من سيرة الحب والكتابة (فصل من أنثى الأنهار):
تفاصيل حياتى المبكرة والحى الذى عشت فيه هو مخزون كل الذكريات والحكايات التى التقطتها اذنى وانا صغيرة . مشاهد عايشتها وظلت جمراتها فى تمام الصحو رغم مايفصلنى منها من سنوات وحيوات. مخزون بدأ بحكايات جدتي من أمي ريا, احاجى وحكايات فتقت خيالي منذ ان كان يافعا وكنت اظل مشدودة الى فضاءات الحكاية طيلة الليل وقلبي يضرب (كزنبلاج ساعة) معطوب. فخوفي كان قدر فضولي لأرى الغول وتشوقت ان اذهب مع فاطمة في رحلتها لإنقاذ (عريسها) اخدر عزاز وليلا بحثت عن لبن الغزال البكر بت البكر, كلها من حكايات جدتي والتي قرأتها لاحقا في كتاب الأحاجي السودانية ولم تعجبني كما حركت خيالاتي زمانها.
مشهد جدى ود حماد حين يزور اخته ريا جدتي وله مسبحة طويلة من ثمرة الهجليج
كان يقيم الليل وكنت اجلس قربه خاصة في الليالي المقمرة, كنت احس ان ضوء القمر يسطع بين اصابعه النحيفة, أسرتني حكايات جدى وكنت التصق فيه طيلة الوقت فقد كان عطوفا وبشوشا وقلبه في رقة طفل وليد. الصور التي اترعت خيالي، كان له صوتا رخيما وحالما يبدأ في تلاوة القرآن الكريم ابدأ في البكاء, فالطقس كله كان محرضا للدموع. سافرت مرة حيث يقيم جدى ود حماد في شبشة والترعة الخضراء لا اذكر من تلك الزيارة سوى القمر الذى كان في تمام النداء لأسافر فيه. هناك عالم غير, ولجته منذ ان كنت في السادسة من عمرى ربما حين كنت في رحم أمي الهو والعب في آمان
كل طقوسي تتغير وانا اتأمل في وجه اللامرئى. مثل طقوس الاعراس بدء من الاستعدادات الاولى من (دق الريحة, تعليم العروس الرقص, المشاط, خياطة فستاين العرس الخ.) كنت اتلصص بفضول غريب في تلك الامكنة التي حالما تراني الجدة الكريم يدى الا وتنتهزنا بحنان. كانت جلسة العروس ومحاولاتي لأسبر اغوارها بما امتلكته من خيالات واحلام بسيطة. كانت المشاطة تحرك اصابعها بنفس الطريقة التى ينقر بها الطبل وكنت امعن النظر في ملامح العريس وحين وصلت الرابعة عشر من عمرى كنت احلم بذات العريس (ابنوسى اللون وفضة اسنانه تلمع مثل سن الذهب فى فم عروسه), لم استطع ان ابدله بمحمود ياسين ولا شامي كابور ولا العميري ولكن لاحقا بدلته بزيدان ابراهيم وربما لتشابه الملامح بينهما.
كان العريس يلمع ورائحته تفوح منها العطور التى ابتكرتها المرأة السودانية بحنكتها وتلك العجنة المعطونه فى الصندل (الدلكة) والحناء على يدية تلمع مثل قمر مكتمل لحالات العشق.
كنت دائمة الحضور في المكان الذى يتم فيه تعليم العروس على الرقص وكنت احاكى رقصاتها كالحمامة بجسمي الهزيل وان اضع قطعين من القصاصات التي رماها خياط الحى لأبرز بها صدري. من هنا ذاد حبى للرقص . كنت مغرمة بحلقات الرقص التي كانت تنظم بشكل عفوي كل يوم جمعة بعد صلاة العصر في مساحة بين السوق الصغير وحى الرديف, تمتلئ الساحة بكل الاجناس من نساء ورجال واطفال وصبايا وصبيات, لم يهتم احد زمانها عن قبيلة من هذا او تلك, ربما الواقع المتشابه في الغالب جعلنا نحس باننا من طينة واحده وكانت هذه حجر الاساس للوعى المبكر بالإنسان كانسان. يوم الجمعة كان يوما مهما في حياتي زمانها خاصة ما بعد صلاة العصر حيث تبدأ الطبول وتتهيأ الاجساد للركض في ساحة الرقص. كانت عيوني في كامل انتباهاتها وانا التقط حركة الاصابع والاقدام واحاكيها الى ان وجدت إيقاعي الذى يخصني..
