عملية يوليو الكبرى (30-13)
الفصل الأخير في حياة القائد الوطني (6)
علاقة العمل القيادي برسالة عبدالخالق
عرض/محمد علي خوجلي khogali17@yahoo.com
في عرضنا السابق: اعترف يوسف حسين (عضو اللجنة المركزية والناطق الرسمي باسم الحزب 2012) بوجود رسالة عبدالخالق الأخيرة (الوصية السياسية) الموجهة لقيادة الحزب التي لا ترغب في نشرها على العضوية.. ووصف الرسالة (بالعادية) التي تحتوي على الموضوعات السياسية في ذلك الوقت (كل ما له علاقة بعملية 19 يوليو الكبرى).
ولا نستبعد أن يكون إبعاد يوسف من موقع (الناطق الرسمي) بعد المؤتمر السادس نتيجة كشفه لحقيقة الوصية السياسية بعد انتقال "نقد" الذي كان لا يطيق الحديث عنها! والإشارة لذلك نفى "الخطيب" علمه بالرسالة بعد حوالي شهرين من حديث يوسف بما يعني ان اعتراف يوسف هو مجرد أسطورة وما كتبه الصحفيان عنه بصحيفة "أخبار اليوم" هو من صنع خيالهما.
واشتمل العرض على بعض دلالات تؤكد على علاقة العمل القيادي بالوصية السياسية ومن ذلك:
• نفى "نقد" وجود مرشح آخر الى جانبه عند انتخاب السكرتير السياسي للجنة المركزية 1972م. وان اختياره تم بالتوافق خارج الاجتماع. والتوافق يعني بداهة أن هناك أكثر من مرشح. وأوردنا تفاصيل منذ العام 2006م تفيد بأن خضر نصر رشح قاسم أمين.
(أسعدني مقال التوم النتيفة, عضو اللجنة المركزية السابق حول العيد السبعين للحزب بعنوان "شيوعيون ووطنيون يعصون على النسيان" 6 فبراير 2016م سودانايل والذي لم يسقط اسم خضر نصر أو قاسم أمين!!).
• إنكار "نقد" للوصية السياسية مرة: واثبات وجودها مرة أو أنها أسطورة في مرة أخيرة و"أسطورة" من جهة (حديث ملفق لا أصل له) ومن جهة فان الاسطورة قد تقود الى معرفة الحقيقة كما الأساطير القديمة السومرية والبابلية فهي:
"لم تكن أباطيل أو قصص من الخيال بل هي قصص من صميم الحياة اليومية وقراءتها بشكل صحيح يوصلنا أيضاً الى ضرورة تصحيح قراءة التاريخ بشكل علمي, بعيداً عن المصالح السياسية الآنية أو المصالح التاريخية البعيدة في محاولة جادة للوصول الى الحقيقة والى عمق الحقيقة فقط – محمد رشيد - ناصر الأساطير واللغة العربية".
وشيوعيون ووطنيون ظلوا يبحثون لأربعين عاماً عن الرسالة الأخيرة (أسطورة عبدالخالق) حتى تم الاعتراف بها. وستكون الخطوة التالية نشرها وقراءتها مع محضر اجتماع اللجنة المركزية يوم 20 يوليو وبيان الحزب في 19 يوليو وخطابه الداخلي ومشروع تقييم القيادة الذي لم يستكمل حتى 2016م حول عملية يوليو 1971 وعندها نصل الى الحقيقة كاملة. فالرسالة اشتملت على الأخطاء السياسية والعسكرية والقيادة السياسية والعسكرية خلال الأيام الثلاثة, وكيف تم فرض توقيت التحرك العسكري وأسباب تأخير البيان الأول لسلطة يوليو وإطلاق سراح المعتقلين الشيوعيين دون غيرهم. والإبقاء على المعتقلين المايويين في مسرح العمليات, وتتبع العمل القيادي وترشيح قاسم أمين للسكرتارية السياسية!! ضمن الموضوعات الأخرى في ذلك الوقت.
