صحيفة الجريدة – عدد اليوم الأربعاء 27/4/2016
سفينة بَوْح – صحيفة الجريدة
نازل وين ... ؟ !! - - هيثم الفضل

واحدة من تداعيات ما آل إليه أمر التفكك الإجتماعي بالسودان ، جراء الإختناقات الإقتصادية التي تعاني منها معظم الأسر ، و التأثر الثقافي بالمحيط الإقليمي و العالمي بفضل ثورة الإتصالات و إنتشار و يسر وصول المعلومات عبر وسائط النشر الإلكتروني ، أن مشهداً مهماً من مشاهد التآلف و التعاضد الأسري قد إختفى من الوجود أو كاد أن يكون ، و هو المشهد الإجتماعي الذي طالما ألفناه و المتمثل في فضيلة إيواء الأسرة الممتدة لبعضها البعض على مستوى الإعاشة و السكن ، و ذلك حسب الظرف و متطلبات الزمان و المكان ، فقبل عدد ليس بكثير من السنوات لم يكن من له خال أوعم أو قريب من الدرجة الأولى يفكر في السكن في فندق أو مكان آخر غير بيت ذويه من الأقرباء إن إضطرته الظروف التواجد في العاصمة أو أي مدينة أخرى غير مدينته التي يقطنها ، و قد شهدت بأم عيني معظم البيوت السودانية في العاصمة و المدن الإقليمية المتفرقة و هي تعُج بطلاب العلم و العلاج و إكمال المعاملات و الوثائق الإدارية ، كان ذلك في الماضي أمراً إعتيادياً و طبيعياً ، أما وقد بدأ تأثير إتجاه المجتمع المدني في العاصمة و غيرها من المدن الكبرى لتكريس ( فردية و وحدوية ) التواجد الإجتماعي ، بات من الطبيعي أن يتبدَّل حال الكثير من التوجهات المتعلقة بالإيواء المؤقت لمجموعة كبيرة من القادمين و القادمات من خارج السودان و أقاليمه المختلفة ، فأن يرسل المغتربين بناتهم و أبناءهم للسودان لظرف التعليم أوغيره من المسببات ، لا يجد الأقربون منهم غضاضة في أن يقوموا بإيجار شقة أو سكن مستقل ، رغم ما يشوب ذلك من مخاطر أمنية و أخلاقية بدأت تظهر على سطح التفاعلات اليومية للشارع السوداني ، أقول ذلك و كثير من الناس يستغربون تواجد فتيات في سن المراهقة أو الشباب و هن يجبن أماكن و متاجر و مطاعم و في أوقات مسائية لم يكن في السابق أحدنا يصدق إمكانية تواجدهن فيها ، و للحقيقة فإن معظم أولئك الفتيات هن من صاحبات السكن الخاص و الذي في أغلب الأحيان تحكمه الشروط التجارية المتعلقة بعقود الإيجار و هي دائماً بالطبع خالية من الضوابط لأنها في نهاية الأمر تتعلق بمبدأ الحرية الشخصية ، و في ذلك يتبيَّن للمتمعن أن مجموعة هامة من قيِّم التعاضد و التآلف الإجتماعي في طريقها للإندثار أو بالفعل إندثرت ، من منا قبل ثلاثين عاماً من الآن كان يمتلك الجرأة التي تجعله يؤجر شقة لثلاث من بناته و بيوت أعمامهن و عماتهن و غيرهم من الأقرباء مفتوحة ، لعمري في ذلك الزمان كان ذلك يعتبر طعناً مباشراً في سمعة الأسرة بأكملها ، أصبحنا نقابل أقرب الأقربين من مدينة أخرى في الشارع و لا نهتم بسؤاله السؤال المعهود سابقاً ( نازل وين ؟ ) .. صعوبات الحياة المعيشية المتواترة و تعقيداتها المتواصلة التي لا تنتهي في المدن و حتى البوادي التي أصبحت تلهث نحو التمدن ، جعلت من تقبل أشكال التفكك الإجتماعي واقعاً مقبولاً و لو على مضض في نفوس المنتمين للأسرة الممتدة الواحدة ، هذا فضلاً عن ورود الثقافات المختلفة و خصوصاً ذات الإنتماء الغربي و التي تتلخص مجمل توجهاتها حول تقديس فكرة الفردية و الإستقلال الذاتي .. مما يتيح مساحات كبرى لتوسع ظاهرة إنحلال قيود التعاضد الإجتماعي التي كانت سابقاً إجبارية و لا فكاك منها ، إلا أنها في ذات الوقت كانت تشكل حماية طبيعية و تلقائية لموروثاتنا و تقاليدنا الإجتماعية التي طالما إشتهرنا بها بين الأمم.
