نجحت حركات المساواة بين حقوق الجنسين في التوعية بحقوق المرأة وأيضًا بصحتها، وبالرغم من أن الرجل هو المهيمن والمسيطر في كل المجتمعات وكل الحقول -حسب الادعاءات- فإن هذا لم يشمل ملف «صحة الرجل».
إن صحة الرجل من الأمور المهمة التي يجب أن تدعمها المنظمات الحقوقية غير الصحية إلى جانب الصحية، فهو أمر يحتاج إلى التوعية المستمرة؛ إذ إن الرجال أقل اهتمامًا بالصحة من النساء.
طبقًا لتقرير «الصحة الأمريكية» فإن معدلات الوفاة بالنسبة للرجال أكبر من النساء، بالرغم من أن عدد النساء أكبر من الرجال في هذه المجتمعات؛ إذ إن إدمان الكحوليات والتدخين وأمراض القلب والضغط نصيب الرجل بها أكبر، وفي بعض الأمراض يكون نصيبه أكبر بفارق كبير.
تاريخ صحة الرجل
تأسست أول منظمة لصحة الرجل في الولايات المتحدة باسم «شبكة صحة الرجل» عام 1992 تبعها بعامين في المملكة المتحدة تأسيس «منتدى صحة الرجل»، وفي العاصمة النمساوية فيينا في العام 2002 تم تدشين «الأسبوع العالمي لصحة الرجل» برعاية أكبر منظمات مختصة بصحة الرجل آنذاك، إذ يسعى هذا الأسبوع إلى زيادة الوعي حول قضايا صحة الرجل وتشجيع المؤسسات المحلية والعالمية على تأمين رعاية صحية أفضل للمسائل التي يواجهها الرجال حول العالم، والوقاية من الأمراض المحتمل الإصابة بها، كأمراض القلب والضغط، وتضخم البروستاتا وضعف الانتصاب وسرعة القذف، وسرطان البروستاتا والعقم ودوالي الخصيتين، وغيرها، وذلك للتمتع بصحة جسدية وجنسية جيدة.
وفي عام 2005، عُين البروفيسور «آلان وايت» أول أستاذ جامعي لصحة الرجل، وذلك في جامعة ليدز الإنجليزية.
وبناء على ذلك، فإننا اليوم بصدد أحد أكثر موضوعات صحة الرجل أهمية حسب معدلات الإصابة والوفاة، وهو «سرطان البروستاتا».
القاتل الصامت
البروستاتا هي غدة تناسلية ذكرية في حجم حبة الجوز، توجد أسفل البطن، وتعد المسئولة عن إنتاج السائل الذي تتغذى عليه الحيوانات المنوية.
سرطان البروستاتا، أو القاتل الصامت كما يسميه البعض، يحتل المركز الأول بجدارة كأكثر السرطانات شيوعًا لدى الرجال، ويعتبر من أكثر السرطانات التي تؤدى إلى الوفاة، على سبيل المثال في عام 2017 في الولايات المتحدة الأمريكية شخصت 161 ألف حالة بسرطان البروستاتا، وتوفي في العام ذاته قرابة 27 ألف مريض طبقًا لتقرير المعهد الأمريكي للسرطان.
ينشأ سرطان البروستاتا نتيجة تضاعف غير طبيعي لخلايا البروستاتا، بطريقة لا يمكن السيطرة عليها، ويمكن أن ينتشر هذا التضاعف بأماكن قريبة أو بعيدة عن هذه الغدة التناسلية الذكرية، كالعظام والعقد اللمفاوية والرئتين… إلخ.
تضخم البروستاتا يختلف بالطبع عن سرطان البروستاتا، وهنا لا بد أن نوضح نقطة في غاية الأهمية، أن التضخم هو فقط زيادة في حجم الغدة، مما يؤدي إلى صعوبة في التبول، ويمكن علاجه بالأدوية أو الجراحة، ولكنه بكل حال من الأحوال ليس سرطانًا، ولا يعد عاملًا مسببًا للسرطان.
تكتشف 1.1 مليون حالة سنويًا مصابة بسرطان البروستاتا، ويموت كذلك سنويًا قرابة 300 ألف مريض.