انتقلوا الى السلطة الجديدة
قبل أن ندلف نحو التفاصيل, من المهم التعرف على واقع
ولا نستبعد أن يكون إبعاد يوسف من موقع (الناطق الرسمي) بعد المؤتمر السادس نتيجة كشفه لحقيقة الوصية السياسية بعد انتقال "نقد" الذي كان لا يطيق الحديث عنها! والإشارة لذلك نفى "الخطيب" علمه بالرسالة بعد حوالي شهرين من حديث يوسف بما يعني ان اعتراف يوسف هو مجرد أسطورة وما كتبه الصحفيان عنه بصحيفة "أخبار اليوم" هو من صنع خيالهما.
واشتمل العرض على بعض دلالات تؤكد على علاقة العمل القيادي بالوصية السياسية ومن ذلك:
• نفى "نقد" وجود مرشح آخر الى جانبه عند انتخاب السكرتير السياسي للجنة المركزية 1972م. وان اختياره تم بالتوافق خارج الاجتماع. والتوافق يعني بداهة أن هناك أكثر من مرشح. وأوردنا تفاصيل منذ العام 2006م تفيد بأن خضر نصر رشح قاسم أمين.
(أسعدني مقال التوم النتيفة, عضو اللجنة المركزية السابق حول العيد السبعين للحزب بعنوان "شيوعيون ووطنيون يعصون على النسيان" 6 فبراير 2016م سودانايل والذي لم يسقط اسم خضر نصر أو قاسم أمين!!).
• إنكار "نقد" للوصية السياسية مرة: واثبات وجودها مرة أو أنها أسطورة في مرة أخيرة و"أسطورة" من جهة (حديث ملفق لا أصل له) ومن جهة فان الاسطورة قد تقود الى معرفة الحقيقة كما الأساطير القديمة السومرية والبابلية فهي:
"لم تكن أباطيل أو قصص من الخيال بل هي قصص من صميم الحياة اليومية وقراءتها بشكل صحيح يوصلنا أيضاً الى ضرورة تصحيح قراءة التاريخ بشكل علمي, بعيداً عن المصالح السياسية الآنية أو المصالح التاريخية البعيدة في محاولة جادة للوصول الى الحقيقة والى عمق الحقيقة فقط – محمد رشيد - ناصر الأساطير واللغة العربية".
وشيوعيون ووطنيون ظلوا يبحثون لأربعين عاماً عن الرسالة الأخيرة (أسطورة عبدالخالق) حتى تم الاعتراف بها. وستكون الخطوة التالية نشرها وقراءتها مع محضر اجتماع اللجنة المركزية يوم 20 يوليو وبيان الحزب في 19 يوليو وخطابه الداخلي ومشروع تقييم القيادة الذي لم يستكمل حتى 2016م حول عملية يوليو 1971 وعندها نصل الى الحقيقة كاملة. فالرسالة اشتملت على الأخطاء السياسية والعسكرية والقيادة السياسية والعسكرية خلال الأيام الثلاثة, وكيف تم فرض توقيت التحرك العسكري وأسباب تأخير البيان الأول لسلطة يوليو وإطلاق سراح المعتقلين الشيوعيين دون غيرهم. والإبقاء على المعتقلين المايويين في مسرح العمليات, وتتبع العمل القيادي وترشيح قاسم أمين للسكرتارية السياسية!! ضمن الموضوعات الأخرى في ذلك الوقت.
انتقلوا الى السلطة الجديدة
قبل أن ندلف نحو التفاصيل, من المهم التعرف على واقع
حال العمل القيادي قبل عملية يوليو الكبرى وأثناءها. مع التركيز على الأفكار التي طرحها عبدالخالق من قبل انعقاد المؤتمر الرابع في اكتوبر 1967م.
والمعلوم ان المؤتمر الرابع لم يحسم موضوع العمل القيادي وبالذات (سلطة الحزب) فانتخاب اللجنة المركزية تم بالتوافق بين قائمتين. لكل تيار قائمة فكانت القائمة الموحدة للتيارين اليميني والثوري واستمر صراع التيارين وأصبح مكشوفاً ومن بعد المؤتمر كان هناك تيار اللجنة المركزية (تيار الأغلبية اليميني) وتيار السكرتارية المركزية (تيار الأقلية الثوري).
