نجيب عبد الحق: تنطلق روايتي من وهم الربيع العربي
عبد الرحيم الخصار
21-03-2016 01:58 AM
درس
نجيب عبد الحق الأدب الفرنسي بالجامعة، وتخصص في الشعر الحديث، ودرس بعده
تاريخ الفن، لكنه التحق فيما بعد بالصحافة، ترأس تحرير عدد من المنشورات
الناطقة بالفرنسية، وكان مولعاً، إضافة إلى المواضيع الفنية والثقافية،
بإعداد ملفات عن الإرهاب، تحديدا عن «الخلايا الجهادية» المغربية في أوروبا
وأميركا. حين صدرت روايته الأولى «أراضي الله» ضمن منشورات «كراس المتوحد»
سجلت حضورا مهما في الأوساط الثقافية بالمغرب، قبل أيام صدرت عن دار النشر
نفسها روايته الثانية «ربيع الأوراق المتساقطة» بلغة فرنسية جميلة وبرؤية
فلسفية مبطنة بالسخرية. التقيت به في مقهى فرنسا بساحة جامع الفنا في مدينة
مراكش برفقة ناشره عبد الغفار سويرجي، الذي خبرني أن الرواية قيد الترجمة،
وستصدر نسختها العربية قريبا.
رواية «ربيع الأوراق المتساقطة» تنطلق من «وهم» الربيع العربي، حيث يضع الكاتب شخصين مختلفين في التفكــــير جنبا إلى جنب، في مكان معزول، يحلم أحــــدهما بتغــــيير العالم وينــــخرط في حركة 20 فبراير الثورية، بينــــما يحلم الآخر بالوصــــول إلى أوروبا، ويقضـــي نهاره في التدرب على الســـباحة، استعدادا لعــــبور المتوســط نحو الضفة الأخــــرى.
عن هذه الرواية وعن راهن الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية يدور هذا الحوار.
رواية «ربيع الأوراق المتساقطة» تنطلق من «وهم» الربيع العربي، حيث يضع الكاتب شخصين مختلفين في التفكــــير جنبا إلى جنب، في مكان معزول، يحلم أحــــدهما بتغــــيير العالم وينــــخرط في حركة 20 فبراير الثورية، بينــــما يحلم الآخر بالوصــــول إلى أوروبا، ويقضـــي نهاره في التدرب على الســـباحة، استعدادا لعــــبور المتوســط نحو الضفة الأخــــرى.
عن هذه الرواية وعن راهن الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية يدور هذا الحوار.
تيمة الرواية مهمة، وتناولك لها كان بشكل موضوعي، لكن ما وظيفة الرواية في نظرك؟ هل هي زرع الأمل أم تعميق الشعور باليأس؟ لقد بدت لي الرواية كما لو أنها صفعة على خد من يحلم. لماذا هذه الصفعة؟
تطرح رواية ربيع الأوراق المتساقطة موضوعا حساسا وراهنا يعيشه العالم العربي الآن، أقصد تحديدا أوهام الربيع العربي. تمر البلدان العربية بأوقات عصيبة، فقد تغيرت الأشياء بالنسبة للشعوب إلى الأسوأ. نتابع جميعا ما يحدث في مصر وليبيا، ناهيك عن محنة سوريا. نأت تونس بنفسها عن اللعبة، لكن الأمور لم تستقر بعد. لنسمِّ الأشياء بأسمائها. تكشف الرواية في ثناياها تلك الخدعة العظيمة، تفضح الكذبة والأوهام التي سقط في حبالها ملايين المواطنين، الذين أثارهم الخوف، وجرفهم خطاب السياسيين الطنّان. أي ربيع هذا شغل الناس؟ تصف الرواية كيف دخلت البلدان العربية فترة جليدية، جامدة، حيث الانتظار سبيل الأمل. هذه هي الحقيقة التي لن تتغير في المدى المنظور.