عرفت كيف ارقص الكمبلا مع اخى في الرضاعة يوسف الزبير خميس, عرفت كيف يرقصها اهله في ام حيطان في جبال النوبة وعرفت كيف تشهق روحي مع قامة بنات الدينكا الجميلات وعرفت كيف ارقص الجراري مع بنات تاما وعرفت كيف اجر النم واطرب لايقاعات التم التم واعود كل يوم الى البيت والطريق أمامي شجر ملون في خاطري الصغير ولم يكن يهمني ماينتظرني خاصة انى لم اكتفى بسحب سفنجة جدى بل قطعتها مرات ومرات حين علا الطبل والغبار وخرجت روحي من قلة مائها الضيقة الى محيطها اللانهائي. لم يفت على الانسراق لأشاهد حلقات المدائح التي تقام في الحى, فعم فتح الرحمن كان ينظم حلقات الذكر وفى نفس الديوان تقعد اجتماعات الحزب الشيوعي. عرفت ذلك حين تفتق وعى على بهار الوعى السياسي وحين نهلت من الكتب بكل الالوان.
صوت المجندين الجدد يعبر الشارع واقدامهم تضرب على الارض ويعلو الغبار بالجلالات ذات الايقاع العالى، لم اكن افهم مايقولون ولكن النغمة كانت تطربنى.
بيوت البكاء واسئلة الوجود الاولى, الموت الذى شغلني من ذلك الزمان ومازال، كنت ارخى السمع لجدتى وهى تبكى منشدة وصوت امى رخيما يعدد مآثر الانسان الذى رحل. اصوات باكية جعلت روحى تعوى كذئب صغير.
مشهد اعياد الميلاد والريش الملون على هامات المسيحين من ابناء وبنات السودان الجنوبي, يوزعون لنا الحلوى, (حلاوة قطن) وبعض من ريش النعام, يرقصون ويتلون اهازيجهم, نساء ورجالا ولا ارجع الى البيت حتى يرحل الغبار الفرح الذى خلفوه وراءهم. ومشهد لبسة اللاوى المزركش بالوان كان يسكن عيوني وقلبي وخاطري وكل ذاكرتي.
اما بيوت (الظار) فهذه حكاية, حكاية تحتاج الى اجنحة نسر أسطوري كأجنحة تلك الشابة التي انتفضت بكل طاقاتها الكامنة وحلقت بيديها طليقة في سماوات تخص احلامها (وبدستوركم ياعيال ماما), يعجبني كما فعلت لولية الحبشية وكنت اتمنى ان أسكنها او تسكنني لنرقص حتى مطلع الماء من بئر مسكون بالأغنيات من خمسة الف عام.
يبدو لي ان السرية التي احاطت بأول رسالة حب استلمتها في حياتي (مكرفسة) داخل علبة كبريته, حملها لي شقيقه الاصغر. اذكر انى قرأتها في (بيت الادب) وكنت اتعرق من الخوف والفرح في نفس الوقت. اذكر كيف بدأها: (يالدهباية انى احبك حبا جما)... ومن لا يعرف مسلسل (الدهباية) الإذاعي ايامها؟ كانت اول قصة حب في حياتي, الحب العذري الطاهر, قبل ان يقرر اهله الرحيل الى العاصمة وعلى جوار الجامع التقيته ومعه اخته فقد كان الامر مخيفا ان تلتقى بشاب وان كان من ذات الحى. قال لي سأكلم ابى ليخطبك لي ونتزوج ونعيش في الخرطوم. في تلك اللحظة دندنت أمنياتي البسيطة تلك الانشودة (متين اشوف الخرطوم وازور حديقة البلدية) وكأنه قرأ تفكيري وقال مبتسما ببراءة بان اول مكان سوف نذهب اليه بعد عودتنا من جبل التاكا ان نشاهد سعاد حسنى وعمر الشريف من على شاشة سينما كلزيوم وان نمسح لسبنا دموعها من على شاشة النيل الازرق وان نهيم حين يتحقق الحلم.. و... و... ورغم كل هذه المحفزات قلت له لا. صقعه ردى حين تابعت بأنى سوف اواصل تعليمى. رأيت في عينيه غضب يكاد ينفجر ويملأ (الفراغ العريض) الذى كنت للتو قد كملت قراءاته..
ورسالة اخرى من الولد (الاصفرانى) وكان خطة جميلا ومنمقا وكنت حينها ضمن فريق المدرسة في الدورة المدرسية و(عش معاى الحب), ومن يومها تعلقت عيوني في عينيه وممسكا على جيب الرداء الكاكي الذى كان يرتديه تلاميذ المتوسطة في ذلك الزمان. (حين سمعت صوتك حلمت بك زوجتي التي سأضمها يوما الى غابات صدري). هذه الغابة التي بقيت من تلك الحكاية صارت غابات من( كتر) لمخزون الذاكرة وتفجير انهار الخيال ومن كل هذه الحكايات التي تحتاج الى كتاب مخصص لسيرة الحب في ازمنة المطر البريء.
