Skip to main content

هناك بالقطع جهات يجب أن تمثل أمام القضاء بتهم الخيانة العظمى، والتفريط في أمن الوطن، وتسليم مقدراته لمن لا يستحق، والعمالة لجهات خارج الدولة. وليس من بين هذه بالقطع الإمام الصادق المهدي. د. عبدالوهاب الأفندي كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن

د. عبدالوهاب الأفندي : الصادق المهدي والبشير بين تهم الخيانة العظمى والعمالة
هناك الكثير ما يثير الحيرة قبل الاستهجان في تقلبات السياسة السودانية. كيف مثلاً يفسر لماذا يقدم النظام السوداني على اعتقال زعيم حزب الأمة الإمام الصادق المهدي رغم أن الرجل متهم من قبل المعارضة (وبعض قيادات حزبه) بالتواطؤ مع النظام، حيث يعمل ابنه مساعداً لرئيس الجمهورية؟ المهدي متهم بالهرولة باتجاه النظام، بل والدخول معه فيما يشبه التحالف، دون أن أي تنازلات ملموسة منه. بل إن كثيراً من المعارضين يرى في اعتقال الرجل مسرحية مفتعلة، ودليلاً آخر على التواطؤ.
ولعل ما يثير الحيرة أكثر هو السبب المعلن للاعتقال. فقد قام جهاز الأمن والمخابرات السوداني قبل أسبوعين بفتح بلاغ جنائي في مواجهة المهدى بتهمة اشانة السمعة والاخلال بالسلامة العامة، وباﻹنتقاص من هيبة الدولة وتشويه سمعة القوات النظامية وتهديد السلام العام وتأليب المجتمع الدولي ضد البلاد. وجاءت هذه الاتهامات بعد انتقاد المهدي ما يسمى قوات «الدعم السريع» المحسوبة على جهاز الامن نهاية الاسبوع الماضى . وجاء في الشكوى أن المهدي أورد معلومات «كاذبة وظالمة ومسيئة عن قوات الدعم السريع» في المؤتمر الصحافي الذي عقده بمقر الحزب، متهماً إياها بالعمل خارج نطاق القوات النظامية، وبارتكاب جرائم حرق للقرى واغتصاب ونهب ممتلكات وتجنيد عناصر غير سودانية.
إلى هنا والأمر مفهوم، رغم غرابته. فمن حق من شاء أن يلجأ إلى القانون. ولكن ما حدث هو أن المهدي استدعي بعد أيام للنيابة وتم إيداعه السجن بدون ضمانة، وهو أمر غير مبرر، خاصة وأن الرجل لم تتم إدانته بعد. وكان من الممكن أن يتم التحقيق مع الرجل، وهو معروف الهوية ومكان الإقامة، دون اعتقاله. من هنا فإن من الواضح أن جهاز الأمن قرر معاقبة المهدي بالاعتقال التعسفي كما كان يفعل من قبل، فافتعل هذا الغشاء القانوني الرقيق لممارساته المعهودة.
لا يخفى أن هذه الممارسات هي تحديداً ما صعد المعارضة ضد النظام، ومما اضطره للدخول في حوار مع معارضيه سيفرض عليه التنازل عن قبضته على السلطة، وتحديداً مثل هذه الممارسات التعسفية. ومن نافلة القول أن زيادة التورط فيما يتفاوض النظام من أجل تركه من قبيل التداوي بالتي كانت هي الداء، فضلاً عن التشكيك في جدية النظام في الحوار. فقد كان المهدي حتى وقت قريب يكاد يكون الوحيد من بين كبار السياسيين المعارضين الذي يعبر عن ثقة في جدية النظام. وعليه يكون النظام بمثابة من يقطع أنفه حتى ينتقم من وجهه، كما يقول المثل الانكليزي.
الأهم من ذلك أن اعتقال المهدي وما يتبعه بالضرورة من تركيز إعلامي على التصريحات التي أدت إلى اعتقاله سيسلط الضوء أكثر على التصريحات التي ما كان الكثيرون ليسمعوا بها أو يولوها اهتماماً لولا ذلك. ومعروف أن المهدي لم يكن أول من انتقد أداء هذه القوات الغامضة الهوية. فقد سمع السودانيون عن هذه القوات أول ما سمعوا بها في مطلع شباط/فبراير الماضي عندما طالبها والي شمال كردفان أحمد هارون بمغادرة ولايته خلال 72 ساعة في أعقاب تجاوزات عديدة كان آخرها قيام منتسبين لهذه القوات بقتل تاجر في قلب عاصمة الولاية بعد أن رفض دفع أتاوات لهم.
والمعروف أن هارون ليس من كبار أنصار حقوق الإنسان، حيث هو متهم من قبل المحكمة الجنائية الدولة بأنه كان من أبرز من تولى كبر التجاوزات في ولايات دارفور أثناء الحرب هناك. فإذا كان هارون نفسه يرى أن هذه القوات تجاوزت كل الحدود، فمن يا ترى يستطيع الدفاع عنها؟