يعالج النص موضوع السياسة والتطلع للحكم، بطريقة فكاهية ساخرة. يظهر من خلال شخوص الرواية توزع الشباب بين الأمل وفقدان البوصلة، وامتزج الحلم بالوهم. أطرح عبر شخوص الرواية، جنون الحكم وشيوع الإيديولوجيات الهدامة. يمكن اعتبار النص رواية سوداء، أساسها الخيبات. هل تصلح النهايات السعيدة خاتمة للنص؟ نعرف جميعا أن المرحلة الحالية التي تمر فيها الشعوب وكذلك الحكومات هي مرحلة صعبة حقا. كيف نبعث الأمل في جمع لا يؤمن الواحد منه إلا في إنقاذ نفسه، ولا يرى أملا في ذلك؟ ليس ذلك أبدا تشاؤما، بل واقعية خالصة. كيف نفتح أعيننا ونستعيد الآن من دون أن ننساق وراء الوهم؟ توقف زمن الحلم، واجتاح الكابوس عالمنا، لا غرابة إذاً في أن تكون اليقظة مؤلمة.
الشعر والسرد
روايتك تسخر بعنف من الأيديولوجيات الدينية؟ ماذا عن الترجمة العربية؟ ربما النسخة العربية التي ستصدر قريبا قد تتلقى الكثير من الانتقاد؟
أتابع في هذه الرواية ما كنت قد بدأته في روايتي الأولى «أراضي الله»: أحسم هنا مع بعض الأمكنة والتواريخ. سبق أن طرحت مسألة المصادرة عند صدور «أراضي الله» مع كل ما تحمله من سخرية وتحامل على فقهاء الظلام. وفي «ربيع الأوراق المتساقطة» تنصب السخرية على الدين والسياسة والتطرف، رغم ذلك لم يتعرض النص لأية رقابة. بغض الطرف عن حضور الجنس مثلا، هناك انتقادات لاذعة لكل أشكال التطرف الديني. لا أعرف ماذا سيحدث مع نص الرواية العربي. أكتب بكل حرية ولا أضع نصب عينيّ خطوطا حمراء. ما أنتظره من الترجمة العربية هو أن تحافظ على روح السخرية والفكاهة.
لا تراهن في روايتك على المضمون فحسب، أي القضية التي ستتناولها، بل تراهن أيضا على اللغة. ففي «ربيع الأوراق المتساقطة» يتقاطع الشعر مع السرد. ما وظيفة اللغة الشعرية؟ أو ماذا يفعل الشعر داخل الرواية؟ هل تنتهي هذه الوظيفة عند البعد الجمالي؟
تتناول الرواية الظاهرة بالفعل، لكن الأحداث التي تتابع داخل السرد، ليست واقعية بتاتا. يشتغل النص، بالفعل، داخل أفق شعري. هذا ما يفسر ذلك التأمل الباطني والتفكير في المستقبل، الذي يشغل بال الشخوص. تطرح الرواية تساؤلات حول العالم والإنسان ومعنى الحياة والعلاقات الإنسانية والحب والرغبة والأمل. يُكتب ذلك كله بالفعل بلغة شعرية. يعود ذلك ربما لطبيعة التكوين. قرأت في صباي أعمال كتاب مثل بروست وكافكا وجويس ولورانس دوريلو وميلير، ودوستويفسكي وسولجينتسين. والفلسفة ورؤيتها الواضحة للعالم. تشتغل هذه العوالم بطريقة أو بأخرى داخل النص. الشعر هو ما يعطي للسرد معنى. لاحظ البعض أيضا تأثير السينما في الكتابة.