وحين بدأت افرهد بأناشيد الحياة, تراكمات التفاصيل المتنوعة تفجرت في محاولاتي الاولى في الكتابة. حين عشقت بت الجيران احد اقربائها والذى صار مفخرة لأهله بدخوله كلية الآداب القانون, خصتني دون بنات الحى بالحكاية واسرت لي بانها تريد ان تكتب ردا لحبيبها ولكن خطها غير مقروء. كنت في الثانوية العليا كتبت لها اول رسالة لحبيبها وعبر عنوان المدرسة كانت تصل ردوده التي خلبت لبى وسرحت في الكتابة اليه بالطبع باسم بت الجيران, فالرسائل التي كنت اكتبها بأشواق لحبيب سيأتي. رسائل عديدة الى ان عرف بان التي تكتب له ليست هي حبيبته بل بنت الجيران التي هي انا. تزوجت بنت جيرانا رجل عملي كما قالت ولأوقت لها لكل هذه الانشاء.
كل هذا المدخور من تفاصيل كان طمى الكتابة, لذا ارتبطت الكتابة عندي بالحب, الحب بمعناه الواسع ارتبطت بالاطلاع, فالقراءة هي حبوب لقاح الكتابة.
في وجه القمر رأيت عوالمي الاولى و –سعيد يحب سعيدة, تلك التي تكتب على حوائط دورات المياه.. خيالي انفتح على مصراعيه وكنت سعيدة اكتب كلما اكتمل القمر والى محاق اللهاة والعطش.. هنا كتبت أشعاري وخصوبتي وتسكعي الاول مع الحبيب هناك في تلك البؤرة اللامرئية... رأيتني مع ذئاب وسيمة وغيوم وارانب وثعالب نعيش في وئام.
لعبت حصة الانشاء في المتوسطة وانتباهه أساتذتي احمد محمد الحسن واستاذ الطاهر محمد دورا كبيرا في بداياتي الاولى وكم نهلت من مكتبة رحمي التي كان صاحبها استاذنا الطاهر ويسلفنا الكتب مقابل اشتراك شهري بسيط وكله كان يصب في التشجيع على الاطلاع والنهل من كل ضروب المعارف.
كنت اكتب لزيدان ابراهيم, كتبت له رسائل غرام وكنت احس بالفعل بأنى احبه وكم سهرت الليل اناجيه واسر للقمر بأسراري وأشواقي له حين يغنى كنوز محبة, لم اكن الوحيدة التي عشقته وكل بطريقتها, مثل تلك الصبية التي تلوح بالتهديد لكل من تقول حرف (الزاء) على لسانها فزيدان حبيبها وحدها ولا شريك لها ولكنها لم تعرف كيف شاركتها وكتبت له بدم القلب اجمل الرسائل.
وحين تفتق وعى السياسي نتيجة للمحيط الذى حولي فلم يمنع ذلك الخور ولا طنين البعوض من مناقشة كتاب قرأناه بعد ان سلفنا له ذلك الشيوعي الجسور ولا انتظارنا لعودة بنات وابناء كوستي من جامعة القاهرة الفرع زكى منصور ولا من مصر البعيدة لنسمع التجارب والحكايات وكان محمد احمد تبيدي وتلك المكتبة التي لم يبخل بها اهلها, أل ابو ادريس ولا ابراهيم فتح الرحمن وعلم الجمال الماركسي ولا مكتبة ابى, فلا حد للمعارف ما بين مذكرات حسن نجيله وكتب نوال السعداوي والميدان السرية التي نتداولها في الليل خوفا من عساكر المدينة والدنيا ظلمة ونميري وكتمة هواء.
كانت أول مظاهرة أشارك فيها, كنت في أولى عالي. كان عقد ثورة، وقمحات وسنابل تنتظر, خرجنا من مدرسة كوستي الثانوية العليا, جاءت بنات الفصول المسائية صباحاً, كانت آمال عبدالرحمن التى تمنطق الحجر ونوال حسن الشيخ الجميلة بضفائر أحلامها ونباهة عينيها الوسيعتين, كن بنات عم شمس الدين المربي في إدارة المدارس والتربية بكوستي, التومات المرتبات إلهام وسامية, وكنت ضمن عقد منضوم بأحلام الناس وأمانيهم لأجل الخبز, لأجل السكر, لأجل التعليم.
قبالة المدرسة كان مبنى الشرطة, كانت العصافير تخرج من حناجرنا الصبية, تقدمنا وبقيت الزرافات الثلاثة رابحة ونجوى وآمال يحمين ظهورنا, تقدمت وبدأنا الهتاف:
يابوليس ماهيتك كم ورطل السكر بقى بي كم؟
كان بداية شتاء, كان مطلع النشيد الجماهيري فى عين ذلك العسكري الوسيم الذي سكن في حيينا، وكنت عاشقة له, كان يحبني, الحب والثورة, الثورة لا تعرف الخوف وكذلك الحب, كان يومها ضمن الوردية التي كان لها أن تصد المظاهرات وتفرغها بالبمان وبالهراوات, لم أتراجع, عينيه منحتني القوة، وهو واقف لا يستطيع فعل شيء ضدنا, اقترب زميله منا, قابضاً على عضوه ومهدداً أن يرينا إياه إن لم نتراجع, لم نخاف, لم نتراجع, تقدمت آمال, رابحة, نجوى, كان (بوليصاً) بديعاً, في عينيه غزالات وحيوانات أليفه ومتوحشة, كانت عينيه حقول القمح والسكر, كانت مطالبنا العادلة في تلك المظاهرة والمظاهرات القادمة التي ركضنا فيها وملأت رئتينا روائح البمبان والثورة المنتصرة.
