إيجاد بيئة توعية مضادة بأدوات عميقة التأثير
القراءة تنمّي مجتمعاً صحياً يواجه الأفكار المتطرفة
أجمع الأدباء المشاركون في اجتماعات المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكُتاب العرب الذي اختتم دورته الاخيرة منذ ايام في مدينة العين على ضرورة خلق بيئة توعية مضادة للإرهاب، تحاربه بأدوات عميقة التأثير مثل المسرح والدراما والرواية والشعر والقصة القصيرة والرسم والأغنية ، واكدوا على ضرورة اضطلاع المثقفين العرب بأدوارهم لمواجهة الإرهاب ،و خلق مجتمع صحي يواجه الأفكار المتطرفة من منطلق أن القراءة تساهم بتكبير العقول وتشحنها بالأسئلة الواعية .
حرب مستحقة
فقد أوضح الكاتب الكويتي إبراهيم المليفي ، من خلال ورقته التي حملت عنوان «إعلان حرب مستحقة ضد الإرهاب» أنه ليس من الصعب إغلاق مصنع عقب اجتماع عاصف تتكشف فيه الحقائق الرقمية للملاك بأن الأمور تسير نحو تحقيق الخسارة المؤكدة إذا استمرت العملية الإنتاجية من دون عملية تصحيح فوري، مثل هذه الإجراءات من الممكن القيام بها إذا كان الأمر متعلقاً بمصنع للزجاج أو الأقمشة.
متسائلاً: ولكن هل يمكن اتخاذ نفس الإجراء وتحقيق الأثر الفوري من مصانع تنتج التطرف والإرهاب، وكل مستلزماته القابلة للتصدير مثل خطابات الكراهية والكوادر المهيأة لإنشاء بؤر التوتر حول العالم؟ وأضاف المليفي: لا يمكن لأي دولة القيام بجميع الأدوار والمهام تجاه الأفراد والمجتمع، وخاصة ونحن بصدد الحديث عن الدور المطلوب من الأدب في مواجهة الإرهاب، وفي نفس الوقت من المهم التأكيد على أهمية وجود مساحة كافية من الحرية وفضاء للعمل غير الرسمي الذي يتمتع باستقلالية مقنعة بهدف خلق بيئة توعية مضادة للإرهاب، تحاربه بأدوات عميقة التأثير مثل المسرح والدراما والرواية والشعر والقصة القصيرة والرسم والأغنية.
إن تلك الجهود مهما كانت ضئيلة كفيلة بإنشاء منظومة تسامح مضادة بالتوازي مع المنظومة الرسمية لسد الفراغ الكبير الذي تبرع التنظيمات الإرهابية في استغلاله واستثماره في تجنيد أكبر عدد من الشباب.
وأردف المليفي: قد لا أكون وحيداً في ما أشعر وأفكر عندما أسأل نفسي هذا السؤال: كيف يستطيع الإرهاب تجنيد الكثير من الشباب عن بُعد وإرسالهم إلى المجهول من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؟ إنني أشعر بالتعجب الممزوج بالحنق كلما طرحت هذا السؤال المحير الذي يقود إلى المزيد من الأسئلة المحيرة، كيف استطاع الإرهاب فهم الشباب والتحولات التي طرأت على أفكارهم، في حين عجزت الكثير من الدول بكل مؤسساتها وقدراتها عن الرصد والتحليل عن استيعابهم واستثمار توجهاتهم .
مشيراً إلى وجود حلقة مفقودة، أو ربما غير مفهومة لتفسير ما يحصل، وخصوصاً مع حالات الشباب الذين يعيشون في حياة مستقرة اجتماعياً وجيدة من الناحية المعيشية.
إن الوضع يزداد حيرة وغرابة مع الشباب الذين يمثلون الجيل الرابع من المهاجرين المسلمين في بعض الدول الأوروبية ممن لا يعرفون الكثير عن بلدانهم الأصلية أو القضايا التي تمس المسلمين في بلدان بعيدة عنهم، هؤلاء نجح المتطرفون في اجتذابهم من خلال رسائل إعلامية مركزة من دون الحاجة للاحتكاك المباشر معهم.
