إسرائيل تواجه نقص الجنود بـ«التلقيح الصناعي»

«لقد توفى ابنك الجندى «نوعام» على خط الجبهة منذ قليل».. لم تشعر الأم السيدة راشيل، وهى تسمع كلمات الضابط المؤلمة عن مصرع ابنها الوحيد، إلا والأرض تهتز تحت قدميها، سقطت أمامه مغشيًا عليها، فالراحل طفلها الوحيد، وليس لديها فى الحياة سواه مع ذكرى زوج توفى منذ أمد بعيد.
اليوم لم يعد للاثنين «الابن والزوج» أى وجود، وما زاد الأمر سوءًا أن الابن رحل دون أن يخلف حفيدًا، فقد مر على زواجه بضعة أشهر.
«احتفظوا ببضع نُطف من ابنى.. تلك كانت وصيته».. لم تمر سويعات قليلة حتى تمكنت الأم من استرداد وعيها، لتلقى بتلك القُنبلة فى وجه الضابط، أرادت أن تحتفظ بشىء من ذكرى ابنها الذى توفى منذ قليل، كانت تلك وصيته التى قالها قبل أن يذهب إلى خط النار، تاركًا زوجة لم تنجب بعد.

مرت الأسابيع والشهور، ومع إصرار الأم على تنفيذ وصية الابن، رغم اعتراض أرملته، فإنها تمكنت من استصدار حكم من محكمة الأسرة فى مستوطنتها بحق استخدام «نُطف» ابنها الجندى الذى توفى على الجبهة، على اعتبار أن «بنك الحيوانات المنوية» ليس من شأنه أن يعترض على هذا الحق، لتبدأ الأم فى رحلة البحث عن رحم لزرع تلك «النطف»، رحلة تعلم جيدًا أنها لن تكون طويلة، فكم من رحم يرغب فى حمل طفل دون زواج.

ظاهرة غريبة ومثيرة للجدل تلخصها المشاهد السابقة، كما لو أن إسرائيل تريد أن تحيى «جيشًا من الأموات»، لتحافظ به على مستوى نمو ديموغرافى يواجه الزيادة السكانية الفلسطينية، والأكثر من ذلك أن إسرائيل لا تعتمد فقط على «نُطف» من جنودها اليهود فقط، لكنها تستعين أيضًا بـ«نطف» بنوك غربية وإفريقية ولاتينية أيضًا.