وعندما يتحدث المهدي عن تجاوزات، فإنه يتحدث عن علم ومعرفة، حيث لحزبه وحركة الأنصار جذور عميقة في دارفور، بل علاقات مباشرة (ومعترف بها من قبل بعض قياداته) بالقبائل العربية التي ما تزال تزود النظام بميليشيات الجنجويد ونظائرها. وعليه فهو حين يخرج إلى العلن باتهامات لا يكون ذلك رجماً بالغيب، وإنما بناءً على معلومات مباشرة وردته من الموقع. وكان ينبغي أن تتعامل الجهات الرسمية مع هذه التهم كما تعاملت مع تهم الوالي أحمد هارون (خاصة وأن المهدي مثله محسوب على النظام)، فتقوم بمعالجتها بدلاً من قتل ناقل الأخبار السيئة. فاتهامات المهدي لن تضر النظام شيئاً لو لم تكن حقيقية. بينما لو كانت حقيقية، كما كان الحال في دارفور من قبل، فإنها تجلب الوبال على النظام قبل غيره. وكان بإمكان جهاز الأمن والمخابرات أن ينظم مؤتمراً صحافياً آخر يفند فيه الاتهامات بالحجة والصوت والصورة، وما أيسر ذلك عليه!
يعيدنا هذا للنقطة الأهم: وهي لماذا يثور جهاز المخابرات كل هذه الثورة دفاعاً عن «قوات الدعم السريع»؟ وقبل ذلك، ما هي طبيعة هذه القوات، ومن أين جاءت؟ غني عن القول أن هذه قوات غير نظامية، وفوق ذلك، فهي تشكيلات ذات طابع قبلي، أي أنها ميليشيات قبلية. وهذا يذكرنا بقوات «الجنجويد» سيئة الذكر التي نسبت إليها معظم كبائر حرب دارفور، والتي بسببها وجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بجرائم الحرب والإبادة للرئيس السوداني عمر البشير. وقد صدرت قرارات من مجلس الأمن الدولي تطالب بحل هذه الميليشيات ونزع سلاحها. ولكن النظام قام بإعادة إنتاج تلك القوات تحت مسميات جديدة، من أبرزها ما يسمى بقوات حرس الحدود.
ما يسمى بقوات الدعم السريع هي مرحلة أخرى من إعادة إنتاج ميليشيات الجنجويد بثوب جديد. فمن يسمى بالقائد الميداني لهذه القوات كان أحد عتاة الجنجويد. وقد تأرجح كثيراً في مواقفه بسبب خلافات مالية مع النظام، حتى هدد مرة بالانقلاب عليه. وعليه فهو ليس من أهل الثقة، ويعمل لنفسه أولاً وأخيراً. وهذا يطرح عدة تساؤلات: لماذا طور وزاد النظام من اعتماده على ميليشيات الجنجويد، حتى أن جهاز المخابرات أعلن الأسبوع الماضي نشر ثلاثة «ألوية» من هذه القوات حول العاصمة الخرطوم لتأمينها؟ وهذا يطرح سؤالاً آخر: تأمينها ممن، والعاصمة السودانية تفيض بعشرات التشكيلات الرسمية المسلحة، من جيش وشرطة وأمن وشرطة خاصة؟ هل أصبح النظام يطلب حماية الجنجويد له من جيشه وقواته المسلحة التي لم يعد يأمن بأسها؟
إنها حقيقة أسئلة محيرة. ولو كان في البلد برلمان حقيقي وإعلام فاعل، لوجب استدعاء كبار المسؤولين ومساءلتهم عن السبب الذي أصبح الجيش فيه من العجز بحيث يضطر للاستعانة حتى في حماية العاصمة على ميليشيات مدانة دولياً بارتكاب أشنع جرائم الحرب (وذلك بالرغم من أن جل ميزانية البلاد تصرف على الأمن والدفاع). فهل تدهورت الأمور بحيث يصبح أمن العاصمة وأهلها في يد ميليشيات متهمة في دارفور باغتصاب الحرائر وقتل الأبرياء؟ أهي خفارة الذئب للشاة إذن؟
كنت قد انتقدت بشدة في «كتاب الثورة والإصلاح السياسي في السودان» تحول الحكومة السودانية بمجملها إلى جهاز علاقات عامة لجهاز الأمن يدافع عن تجاوزاته وجرائمه. بعد عقدين من الزمان، تحول جهاز الأمن بدوره إلى جهاز علاقات عامة لميليشيات الجنجويد. فمن يدري ماذا ستشهده الأيام القامة يا ترى؟
هناك بالقطع جهات يجب أن تمثل أمام القضاء بتهم الخيانة العظمى، والتفريط في أمن الوطن، وتسليم مقدراته لمن لا يستحق، والعمالة لجهات خارج الدولة. وليس من بين هذه بالقطع الإمام الصادق المهدي.
د. عبدالوهاب الأفندي
كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن

Comments

  1. كنت قد انتقدت بشدة في «كتاب الثورة والإصلاح السياسي في السودان» تحول الحكومة السودانية بمجملها إلى جهاز علاقات عامة لجهاز الأمن يدافع عن تجاوزاته وجرائمه. بعد عقدين من الزمان، تحول جهاز الأمن بدوره إلى جهاز علاقات عامة لميليشيات الجنجويد. فمن يدري ماذا ستشهده الأيام القامة يا ترى؟

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on

Mona Farouk reveals scenes of "scandalous video"Egyptian actress Mona Farouk appeared on Monday in a video clip to discuss the details of the case she is currently facing. She recorded the first video and audio statements about the scandalous video that she brings together with Khaled Youssef.Farouk detonated several surprises, on the sidelines of her summons to the Egyptian prosecution, that Khalid Youssef was a friend of her father years ago, when she was a young age, and then collected a love relationship with him when she grew up, and married him in secret with the knowledge of her parents and her father and brother because his social status was not allowed to declare marriage .Muna Farouk revealed that the video was filmed in a drunken state. She and her colleague Shima al-Hajj said that on the same day the video was filmed, she was at odds with Shima, and Khaled Yusuf repaired them and then drank alcohol.She confirmed that Youssef was the one who filmed the clips whil

الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي)-----------Khalid Babiker

• الجنس شعور فوضوي يتحكم في الذات والعقل . وله قوة ذاتية لا تتصالح إلا مع نفسها . هكذا قال أنصار المحلل الحلقة 20 هنادي المطلقة والمحلل (ماذا قال كتاب العرب في هنادي) أول طريق عبره الإنسان هو طريق الذكر . بعدها شهق وصرخ . تمرغ في الزيت المقدس . وجرب نشوة الأرغوس . عاجلا أم آجلا سيبحث عن هذا الطريق ( كالأسماك تعود إلى أرض ميلادها لتبيض وتموت ) . وسيعبره . سيعبره بحثا عن الديمومة . وسيشهق وسيضحك . لقد جاء إليه غريبا . سيظل بين جدرانه الدافئة غريبا . وحالما يدفع تلك الكائنات الحية الصغيرة المضطربة في الهاوية الملعونة سيخرج فقيرا مدحورا يشعر بخيانة ما ( ..... ) . لن ينسى الإنسان أبدا طريق الذكر الذي عبره في البدء . سيتذكره ليس بالذاكرة وإنما بالذكر . سيعود إليه بعد البلوغ أكثر شوقا وتولعا . ولن يدخل فيه بجميع بدنه كما فعل في تلك السنوات التي مضت وإنما سيدخل برأسه . بعد ذلك سيندفع غير مبال بالخطر والفضيحة والقانون والدين . الله هناك خلف الأشياء الصغيرة . خلف كل شهقة . كل صرخة مندفعا في الظلام كالثور في قاعة المسلخ . الله لا يوجد في الأشياء الكبيرة . في الشرانق . في المح . ينشق فمه . تن

Trusting Liar (#5) Leave a reply

Trusting Liar (#5) Leave a reply Gertruida is the first to recover.  “Klasie… ?” “Ag drop the pretence, Gertruida. You all call me ‘Liar’ behind my back, so why stop now? Might as well be on the same page, yes?” Liar’s face is flushed with anger; the muscles in his thin neck prominently bulging. “That diamond belongs to me. Hand it over.” “What are you doing? Put away the gun…” “No! This…,” Liar sweeps his one hand towards the horizon, “…is my place.  Mine!   I earned it! And you…you have no right to be here!” “Listen, Liar, we’re not the enemy. Whoever is looking for you with the aeroplane and the chopper….well, it isn’t us. In fact, we were worried about you and that’s why we followed you. We’re here to help, man!” Vetfaan’s voice is pleading as he takes a step closer to the distraught man. “Now, put down the gun and let’s chat about all this.” Liar hesitates, taken aback after clearly being convinced that the group  had hostile intentions. “I…I’m not sure I believe