يقف عشرات المسلمين بخشوع وصمت، واضعين الورود ومشعلين الشموع، في ساحة «البورصة» التي تحوّلت إلى نصب ورود وتعاطف مع ضحايا هجمات بروكسل. دموع الشابات والسيدات المحجبات تقول الكثير عن الإحساس بمصاب واحد. الإرهاب لا يفرّق، فهناك مسلمون بين الضحايا أصلاً. مع ذلك، رغم هذا الإحساس الشعبي العارم، رفضت قيادات دينيّة أن تهدى صلاة الجمعة، في المسجد الكبير، إلى أرواح ضحايا الهجمات.
هذه الفكرة طرحت خلال اجتماع الهيئة التنفيذيّة لمسلمي بلجيكا. دار الحديث حول مبادرات مُحتملة للتعبير عن التضامن، خصوصاً أنَّ اليمين المتطرّف، بأطيافه وتلويناته، يقتنص كل فرصة لإلصاق الوصمة بالدين الإسلامي. حينما طرح أحد الموجودين فكرة صلاة جمعة على أرواح الضحايا، لم يتأخّر المعترضون في رفع أصواتهم.
أحد من تابعوا هذا الاجتماع، بمعطيات استمدّها ممّن حضره، هو مايكل بريفو، مدير الشبكة الأوروبية لمكافحة التطرف. يقول خلال حديث إلى «السفير» بلهجة ناقدة: «أعرف مسلمين كثيرين عبَّروا أمامي شخصيًّا عن صدمتهم، قالوا لي نحن سنصلّي لأجل الضحايا لأنَّ رجال الدين هؤلاء لا يمثّلوننا»، قبل أن يستطرد «حتى لو هناك رأي أو قواعد يعتبرها رجال الدين تمنع هكذا مبادرة، يمكن القيام باستثناء لصالح التعبير عن إنسانيّة جامعة. كيف يصلّون مثلاً على روح شخص قاتل، كما أعرف، فقط لأنّه مسلم فيما يرفضون صلاة على روح أبرياء».
مدير شبكة مكافحة التطرّف أخرج القضيّة للإعلام، حينما ظهر على قناة «سي إن إن» الأميركية التي استضافته مجدداً لاستبيان تطوّراتها وأبعادها. اعتبر أنَّ أحد أهمّ أسباب التطرّف الإسلامي يكمن في الأماكن التي يقابل بها الشبان الغربيون دينهم: «هناك مسلمون كثيرون في بروكسل يسعون للمعرفة أكثر عن دينهم، والعرض الوحيد (الذي يجدونه) أنَّ 95 في المئة من الدعاة الأئمة تمّ تدريبهم في السعودية، ليس لديهم خيار آخر».
تحدّث عن تفشّي مشكلة التطرّف، بين من يُفترض أنّهم قيادة دينية، مشدداً على أنَّ من رفض فكرة صلاة جمعة لروح الضحايا «هؤلاء ليسوا المحافظين، بل من يُعتبرون معتدلين».
المسجد الكبير في بروكسل يتبع «المركز الاسلامي» بإدارته للسعوديّة، التي تموّله وتعيّن الأئمة فيه. تعرض لانتقادات شديدة من الإعلام الرسمي البلجيكي مؤخراً، وتمّت الإشارة إليه بوصفه «معقل تطرّف». انتقدته أيضاً أصوات برلمانيّة مطالبة بوضع حدّ له. حينما طرح المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب خطوطاً للمعالجة الأوروبيّة، تحدّث عن أهميّة إيجاد بدائل من دعاة وأئمّة من خارج دائرة «السلفيّة والوهابيّة» باعتبارها أرضيّة للتطرّف.
بعد الاهتمام الذي لقيته تصريحات بريفو الكاشفة، خرجت فرق إعلاميّة لتتبع أيّ تضامن سيخرج منه يوم الجمعة. كما هو متوقّع، تمّ رفض فكرة تكريس الصلاة لصالح التعبير عن وحدة الحال الإنسانيّة. البديل كان وقفة صمت، والذهاب لوضع ورود إلى جانب محطّة «الميترو» التي تعرضت للهجوم. بعض من قاموا بتغطية الحدث، أكَّدوا أنَّ الأعداد كانت أقل من المعتاد يوم صلاة الجمعة.
خلال تبريره لرفض مسعى تجمعه الغالبيّة الشعبيّة، قال إمام المسجد الكبير محمد غالي لصحافي سأله عن ذلك «من هم الضحايا الذين لقوا حتفهم في هذه الجريمة.. ليسوا فقط البلاجكة»، قبل أن يضيف معللاً رأيهم «الصلاة هي رحمة ودعاء للمسلم، فلا يمكن أن تصلّي على غير المسلم.. هناك وسائل أخرى (للتضامن) لهؤلاء الذين من غير المسلمين».
Comments
Post a Comment