الفكاهة
صحيح، فقد بدت لي الكثير من المشاهد الروائية كما لو أنها معدّة للسينما. أيضا هناك روح عالية من الكوميديا الساخرة في روايتك. السلطة الإسبانية تصدر مرسوما يستطيع بموجبه كل مغربي أن يحصل على أوراق إقامة في أوروبا إن تمكن من عبور مضيق جبل طارق سباحة. الهجرة هي قضية كبرى في المغرب، هل يبدو لك أن الطريقة الأنسب لتناول القضايا الكبرى ـ في زمن الانهيارات وسقوط الأحلام ـ هي السخرية؟
إزاء قضية الهجرة السرية، وصعود نجم التطرف الديني، والإيديولوجيات التكفيرية ليس أمامنا سوى طريقتين: يمكن التعاطي بصلابة ويكون الناتج نظريات وتحاليل لا غير. لا يمكن تناول هذه المواضيع أدبيا إذا لم نتسلح بسلاح السخرية. يضحك القارئ في مواقف رهيبة. أعالج الموضوع بفكاهة سوداء، تأتي من طبيعة النص. هكذا تعاملت مع مرسوم الحكومة الاسبانية الذي تحدثت عنه الرواية والذي بموجبه يمنح كل مهاجر قطع مضيق جبل طارق سباحة تذكرة عبور لأوروبا. غريب ذلك، لكن الأغرب هو دفع الناس إلى الموت من أجل تذكرة سفر لأوروبا. تمارس الشخصية المركزية السباحة كتعبير عن اليأس وانسداد الأفق وانهيار الأحلام.
ما مبرر اختيار الفرنسية كلغة للكتابة في اللحظة الراهنة؟ هذا سؤال كلاسيكي، لكني في الحقيقة أبحث له عن إجابة محينة.
أكتب بالفرنسية لأنها لغة قريبة مني. أحلم بلغة فرنسية منذ صباي المبكر. درست الأدب الفرنسي. أشعر داخل هذه اللغة بالحرية. أغلى شيء عند الكاتب هو طعم الحرية. أجيد العربية كذلك. أجدني قريبا من نفسي وأنا أكتب باللغة الفرنسية. لا تهم اللغة التي يكتب بها الكاتب في حد ذاتها، لكن الأهم هو ماذا يكتب.
ماذا عن الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية اليوم؟ هل هناك قطيعة مع تيمات ورؤى الأجيال السابقة؟ أم أن الأمر يتعلق بنوع من الامتداد؟
من الصعب الحكم على عمل الكتّاب الآخرين الذين يكتبون باللغة الفرنسية في المغرب اليوم. تتناول هذه النصوص كل المواضيع، كل من زاوية نظره. ثمة للأسف كتاب لم يجدوا طريقهم بعد لأنهم وقعوا ضحية التقليد. إن المطلوب من الكاتب هو تقديم نظرته للأشياء وإبداعا وخيالا جديدا. ذلك ما يميز كاتبا عن غيره. يشتغل البعض على مواضيع اجتماعية راهنة بطريقة سطحية وآخرون يكتبون تحت الطلب. بالنسبة لي أكتب أشياء عشتها.
روايتك تسخر بعنف من الأيديولوجيات الدينية؟ ماذا عن الترجمة العربية؟ ربما النسخة العربية التي ستصدر قريبا قد تتلقى الكثير من الانتقاد؟
أتابع في هذه الرواية ما كنت قد بدأته في روايتي الأولى «أراضي الله»: أحسم هنا مع بعض الأمكنة والتواريخ. سبق أن طرحت مسألة المصادرة عند صدور «أراضي الله» مع كل ما تحمله من سخرية وتحامل على فقهاء الظلام. وفي «ربيع الأوراق المتساقطة» تنصب السخرية على الدين والسياسة والتطرف، رغم ذلك لم يتعرض النص لأية رقابة. بغض الطرف عن حضور الجنس مثلا، هناك انتقادات لاذعة لكل أشكال التطرف الديني. لا أعرف ماذا سيحدث مع نص الرواية العربي. أكتب بكل حرية ولا أضع نصب عينيّ خطوطا حمراء. ما أنتظره من الترجمة العربية هو أن تحافظ على روح السخرية والفكاهة.