ومع 25 مايو 1969 قال عبدالخالق:
"ان عناصر الحاملين لهذا الاتجاه اليميني وأخص بالذكر محمد أحمد سليمان قد انتقلوا عملياً وفكرياً من الحزب الشيوعي الى السلطة الجديدة. ولم يكن تحللهم من نظام الحزب وقواعده أمراً شكلياً أو مجرد خرق لاجراءات اللائحة ولكنه كان تعبيراً عملياً عن الفهم اليميني للتحالف القائم على الحل الفعلي للحزب الشيوعي وتحويل كوادره الى موظفين..".
فاروق عثمان حمدالله
في عرض سابق عرفنا كيف أن محمد أحمد سليمان وهو في (لندن) ومنصور خالد وهو في (باريس) ظلا يضغطان بشدة على فاروق حمدالله للتوجه للخرطوم بعد اعلان مجلس ثورة يوليو. فقد كان موقف فاروق واضحاً, وان مشاركته وذهابه للخرطوم مرتبط باستجلاء الحقائق فهو لا يتصور – مثلاً – قيام عسكريين بانقلاب ثم يبعدون أنفسهم عن القيادة أو أن يقوم عسكريون بالاستيلاء على السلطة ليمنحوها لآخرين.
وحتى عندما استجاب فاروق للضغوط بالتوجه الى الخرطوم فإنه تحمل في شجاعة نتيجة قراره, فعندمنا حاول نميري مساومته (بالتبرؤ من 19 يوليو) رفض المساومة التي كان يعلم نتيجتها فاختار الموت مع العسكريين الذين أتوا به للقيادة دون استشارته بل دون إخطاره.
وكان من أساليب الضغط على فاروق, ان عدم ذهابه الى الخرطوم يضعف النظام الجديد. فهل لمحمد أحمد سليمان ومنصور خالد مصلحة في توطيد أركان النظام الجديد؟
الأمن القومي سوقاً للاستخبارات العالمية المتعددة الأغراض:
كتب محجوب عمر باشري في (اعدام شعب) في الطبعة الأولى 1992م ص 245 و246:
(تراني وأنا أعجب لانقلاب 25 مايو عام 1969م فقد جمع كل الأضداد, فالذين كنا نظنهم تقدميين شرفاء كشفوا القناع عن أنفسهم فكانوا عملاء ومخبرين وخونة, والذين وسموا بأنهم رجعيون يمينيون انقلبوا, لا بنعمة من الله وفضل, وارتدوا لباس اليسار والتقدمية والثورة, حقاً ان تصنيف البشر لهو من أصعب الأشياء, فقد احتمى الكثيرون تحت مظلة الماركسية في السودان فكانوا من أعدى أعدائها, وأحتمى الكثيرون باحضان الليبرالية فكانوا من قاتليها..
عندما أنشيء مكتب الأمن القومي بوزارة الداخلية في أول السبعينات في عهد نميري اندس فيه جواسيس من كل معترك, فكان هنالك جواسيس للغرب, وجواسيس وعملاء للشرق, وماذا يضير نميري أن السودان قد وقع له ضيعة, فليستفد من الشرق والغرب, وليكن مكتب الأمن القومي سوقاً للاستخبارات العالمية المتعددة الأغراض.
استعان بشبان عرفوا بأنهم شيوعيون فحصروا له كل أسماء الشيوعيين وبآخرين اندسوا بين البعثيين فسجلوا له كل أسماء البعثيين في السودان. وكان هذا المكتب تديره عصا سحرية لدولة غربية كبرى, وتنقل ملفاته لهذه الدولة, وقد أفاد منها نفر من السودانيين الذين عملوا فيه وأصبحوا مليونيرات.
لما قام انقلاب هاشم العطا, كان خبره معروفاً عند أحد أعضاء هذا المكتب فسافر في ساعة الصفر الى بريطانيا, واتصل بشبكة غربية عالمية وكشف كل أسرار هذا الانقلاب, فأحتاطت هذه الشبكة.