وقف بيني وبينه, الحب هو الثورة, الثورة هي الحب.
خرجنا بعدها في مظاهرات لاحقة ولكنى لم أره, فقد فكوا قيوده وانطلق لأجلنا, لأجل قلبه الغض.
مشهد جدى ود حماد حين يزور اخته ريا جدتي وله مسبحة طويلة من ثمرة الهجليج
كان يقيم الليل وكنت اجلس قربه خاصة في الليالي المقمرة, كنت احس ان ضوء القمر يسطع بين اصابعه النحيفة, أسرتني حكايات جدى وكنت التصق فيه طيلة الوقت فقد كان عطوفا وبشوشا وقلبه في رقة طفل وليد. الصور التي اترعت خيالي، كان له صوتا رخيما وحالما يبدأ في تلاوة القرآن الكريم ابدأ في البكاء, فالطقس كله كان محرضا للدموع. سافرت مرة حيث يقيم جدى ود حماد في شبشة والترعة الخضراء لا اذكر من تلك الزيارة سوى القمر الذى كان في تمام النداء لأسافر فيه. هناك عالم غير, ولجته منذ ان كنت في السادسة من عمرى ربما حين كنت في رحم أمي الهو والعب في آمان
كل طقوسي تتغير وانا اتأمل في وجه اللامرئى. مثل طقوس الاعراس بدء من الاستعدادات الاولى من (دق الريحة, تعليم العروس الرقص, المشاط, خياطة فستاين العرس الخ.) كنت اتلصص بفضول غريب في تلك الامكنة التي حالما تراني الجدة الكريم يدى الا وتنتهزنا بحنان. كانت جلسة العروس ومحاولاتي لأسبر اغوارها بما امتلكته من خيالات واحلام بسيطة. كانت المشاطة تحرك اصابعها بنفس الطريقة التى ينقر بها الطبل وكنت امعن النظر في ملامح العريس وحين وصلت الرابعة عشر من عمرى كنت احلم بذات العريس (ابنوسى اللون وفضة اسنانه تلمع مثل سن الذهب فى فم عروسه), لم استطع ان ابدله بمحمود ياسين ولا شامي كابور ولا العميري ولكن لاحقا بدلته بزيدان ابراهيم وربما لتشابه الملامح بينهما.
كان العريس يلمع ورائحته تفوح منها العطور التى ابتكرتها المرأة السودانية بحنكتها وتلك العجنة المعطونه فى الصندل (الدلكة) والحناء على يدية تلمع مثل قمر مكتمل لحالات العشق.
كنت دائمة الحضور في المكان الذى يتم فيه تعليم العروس على الرقص وكنت احاكى رقصاتها كالحمامة بجسمي الهزيل وان اضع قطعين من القصاصات التي رماها خياط الحى لأبرز بها صدري. من هنا ذاد حبى للرقص . كنت مغرمة بحلقات الرقص التي كانت تنظم بشكل عفوي كل يوم جمعة بعد صلاة العصر في مساحة بين السوق الصغير وحى الرديف, تمتلئ الساحة بكل الاجناس من نساء ورجال واطفال وصبايا وصبيات, لم يهتم احد زمانها عن قبيلة من هذا او تلك, ربما الواقع المتشابه في الغالب جعلنا نحس باننا من طينة واحده وكانت هذه حجر الاساس للوعى المبكر بالإنسان كانسان. يوم الجمعة كان يوما مهما في حياتي زمانها خاصة ما بعد صلاة العصر حيث تبدأ الطبول وتتهيأ الاجساد للركض في ساحة الرقص. كانت عيوني في كامل انتباهاتها وانا التقط حركة الاصابع والاقدام واحاكيها الى ان وجدت إيقاعي الذى يخصني..
عرفت كيف ارقص الكمبلا مع اخى في الرضاعة يوسف الزبير خميس, عرفت كيف يرقصها اهله في ام حيطان في جبال النوبة وعرفت كيف تشهق روحي مع قامة بنات الدينكا الجميلات وعرفت كيف ارقص الجراري مع بنات تاما وعرفت كيف اجر النم واطرب لايقاعات التم التم واعود كل يوم الى البيت والطريق أمامي شجر ملون في خاطري الصغير ولم يكن يهمني ماينتظرني خاصة انى لم اكتفى بسحب سفنجة جدى بل قطعتها مرات ومرات حين علا الطبل والغبار وخرجت روحي من قلة مائها الضيقة الى محيطها اللانهائي. لم يفت على الانسراق لأشاهد حلقات المدائح التي تقام في الحى, فعم فتح الرحمن كان ينظم حلقات الذكر وفى نفس الديوان تقعد اجتماعات الحزب الشيوعي. عرفت ذلك حين تفتق وعى على بهار الوعى السياسي وحين نهلت من الكتب بكل الالوان.