16 مركزًا لحفظ «المَنِىّ» فى تل أبيب.. والظاهرة بدأت بعد حرب أكتوبر 1973

تلك القصة ليست خيالية، وحدثت بشكل يكاد يتطابق مع قصة أخرى شهدتها إحدى محاكم الأسرة فى مستوطنة «بتاح تكفا»، كان بطلها جندى يُدعى «عمرى شاحر»، قُتل أثناء فترة خدمته فى الجيش، فى يونيو ٢٠١٢. أخذت من جثة «شاحر» بعد موته «نُطف»، بناء على طلب والديه، وحفظتها فى بنك للأعضاء بأحد المستشفيات، وبعد سنوات أصدرت محكمة الأسرة حكمًا بالسماح للوالدين باستخدامها، بغرض إنجاب طفل وقيامهما بتربيته كأبوين.
ورغم أن القصتين ليستا الوحيدتين، إلا انهما أثارا جدلًا واسعًا داخل المجتمع اليهودى، تحديدًا الأكثر تشددًا وتدينًا، منذ أن طفت ظاهرة «بنوك الحيوانات المنوية» على السطح عام ١٩٧٣، فطبقًا لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أدت حرب أكتوبر التى قُتل فيها الآلاف من الشباب الإسرائيلى إلى التفكير فى إنشاء مراكز لحفظ الحيوانات المنوية للقتلى من الجنود.
بل إن الجيش الإسرائيلى وضع ضوابط لسحب عينات من الجنود مع دخولهم الجيش للحفاظ على نسلهم فى حالة وفاتهم، وخلال عقود مضت، مات بالفعل عدد من الجنود الشبان، وتمكن ذووهم من استرداد نُطفهم لإنجاب أبناء منهم حتى بعد وفاتهم.
داخل إسرائيل حاليًا ١٦ بنكًا، بينها ٤ بنوك خاصة، و١٢ تتبع الحكومة نفسها، وطبقًا لتقارير مركز معلومات الكنيست الإسرائيلى، هناك أكثر من ١٥٠ ألف متبرع تعاملوا مع تلك البنوك خلال الفترة الأخيرة، ٤٢٪ منهم ينتمون لفئة الطلاب، فى مجالات الفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا الفائقة، و٣٧٪ جنودًا، و٢٠٪ أشخاصًا بالغين ينتمون لمهن مختلفة.
فى حين رصد موقع «ماكو» الإسرائيلى جميع الفئات التى سجلت فى بنوك الحيوانات المنوية، موضحًا أن الجنود التابعين للوحدات القتالية والوحدات الاستخباراتية كانوا الأكثر تبرعًا، وأن الجندى يحصل فى مقابل ذلك على ١٠٠٠ شيكل للمرة الواحدة، ما أدى إلى تحولها إلى مهنة يتربح منها لأكثر من مرة شهريًّا.
البنوك الـ١٦، جميعها تعمل فى سرية مُطلقة، فلا يتم تعريف المتبرع، ولا يحق له أن يعرف هوية متلقيات حيواناته المنوية، ووضعوا معايير لإجرائها، أولها أن يكون المتبرع والمُتلقى من الذين لم يسبق لهم الزواج، كما يتم رفض المطلقين والأرامل، على أن تنحسر الأعمار ما بين ١٨ و٣٠ سنة، ودون الالتفات للدين أو للمنشأ الأصلى، بشرط التعامل مع بنك واحد فقط، والموافقة على عدم حصوله على معلومات حول مصيرها، والحصول على مكافأة مالية فورية.
ومؤخرًا، وقعت وزارة الصحة الإسرائيلية بروتوكول تعاون بين بنوك الحيوانات النووية التابعة لها مع البنوك الأوروبية، بموجبه تم التعاقد على استقبال تبرعات «نُطف» من غير اليهود، ومن مُختلف الجنسيات، وسمح البروتوكول للمتبرع الغربى بحق معرفة مصير نُطفه، وابنه المولود، بل وحق كشف اسمه لابنه عند بلوغ ١٨ سنة.

أول ولادة من حيوان منوى مُجمدفى 2013.. و«الكنيست» يؤيد خوفًا من هاجس الفناء

منذ سنوات قليلة، وتحديدا فى مايو ٢٠١٣، خرجت إلى النور أول طفلة تولد من حيوان منوى مُجمد، لأب جندى توفى قبل ذلك التاريخ بأعوام قليلة، وأراد والداه أن يكون لهما حفيد من ابنهما الوحيد الذى توفى شابًا لم يتزوج.

ساعدتهما فى ذلك سيدة تدعى «إيريت روزنبلوم»، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمنظمة «أسرة جديدة»، وهى منظمة إسرائيلية تدافع عن حقوق الإنسان العالمية فى الزواج أو إنجاب الأطفال، بغض النظر عن الدين أو النوع أو الجنسية أو التوجه الجنسى، حتى استأجرا رحم فتاة تدعى «آية»، كانت تحلم بأن تُصبح أمًّا.
وتُعد حالة الطفلة «آر» الأولى من نوعها لولادة طفل من حيوانات أب متوفى، وفى رحم فتاة لم تلتقِ والدها من قبل.
وبحسب «إيريت» بدأت القصة كلها منذ ١٥ عامًا، عندما دخل جندى مكتبها، وقال لها إنه يعانى من إصابة لحقت به فى الجيش جعلته عقيمًا، ودفعها ذلك إلى أن تتساءل: لماذا لا تجمد حيواناته المنوية لاستخدامها فى المستقبل، فى حال حدوث شىء ما له أثناء الخدمة العسكرية، خاصة أن العقم الناجم عن الإصابة من الأمور الشائعة بين الجنود، نتيجة استخدام «اليورانيوم المنضب» فى حروبها بالمنطقة، ما أدى إلى انخفاض حاد فى عدد الحيوانات المنوية لدى الإسرائيليين؟».
وطبقا لإحصاءات محاكم الأسرة، شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا مطردًا لدى أهالى الجنود المتوفين، للحصول على حق استخدام «نُطف» أبنائهم التى يحتفظون بها فى بنوكهم عند التحاقهم بالجيش، وبرغم أن الدولة تقف حائط صد أمام تلك الطلبات، فإن المحاكم غالبًا ما تمنحهم ذلك الحق.
وفى الأسبوع الماضى حصل والدان يعيشان فى «بئر سبع»، توفى ابنهما الجندى متأثرًا بالسرطان أثناء خدمته بالجيش سنة ٢٠٠٨، على موافقة المحكمة لاستخدام حيوانات ابنهما «المُجمدة»، وولادة حفيد لهما من امرأة توافق على تأجير رحمها لهما.
والحقيقة التى لم تعد تخفيها «تل أبيب» أن العاملين بالجيش الإسرائيلى من الجنود والضباط أصبحت لديهم قناعة بأنهم سيلقون حتفهم فى دولة من دول الجوار، لذلك دائمًا ما يسارعون بتجميد «نُطفهم»، ففى حربها مع لبنان وقبل المعركة بقليل، تقدم أكثر من ٣٠ جنديًّا بطلب رسمى للقيادة لتجميد حيواناتهم المنوية، والسماح لأهاليهم باستخدامها لإنجاب أطفال يحملون أسماء آبائهم. 
الكثير من أعضاء «الكنيست» الإسرائيلى يؤيدون تلك الظاهرة، بل طالبوا باقتراح تشريع يسمح لهم بحق حفظ «نُطفهم» تحت اسم «الحاضر البيولوجى».
فى حين اقترح بعض رجال القانون إنشاء بنك خاص للفتيات، ليُسمح لهن استخدامه دون الحاجة إلى موافقة أقارب المتبرع أو المتوفى وأوضحوا أن تلك الموافقة ستعنى أمنًا قوميًا لإسرائيل، لأنه سيسهم فى محاربة «عقدة الفناء» التى تطاردها، وإن كانت الدولة ستعانى فيما بعد عقدة نسب حادة.