عقد بابكر النور مؤتمراً صحفياً في لندن وضح فيه أهداف الحركة التصحيحية, وحضر هذا المؤتمر العميل الذي أسرع من الخرطوم الى لندن, ودرس كل خطوات بابكر النور وفاروق عثمان حمدالله واستعجلهما ليذهبا الى الخرطوم, لأن الثورة قد نجحت. وظناه زميلاً وصديقاً لأنه كان عضواً في الحزب الشيوعي, وكانت هناك اتصالات مع الخرطوم, والخرطوم تستعجل وصول الزعيمين وقد رفض هاشم العطا أن يرسل لهما طائرة خاصة) انتهى..
قضية العمل القيادي في الرسالة الأخيرة
قضية العمل القيادي ظلت مطروحة في الحزب لسنوات طويلة وكانت ضمن بنود المؤتمر الخامس الذي كان من المفترض عقده قبل عملية يوليو الكبرى ولم ينعقد بسبب هجمة عمليتي مايو 69 ويوليو 1971م. ومن غير المتصور ألا تكون قد شغلت فكر عبدالخالق وهو يكتب ولثلاثة أيام رسالته الأخيرة. والتي نعرض وقائعها في العرض القادم ونكتفي هذه المرة بتقديم عبدالخالق في اجتماع اللجنة المركزية (سبتمبر 1965) بناء على طلبها وبعض مما جاء في دورة اللجنة المركزية مارس 1969م وله علاقة بموضوعنا.
قال في سبتمبر 1965م
"بعد الاجتماعات والمناقشات في المديريات (الولايات الآن) المختلفة والمكاتب المركزية أمكن لنا أن نخرج بالشيء المناسب فيما يتعلق بعقد المؤتمر الرابع, فقد اتضح لنا ان المؤتمر لن يحدث ذلك التحول الذي نتحدث عنه, بجعل الحزب الشيوعي حزباً جماهيرياً, وانما سيأتي المؤتمر ليدعم ماتم من أعمال تدفع الحزب خطوات نحو ذلك الهدف. وهذا التحديد ضروري حتى يعيش الناس في وضوح.
ومن الأشياء التي تحول دون نمو الحزب الى حزب جماهيري مشكلة الكادر القديم فهو الذي يعرقل نمو الحزب الى حزب جماهيري لضعفه أو لوقوعه فريسة لعادات رديئة تراكمت.. فالحزب مشلول ودون المستوى, وبعض المكاتب المركزية تعاني الضعف وكثير من القرارات تتراكم ولا تنفذ.. وهكذا لا يصبح الحزب نداً أو بديلاً للنظام الموجود لأن الكادر القديم متخلف ودون المستوى في كل أوجه النشاط.
قيادات أضعف من الكادر
وفي المديريات (الولايات الآن) وفي فروع الحزب تم خنق الاندفاع الذي حدث والانعطاف الشديد نحو الحزب بعد ثورة اكتوبر 1964م ووجدنا أن القيادات أضعف بكثير من بعض الكادر غير الموجود في القيادة وهذا هو الذي يقود فعلاً الى اتجاهات غير سليمة. فهؤلاء القادة ضعيفون وعاجزون عن تأكيد وضع الحزب وليس لهم دور في مساعدة الآخرين والكفاح ضد الاتجاهات الخاطئة الموجودة عندهم.
"وفي بعض المجالات هناك شخصيات دخلت للحزب طلائع عمالية ولكننا اكتشفنا أن الأشياء التي تقدم لهم أشياء قاتلة جداً ومنفرة للشخص من أن يبقى في الحزب الشيوعي. مناقشات عقيمة, وليس هناك استماع لصوت جديد وليس هناك محاولة للتعلم من الناس الجدد والنتيجة ان يتوقف فعلاً الانعطاف نحو الحزب.. الناس الجدد لا يجدون أي نوع من التغيير أو التقدم الذي ينتظرونه. وكل هذا طبعاً نتيجة لاساليب العمل القديمة والاصرار عليها ولمصادرة الديمقراطية في المنظمات الحزبية والوصاية على منظمات الحزب دون المحاولة للتعلم منها..