صوت المجندين الجدد يعبر الشارع واقدامهم تضرب على الارض ويعلو الغبار بالجلالات ذات الايقاع العالى، لم اكن افهم مايقولون ولكن النغمة كانت تطربنى.
بيوت البكاء واسئلة الوجود الاولى, الموت الذى شغلني من ذلك الزمان ومازال، كنت ارخى السمع لجدتى وهى تبكى منشدة وصوت امى رخيما يعدد مآثر الانسان الذى رحل. اصوات باكية جعلت روحى تعوى كذئب صغير.
مشهد اعياد الميلاد والريش الملون على هامات المسيحين من ابناء وبنات السودان الجنوبي, يوزعون لنا الحلوى, (حلاوة قطن) وبعض من ريش النعام, يرقصون ويتلون اهازيجهم, نساء ورجالا ولا ارجع الى البيت حتى يرحل الغبار الفرح الذى خلفوه وراءهم. ومشهد لبسة اللاوى المزركش بالوان كان يسكن عيوني وقلبي وخاطري وكل ذاكرتي.
اما بيوت (الظار) فهذه حكاية, حكاية تحتاج الى اجنحة نسر أسطوري كأجنحة تلك الشابة التي انتفضت بكل طاقاتها الكامنة وحلقت بيديها طليقة في سماوات تخص احلامها (وبدستوركم ياعيال ماما), يعجبني كما فعلت لولية الحبشية وكنت اتمنى ان أسكنها او تسكنني لنرقص حتى مطلع الماء من بئر مسكون بالأغنيات من خمسة الف عام.
يبدو لي ان السرية التي احاطت بأول رسالة حب استلمتها في حياتي (مكرفسة) داخل علبة كبريته, حملها لي شقيقه الاصغر. اذكر انى قرأتها في (بيت الادب) وكنت اتعرق من الخوف والفرح في نفس الوقت. اذكر كيف بدأها: (يالدهباية انى احبك حبا جما)... ومن لا يعرف مسلسل (الدهباية) الإذاعي ايامها؟ كانت اول قصة حب في حياتي, الحب العذري الطاهر, قبل ان يقرر اهله الرحيل الى العاصمة وعلى جوار الجامع التقيته ومعه اخته فقد كان الامر مخيفا ان تلتقى بشاب وان كان من ذات الحى. قال لي سأكلم ابى ليخطبك لي ونتزوج ونعيش في الخرطوم. في تلك اللحظة دندنت أمنياتي البسيطة تلك الانشودة (متين اشوف الخرطوم وازور حديقة البلدية) وكأنه قرأ تفكيري وقال مبتسما ببراءة بان اول مكان سوف نذهب اليه بعد عودتنا من جبل التاكا ان نشاهد سعاد حسنى وعمر الشريف من على شاشة سينما كلزيوم وان نمسح لسبنا دموعها من على شاشة النيل الازرق وان نهيم حين يتحقق الحلم.. و... و... ورغم كل هذه المحفزات قلت له لا. صقعه ردى حين تابعت بأنى سوف اواصل تعليمى. رأيت في عينيه غضب يكاد ينفجر ويملأ (الفراغ العريض) الذى كنت للتو قد كملت قراءاته..
ورسالة اخرى من الولد (الاصفرانى) وكان خطة جميلا ومنمقا وكنت حينها ضمن فريق المدرسة في الدورة المدرسية و(عش معاى الحب), ومن يومها تعلقت عيوني في عينيه وممسكا على جيب الرداء الكاكي الذى كان يرتديه تلاميذ المتوسطة في ذلك الزمان. (حين سمعت صوتك حلمت بك زوجتي التي سأضمها يوما الى غابات صدري). هذه الغابة التي بقيت من تلك الحكاية صارت غابات من( كتر) لمخزون الذاكرة وتفجير انهار الخيال ومن كل هذه الحكايات التي تحتاج الى كتاب مخصص لسيرة الحب في ازمنة المطر البريء.
وحين بدأت افرهد بأناشيد الحياة, تراكمات التفاصيل المتنوعة تفجرت في محاولاتي الاولى في الكتابة. حين عشقت بت الجيران احد اقربائها والذى صار مفخرة لأهله بدخوله كلية الآداب القانون, خصتني دون بنات الحى بالحكاية واسرت لي بانها تريد ان تكتب ردا لحبيبها ولكن خطها غير مقروء. كنت في الثانوية العليا كتبت لها اول رسالة لحبيبها وعبر عنوان المدرسة كانت تصل ردوده التي خلبت لبى وسرحت في الكتابة اليه بالطبع باسم بت الجيران, فالرسائل التي كنت اكتبها بأشواق لحبيب سيأتي. رسائل عديدة الى ان عرف بان التي تكتب له ليست هي حبيبته بل بنت الجيران التي هي انا. تزوجت بنت جيرانا رجل عملي كما قالت ولأوقت لها لكل هذه الانشاء.