سفينة بَوْح – صحيفة الجريدة
نازل وين ... ؟ !! - - هيثم الفضل

واحدة من تداعيات ما آل إليه أمر التفكك الإجتماعي بالسودان ، جراء الإختناقات الإقتصادية التي تعاني منها معظم الأسر ، و التأثر الثقافي بالمحيط الإقليمي و العالمي بفضل ثورة الإتصالات و إنتشار و يسر وصول المعلومات عبر وسائط النشر الإلكتروني ، أن مشهداً مهماً من مشاهد التآلف و التعاضد الأسري قد إختفى من الوجود أو كاد أن يكون ، و هو المشهد الإجتماعي الذي طالما ألفناه و المتمثل في فضيلة إيواء الأسرة الممتدة لبعضها البعض على مستوى الإعاشة و السكن ، و ذلك حسب الظرف و متطلبات الزمان و المكان ، فقبل عدد ليس بكثير من السنوات لم يكن من له خال أوعم أو قريب من الدرجة الأولى يفكر في السكن في فندق أو مكان آخر غير بيت ذويه من الأقرباء إن إضطرته الظروف التواجد في العاصمة أو أي مدينة أخرى غير مدينته التي يقطنها ، و قد شهدت بأم عيني معظم البيوت السودانية في العاصمة و المدن الإقليمية المتفرقة و هي تعُج بطلاب العلم و العلاج و إكمال المعاملات و الوثائق الإدارية ، كان ذلك في الماضي أمراً إعتيادياً و طبيعياً ، أما وقد بدأ تأثير إتجاه المجتمع المدني في العاصمة و غيرها من المدن الكبرى لتكريس ( فردية و وحدوية ) التواجد الإجتماعي ، بات من الطبيعي أن يتبدَّل حال الكثير من التوجهات المتعلقة بالإيواء المؤقت لمجموعة كبيرة من القادمين و القادمات من خارج السودان و أقاليمه المختلفة ، فأن يرسل المغتربين بناتهم و أبناءهم للسودان لظرف التعليم أوغيره من المسببات ، لا يجد الأقربون منهم غضاضة في أن يقوموا بإيجار شقة أو سكن مستقل ، رغم ما يشوب ذلك من مخاطر أمنية و أخلاقية بدأت تظهر على سطح التفاعلات اليومية للشارع السوداني ، أقول ذلك و كثير من الناس يستغربون تواجد فتيات في سن المراهقة أو الشباب و هن يجبن أماكن و متاجر و مطاعم و في أوقات مسائية لم يكن في السابق أحدنا يصدق إمكانية تواجدهن فيها ، و للحقيقة فإن معظم أولئك الفتيات هن من صاحبات السكن الخاص و الذي في أغلب الأحيان تحكمه الشروط التجارية المتعلقة بعقود الإيجار و هي دائماً بالطبع خالية من الضوابط لأنها في نهاية الأمر تتعلق بمبدأ الحرية الشخصية ، و في ذلك يتبيَّن للمتمعن أن مجموعة هامة من قيِّم التعاضد و التآلف الإجتماعي في طريقها للإندثار أو بالفعل إندثرت ، من منا قبل ثلاثين عاماً من الآن كان يمتلك الجرأة التي تجعله يؤجر شقة لثلاث من بناته و بيوت أعمامهن و عماتهن و غيرهم من الأقرباء مفتوحة ، لعمري في ذلك الزمان كان ذلك يعتبر طعناً مباشراً في سمعة الأسرة بأكملها ، أصبحنا نقابل أقرب الأقربين من مدينة أخرى في الشارع و لا نهتم بسؤاله السؤال المعهود سابقاً ( نازل وين ؟ ) .. صعوبات الحياة المعيشية المتواترة و تعقيداتها المتواصلة التي لا تنتهي في المدن و حتى البوادي التي أصبحت تلهث نحو التمدن ، جعلت من تقبل أشكال التفكك الإجتماعي واقعاً مقبولاً و لو على مضض في نفوس المنتمين للأسرة الممتدة الواحدة ، هذا فضلاً عن ورود الثقافات المختلفة و خصوصاً ذات الإنتماء الغربي و التي تتلخص مجمل توجهاتها حول تقديس فكرة الفردية و الإستقلال الذاتي .. مما يتيح مساحات كبرى لتوسع ظاهرة إنحلال قيود التعاضد الإجتماعي التي كانت سابقاً إجبارية و لا فكاك منها ، إلا أنها في ذات الوقت كانت تشكل حماية طبيعية و تلقائية لموروثاتنا و تقاليدنا الإجتماعية التي طالما إشتهرنا بها بين الأمم.