مراكز أبحاث: 40% من الإسرائيليين مصابون بـ«العقم».. و2030 مرحلة اللاخصوبة

أغلب الدراسات التى قدمتها مراكز أبحاث تل أبيب، سواء كانت العلمية الوراثية أو حتى الاجتماعية الديموغرافية، أكدت أن الإسرائيليين أضحوا شعبًا غير قادر على الإنجاب.
وطبقًا لدراسة الدكتور رونيت هايموف كوفمان، وهو طبيب متخصص فى أبحاث الذكورة، هناك حالة من الانخفاض الكبير فى مستوى أعداد الحيوانات المنوية بين الجنود الإسرائيليين من الشباب تمت ملاحظاتها فى السنوات الأخيرة، ما يعنى عدم القدرة على تلقيح أى بويضة للإنجاب، مشيرًا إلى أن هذا السبب كان له أثر فعال فى الاتجاه نحو مشروع «الأحماض النووية للأموات» بحثًا عن جنود.
الدكتور هوفمان فى دراسته التى قدمها بشكل رسمى أمام أعضاء الكنيست الإسرائيلى منذ ٧ سنوات، وتحديدًا فى أبريل ٢٠١٠، أشار إلى أن نتائجه الفعلية أظهرت انخفاضًا فى الخلايا المنوية وصل إلى ٤٠٪ لدى الجنود الشباب، وأن تلك النسبة لاحظها خلال أعوام ٢٠٠٤ حتى ٢٠٠٨، مقارنة بعامى ٢٠٠٤ و٢٠٠٥.
صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، من جهتها، ذكرت أن دراسة «هوفمان» امتدت لأكثر من ١٠ سنوات، وأكدت أن متوسط تركيز الحيوانات المنوية بين المانحين انخفضت من ١٠٦ ملايين لكل سنتيمتر مكعب إلى ٦٧ مليونًا لكل سنتيمتر مكعب، برغم أن أغلبهم من الشباب، وفى صحة جيدة، وغير مدخنين.
وأضافت أن تلك الإشكالية تعانى منها كل البلدان الغربية، وإن كانت إسرائيل تتفوق على جميع بلاد الغرب بحالة الانخفاض المتسارع، لافتة فى الوقت نفسه إلى أنه بتلك المعدلات التى أثبتتها الدراسة، فإن إسرائيل ستصل فى ٢٠٣٠ إلى مرحلة تطلق عليها منظمة الصحة العالمية مرحلة «اللاخصوبة».
مردخاى كيدار، وهو أحد الأساتذة المتخصصين فى الدراسات العربية بجامعة «بارايلان» العبرية، أثناء أحد لقاءاته مع قناة «الجزيرة» الإسرائيلية، أفصح عن معدلات الإنجاب عند اليهود، وكيف أنها أضحت أقل بكثير من معدلات الإنجاب لدى الفلسطينيين فى المناطق المُحتلة، وأنهم بتلك المُعدلات فى سنوات قليلة أصبحوا يشكلون حوالى ٢٠٪ من مواطنيهم، وقال: «عدد اليهود فى العالم لا يشكل سوى عدد نصف سكان العاصمة المصرية القاهرة، ما يعنى أنهم مهددون بالتلاشى وسط العديد من المجتمعات، وعلى رأسها المجتمع العربى». التهديدات التى أشار إليها مردخاى كيدار، لم تكن الأولى من نوعها، فمنذ سنوات خرج إلى النور كتاب اعتبره الإسرائيليون الأخطر على الإطلاق، وهو دراسة بحثية مُعمقة جاءت تحت عنوان «إسرائيل ديموغرافيًا ٢٠٠٠-٢٠٢٠.. مخاطر واحتمالات»، أعده الأكاديمى بجامعة حيفا أرنون سوفير.
كشف سوفير من خلال الكتاب عن أن المجتمع الإسرائيلى سيواجه مخاطر ديموغرافية يمكن أن تؤدى إلى انهيار يفوق أقوى القنابل النووية التى تمتلكها الجيوش المعادية، مشيرًا إلى أن القضية السكانية الإسرائيلية قضية وجودية فى المقام الأول، فالتوفق العددى لها سيمكنها من السيطرة على أرض فلسطين، فى حين انحسارها سيجعلها مجرد مجموعات بشرية تابعة للأغلبية الفلسطينية.