كل هذا المدخور من تفاصيل كان طمى الكتابة, لذا ارتبطت الكتابة عندي بالحب, الحب بمعناه الواسع ارتبطت بالاطلاع, فالقراءة هي حبوب لقاح الكتابة.
في وجه القمر رأيت عوالمي الاولى و –سعيد يحب سعيدة, تلك التي تكتب على حوائط دورات المياه.. خيالي انفتح على مصراعيه وكنت سعيدة اكتب كلما اكتمل القمر والى محاق اللهاة والعطش.. هنا كتبت أشعاري وخصوبتي وتسكعي الاول مع الحبيب هناك في تلك البؤرة اللامرئية... رأيتني مع ذئاب وسيمة وغيوم وارانب وثعالب نعيش في وئام.
لعبت حصة الانشاء في المتوسطة وانتباهه أساتذتي احمد محمد الحسن واستاذ الطاهر محمد دورا كبيرا في بداياتي الاولى وكم نهلت من مكتبة رحمي التي كان صاحبها استاذنا الطاهر ويسلفنا الكتب مقابل اشتراك شهري بسيط وكله كان يصب في التشجيع على الاطلاع والنهل من كل ضروب المعارف.
كنت اكتب لزيدان ابراهيم, كتبت له رسائل غرام وكنت احس بالفعل بأنى احبه وكم سهرت الليل اناجيه واسر للقمر بأسراري وأشواقي له حين يغنى كنوز محبة, لم اكن الوحيدة التي عشقته وكل بطريقتها, مثل تلك الصبية التي تلوح بالتهديد لكل من تقول حرف (الزاء) على لسانها فزيدان حبيبها وحدها ولا شريك لها ولكنها لم تعرف كيف شاركتها وكتبت له بدم القلب اجمل الرسائل.
وحين تفتق وعى السياسي نتيجة للمحيط الذى حولي فلم يمنع ذلك الخور ولا طنين البعوض من مناقشة كتاب قرأناه بعد ان سلفنا له ذلك الشيوعي الجسور ولا انتظارنا لعودة بنات وابناء كوستي من جامعة القاهرة الفرع زكى منصور ولا من مصر البعيدة لنسمع التجارب والحكايات وكان محمد احمد تبيدي وتلك المكتبة التي لم يبخل بها اهلها, أل ابو ادريس ولا ابراهيم فتح الرحمن وعلم الجمال الماركسي ولا مكتبة ابى, فلا حد للمعارف ما بين مذكرات حسن نجيله وكتب نوال السعداوي والميدان السرية التي نتداولها في الليل خوفا من عساكر المدينة والدنيا ظلمة ونميري وكتمة هواء.
كانت أول مظاهرة أشارك فيها, كنت في أولى عالي. كان عقد ثورة، وقمحات وسنابل تنتظر, خرجنا من مدرسة كوستي الثانوية العليا, جاءت بنات الفصول المسائية صباحاً, كانت آمال عبدالرحمن التى تمنطق الحجر ونوال حسن الشيخ الجميلة بضفائر أحلامها ونباهة عينيها الوسيعتين, كن بنات عم شمس الدين المربي في إدارة المدارس والتربية بكوستي, التومات المرتبات إلهام وسامية, وكنت ضمن عقد منضوم بأحلام الناس وأمانيهم لأجل الخبز, لأجل السكر, لأجل التعليم.
قبالة المدرسة كان مبنى الشرطة, كانت العصافير تخرج من حناجرنا الصبية, تقدمنا وبقيت الزرافات الثلاثة رابحة ونجوى وآمال يحمين ظهورنا, تقدمت وبدأنا الهتاف:
يابوليس ماهيتك كم ورطل السكر بقى بي كم؟
كان بداية شتاء, كان مطلع النشيد الجماهيري فى عين ذلك العسكري الوسيم الذي سكن في حيينا، وكنت عاشقة له, كان يحبني, الحب والثورة, الثورة لا تعرف الخوف وكذلك الحب, كان يومها ضمن الوردية التي كان لها أن تصد المظاهرات وتفرغها بالبمان وبالهراوات, لم أتراجع, عينيه منحتني القوة، وهو واقف لا يستطيع فعل شيء ضدنا, اقترب زميله منا, قابضاً على عضوه ومهدداً أن يرينا إياه إن لم نتراجع, لم نخاف, لم نتراجع, تقدمت آمال, رابحة, نجوى, كان (بوليصاً) بديعاً, في عينيه غزالات وحيوانات أليفه ومتوحشة, كانت عينيه حقول القمح والسكر, كانت مطالبنا العادلة في تلك المظاهرة والمظاهرات القادمة التي ركضنا فيها وملأت رئتينا روائح البمبان والثورة المنتصرة.
وقف بيني وبينه, الحب هو الثورة, الثورة هي الحب.
خرجنا بعدها في مظاهرات لاحقة ولكنى لم أره, فقد فكوا قيوده وانطلق لأجلنا, لأجل قلبه الغض.