قيادات ملمة بالواقع لا قيادات مستنسخة
"لاحظنا أيضاً مظاهر التخلف الشديد عند الكادر القديم الذي لا يزال محتلاً كل المراكز الرئيسية في المنظمات والمديريات (الولايات) وتنعدم القيادة الملموسة النابعة من الواقع والظروف المحلية.. ونجد نفس الكلام الذي يقال في المديرية (الولاية) الشمالية وفي بورتسودان يقال أيضاً في النيل الأزرق وهكذا الحال في الأماكن الأخرى التي لم نزرها.
وكل ما يقدم عبارة عن كلام عام ولا تحس ان هناك قيادة ملمة بالمشاكل الموجودة وانها تبني الحزب في منطقة تختلف عن المناطق الأخرى وان لها مشاكل مختلفة. وعلى الرغم من انه قد دخل الحزب ممثلون للنشاط الجديد وممثلون لجماهير الولايات إلا ان العملية التي تباشر هناك هي عملية مسخ وتشويه للشخصيات الجديدة, رسمها في صورة المسئولين القدامى وبطريقتهم الحلقية الضيقة المقفولة والتي بها كثير من ضيق الأفق وفيها الكثير من التسلط والديكتاتورية ومصادرة الآراء.
المتفرغون ليسوا قيادة فعلية للنشاط
وجدنا أيضاً أن أكثر مشكلة حادة هي مشكلة الكادر المتفرغ وفي الحقيقة أصبح وضعه الآن غير معروف. هل هو مفروض من قبل مركز الحزب ومهمته تحضير الاجتماعات والتنقل من مكان الى آخر وكأنه اتصال؟
والأعضاء الجدد يعتقدون أنه من الضروري اتباع المتفرغين, بمعنى أن هذا هو نظام الحزب وان المتفرغين هم قيادة الحزب وهذا أمر غير سليم عانت لفترات طويلة من العزلة وانقطعت أو كادت صلاتهم بالحياة والعمل الجماهيري. فالمتفرغون مفروضون فرضاً وليسوا قيادة فعلية للنشاط ولا هم في مستوى قيادة مثل هذا النشاط. ولابد أن يحدث تحديد لوضع المتفرغين وماهي قيمتهم في حزب جماهيري. واذا لم تحل هذه القضية فهذا سيعرقل تطور الحزب".
أوضاع العمل القيادي 1969
دورة اللجنة المركزية مارس 1969 لخصت أوضاع العمل القيادي قبل شهرين من انقلاب مايو كالآتي:
نلاحظ ظهور صراعات متعددة الجوانب بين الكادر القيادي للحزب نتيجة لاسلوب العمل القيادي الذي ساد بين المختفين آنذاك الذي تغاضى عن الصراعات وشجع بمسلكه العام عن طريق "الشلة" في عدم كشف هذا الاتجاه الضار واكتشاف أسبابه.
ونختم بقول عبدالخالق:
"روح الزعامة البرجوازية تقوم على تصور أن ما يتمتع به الكادر من احترام الجماهير يرجع الى صفات خاصة به ولا يرجع الى مجموع عمل الحزب الثوري والى التضحيات المبذولة من قبل الشيوعيين عبر سنوات من النضال الصابر والصامد ومن المهم دائماً أن يناضل حزبنا بثبات وفي الوقت المناسب ضد روح الزعامة البرجوازية ومن أجل تثبيت الحقيقة الجوهرية في علاقة الأفراد بمجموع العمل الثوري".
"ولا نفوذ للأفراد فوق الأرض التي يمهد لها النضال المتشعب والصابر للحزب الشيوعي".
ونعرض لبعض تفاصيل علاقة العمل القيادي بالوصية السياسية في يوليو الكبرى (14)
والمعلوم ان المؤتمر الرابع لم يحسم موضوع العمل القيادي وبالذات (سلطة الحزب) فانتخاب اللجنة المركزية تم بالتوافق بين قائمتين. لكل تيار قائمة فكانت القائمة الموحدة للتيارين اليميني والثوري واستمر صراع التيارين وأصبح مكشوفاً ومن بعد المؤتمر كان هناك تيار اللجنة المركزية (تيار الأغلبية اليميني) وتيار السكرتارية المركزية (تيار الأقلية الثوري).
