د. يحيى العريضي: كلنا شركاء
لم
تحتج تركيا إلى ميليشيات قتلة كتلك التي يقودها حسن نصرالله لتحافظ على
سلطتها وبلدها؛ وما احتاجت قوة دولة الملالي- التي بُنيت على العبث
بمحيطها- كي تبقي إرعابها لشعب ثار عليها؛ وما احتاجت لتقديم صك احتلال
لقوّة عظمى كي تثبّْتها في كرسي الدم. لقد احتاجت تركيا زَخَماً شعبياً
ديموقراطياً يقول لأولاد البلد في “الجيش”: {عيب وعار أن توجهوا أسلحتكم
إلى صدور أهلكم، كي تسيطروا بأنانية ووحشية على السلطة} كم كنت ولا أزال
أتوق إلى معرفة ما دار في ذهن أي عسكري سوري بعد الذي حدث في تركيا؛ ولماذا
هان عليه قتل أهل سورية بسلاح دَفَعَ السوريون ثمنه من دمهم وعرقهم
ليصونهم ويصون وطنهم لا من أجل طغمة استبداد مجرمة وأنانية. أراهن أن شعب
سورية بمجمله هذا لسان حاله:
“أيها الجندي السوري؛ حق الشعب السوري عليك أن تحافظ عليه وعلى الوطن؛
هذه امانة، ماذا فعلتَ بها؟! أيها الجندي؛ أن أكون شعباً حيّاً قوياً حراً،
أقوى وأشرف لك؛ وأن أكون مهزوماً- ومن قِبَلِكَ بالذات- من أجل طغمة، فهذا
هزيمة لك. أيها الجندي، إن الشعب هو الذي يمنح الشرعية لمن يستحقها،
وعندما يكون شعبك خائفاً تكون الشرعية مزوّرة لإنها لا تُغتَصَب بالكذب
والتزوير وبيع الأوطان للغريب من أجل الكرسي. أنت تعرف ذلك أيها الجندي
السوري، ولكنك لا تزال تُخْدَع بانك تقاوم الارهاب. شعبك ليس إرهابياً . من
يخدعك هو الارهابي.”
ليس
الفرق في الشعوب؛ على الأغلب الشعوب واحدة حساً وغريزة وطموحاً وتطلعاً
إلى حياة كريمة طيّبة؛ والأهم هي واحدة عندما يتعلّق الأمر بمصيرها. الفرق
هو بين منظومة حكم مريضة قاتلة تلبّسها إحساس بامتلاكها الأرض وما عليها،
ومنظومة تمتلك نبل القيادة والمسؤولية والأخلاق والرؤية على تفعيل البشر
والمقدرات في صون الوطن ومن عليه، لا صون انانيتها ومرضها. لقد فاق إنقاذ
الديموقراطية بالنسبة للأتراك أي اعتبار، وخاصة أنه توافق وتماهى وصان وعزز
آدميتهم وإنسانيتهم واستقرارهم وازدهار بلادهم.
وفي
شخصنة الأمور ورؤيتها الضيّقة؛ لا يعني نجاح انقلاب السيسي فشلاً
لأردوغان، أو بزاً للإخوان المسلمين؛ ولا يعني فشل الانقلاب التركي نجاحاً
لأردوغان، أو حباً له أو نجاحاً للإخوان المسلمين.ولا تعني الحالة الأولى
نجومية للسيسي والثانية أفولاً لنجم أردوغان. لقد كان السيسي أقوى قمعياً
بسيطرته على قوة القتل العسكرية منفذاً لإرادة خارجية- ومن هنا كان الأضعف
بعدم امتلاكه للتفويض الشعبي، وهذا سيكون سر هلاكه عاجلاً أم آجلاً. ومثله
تماماً كمثل طغمة الاستبداد في دمشق. أردوغان من جانب آخر كان الأضعف
قمعياً لعدم سيطرته على قوة القتل العسكرية، ولكنه كان الأقوى بامتلاكه
التفويض الشعبي. ومن هنا أيضاً فإن عاد الانقلاب –كما يتمنى البعض- فسيكون
المصير الفشل المؤكد. ولكن إن عاد وحدث في مصر فسيكون النجاح المؤكد.