كان للشيوعيات والشيوعيين دورا كبيرا لا يقل عن دور ابى ولا أساتذتي وست العز فضل الله على وجه الخصوص التي كم دست الميدان السرية في يدى لأقرأها. من هناك تعلمت الجسارة والجرأة في طرح رؤيتي ولم اكن حينها عضوة في أي حزب وكم استهوتني فكرة الانضمام للحزب الجمهوري في مرحلة المتوسطة.
وتفتق الوعى.. وسرت مثلى مثل غيرى على النار
كتبت هذه الرسالة اثر مقال كتبته في جريده حائطية في مدرسة اتحاد معلمين كوستي وكنت اجلس للمرة الثانية لامتحان الشهادة السودانية. كنت ضمن لجنة تحرير الجريدة. نُشر الموضوع بعد جهد كبير ونقاشات ومخاوف. وقد كان ان قامت القيامة, قامت قيامتي وقيام {سمعتي}, كله بسبب مقال بعنوان: الشرف ماذا يعنى لجيلي؟.
لم تكن قطعا المواجهة الاولى لي مع الهجوم, فقد تمت مهاجمتي ذات ندوة وانا في اولى عالي, ندوة في المدرسة عن الخفاض: رفعت اصبعي الصغير الذى يحلم بان تشهق أفكاري ذات يوم دون خوف .منحوني فرصة ورميت بسؤالي الذى حان بسببه قطاف رأسي المدور بالأفكار والاسئلة سؤال لم اجد له اجابة حتى الآن رغم مرور سنوات طويلة: لماذا خلق الله البظر؟ لماذا لم تقطعون انفى؟ او ادنى؟ لماذا البظر؟ اتغيرون في خلقة الله؟
مرور تلك العاصفة رمى في عقلي ثمرة اخرى, تكبر الشجرة وكبرت اشجار واشجار كلها تنتمى للجسارة. وحين طرحت هذا السؤال عن الشرف وانا ابحث عن اجابة – ماذا يعنى الشرف لجيلي؟
مرت سنوات طويلة وتغيير الحال والبنى الاجتماعية وتراكيب الوضع الاقتصادي لأعرف بان البكارة يمكن شرائها مثلها مثل حبوب الفياغرا. وصار الحب معلبا وعابرا و Take away ... مثلها مثل رسائل الواتساب التي تفتح للعنصرية ابواب الجحيم عبر النكات الاثنية والصور التي تدل على حالة من السعر الجنسي... من ذلك الزمان ولم يكف عقلي عن العصف, عن القلق وبالتالي عن الحياة.
الكتب دي يا بتي بتشقيك؟ قالتها لي امى حليمة وهى تدس (قريشات) في يدى عندما اسافر معها لمدني لزيارة اختها ولا نسرق حفيفا لمكتبة الفجر بمدني, كان احيانا يكفيني شم الكتب, اشم رائحة الورق وتمتلىء رئتاى بهواء معافى. معارف هي ثمرة الناس الذين غرسوا, في الامل والرغبة في الحياة والاطلاع وعشق الدروب الغير ممهده. المكتبة الطويلة وعريضة في كوستي, اهاجر لها لانهل منها, استلف من اسرة آل ابو ادريس, اظل الليل اقرأ واتأمل. قد يحدث ان لا انام ثلاثة ليالي كاملة, كيف انام وفى بالى كانت ملكة الدار محمد ويى رغبة ان اساهم في ملئ هذا (الفراغ العريض). الكتابة كانت وظلت ملاذي, كل انفعالاتي بايجابياتها وسلبياتها تخرج في كتابة هي روحي.. هي انا..
كل هذه الآراء التي راها ومازال يراها البعض متطرفة في جرأتها ومازالت اعانى كثيرا من رمى بحجارة سجيل العقول المتحجرة, ما زلت بعد عمر لا احسبه بسنوات ميلادي, فهو قطعا لم يبدأ في السادس عشر من سبتمبر 1961 وانما من زمن طويل, موغل في بئر الازلية.. قبل ايام كان استاذ انور فقيري حضورا, بذات قامته الممشوقة وفكره النير, حين سألني مسجل الفلم الوثائقي عن الذين واللاتي اثروا في مسيرتي وكيف عرفت طريقي... قلت عن آدم ديسكو وعن حواء عثمان بائعة الفول.. قلت عن عم الزبير مشذب جناين كوستي.. قلت عن استاذ انور وسنده وصوته الجهور وهو يعيد ترتيب الاشياء
وشادا على يدى التي تكتب, من يومها ورغم {محنتي} ككاتبة الا ان القلم يظل رفقتي الوفيه والكتب مثلها مثل جنا الحشا, والكتابة صوتي الجهور ... ومن انا سوى تلك العوالم التي شكلتني واسرجتنى في خيول الفضاء؟
وقفة استاذ انور كانت لون الوضوح والجسارة التي لازمتني ومازالت ولأجلها دفعت وسأدفع الغالي والنفيس. وتظل فاكهة التغيير والوعى به طازجة.