مؤكداً أن التحدي الأكبر الذي يواجه الدول التي قررت محاربة الإرهاب هو فهم التحولات العنيفة التي طرأت على الأجيال الرقمية، والتي باتت تفضل رؤية العالم من خلال شاشات الهواتف الذكية وليس عبر أدوات تقليدية. ربما كانت تؤثر في الأجيال السابقة التي كانت تتقبل التطور البطيء في ما ينتج من أدوات الحياة العصرية.
أما اليوم فسمة العصر هي السرعة والمنافسة الشرسة في السوق، وربما كان التحدي الذي يفوق التحدي السابق هو فهم تلك الدول وفعالية أساليبها في قراءة المستقبل، كما أن الحيرة تزداد عندما نعاين حالة التناقض بين الانتعاش الشبابي في الإقبال على الرواية وبالاتجاهين التأليف والقراءة، ولا نجد لذلك الانتعاش أثراً في خلق مجتمع صحي يواجه الأفكار المتطرفة من منطلق أن القراءة تساهم في تكبير العقول وشحنها بالأسئلة الواعية.
ضعف التنوير
وأكد الشاعر والناقد اليمني علوان الجيلاني من خلال ورقته التي حملت عنوان الثقافة في مواجهة الإرهاب، حيوية النسق الظلامي وضعف التنوير المقاوم، اليمن نموذجاً أن محاولات الكُتاب والمثقفين والفنانين للتصدي لهذه الكارثة كانت تواجه من جهة بقمع شديد تقوم به تلك التيارات مسنودة بالسلطة، ومن جهة أخرى فإن الكيان السياسي الذي يؤطر مثل هذه المحاولات كان غائباً، وإن وجد فهو هش قليل الحيلة إزاء استفحال غول الإرهاب واستقوائه بالسلطة والقبلية.
منوهاً إلى أن صحيفة الثقافية (1997 - 2010) واجهت مظاهر الإرهاب قدر استطاعتها، وتعرض رئيس تحريرها وأكثر كُتابها للتكفير، وظلت عرضة لحملات التشهير والحاكمات حتى يتم إيقافها.
الأفكار التكفيرية
ثقافة الحياة ضد ثقافة الموت هي الورقة التي قدمها الكاتب والشاعر عادل الجريدي من تونس، موضحاً أنه لا يمكننا تحصين مجتمعاتنا من فيروس الأفكار التكفيرية من دون أن نخوض معركة العقل والصراع الحقيقي والمصيري بين العقل النقلي والعقل النقدي.
فداعش ومثيلاتها تبحث دائماً عن أرضية ملائمة للنمو بشكل يسير، بغض النظر عن الظرف المادي والاجتماعي للشخص المستهدف. فهي تبحث عن العقول النقلية التي تستقبل الأفكار وتمررها من دون نقاش أو تمحيص، عقول مجردة من سلاح السؤال، مطمئنة إلى سباتها العميق، فإن لم ينكسر التقليد والتقديس، وإن لم يتحرر العقل العربي من ثنائية المدنس والمقدس فلن يبدأ العقل بالنبض والحياة. وطرح الجريدي سؤالاً: هل أصبح المعطى الثقافي العربي عاجزاً عن تطويق الحريق الإرهابي؟.
أدوات
أكد الكاتب الكويتي إبراهيم المليفي في حديثه أن تكون أديباً ومثقفاً وفناناً فهذا يعني أنك تقف عند خط المواجهة الأول ضد الإرهاب، ومواجهة الفكر المتطرف ومحاولة التأثير في المجتمع حرب لا بد من أن يخوضها الأديب والمثقف والفنان وكل مبدع من خلال أدواته التي يجيد استخدامها وتوظيفها وخاصة أنهم يمثلون بأفكارهم النقيض الطبيعي للمتطرفين الذين لا يعترفون بأي قيمة جمالية أو أخلاقية تصدر من غيرهم. وضمن نفس السياق وجه سؤالاً أخيراً: هل المواجهة مع الإرهاب اليوم تعد خياراً قابلاً للنقاش؟.
Comments
Post a Comment