لا تراهن في روايتك على المضمون فحسب، أي القضية التي ستتناولها، بل تراهن أيضا على اللغة. ففي «ربيع الأوراق المتساقطة» يتقاطع الشعر مع السرد. ما وظيفة اللغة الشعرية؟ أو ماذا يفعل الشعر داخل الرواية؟ هل تنتهي هذه الوظيفة عند البعد الجمالي؟
تتناول الرواية الظاهرة بالفعل، لكن الأحداث التي تتابع داخل السرد، ليست واقعية بتاتا. يشتغل النص، بالفعل، داخل أفق شعري. هذا ما يفسر ذلك التأمل الباطني والتفكير في المستقبل، الذي يشغل بال الشخوص. تطرح الرواية تساؤلات حول العالم والإنسان ومعنى الحياة والعلاقات الإنسانية والحب والرغبة والأمل. يُكتب ذلك كله بالفعل بلغة شعرية. يعود ذلك ربما لطبيعة التكوين. قرأت في صباي أعمال كتاب مثل بروست وكافكا وجويس ولورانس دوريلو وميلير، ودوستويفسكي وسولجينتسين. والفلسفة ورؤيتها الواضحة للعالم. تشتغل هذه العوالم بطريقة أو بأخرى داخل النص. الشعر هو ما يعطي للسرد معنى. لاحظ البعض أيضا تأثير السينما في الكتابة.
الفكاهة
صحيح، فقد بدت لي الكثير من المشاهد الروائية كما لو أنها معدّة للسينما. أيضا هناك روح عالية من الكوميديا الساخرة في روايتك. السلطة الإسبانية تصدر مرسوما يستطيع بموجبه كل مغربي أن يحصل على أوراق إقامة في أوروبا إن تمكن من عبور مضيق جبل طارق سباحة. الهجرة هي قضية كبرى في المغرب، هل يبدو لك أن الطريقة الأنسب لتناول القضايا الكبرى ـ في زمن الانهيارات وسقوط الأحلام ـ هي السخرية؟
إزاء قضية الهجرة السرية، وصعود نجم التطرف الديني، والإيديولوجيات التكفيرية ليس أمامنا سوى طريقتين: يمكن التعاطي بصلابة ويكون الناتج نظريات وتحاليل لا غير. لا يمكن تناول هذه المواضيع أدبيا إذا لم نتسلح بسلاح السخرية. يضحك القارئ في مواقف رهيبة. أعالج الموضوع بفكاهة سوداء، تأتي من طبيعة النص. هكذا تعاملت مع مرسوم الحكومة الاسبانية الذي تحدثت عنه الرواية والذي بموجبه يمنح كل مهاجر قطع مضيق جبل طارق سباحة تذكرة عبور لأوروبا. غريب ذلك، لكن الأغرب هو دفع الناس إلى الموت من أجل تذكرة سفر لأوروبا. تمارس الشخصية المركزية السباحة كتعبير عن اليأس وانسداد الأفق وانهيار الأحلام.
ما مبرر اختيار الفرنسية كلغة للكتابة في اللحظة الراهنة؟ هذا سؤال كلاسيكي، لكني في الحقيقة أبحث له عن إجابة محينة.
أكتب بالفرنسية لأنها لغة قريبة مني. أحلم بلغة فرنسية منذ صباي المبكر. درست الأدب الفرنسي. أشعر داخل هذه اللغة بالحرية. أغلى شيء عند الكاتب هو طعم الحرية. أجيد العربية كذلك. أجدني قريبا من نفسي وأنا أكتب باللغة الفرنسية. لا تهم اللغة التي يكتب بها الكاتب في حد ذاتها، لكن الأهم هو ماذا يكتب.
ماذا عن الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية اليوم؟ هل هناك قطيعة مع تيمات ورؤى الأجيال السابقة؟ أم أن الأمر يتعلق بنوع من الامتداد؟
من الصعب الحكم على عمل الكتّاب الآخرين الذين يكتبون باللغة الفرنسية في المغرب اليوم. تتناول هذه النصوص كل المواضيع، كل من زاوية نظره. ثمة للأسف كتاب لم يجدوا طريقهم بعد لأنهم وقعوا ضحية التقليد. إن المطلوب من الكاتب هو تقديم نظرته للأشياء وإبداعا وخيالا جديدا. ذلك ما يميز كاتبا عن غيره. يشتغل البعض على مواضيع اجتماعية راهنة بطريقة سطحية وآخرون يكتبون تحت الطلب. بالنسبة لي أكتب أشياء عشتها.
Comments
Post a Comment