-------------
انثى الانهار؛ من سيرة الجرح والملح والعزيمة؛ 2015 الصادرة عن دار النسيم بمصر.
وتفتق الوعى.. وسرت مثلى مثل غيرى على النار
كتبت هذه الرسالة اثر مقال كتبته في جريده حائطية في مدرسة اتحاد معلمين كوستي وكنت اجلس للمرة الثانية لامتحان الشهادة السودانية. كنت ضمن لجنة تحرير الجريدة. نُشر الموضوع بعد جهد كبير ونقاشات ومخاوف. وقد كان ان قامت القيامة, قامت قيامتي وقيام {سمعتي}, كله بسبب مقال بعنوان: الشرف ماذا يعنى لجيلي؟.
لم تكن قطعا المواجهة الاولى لي مع الهجوم, فقد تمت مهاجمتي ذات ندوة وانا في اولى عالي, ندوة في المدرسة عن الخفاض: رفعت اصبعي الصغير الذى يحلم بان تشهق أفكاري ذات يوم دون خوف .منحوني فرصة ورميت بسؤالي الذى حان بسببه قطاف رأسي المدور بالأفكار والاسئلة سؤال لم اجد له اجابة حتى الآن رغم مرور سنوات طويلة: لماذا خلق الله البظر؟ لماذا لم تقطعون انفى؟ او ادنى؟ لماذا البظر؟ اتغيرون في خلقة الله؟
مرور تلك العاصفة رمى في عقلي ثمرة اخرى, تكبر الشجرة وكبرت اشجار واشجار كلها تنتمى للجسارة. وحين طرحت هذا السؤال عن الشرف وانا ابحث عن اجابة – ماذا يعنى الشرف لجيلي؟
مرت سنوات طويلة وتغيير الحال والبنى الاجتماعية وتراكيب الوضع الاقتصادي لأعرف بان البكارة يمكن شرائها مثلها مثل حبوب الفياغرا. وصار الحب معلبا وعابرا و Take away ... مثلها مثل رسائل الواتساب التي تفتح للعنصرية ابواب الجحيم عبر النكات الاثنية والصور التي تدل على حالة من السعر الجنسي... من ذلك الزمان ولم يكف عقلي عن العصف, عن القلق وبالتالي عن الحياة.
الكتب دي يا بتي بتشقيك؟ قالتها لي امى حليمة وهى تدس (قريشات) في يدى عندما اسافر معها لمدني لزيارة اختها ولا نسرق حفيفا لمكتبة الفجر بمدني, كان احيانا يكفيني شم الكتب, اشم رائحة الورق وتمتلىء رئتاى بهواء معافى. معارف هي ثمرة الناس الذين غرسوا, في الامل والرغبة في الحياة والاطلاع وعشق الدروب الغير ممهده. المكتبة الطويلة وعريضة في كوستي, اهاجر لها لانهل منها, استلف من اسرة آل ابو ادريس, اظل الليل اقرأ واتأمل. قد يحدث ان لا انام ثلاثة ليالي كاملة, كيف انام وفى بالى كانت ملكة الدار محمد ويى رغبة ان اساهم في ملئ هذا (الفراغ العريض). الكتابة كانت وظلت ملاذي, كل انفعالاتي بايجابياتها وسلبياتها تخرج في كتابة هي روحي.. هي انا..
كل هذه الآراء التي راها ومازال يراها البعض متطرفة في جرأتها ومازالت اعانى كثيرا من رمى بحجارة سجيل العقول المتحجرة, ما زلت بعد عمر لا احسبه بسنوات ميلادي, فهو قطعا لم يبدأ في السادس عشر من سبتمبر 1961 وانما من زمن طويل, موغل في بئر الازلية.. قبل ايام كان استاذ انور فقيري حضورا, بذات قامته الممشوقة وفكره النير, حين سألني مسجل الفلم الوثائقي عن الذين واللاتي اثروا في مسيرتي وكيف عرفت طريقي... قلت عن آدم ديسكو وعن حواء عثمان بائعة الفول.. قلت عن عم الزبير مشذب جناين كوستي.. قلت عن استاذ انور وسنده وصوته الجهور وهو يعيد ترتيب الاشياء
وشادا على يدى التي تكتب, من يومها ورغم {محنتي} ككاتبة الا ان القلم يظل رفقتي الوفيه والكتب مثلها مثل جنا الحشا, والكتابة صوتي الجهور ... ومن انا سوى تلك العوالم التي شكلتني واسرجتنى في خيول الفضاء؟
وقفة استاذ انور كانت لون الوضوح والجسارة التي لازمتني ومازالت ولأجلها دفعت وسأدفع الغالي والنفيس. وتظل فاكهة التغيير والوعى به طازجة.
-------------
انثى الانهار؛ من سيرة الجرح والملح والعزيمة؛ 2015 الصادرة عن دار النسيم بمصر.
Comments
Post a Comment