حاخامات: المولودون «أطفال زنى».. وخبراء: مستعدون لفعل أى شىء حتى «زواج المحارم»

«الطفل الذى يولد لامرأة غير متزوجة.. لقيط وابن زنى».. تلك الفتوى اليهودية الصريحة نشرها موقع «دين» الإسرائيلى، أحد أهم المواقع الرسمية المتخصصة فى الشئون التشريعية، ويُشرف عليه عدد من الحاخامات المتدينين والمتشددين، وهو ما يعنى أن ما يخطط إليه الجيش الإسرائيلى من استراتيجية «دى إن إيه الأموات»، يدخل فى إطار جريمة الزنى، وأن الشريعة اليهودية ترفضه رفضًا تامًا.
من جهتها، قالت الدكتورة ليلى أبوالمجد، أستاذة الدراسات التلمودية بجامعة عين شمس، إنها لم تكن المرة الأولى التى يتحايل فيها بنو إسرائيل لزيادة تعدادهم بالزواج المختلط «المحارم»، وأحيانًا بالزنى.
وأوضحت أن البداية الحقيقية لتلك الإشكالية جاءت مع السبط اليهوذا الذى تزوج من كنعانية، ويوسف الذى تزوج من أسنات بنت كاهن أون المصرى، لافتة إلى أن موضوع النقاء العرقى اليهودى أكذوبة صنعها اليهود والإسرائيليون، وتفضحها صفحات التوراة.
وأشارت إلى أن إسرائيل تسعى من وراء مشروع الأحماض النووية، لإنشاء بنوك للحيوانات المنوية للجنود والشباب اليهود، لافتة إلى أن تلك الخطة جاءت للتصدى للنمو الديموغرافى الفلسطينى، حتى وإن كانت مخالفة للشريعة اليهودية، وأبناؤهم المولودون جاءوا بطريقة الزنى.
الدكتور سامى الإمام، أستاذ الدراسات العبرية والديانة اليهودية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، أوضح أن الفقة اليهودى أظهر أن ميلاد طفل مجهول الأب من امرأة يهودية محسوم أمر حظره فى اليهودية، فهو لا يجوز بأى حال من الأحوال.
وأشار الإمام إلى أن المشرعين والحاخامات وجدوا ضالتهم فى التغلب على تلك العقبات لمواجهة الطلبات المتزايدة على هذا الحمل فى بعض الشروط التى وضعوها، أولها ضرورة وجود طرف ثالث موثوق، يتحمل تبعة شهادته بأن طرفى الحمل هما طرفان شرعيان، ويبين ظروف هذا الحمل واللجوء إليه، وثانيها أن يكون المتبرع «الرجل» أجنبيًا، أى غير يهودى، معروفًا، أى غير مجهول الهوية، وذلك للتغلب على معضلة الشريعة التى تقضى بضرورة أن يكون الزرع من معلوم وليس من مجهول، ليصبح المولود بذلك صالحًا وليس «مامزير»، أى غير شرعى لأن الأب معلوم فى هذه الحالة، والطفل فى هذه الحالة يهودى لأن أمه يهودية.