ومع 25 مايو 1969 قال عبدالخالق:
"ان عناصر الحاملين لهذا الاتجاه اليميني وأخص بالذكر محمد أحمد سليمان قد انتقلوا عملياً وفكرياً من الحزب الشيوعي الى السلطة الجديدة. ولم يكن تحللهم من نظام الحزب وقواعده أمراً شكلياً أو مجرد خرق لاجراءات اللائحة ولكنه كان تعبيراً عملياً عن الفهم اليميني للتحالف القائم على الحل الفعلي للحزب الشيوعي وتحويل كوادره الى موظفين..".
فاروق عثمان حمدالله
في عرض سابق عرفنا كيف أن محمد أحمد سليمان وهو في (لندن) ومنصور خالد وهو في (باريس) ظلا يضغطان بشدة على فاروق حمدالله للتوجه للخرطوم بعد اعلان مجلس ثورة يوليو. فقد كان موقف فاروق واضحاً, وان مشاركته وذهابه للخرطوم مرتبط باستجلاء الحقائق فهو لا يتصور – مثلاً – قيام عسكريين بانقلاب ثم يبعدون أنفسهم عن القيادة أو أن يقوم عسكريون بالاستيلاء على السلطة ليمنحوها لآخرين.
وحتى عندما استجاب فاروق للضغوط بالتوجه الى الخرطوم فإنه تحمل في شجاعة نتيجة قراره, فعندمنا حاول نميري مساومته (بالتبرؤ من 19 يوليو) رفض المساومة التي كان يعلم نتيجتها فاختار الموت مع العسكريين الذين أتوا به للقيادة دون استشارته بل دون إخطاره.
وكان من أساليب الضغط على فاروق, ان عدم ذهابه الى الخرطوم يضعف النظام الجديد. فهل لمحمد أحمد سليمان ومنصور خالد مصلحة في توطيد أركان النظام الجديد؟
الأمن القومي سوقاً للاستخبارات العالمية المتعددة الأغراض:
كتب محجوب عمر باشري في (اعدام شعب) في الطبعة الأولى 1992م ص 245 و246:
(تراني وأنا أعجب لانقلاب 25 مايو عام 1969م فقد جمع كل الأضداد, فالذين كنا نظنهم تقدميين شرفاء كشفوا القناع عن أنفسهم فكانوا عملاء ومخبرين وخونة, والذين وسموا بأنهم رجعيون يمينيون انقلبوا, لا بنعمة من الله وفضل, وارتدوا لباس اليسار والتقدمية والثورة, حقاً ان تصنيف البشر لهو من أصعب الأشياء, فقد احتمى الكثيرون تحت مظلة الماركسية في السودان فكانوا من أعدى أعدائها, وأحتمى الكثيرون باحضان الليبرالية فكانوا من قاتليها..
عندما أنشيء مكتب الأمن القومي بوزارة الداخلية في أول السبعينات في عهد نميري اندس فيه جواسيس من كل معترك, فكان هنالك جواسيس للغرب, وجواسيس وعملاء للشرق, وماذا يضير نميري أن السودان قد وقع له ضيعة, فليستفد من الشرق والغرب, وليكن مكتب الأمن القومي سوقاً للاستخبارات العالمية المتعددة الأغراض.
استعان بشبان عرفوا بأنهم شيوعيون فحصروا له كل أسماء الشيوعيين وبآخرين اندسوا بين البعثيين فسجلوا له كل أسماء البعثيين في السودان. وكان هذا المكتب تديره عصا سحرية لدولة غربية كبرى, وتنقل ملفاته لهذه الدولة, وقد أفاد منها نفر من السودانيين الذين عملوا فيه وأصبحوا مليونيرات.
لما قام انقلاب هاشم العطا, كان خبره معروفاً عند أحد أعضاء هذا المكتب فسافر في ساعة الصفر الى بريطانيا, واتصل بشبكة غربية عالمية وكشف كل أسرار هذا الانقلاب, فأحتاطت هذه الشبكة.