لسوء الحظ في المراحل الأولى للمرض، يكون التطور بطيئًا داخل الغدة، غالبًا بلا أعراض، وهنا يصعب تشخيص المرض، ولكن في المراحل المتقدمة تحدث العديد من الأعراض، منها صعوبة في التبول وتكرار الحاجة للتبول، ووجود دم في البول، وألم أسفل الظهر، وجود هذه الأعراض أو بعضها لا تعني بالضرورة أنك مصاب بسرطان البروستاتا، ولكن إذا شعرت بأي منها عليك باستشارة الطبيب.
العوامل المسببة
لحسن الحظ العوامل المسببة لهذا النوع من السرطان يمكن التعامل معها لتقليل معدلات الإصابة، ويحتل عامل السن المركز الأول في هذه العوامل؛ إذ أثبتت الإحصائيات أن 60% من المصابين بسرطان البروستاتا فوق 65 عامًا.
عامل الوراثة بكل تأكيد له دور أصيل، إذ يتضاعف خطر الإصابة بسرطان البروستاتا عند الرجال الذين لديهم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى مصابون بهذا السرطان، ويلعب العرق دورًا أيضًا، فإن أصحاب العرق الإفريقي هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بسرطان البروستاتا، وأخيرًا وجدت بعض الدراسات التي تربط بين الأغذية الغنية بالدهون واحتمال الإصابة بسرطان البروستاتا.
الوقاية والعلاج
بالتأكيد لا يمكن منع الإصابة بسرطان البروستاتا، ولكن يمكن تقليل فرص الإصابة به، وذلك عن طريق تناول الأغذية الغنية بالألياف والخضروات، وممارسة الرياضة، وإجراء فحص الكشف عن المستضد النوعي للبروستاتا«PSA» بشكل دوري ابتداء من سن 50 للرجال الذين لديهم عوامل خطورة .
إن علاج هذا المرض يعتمد على مرحلة السرطان وأماكن انتشاره خارج البروستاتا، فإذا كان المرض في مراحله الأولى، فالاستئصال الجراحي يعد حلًا جذريًا، أما إذا كان في مراحله المتقدمة فتتنوع الحلول ويأتي على رأس هذه العلاجات، العلاج الهرموني الذي يعتمد على خفض معدلات هرمون الذكورة «التستوستيرون»، إذ يعد ذلك غير مرغوب للبعض، مما يضطرهم إلى العلاج الكيميائي الذي يعتمد على مهاجمة هذه الخلايا المتكاثرة لإبطاء التكاثر أو توقفه كليًا، ولكن هذا الهجوم المباغت لا يشمل الخلايا السرطانية فقط، بل يتعدى ذلك ليشمل خلايا الدم والجهاز الهضمي، مما يؤدي إلى أعراض جانبية، منها فقدان الوزن والشعور ومقاومة مناعية أقل وفقدان الشهية وسقوط الشعر، ومن أشهر العلاجات الكيميائية المستخدمة في هذا الشأن عقار «دوسيتاكسيل».
في أبريل 2010، صدقت هيئة الدواء الأمريكية باعتماد عقار بروفينج «سبيوليوسيل – تي» علاجًا مناعيًّا لحالات سرطان البروستاتا المتقدمة، بعد دراسات بدأت من العام 2003، إذ يعتمد هذا العلاج على تنبيه الجهاز المناعي للمريض لمهاجمة الخلايا السرطانية التي تكون في العادة متخفية عن الجهاز المناعي للجسم، وتعد أعراضه الجانبية أقل بكثير من العلاجات الأخرى.
وتتوالى التجارب البحثية والإكلينيكية في هذا الشأن، وخاصة في مجال العلاج المناعي؛ فقد صدرت أوراق بحثية خلال العشر سنوات الماضية فقط، أضعاف الأوراق البحثية المنشورة قبل ذلك.
إجمالًا – في رأيي الشخصي- أن صحة الرجل في مجتمعنا العربي ينقصها الكثير والكثير، إذ يتجاهل المريض دور الطبيب لأسباب متعددة، منها المال والحرج والوقت، فيجب دعم إنشاء منظمات مختصة بصحة الرجل لتقديم الوعي الكافي للرجال في مجتمعنا، ويجب على الدولة إيجاد بند في ميزانية الصحة ليخصص لصالح صحة الرجل.
Comments
Post a Comment