيونية إلى حيث استقروا، والتحويلات المالية التي أخذت تتدفق إلى بنك
صفرا في فرنسا وغيره، لم ينقطع سيلها إليها من يهود البلدان العربية، فهل
هؤلاء اليهود، أو أغلبيتهم على الأقل، تحتاج فعلا كما يدعي بنيامين
نتنياهو، ومن لف لفه، إلى هيئة عالمية لجمع تبرعات لتعويضهم عما فقدوه، أو
نسوا بيعه وقبض أثمانه في البلدان العربية؟
Comments
Post a Comment