عقد بابكر النور مؤتمراً صحفياً في لندن وضح فيه أهداف الحركة التصحيحية, وحضر هذا المؤتمر العميل الذي أسرع من الخرطوم الى لندن, ودرس كل خطوات بابكر النور وفاروق عثمان حمدالله واستعجلهما ليذهبا الى الخرطوم, لأن الثورة قد نجحت. وظناه زميلاً وصديقاً لأنه كان عضواً في الحزب الشيوعي, وكانت هناك اتصالات مع الخرطوم, والخرطوم تستعجل وصول الزعيمين وقد رفض هاشم العطا أن يرسل لهما طائرة خاصة) انتهى..
قضية العمل القيادي في الرسالة الأخيرة
قضية العمل القيادي ظلت مطروحة في الحزب لسنوات طويلة وكانت ضمن بنود المؤتمر الخامس الذي كان من المفترض عقده قبل عملية يوليو الكبرى ولم ينعقد بسبب هجمة عمليتي مايو 69 ويوليو 1971م. ومن غير المتصور ألا تكون قد شغلت فكر عبدالخالق وهو يكتب ولثلاثة أيام رسالته الأخيرة. والتي نعرض وقائعها في العرض القادم ونكتفي هذه المرة بتقديم عبدالخالق في اجتماع اللجنة المركزية (سبتمبر 1965) بناء على طلبها وبعض مما جاء في دورة اللجنة المركزية مارس 1969م وله علاقة بموضوعنا.
قال في سبتمبر 1965م
"بعد الاجتماعات والمناقشات في المديريات (الولايات الآن) المختلفة والمكاتب المركزية أمكن لنا أن نخرج بالشيء المناسب فيما يتعلق بعقد المؤتمر الرابع, فقد اتضح لنا ان المؤتمر لن يحدث ذلك التحول الذي نتحدث عنه, بجعل الحزب الشيوعي حزباً جماهيرياً, وانما سيأتي المؤتمر ليدعم ماتم من أعمال تدفع الحزب خطوات نحو ذلك الهدف. وهذا التحديد ضروري حتى يعيش الناس في وضوح.
ومن الأشياء التي تحول دون نمو الحزب الى حزب جماهيري مشكلة الكادر القديم فهو الذي يعرقل نمو الحزب الى حزب جماهيري لضعفه أو لوقوعه فريسة لعادات رديئة تراكمت.. فالحزب مشلول ودون المستوى, وبعض المكاتب المركزية تعاني الضعف وكثير من القرارات تتراكم ولا تنفذ.. وهكذا لا يصبح الحزب نداً أو بديلاً للنظام الموجود لأن الكادر القديم متخلف ودون المستوى في كل أوجه النشاط.
قيادات أضعف من الكادر
وفي المديريات (الولايات الآن) وفي فروع الحزب تم خنق الاندفاع الذي حدث والانعطاف الشديد نحو الحزب بعد ثورة اكتوبر 1964م ووجدنا أن القيادات أضعف بكثير من بعض الكادر غير الموجود في القيادة وهذا هو الذي يقود فعلاً الى اتجاهات غير سليمة. فهؤلاء القادة ضعيفون وعاجزون عن تأكيد وضع الحزب وليس لهم دور في مساعدة الآخرين والكفاح ضد الاتجاهات الخاطئة الموجودة عندهم.
"وفي بعض المجالات هناك شخصيات دخلت للحزب طلائع عمالية ولكننا اكتشفنا أن الأشياء التي تقدم لهم أشياء قاتلة جداً ومنفرة للشخص من أن يبقى في الحزب الشيوعي. مناقشات عقيمة, وليس هناك استماع لصوت جديد وليس هناك محاولة للتعلم من الناس الجدد والنتيجة ان يتوقف فعلاً الانعطاف نحو الحزب.. الناس الجدد لا يجدون أي نوع من التغيير أو التقدم الذي ينتظرونه. وكل هذا طبعاً نتيجة لاساليب العمل القديمة والاصرار عليها ولمصادرة الديمقراطية في المنظمات الحزبية والوصاية على منظمات الحزب دون المحاولة للتعلم منها..
