تجاهلت وكالة الأنباء السورية ـ «سانا» في معرض سردها نتائج محادثات وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف والولايات المتحدة جون كيري، أي حديث عن مواعيد حددها كيري، وهو يقف إلى جانب نظيره الروسي، حين تحدث عن دستور يتم صياغته قبل الخريف المقبل، وإن أشارت إلى اتفاق الجانبين الذي ورد على لسان لافروف عن «السعي إلى بدء مفاوضات مباشرة في جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة بكل أطيافها في أسرع وقت ممكن».
وجاءت نتائج اللقاء مفاجئة، وذات وقع صادم بذات الدرجة التي اعتاد عليه الروس في تكتيكهم اتجاه الأزمة السورية في الأشهر الأخيرة، والذي يعترف ديبلوماسيون بأنه «تغير من العمل الديبلوماسي المتأني» الذي صاحب الأزمة منذ ربيع العام 2011 وحتى اللحظة التي قرر فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل عسكرياً، فارضاً قوة دفع صارمة على مسار الصراع، وصولاً إلى نقطة أمس الأول.
وعلى الأرجح فإن دمشق بصورة الرغبة الروسية في «تحقيق تقدم سريع وملموس على المستوى السياسي» قبل رحيل الرئيس الأميركي باراك أوباما، من جهة، ولجني آثار العملية الجوية والبرية العسكرية الروسية التي استمرت ستة أشهر وكلفت 3 مليارات دولار تقريباً، ناهيك عن مقتل سبعة عناصر من القوات الروسية وفق اعترافات موسكو.
لكن تحديد مواعيد سريعة وتثبيت أجندة استحقاقات، ولا سيما بمواعيد قريبة، لم يكن بالحسبان، على الأرجح، لا سيما أن دمشق تستعد لانتخابات تشريعية في 13 نيسان المقبل، وقد طلبت تأجيل موعد اللقاء المقبل في جنيف لما بعد «الاستحقاق الانتخابي»، فكان الرد بتحديد الموعد قبل ذلك بأربعة أيام، علماً أن الدعوة تتضمن قبول إمكانية وصول الوفود تباعاً، وهو ما يسمح بمخرج ديبلوماسي لمطلب الوصول بعد الانتخابات، أي بعد الموعد المقرر في التاسع من نيسان، والذي كان بمثابة تجسيد آخر للزخم الأميركي ـ الروسي خلف العملية السياسية، والرافض لأية حجج أو رغبات بالتأجيل.
كما كان سبق لدمشق أن تحدثت تكراراً عن تفضيلها صيغة «حوار موسكو» عن الصيغة الحالية القائمة في جنيف، والتي على الرغم من عدم ارتياحها لها، استمرت في الحضور إليها، والمساهمة «الإيجابية في إنجاحها».
لكن منظور دمشق، كما منظور المعارضة، لما يمكن أن تسفر عنه تلك المفاوضات، والمسار الزمني الذي ستتبعه، لم يكن يتصور «تسريعاً بهذا الشكل» ولا سيما تحت «إشراف ورعاية وضغط» القوتين الدوليتين روسيا والولايات المتحدة.
ومن غير المعلوم بعد، إن كانت طهران تحمل التصور ذاته، علماً أن إلقاء الروس ثقلهم العسكري في الميدان السوري، ومن ثم «تقليص وجودهم العسكري» سمح لموسكو بتجاوز حليفها الإيراني في رسم مستقبل العملية السياسية.
وتباعاً يعني الحديث عن «دستور سريع» في صيف العام 2016، اجتماع الأطراف المعنية على التفاوض عليه والنقاش حوله، وهو ما يدفع بالجميع إلى قلب العملية السياسية وتفاصيلها، وهو أمر المرجح أن الجميع كان يستبعد حصوله قريباً، أو حتى أبداً.
وفي حال نجحت جهود الطرفين في تحقيق لقاء مباشر، في جولة المفاوضات المقبلة، بين وفدي الحكومة السورية ووفد المعارضة، سيكون بالإمكان القول إن «العملية السياسية قد بدأت فعلياً»، وهو ما يعني أيضاً بنظر كثيرين، «استنفار رغبة وجهود المعطلين، والمتضررين منها لمحاولة التصدي لهذا التطور».
وأمس أطلق قائد «حركة أحرار الشام» مهند المصري (أبو يحيى الحموي) سلسلة تغريدات على حسابه الشخصي يرفض فيها «أنصاف الحلول»، متوعداً «بالقتال»، علماً أن موقف الحركة ما زال ملتبساً حول وجودها الرسمي في وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» أو ما يعرف بـ «معارضة الرياض»، خلافاً لحليفه «جيش الإسلام» الذي يتمثل رسمياً وعلنياً في المحادثات.
واستخدم الحموي لغة حادة في الحديث عن محاولة «تضييع التضحيات» على طاولات التفاوض، مؤكداً أن «شعبنا العظيم لم يفوّض أحداً ليوقّع على استسلامه، وسيسجل التاريخ مَن تنازل وفرّط وسيُكتب للشعب العزّ والصمود»، معتبراً أن «ثورة خرجت من المساجد تهتف هي لله هي لله لن يضيعها الله».
ومن الطبيعي أن لا يغرد الحموي وحيداً، في هذا الشأن، على اعتبار أن أي تقدم للعملية السياسية سيضع المتقاتلين أمام خيارات صعبة، تفرض التنازل المتبادل، كما أن الوصول بهذه المفاوضات إلى تشكيل حكومة «وحدة وطنية» تبدأ تنفيذ الأجندة لا يزال من الصعب تصوره حالياً.
ووفقاً لديبلوماسيين سيطلب الروس من الحكومة السورية «مزيداً من التنازلات في ملفي المعتقلين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية» للمناطق المحاصرة، بشكل يسمح للمعارضة بتقوية موقفها من جهة، ولتخفيف الاحتقان السياسي والاجتماعي القائم لدى الجمهور على ضفتي القتال.
من ناحية أخرى، سيسمح الأميركيون بحصول «إشارات إيجابية جديدة» على مستوى العلاقات السورية ـ الأوروبية، ولا سيما بالطريقة التي حصل فيها اللقاء الأول من نوعه منذ أربع سنوات بين مندوب سوريا في الأمم المتحدة رئيس الوفد المفاوض في جنيف بشار الجعفري ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، وهو ما سيسمح للأوروبيين بانخراط أكبر من جهتهم في العملية السياسية من ناحية أخرى.
وثمة رهان على أن «تحرك الأمور إلى الأمام» في حال وقع فعلياً، سيسمح بـ «بكسر الكثير من الجمود الموجود بين دمشق والعواصم الأخرى، على الأقل على المستوى الديبلوماسي والأمني»، ولا سيما أن الأوروبيين سيحتاجون لتواجد عملي في العاصمة السورية لمتابعة «حركة الجناح الحكومي في العملية السياسية»، و«استعداداً للمراحل التي تلي ذلك»، وذلك وفقا لديبلوماسي غربي.
Comments
Post a Comment