ييمكن القول إن الجزائر هي آخر ما تبقى مما يمكن تسميته بالدول
"الصقور" في المنطقة العربية، ويبدو أن أنظار رعاة "التسونامي" العربي قد
توجهت إليها أخيرا.
تجلى ذلك في بيان القمة
الخليجية المغربية الأولى، التي أعلنت في بيانها الختامي أن "قادة دول
الخليج يؤكدون أن قضية الصحراء هي قضية دول مجلس التعاون ويدعمون الرباط في
ذلك"، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بالتأكيد على "الالتزام بالدفاع المشترك عن
أمن واستقرار دول الخليج والمغرب واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها".فما الذي تريده دول الخليج بهذا الموقف؟ توطيد علاقاتها مع المغرب أم الإعلان عن عدائها للجزائر؟
يبدو أن دول الخليج بقيادة السعودية قررت تصفية الحسابات مع أي دولة عربية تقيم علاقات متينة مع إيران، فقد عاقبت بموقف مشابه بعض الشيء لبنان مؤخرا، وهي تساند حربا ضروسا ضد دمشق منذ خمس سنوات، كما أن دول الخليج، باستثناء قطر، وضعت كامل ثقلها وراء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نكاية بالرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي أعاد الجسور مع طهران.
AFP
واللافت أن التغير الجذري في الخارطة السياسية العربية قد قلب التصنيف التقليدي للأنظمة في المنطقة فأصبحت العديد من دول الخليج، وبخاصة قطر والسعودية والإمارات، تنتهج سياسة "راديكالية" وتزود "المنتفضين" على حكوماتهم بالسلاح والمال، وتعمل بشكل مباشر على تغيير الأنظمة التي لا تروق لها، يحدث ذلك بتنسيق مباشر مع واشنطن.
فهل يمكن أن يسعى سدنة ورعاة "الربيع العربي" الدموي والمدمر الآن إلى تكرار السيناريو الليبي أو السوري، أو حتى المصري في نسخته الثانية، في الجزائر؟ وهل الظروف مهيئة هناك لهذا النوع من النشاط الذي يمكن وصفه بأنه اغتيال سياسي يستهدف دولا بأسرها؟
ما يمكن قوله في هذا الصدد أن الجزائر لها تاريخ خاص ومتميز، فقد نالت سيادتها بعد نضال مرير عقب أطول استعمار في تاريخ المنطقة امتد 130 عاما، وهي بشكل عام، لا تزال تتمسك بنهجها السياسي التقليدي الذي أرساه الزعيم الراحل هواري بومدين، والأهم أنها تجاوزت محنة ما يعرف بـ"العشرية السوداء" في تسعينيات القرن الماضي، حيث اكتوت آنذاك بنيران حرب أهلية عنيفة وقاسية، لكنها برغم تجاوزها لتلك المحنة أصبحت بخاصرة رخوة بسبب الأوضاع المتردية في ليبيا.
وعلى الرغم من أن الجزائر لم تتخلص تماما من داء الإرهاب بعد، إلا أنها تمكنت من محاصرته وأثبتت قدرة مؤسساتها على إبعاد خطره وتحصين "الدولة" ضده.
من هذا المنظور لا يبقى أمام الدول العربية الراعية للربيع الدامي إلا الرهان على النموذج المصري، إذا قررت فعلا العمل على تغيير اتجاه بوصلة الجزائر بما يخدم مصالحها.
ما يحدث في المنطقة العربية إجمالا عبثي ونتائجه كارثية ومضاعفاته عنيفة. ويبدو أن المنطقة تسير بلا هدى إلى مصير أشد إظلاما، فالدول التي عجزت عن الاستفادة من ثرواتها الطبيعية في إقامة تنمية حقيقية مادية ومعنوية طيلة عقود طويلة، ها هي الآن، كعادتها، تصارع طواحين الهواء ولا تحس بالبراكين التي تغلي تحتها.
محمد الطاهر
Comments
Post a Comment