محفوظ بشرى -------التباس التغيير
ما هو التغيير الذي تتسع موجة المناداة به هذه الأيام؟ هل هو تغيير الحكومة الذي يساويه البعض بإسقاط النظام؟ ولماذا تغيير الحكومة؟ هل للسوء الاقتصادي؟ من قبل قلت إن هذه الحكومة تعبِّر عن مفاهيم الكثيرين الاجتماعية، لذا بقيت ولم تسقط لهذه الفترة الطويلة. اليوم لا أزال أقف عند ظني هذا، وأنا أقرأ العينة العشوائية المتاحة أمامي على "فيسبوك" من التعليقات والآراء في مواضيع مثل الحشمة، العلمانية، عمل النساء، الإلحاد، الدين والدولة، الأخلاق، العرف، حقوق الإنسان... الخ. تصيبني الخيبة حين أرى أحدهم مثلاً يضع مصطفى سيد أحمد (المغني) كصورة بروفايل، وينادي بالعصيان، وفي الوقت نفسه يهاجم التبرج ويرى في تعبير "الهوس الديني" هجوماً على الإسلام لا يرضاه. وحين ترى أن "الهوس الديني" جاء في سياق يعبر عن السلفية المتشددة القامعة باسم الله، وترى كم الرافضين لاتهامها بالهوس؛ أتساءل: لماذا يريدون تغيير الحكومة إذن؟ هل لو جاءت هذه الحكومة نفسها، بطريقة ما، برخاء اقتصادي مثلاً فستجد دعم هؤلاء الذين يضعون التغيير في اتجاه أعراض سطحية وليس تجاه مفاهيم أكثر إنسانية للحياة؟ أي أنهم ليسوا ضد الديكتاتورية، ليسوا ضد تقييد الحريات الشخصية والعامة برباط الدين والعرف، ولا ضد سحق حكم القانون، ولا ضد جرائم الحرب.. بل هم "متحفظون" في أفضل الأحوال، على إعلان حقوق الإنسان! إذن، لماذا يريدون "إسقاط النظام" الذي يعني عندهم "إسقاط الحكومة"؟
إن طرحنا استبياناً بسؤال: لماذا تريد تغيير الحكومة؟ ما الإجابات المتوقع أن تكون غالبة؟ هل ستخرج من الفساد والمحسوبية والضائقة الاقتصادية؟ لا أظن. وفي هذه الحال هل يسمى ما يطلبه هؤلاء "التغيير" معرفاً بالألف واللام؟ ما الذي تفكر فيه "الغالبية" حقاً؟
إن الانجرار خلف حصر مطالب التغيير في عداء الحكومة هذه فقط، ولأسباب عرضية؛ هو في تقديري سعي براغماتي ومرحلي ليس مفيداً. إن لم تُحدَّد بوضوح مرجعية قياسية لما يراد أن يكون عليه السودان، يتفق عليها من شاء ويعترض من شاء؛ فما سيحدث ليس "التغيير"، بل هو استبدال، إزاحة، أو أي اسم آخر يصف أن تغير سطحياً فيما تبقى البذور كامنة لتنتج مرات أخرى نماذج حكم مثل التي تم استبدالها.
Comments
Post a Comment