قيادات ملمة بالواقع لا قيادات مستنسخة
"لاحظنا أيضاً مظاهر التخلف الشديد عند الكادر القديم الذي لا يزال محتلاً كل المراكز الرئيسية في المنظمات والمديريات (الولايات) وتنعدم القيادة الملموسة النابعة من الواقع والظروف المحلية.. ونجد نفس الكلام الذي يقال في المديرية (الولاية) الشمالية وفي بورتسودان يقال أيضاً في النيل الأزرق وهكذا الحال في الأماكن الأخرى التي لم نزرها.
وكل ما يقدم عبارة عن كلام عام ولا تحس ان هناك قيادة ملمة بالمشاكل الموجودة وانها تبني الحزب في منطقة تختلف عن المناطق الأخرى وان لها مشاكل مختلفة. وعلى الرغم من انه قد دخل الحزب ممثلون للنشاط الجديد وممثلون لجماهير الولايات إلا ان العملية التي تباشر هناك هي عملية مسخ وتشويه للشخصيات الجديدة, رسمها في صورة المسئولين القدامى وبطريقتهم الحلقية الضيقة المقفولة والتي بها كثير من ضيق الأفق وفيها الكثير من التسلط والديكتاتورية ومصادرة الآراء.
المتفرغون ليسوا قيادة فعلية للنشاط
وجدنا أيضاً أن أكثر مشكلة حادة هي مشكلة الكادر المتفرغ وفي الحقيقة أصبح وضعه الآن غير معروف. هل هو مفروض من قبل مركز الحزب ومهمته تحضير الاجتماعات والتنقل من مكان الى آخر وكأنه اتصال؟
والأعضاء الجدد يعتقدون أنه من الضروري اتباع المتفرغين, بمعنى أن هذا هو نظام الحزب وان المتفرغين هم قيادة الحزب وهذا أمر غير سليم عانت لفترات طويلة من العزلة وانقطعت أو كادت صلاتهم بالحياة والعمل الجماهيري. فالمتفرغون مفروضون فرضاً وليسوا قيادة فعلية للنشاط ولا هم في مستوى قيادة مثل هذا النشاط. ولابد أن يحدث تحديد لوضع المتفرغين وماهي قيمتهم في حزب جماهيري. واذا لم تحل هذه القضية فهذا سيعرقل تطور الحزب".
أوضاع العمل القيادي 1969
دورة اللجنة المركزية مارس 1969 لخصت أوضاع العمل القيادي قبل شهرين من انقلاب مايو كالآتي:
نلاحظ ظهور صراعات متعددة الجوانب بين الكادر القيادي للحزب نتيجة لاسلوب العمل القيادي الذي ساد بين المختفين آنذاك الذي تغاضى عن الصراعات وشجع بمسلكه العام عن طريق "الشلة" في عدم كشف هذا الاتجاه الضار واكتشاف أسبابه.
ونختم بقول عبدالخالق:
"روح الزعامة البرجوازية تقوم على تصور أن ما يتمتع به الكادر من احترام الجماهير يرجع الى صفات خاصة به ولا يرجع الى مجموع عمل الحزب الثوري والى التضحيات المبذولة من قبل الشيوعيين عبر سنوات من النضال الصابر والصامد ومن المهم دائماً أن يناضل حزبنا بثبات وفي الوقت المناسب ضد روح الزعامة البرجوازية ومن أجل تثبيت الحقيقة الجوهرية في علاقة الأفراد بمجموع العمل الثوري".
"ولا نفوذ للأفراد فوق الأرض التي يمهد لها النضال المتشعب والصابر للحزب الشيوعي".
ونعرض لبعض تفاصيل علاقة العمل القيادي بالوصية السياسية في يوليو الكبرى (14)
الصور في الاعلى الاستاذ محمد ابراهيم نقد والاستاذ قاسم امين. في الجزء الاسفل الاستاذ يوسف حسين والدكتور منصور خالد
Comments
Post a Comment