طبيعي
أن تبتهج وتهلل منظومة الاستبداد لحصول انقلاب على نقيضتها في تركيا،
وطبيعي ألاّ تيأس من تمني حصول آخر عندما فشل ما هللت له؛ ولكن تهليل من
استمرأ الاستبداد والاستعباد عبر الولاء لمنظومة القتل كان المستهجن. لسوء
طالع هؤلاء كانت خيبتهم وهزيمتهم مضاعفة مرات: الأولى بتعبيرهم عن نصرة
الاستبداد ضد إرادة الشعب الحرة الديموقراطية، والثانية عندما تكشّف كم هم
مرضى وأصحاب موقف لاأخلاقي لا يعبأ لقتل الأخ أخيه، والثالثة- وهي الأقسى-
تمثّلت بتكريس عبوديتهم للاستبداد والظلم والاختيار الطوعي للبقاء تحت وطئة
ودموية البوط العسكري. لقد رقص هؤلاء بالأمس لا على بشائر الانقلاب في
تركيا بل على رفاة شعبهم وأخوتهم اللذين لا يقلّون عن الأتراك، ولا يختلفوا
عنهم بشيء إلا أنهم ابتليوا بمنظومة استبداد إجرامية. لقد زاغت لدى
المهللين كل الموازين الأخلاقية؛ فغدوا يرون العبودية والارتهان للمحتل
الداخلي والخارجي نبراساً، والحاكم المريض إلهاً.
إذا
ما خرجنا من الساحة الداخلية إلى الساحة الأوسع دولياً، وتمعنّا قليلاً
بردّات الفعل الاقليمية والعالمية تجاه ما حدث في تركيا، فإننا نلحظ ترقباً
متفائلاً لما كان سيتم؛ ولكن سرعان ما انحسر ذلك المد خجولاً خبيثاً يلملم
خيبته ويتحدث عن احترام شرعية السلطة المنتخبة. لقد أتت إدانة الانقلاب
بعد الإحساس أو حتى التأكُد من فشله. في سورية بالمقابل عندما وجّه جنود
الأسد أسلحتهم إلى صدور المدنيين السلميين لم يرَ هؤلاء أن ذلك الإجراء
الدموي دفاعاً عن “الشرعية” لأنهم يعرفون/لاشرعية ما يُدافَع عنه/. عندها
وقفوا مواربة وبهيئة صديق لتفريغ ثورة الشعب من مضمونها. عندها سارع البعض
لتقديم النُصْح للقاتل بإيجاد حالة تطرف وتنصيبها خصماً ليبرر إجرامه في
قتل الشعب.
لم
يكن نظام القتل ومَن يحميه إقليمياً الأشد خيبة مع خيبة انقلاب تركيا؛ لقد
كان بموازاتهم بعض ممن يدّعون صداقة شعب سورية في الغرب. كما اشترك هؤلاء
بقتل الانسان السوري ها هم جميعاً يشتركون بقتل الانسان التركي؛ ولكن كما
فشل هؤلاء بإخماد الصوت السوري، هاهم يفشلون في إخماد الصوت التركي. لا لوم
حقيقة على القتلة، ولكن اللوم والصدمة هي تجاه هذا الغرب الذي يدعي
الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.
مجلدات
يمكن أن تُكتَب في مقاربة ما حدث في تركيا والارتدادات التي ولّدها
وسيولدها، ولكن ما حدث أعاد الأمل للحرية والديموقراطية ولقوة الشعوب في ظل
سيادة القانون . إن العبارة الأهم التي قِيْلَت في خضم هذا الانقلاب هي إن
العدالة ستأخذ مجراها بحق من خرج على إرادة الشعب… تلك الإرادة كانت
حقيقية غير مزَوّرة أو كاذبة وغير مستندة إلى دعس القانون كما يحدث لدى
المبتهجين. الدرس كبير؛ فالعيش فوق القانون مصيره الدمار؛ والقانون في
النهاية هو المنتصر. عندما وَجدت تركيا مصيرها بالميزان، كان صوت الشعب هو
الأقوى… أقوى من “غولن” ومن “السي أي أيه” ومن “أردوغان”، الذي لا بد له أن
يتذكَر في خطواته الحالية ان من حمى تركيا وديموقراطيتها وأنجاه هو شعب
تركيا وجيشها الحريص عليها وعلى الشعب. بهكذا ناس، نجت تركيا.
Comments
Post a Comment